الكولونيل شربل بركات/على ماذا يراهن حزب الله في مواجهته لقرارات الحكومة الحالية؟

0

على ماذا يراهن حزب الله في مواجهته لقرارات الحكومة الحالية؟
الكولونيل شربل بركات/06 أيلول/2025

حزب الله الذي آمن بقدرات النظام الإيراني للسيطرة على الشرق الأوسط وجنّد إلى جانب الطائفة الشيعية في لبنان الكثير من الشيعة العرب، خاصة في العراق وسوريا والكويت والبحرين والقطيف السعودية وحتى حوثيي اليمن، وساهم في نشر مبادئ الامام الخميني ومن بعده الخامنئي، تلقى ضربة قاضية في “حرب الاسناد” التي أرادها كالعادة حربا اعلامية يُظهر فيها قوته وتماسك عناصره وجبهته ومناوشة اسرائيل عسكريا للسماح له باطلاق العنان للخطابات الرنانة والادعاء بالقدرة التي تسيطر على عقول الشارع العربي وتسمح بالتلاعب بعواطفه المبنية على معاداة الدولة العبرية.

حزب الله وزعيمه المغفور له السيد حسن نصرالله، الذي سيُحتفل بمرور سنة على مقتله نهاية الشهر تحت الردم اثناء قصف الطائرات الأسرائيلية لمعقله في الضاحية الجنوبية لبيروت، كان شغل وسائل الاعلام بكاريزميته وطلته وبسمته الساخرة من القوى الكبرى ومن ضمنها اسرائيل. ولا نزال نذكر نظرية “الشاكوش” الذي يرعب الجار الجنوبي ونظرية “أوهى من بيت العنكبوت” التي أتحف العالم بهما. وهو في اليوم الثاني لعملية “طوفان الأقصى”، التي قامت بها شريكته في الممانعة منظمة “حماس” الارهابية، وقبل أن تستفيق اسرائيل من وهلتها وتلملم جراحها وتتخذ الاجراءات لحماية شعبها، قرر الانضمام “لحرب الاسناد” التي رسم فيها حدود الردود والتصرف لاسرائيل بما اسماه “قواعد الاشتباك” معتقدا بأنها سوف تلتزم بها كما عوّدته يوم كانت تحاول عدم الدخول في مواجهة مباشرة معه. فإذا بها، وبعد أن قصمت ظهره بعدد الاغتيالات لقادة وحداته، ثم توجتها بعملية “البيجر” المبهرة اعلانيا، لاحقته شخصيا وقتلته ومن ثم منعت الوصول إلى جثمانه مدة كافية للتأكد من وفاته، وقتلت بعده بنفس الطريقة نائبه الذي تسلّم القيادة من بعده مع القادة الإيرانيين من جماعة الحرس الثوري الذين رافقوهما بدون تردد، ما جعل جماعته وأسياده في إيران يهيمون على وجوههم ويستجدون تدخل إي كان لوقف آلة القتل التي تلاحقهم، ولم يبقَ لهم أي عنوان يختبئون خلفه وقد تهدّمت البيوت على رؤوس أهلها وتهجّرت البيئة المساندة وتفرّق المقاتلون في كل صوب. هنا ظهر الاستاذ نبيه “الساحر الشيخ”، والذي ضرب الرقم القياسي في الحفاظ على موقع رئيس المجلس النيابي في بلد يدّعي الديمقراطية، وطلب توقيف القتال مع القبول بكل الشروط والموافقة على ما تمليه اسرائيل وتقره الولايات المتحدة. وكان أقل الإيمان أن يستسلم الحزب ويسلم سلاحه للاسرائيليين بشروط مذلة يتعلّم من خلالها كل متغطرس كيف تكون نهاية “من لا يحسب خط الرجعة”.

ولكن الولايات المتحدة التي يهمّها مستقبل اللبنانيين حاولت ان تحفظ للأستاذ والطائفة ماء الوجه، وليس للحزب، فقبلت بأن يتم انتخاب الرئيس وتتألف حكومة يتمثّل فيها الشيعة فيشعرون بأنهم لم يُستبعدوا من الحلول. ولكن من تسلّم الحكم لم يفهم الموضوع، واعتقد بأن المطلوب اعادة العمل كالمعتاد بنظرية الثنائي الشيعي، وهكذا تناسى الجميع ما قام به الحزب من تخريب وتدمير للصيغة اللبنانية وللبنى التحتية والفوقية وحتى من تم قتلهم تحت الأنقاض ولم يدفنوا بشكل لائق حتى اليوم، وصار الحديث عن قبول أو عدم قبول الحزب الالتحاق بمشروع الدولة. ثم استفاقت إيران الملالي على الوضع الجديد وقررت أن تستعيد دورها في اللعبة الدائرة ولم تتعلم دروس الحرب. وها هو لاريجاني يزور لبنان ويطلب إلى الحزب استعادة دوره التخريبي للنظام في المنطقة بدءً من لبنان. من هنا تجرّؤ الحزب على الدولة ووضعه الشروط. ولم يكن موقف الرئيس بري، الذي حُسب له قبوله بكل الشروط المفروضة لوقف النار، مشرفا وإذا به يعاند لا بل يهدد بالمواجهة في الشارع.

الحكومة على ما يبدو اتخذت قرارا صائبا لأول مرة؛ وهو التمسك بحصر السلاح بأيدي القوى التابعة للدولة، وبالتالي طلبت من الجيش تحضير خطة لجمع هذا السلاح، واصرت حتى الآن على موقفها المدعوم من المجتمع الدولي. ولكن الرئيس بري لم يكن واضحا، فهو لم يطلب من وزرائه، ليس فقط البقاء في الاجتماع الحكومي والموافقة على خطة الجيش، بل الاصرار على الحكومة للشروع بالتنفيذ بأسرع وقت ممكن لكي يضمن استمرار مستقبل البيئة الشيعية وعودة النازحين والبدء بتحضير خطة اعادة اعمار يدعمها المجتمع الدولي، الذي يجب أن يشعر بأن هناك ندم حقيقي على فعلة الحزب، وأنه لا يمثل الشيعة اللبنانيين بأي شكل، وجل ما في الأمر هو أن قرار الشيعة كان مصادرا من قبل نظام الملالي وحرسه الثوري وعملائهم المحليين، وأنهم فرضوا على الشيعة اللبنانيين أن يجاروهم إن بالتهديد أم بالوعيد لا فرق، وقد أغدقوا على الحزب الكثير من الأموال لمصادرة قرار الطائفة وزجها بمعركة ليست معركتهم. ولكن الاستاذ ومن يلف لفه لا يبدو بأنهم يقرأون الواقع وهم لا يزالون تحت وهج الماضي بدءً من المفتي قبلان إلى بعض رفاقنا الضباط الأشاوس وبقية المنظرين والاعلاميين في الطائفة، ما عدا قلة من الشجعان الأحرار الذين يشهد لهم مواقفهم حتى خلال سيطرة الحزب.

الحزب سقط ويجب أن يحاكم كل مسؤول فيه، ليس فقط على الماضي بل على ما قاموا به مؤخرا من تهديد للسلم الأهلي، وعلى الحكومة مسؤولية اعادة تأهيل واسعة لأبناء الطائفة المغرر بهم، ولكن بعد سجن زعماء الحزب أو طردهم من البلاد، لكي يفهم البقية خطورة هكذا أعمال فلا يتجرأ أحد مستقبلا أن يقوم بما قاموا به.

الحزب يحاول أن يكسب الوقت معتقدا بأن نظام طهران قد يتمكن من فرض نفسه مجددا على الساحة الدولية، إما بالاتفاق مع المجتمع الدولي لاعطائه فرصة أخرى أو ربما بتسريع العمل لصنع قنبلة نووية قد تعطيه القدرة على المناورة وفرض الشروط مجددا، وهو من سابع المستحيلات. ولذا يحاول ما أمكن اطالة عمر جماعة الممانعة، إن في اليمن أم في العراق أم في لبنان للمساومة عليهم في حالة فقدان الأمل، ولكن محاولته الجديدة ستبوء بالفشل، وعمره سيقصف قبل تغيّر الطقس، وربما قبل نهاية هذا الشهر. فهل ستكون نهاية الحزب في لبنان فاقعة وسيذل علناً من اذل الطائفة الشيعية؟ أم أن إيران ستتخلى عن نظام الملالي بدون الكثير من الجهد ويسلّم الحزب وأسلحته وقادته بدون الحاجة للكثير من العناء؟..

Share