الكولونيل شربل بركات/لبنان بين كلام السفير براك واضاءة الروشة

117

لبنان بين كلام السفير براك واضاءة الروشة
الكولونيل شربل بركات/25 أيلول/2025
اعترض بعض اللبنانيين، وخاصة أعضاء الحكومة ورئيس الجمهورية، على ملاحظة السفير براك حول عدم جدية الحكم بتنفيذ القرارات وبأنه يكتفي بالكلام والتصاريح. وقد قيل الكثير حول هذا الموضوع، لا بل لا يزال الرئيس عون، الذي لم يقدر أن يتوّج رحلته إلى نيويورك بلقاء خاص مع الرئيس ترامب كدلالة، على ما يبدو، لعدم رضى الأخير عن جدية الحكم اللبناني، لا يزال يعتقد بأن الأمور تسير على خير ما يرام وبأن الأميركيين سيعترفون له ببعد النظر والقيادة الناجحة. وقد كان خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أشبه بخطاب الرئيس فرنجية في 14 تشرين الثاني 1974، والذي اعتقد بأنه يمثل الدول العربية في طرحه الحلول لما يسمى بالقضية الفلسطينية، وهو لم ينجح باقناع عرفات ومنظمة التحرير بتجنيب لبنان تلك الحرب التي شنوها على الدولة والتي بدأت في نيسان 1975 أي بعد خمسة أشهر على الخطاب الشهير وأدت إلى تدمير لبنان وتهجير أبنائه وانتظار اسرائيل لتقوم بعملية سلامة الجليل بعد ست سنوات من المعاناة لتخليصه من هذه المنظمة وشرورها. وكأن اللبنانيين لم يتعلموا شيئا من عبر التاريخ ولا من أحداثه.

اليوم وفي بيروت وعلى مرأى من العالم يقوم حزب الله، بالرغم من قرار رئيس مجلس الوزراء بعدم استعمال صخرة الروشة من قبل الحزب لإضاءتها بصور السيد حسن، يقوم بكسر كلمته وتجميع مناصريه بشكل وقح أمام الصخرة وانارتها بما شاء من الصور، لكي يثبت للبنانيين أولا وللعالم بأجمعه ثانيا بأن كلام السفير براك صحيح، وبأن الحكم اللبناني لا يمون على شبر من الأرض، ولن يقدر أن ينفذ أي قرار يتخذه.

يوم قصم ظهر الحزب تحت الضربات الأسرائيلية ولم يعد بقادر على التنفس التجأ إلى الرئيس بري والرئيس ميقاتي لطلب الرحمة من الاميركيين عل اسرائيل تتوقف عن عملياتها، التي كادت أن تنهيه حيث لم يلق أي دعم من أسياده في إيران أو حلف الممانعة وسقط كل رموزه وعناصره ولم يعد يعرف ما يجري، وقبل بكل ما فرض عليه. وبالتالي فُتح مجلس النواب وانتُخب الرئيس “العتيد” الذي قال في خطاب القسم بأن “لا سلاح خارج سلاح الدولة” وبأنه سينفذ المطلوب ليخلّص لبنان من الحروب والشر المتحكم فيه. ولكنه، بعد أن توقّف القصف وخرج من تبقى من قيادات الحزب من تحت الردم، لم يبادر وغيره إلى اتخاذ إي قرار أساسي قد يجمع اللبنانيين والعالم من حوله؛ وهو تحميل الحزب مسؤولية الحرب والتدمير، والقاء القبض على قيادته لتحاكم على فعلتها، وحل هذه العصابة والبدء بجمع الأسلحة، والتنسيق مع الأصدقاء لتلقي المساعدة الفورية والدعم المطلوب لتخليص البلاد من شرورها.

ولكنه لم يفعل، ومن ثم لم يتخذ القرار المناسب باختيار رئيس وزراء قادر أن يتحمّل مثل هذا القرار، ولم يطالب الرئيس بري بأن يتحمّل هو الآخر مسؤوليته عما جرى، كونه كان ساند الحزب، لا بل ترك له أن يقود الطائفة والبلد إلى الخراب. وقد كان على الرئيس بري أن يستقيل من منصبه أو يقود انقلابا داخل الطائفة على الحزب وقراراته وتحالفاته ويزايد على الجميع بوقف أي عمل مسلح فيضمن اعادة الاعمار والانتهاء من السلاح خارج الدولة.

ولكنه لم يفعل، فهل نعتب على الحزب الذي خرج من تحت الركام وبدأ بلملمة أذياله على مرأى من الدولة بكل مسؤوليها، لا بل وبعد أن انتهى دور إيران الأقليمي في حرب ال12 يوم حيث قضي على قادتها وعلماؤها وبرامجها النووية والصاروخية وظهر ضعفها على كل الصعد وفقدت تأثيرها في المنطقة، عاد الحكم ليسمح لأحد رموزها بزيارة لبنان واعطاء رأيه بقرارات الدولة. الحكم اللبناني ومنذ قيام الشيخ أمين بعدم ابرام اتفاق 17 من ايار ارتكب خطيئة عدم التحلي بمسؤولية القيادة وترك الأمور لتدار بالتي هي أحسن. وهكذا فقد تسلّم الحكم بعده موظفون ينتظرون الأوامر للتنفيذ، وهذه الصفة، مهما بلغت قدرتهم على التنفيذ، تمنعهم من اتخاذ القرار. فقد تسلّم ميشال عون الحكم فخرّب البلد وهرب لاجئا إلى فرنسا، ثم تسلّم السوريون البلاد وحكمها غازي كنعان ومن بعده رستم غزالة، وبعد خروج السوريين في 2005 بقي لحود يدير الأمور بدون مسؤولية، حتى وصل موظف أخر هو سليمان الذي تسلّم الحكم لأنه حافظ على شروط حزب الله والسوريين بعدم تغيير وضع “المقاومة”. وسقط البلد مع عودة ميشال عون، الموظف الفاشل في تجربته الأولى، والذي زايد على الحزب من حيث هدم الدولة والمؤسسات. واعتقد الكل بأن الرئيس الجديد سيكون أفضل وسيتخذ القرارات الصائبة، خاصة وأنه يجيء مع تغييرات أقليمية ومساندة عربية ودولية. ولكنه انتظر الأوامر، ولم يعرف أن يبادر لتنفيذ الهدف المناط برئيس جمهورية لبنان، وهو تخليصه من العصابات والشرور، والاتفاق مع الجيران على عدم الاعتداء، ثم الصلح وتجربة العلاقات السلمية التي تؤدي إلى التعاون والتطبيع الكامل بين الجميع، بعد النجاح بحفظ الأمن والدفاع عن الاستقرار، ومن ثم التخطيط للانفتاح بخطوات ثابتة تؤمن مصالح المواطنين، ورؤية بعيدة المدى تسهم بالازدهار والتطور.

لبنان ليس بحاجة لموظفين، ولو كانوا على قدر من نظافة الكف والصدق بالنوايا، ولكنه بحاجة لقادة وزعماء لديهم رؤية مستقبلية تُخرج البلد من الصراعات الضيقة وتدخله في عالم التطور والحداثة والتعاون، فكفاه نظريات قادمة من العصور الغابرة، وأحقاد تعيش عليها عناصر متخلفة، وطفيليات تعتاش على التنقل بين من يدفع لها أكثر، ولا يهمها نتائج أعمالها. إن التحلي بالمسؤولية في اتخاذ القرارات الصائبة في محلها ووقتها يمنع الخسائر الجسيمة التي تنتج عن التردد وترك الأمور تجري على هواها واستدراك الأخطاء بعد أن تظهر نتائجها. فهلا نسمع نصائح من يريد لنا الخير ونلتحق بقطار التقدم؟ نصيحتنا إلى الرئيس أن يبقى في نيويورك يحتفل بلقاء اللبنانيين لأن العالم لن يكترس له ولا للبنان بعد اليوم، والحزب الحاقد سيعيد تدمير ما لم يتهدم بعد، ونحن نخاف أن يقصف القصر الرئاسي والحكومي هذه المرة وليس فقط البنى التحتية ومخازن الأسلحة والثكنات العسكرية، لأن من يسكنهما لا يعرف التمييز بين التمني والواجب، بين الحلم ببناء دولة عصرية آمنة ومتطورة تخطط لمستقبل الأجيال، وبين الأحلام الجميلة التي لا تقلق الصغار ولا تزعج العجائز.

Share