
في الذكرى الأولى لغيابه نتابع استذكار انجازات السيد حسن
الكولونيل شربل بركات/22 أيلول/2025
نحن، وكما قالت زوجة تشارلي كيرك أمس أثناء جنازته، التي شارك فيها الرئيس الأميركي وأبرز أعضاء الادارة إضافة إلى حوالي مئة ألف شخص وصلوا إلى غليندال – أريزونا عدى عن الملايين الذين تابعوا الحدث عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، ومن منطلق ثقافتنا المسيحية التي زينت الحضارة الانسانية منذ الفي سنة، نطلب من الله أن يغفر للقتلة ويرأف بهم. وكما هي الحال مع قاتل كيرك، الذي لم يتمكن من فهم رسالته الانسانية ولا دعوته لكل من يهدم الحضارة ويزيد البعد بين الناس، نصلي للسيد حسن نصرالله وربعه الذين لا يزالون ينطلقون كل يوم إلى الطرف الآخر لتقديم الحساب أمام حضرة الله الذي نعرف جيدا بأنه يجازي الأخيار ويعاقب الأشرار، أن يترأف بهم ويرحمهم، ليس فقط لأفعالهم الحاقدة ولمشاركتهم بنشر الشر والمتاجرة بالتباعد وتوزيع شعارات التفرقة ودفع الناس إلى المزيد من القتل والعنف، إنما أيضا للضرر الذي صنعوه بأبناء الطائفة الشيعية الكريمة في لبنان خاصة، بعزلها عن البقية ودفعها إلى اعتماد حضارة الحقد والتقوقع خلف سواد نظرياتهم ومظاهرهم وأفكارهم وتصوير كل من حولهم بأنهم أعداء الله وأعداءهم، وتعويد الأجيال التي تربت في معاهدهم على مبدأ مد اليد والأخذ بالقوة.
لقد هدم حزب الله، والله يتبرأ من هذا الحزب الحاقد وأمثاله ممن يسمون الاخوان المسلمين وبعض التنظيمات المشابهة التي تمجّد ثقافة الموت والحقد واستباحة قتل الآخرين تحت أعذار شتى، هدم كل ما بناه انفتاح لبنان وتفاعل مجموعاته الحضارية وثقافة الحياة التي شكلت أعمدة تراثه وأسس قيمه خلال تاريخه الطويل، وقد حمى خلاله الضعفاء والمضطهدين وأعطاهم فرصة الاستمرار ومن ثم التعاون ولو اختلفت المعتقدات. ثم جاء هذا الحزب وأسياده من ملالي إيران، الذين يريدون السيطرة على الشعوب من حولهم، ليعيدهم إلى مجاهل التاريخ ويقطع كل تواصل بينهم ويعلّمهم أن يكونوا وقود الحروب للدفاع عن نظام بالي لا يؤمن إلا بالدم.
تكلمنا في مقال سابق عن أبرز انجازات السيد وفصّلنا بعضها والدوافع خلفها، لكي يعرف القارئ بأن ما يتبجّح به البعض ليعمي عيون الاتباع ليس سوى غبار تظهر خلفه الحقيقة بكل وضوح. وسنكمل اليوم جولتنا على انجازات أخرى لم تذكر في المقال السابق، وقد أدت إلى المزيد من الخراب والدمار والمآسي التي تحمّلها اللبنانيون على تعدد مشاربهم ومعتقداتهم ومناطقهم. الانجازان الأول والثاني كانا أديا إلى عمليتين من قبل اسرائيل راح ضحيتها الكثير من الأبرياء بدون سبب إلا أوامر نظامي ايران وسوريا لنسف مشاريع الحلول التي كانت تتقدم ولو ببطئ بين الفلسطينيين واسرائيل. أما الانجاز الثالث الذي ذكرناه فكان يتعلق بالمشروع النووي الإيراني والضغوطات التي يتعرض لها النظام في طهران، وكانت النتيجة دمار لبنان ومقتل أبناء الطائفة الشيعية.
ولم نذكر انجاز ما سمي “بالنصر والتحرير” وهو الاتفاق مع الاسرائيليين على حماية الحدود عند انسحابهم من لبنان سنة 2000. ومع أن هذا التصرف كان يمكن أن يؤدي إلى نتائج ايجابية؛ كأن يعود الجيش اللبناني لتأمين الحدود الدولية والالتزام باتفاقية الهدنة الموقعة سنة 1949 وبالتالي اجراء مصالحة بين أبناء المنطقة الحدودية ومن ساند الحزب خارجها، والانتهاء من ما يسمونه “المقاومة” لأنها، كما يقولون، توصلت إلى “تحرير” الأرض وانتهى دورها العسكري، لينشأ ربما دورا انمائيا تطوعيا لبناء قدرات المنطقة الجنوبية والانتقال بها من حالة الحرمان إلى حالة الرفاه فتنافس القرى الاسرائيلية المحازية للحدود من جهة الجنوب بالانتاج والتقدم. ولكن القرار كان اختراع “مسمار جحا” وهو ما سمي “بمزارع شبعا” والانتقال إلى حالة استمرار التسلّح والتدريب والعمل باتجاه السيطرة على دول المحيط، فلا يمكن التخلي عن مستودع من الطاقات يمكّن النظام الإيراني من استعماله، ليس فقط في دول الخليج الغنية لقلب أنظمتها، انما ايضا حول العالم باستغلال الانتشار اللبناني السلمي والناجح اقتصاديا لخلق خلايا نائمة والقيام بأعمال ارهابية وبناء اقتصاد غير شرعي مبني على تهريب المخدرات حول العالم.
أما الانجاز الأهم في تلك المرحلة فهو قيام الحزب، بعد خروج السوريين ولمنع شفاء لبنان من أمراض الهيمنة والاستغلال، بسلسلة عمليات قتل واغتيالات شملت رئيس الوزراء (رفيق الحريري) والوزراء (باسل فليحان وبيار الجميل ومحمد شطح) والنواب ( وليد عيدو أنطوان غانم) وأمين عام الحزب الشيوعي (جورج حاوي) والصحافيين (سمير قصير وجبران تويني) والضباط (وسام عيد وفرنسوا الحاج ووسام الحسن والطيار سامر حنا) ومحاولة اغتيال النائب مروان حمادة والصحافية ماي الشدياق والوزير الياس المر وصولا إلى اغتيال الناشط الشيعي هاشم السلمان أمام السفارة الإيرانية والباحث الشيعي ايضا ابن الضاحية الجنوبية لقمان سليم في سيارته بالرصاص اضافة إلى عدد من جنود من القوات الدولي. كل هذا لكي يسود جو من الارهاب بين اللبنانيين يمنعهم ليس فقط من المطالبة بتنفيذ القرار الدولي 1559 الذي يدعو إلى حل المليشيات وعلى رأسها هذا الحزب، لا بل بالكلام عنه أو مجرد ذكره، ولو أنه شكّل فيما بعد اساس القرار 1701 الذي أوقف حرب تموز والتي كادت أن تقصم ظهر الحزب فخرج ينادي “بالنصر الالهي”.
وكان الانجاز الذي تلى حرب تموز هذه، وكل ما جادت به ايادي دول الخليج الصديقة للتعويض على اللبنانيين المتضررين من قرارات الحزب واعادة الاعمار واعطاء حكومة السنيورة الحزب دورا فيها، وبالرغم من وقوف هذه الحكومة ضد تنفيذ القرار الدولي المرتكز على القرار السابق 1559 تحت البند السابع ما يعني انهاء الحزب وسلاحه، كان قيام هذا الحزب باحتلال وسط بيروت لاسقاط الحكومة وبالتالي وبعد سنتين على هذا الاحتلال نفذ في السابع من ايار 2008 عملية القمصان السود التي أدت إلى احتلال بيروت بما أسماه الأمين العام للحزب السيد نصر الله “باليوم المجيد”.
بعد هذا “اليوم المجيد” كان اتفاق الدوحة الذي أعطى الحزب سيطرة على اية حكومة مستقبلية بما سمي “الثلث المعطل” الذي عطّل الحكم فعليا وأدى إلى سيطرة دويلة الحزب على الدولة. ومن ثم بدأت عملية القضم الممنهج لمقدرات الدولة ونمو الاقتصاد الموازي للمليشيا الإيرانية وسقوط المؤسسات والنظام العام بأكمله. ثم جاءت الحرب السورية لتكمل المشهد ونظرية النائب رعد بموضوع الحوار الوطني ومقرراته والتي تلخص بمقولة “بلّو واشرب ميتو”. وبالتالي اندفاع الحزب الكلي لمساندة نظام الأسد ضد السوريين وتدمير المدن والقرى في سوريا بناء للأوامر الإيرانية وتهجير أهاليها والسماح بانشاء مخيمات للاجئين السوريين في لبنان، وكأن لبنان لم يكتف بالاجئين الفلسطينيين ويتعلم الدرس.
وإذ تغاوى الحزب بمنجزاته وسيطرته على الدولة فتح حروبه على الدول العربية؛ فتدخل بخلق أحداث البحرين والقطيف في شرق السعودية، ومن ثم في اليمن بخلق وتدريب ميليشا الحوثي، التي حاربت السعودية من الجنوب الغربي وأطلقت الصواريخ على خطوط نقل النفط التابعة لشركة أرامكو السعودية، لا بل استهدفت مكة المكرمة وجوارها وحتى دولة الأمارات، عدى عن تدخله في الكويت وغيرها من دول الخليج، ما أدى إلى طرد الكثير من اللبنانيين الشيعة المسترزقين والعاملين بكل جهد في هذه الدول من وظائفهم ليزيد تعلقهم بالحزب المسيطر على كل مصادر المعيشة وأسباب الارتزاق. ولم يكتف الحزب بهذا بل شن حربه الاجتماعية على هذه الدول الصديقة بتصنيع وتوزيع المخدرات بواسطة شبكاته العاملة في أميركا الجنوبية وحبوب الكبتاغون التي اقام مصانع لها في سوريا ومناطق سيطرته في لبنان لتصبح الآفة التي تعاني منها دول المنطقة، ما أدى إلى توقف هذه الدول عن استيراد المنتجات اللبنانية بعد طرد الموظفين والعمال.
ولاكمال القضاء على دولة لبنان والحلول مكانها، ضرب الحزب النظام المصرفي ما أدى إلى انهيار الاقتصاد اللبناني بأكمله وهبوط العملة وتوقف أنواع الدعم الخارجية لدفع اللبنانيين إلى الهجرة وافراغ البلاد، فيبقى وحده وعناصره التي تدير شبكات التهريب وتتكل على المال الإيراني والاقتصاد المستقل الذي أنشأه بتوجيهات الحرس الثوري. ويصبح لبنان التاريخي بكل فئاته تابعا لهؤلاء يحكم من طهران ويعيش فيه ثلة من المرتزقة التي تنتظر أوامر جماعة الولي الفقيه وتسارع للتنفيذ بدون تردد.
وفي حربه ضد السوريين اخترع نظام الأسد، بمشاركة حليفه الإيراني بعد منعه من استعمال الغازات السامة، نظاما جديدا من التفجيرات المشابهة لتفجير السيارات التي كان برع فيها، وهي البراميل المتفجرة التي تلقى من الطائرات. وهنا كان عليه استيراد مواد متفجرة اضطر أن يستقدمها إلى ميناء بيروت بالحيلة ويخزّنها في العنبر رقم 12 الموازي لإهراءات القمح. وأصبحت هذه بتصرفه ينقل منها ما يشاء باتجاه سوريا أو اية وجهة أخرى وقد اكتشف بعضها في قبرص وفي الكويت وفي المانيا وغيرها من الدول التي كان الحزب واسياده يريدون استعمالها من قبل الخلايا النائمة عند الحاجة.
ولما قام اللبنانيون بالاعتراض على تصرفات الحزب وكانت التحركات والمظاهرات في ساحة الشهداء، اعتبر الحزب بأن بيروت تتحرك ضده فقرر أسياده تهجير سكانها، وافتعلوا تفجير ما تبقى من نيترات الأمونيوم في المرفأ، ما أدى إلى كارثة كبرى على أحياء كاملة من بيروت، وتسبب بعدد كبير من القتلى والدمار والتهجير، فحاول وأسياده أن يشتروا البيوت المدمرة من اصحابها لاسكان جماعات موالية كما فعلوا في سوريا وتحويل الديموغرافيا لصالحهم.
كل هذا كان قبل عملية “طوفان الأقصى” التي كان الحزب وأسياده يعتبرون بأنها سوف تقضي على اسرائيل وتعيد اليهود إلى الدول التي أتوا منها، فهي “أوهى من بيت العنكبوت” بحسب السيد، ولن تصمد أكثر من سبع دقائق بحسب اسياده في طهران، لا بل عندما تكلّم السيد عن قوات الرضوان المجهزة لاحتلال الجليل كان يعتقد ربما، بأنه مع هجوم حماس في الجنوب الغربي وصواريخ الحشد الشعبي العراقي وقواته من الجبهة السورية ومع تدخل الحوثيين لاشغال اساطيل الدول في البحر الأحمر، سوف يتم القضاء على هذه الدولة بسهولة والقاء اليهود بالبحر. وقد بدى مقتنعا بما يقول لا بل مصمم على حشد قواته لذلك التاريخ. ولكن القرار الإيراني بفتح الجبهة في نفس الوقت مع حماس تأخر لسبب مجهول، واكتفى السيد بالتحرش ولو أن الهجوم المضاد لم يبدأ إلا بعد 20 يوما أي في السابع والعشرين من تشرين الأول، بينما بدأ السيد بتحرشاته في اليوم الثاني على العملية اي الثامن من تشرين الأول.
سنكمل الكلام في مقال آخر ولكننا أردنا أن نوضح بعض النقاط التي يجب أن يعرفها القارئ من أجل فهم الأمور كما هي ولكي لا يعتقد أحد بأن الخطابات الرنانة والكاريزما أو زيادة الحقد وحدها تربح الحروب أو تنسي الناس مساوئ القرارات التي تتحكم بمصيرهم. ومع ذلك نكرر دعوتنا إلى المسامحة أمام الله من دون السماح باستمرار الغلط والاعتقاد بأن الكذب والتباكي يلغي الحقيقة أو يخفيها. وإذا لم يقم ابناء الطائفة الشيعية بتصليح الوضع ورفض هؤلاء الذين أضروا بهم وبلبنان فلا بد أن تتخذ اجراءات تكفل عدم قيام مثل هؤلاء بتكرار أعمالهم أو استغلال سذاجة المواطنين في المستقبل.
مقتل كيرك أثار ردودا إيجابية بالنسبة للانفتاح وتقبل الآخر وحرّك بإيجابية المشاعر الدينية المهمة لتعاون البشر ضد الشر والقتل والعنف، ولكن في بلادنا يحاول المحتفلون بالذكرى السنوية لغياب السيد وربعه زيادة فرص التحدي واختراع أسباب للصراع والعنف والاستمرار بالحروب التي لا تنتهي. فهل من أمل أن يشرق على هذه البلاد نور من السماء يفتح العيون ويوقف الصراعات؟