web analytics
Home أرض، تاريخ لبناني ومسيحي وعجائب/Land,Lebanese- Christian History & Miracles الياس بجاني/من هو القديس مار سمعان العامودي الذي نحتفل اليوم في 01...

الياس بجاني/من هو القديس مار سمعان العامودي الذي نحتفل اليوم في 01 أيلول بذكرى عيده السنوية

4

من هو القديس مار سمعان العامودي الذي نحتفل اليوم في 01 أيلول بذكرى عيده السنوية
الياس بجاني/01 أيلول/2025

اضغط هنا لقراءة المقالة باللغة الإنكليزية/Click here to read the English version of the below piece

يعتبر الراهب القديس مار سمعان العامودي من أبرز الرهبان النساك الذين مارسوا الزهد بطريقة فريدة في تاريخ الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية الشرقية اللتين تحتفلان بعيده السنوي بتواريخ مختلفة. الكنيسة الأرثوذكسية، بما في ذلك الكنائس الكاثوليكية الشرقية ومنها الكنيسة المارونية تحتفل بعيده في الأول من أيلول من كل سنة، في حين أن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية تحتفل بعيده في الخامس من كانون الثاني في كل سنة.

تاريخ ومكان الميلاد والوفاة
ولد سمعان العامودي حوالي عام 388 للميلاد في قرية سيسان (أو سيس) التابعة لمدينة أنطاكية في شمال سوريا، وهي حاليًا تقع في الأراضي التركية القريبة من الحدود السورية. ولد لعائلة بسيطة تعمل في رعي الأغنام. أما تاريخ وفاته، فهو في الثاني من أيلول عام 459 للميلاد، بعد أن قضى حياته في التقشف والعبادة

بداية رحلته الرهبانية
بدأت رحلة سمعان الروحية في سن مبكرة عندما كان في الثالثة عشرة من عمره، حيث دخل ديرًا بالقرب من مسقط رأسه. كان شديد الحماسة في ممارساته الروحية، مما أثار قلق الرهبان الآخرين، فكان يصوم بشكل مفرط ويقوم بصلوات طويلة ومن أبرز القصص التي تُروى عنه في تلك الفترة أنه قام بربط حبل خشن من الليف على جسده، مما أدى إلى جروح عميقة، وعندما اكتشف رئيس الدير ذلك، طلب منه أن يترك الدير، لاعتقاده أن ممارساته المتطرفة قد لا تكون مناسبة للحياة الرهبانية الجماعية. بعد مغادرته للدير، اتجه سمعان إلى الحياة النسكية الفردية في الصحراء، فقضى فترة في عزلة تامة، ثم انتقل إلى منطقة جبلية، حيث قام بتكبيل نفسه بسلاسل حديدية، ولكنه تخلى عن ذلك بعد فترة استجابةً لطلب أحد الأساقفة.

الحياة على العامود (العمود)
في عام 423 للميلاد، اتخذ سمعان قراره الذي اشتهر به عالميًا: قرر أن يعيش فوق عمود. بدأ بعمود قصير، ثم قام ببنائه تدريجيًا ليصبح أعلى وأعلى. آخر عمود عاش عليه كان ارتفاعه حوالي 15 مترًا. كانت الحياة فوق العمود بمثابة تحدٍ جسدي ونفسي لا يُصدق. كان معرضًا للبرد القارس والحر الشديد والرياح والأمطار، وكان لا ينام إلا لفترات قصيرة جدًا. لم يكن ينزل عن العمود إلا نادرًا، وعندما كان يفعل ذلك، كان يعود إليه بسرعة. قضى سمعان على العامود ما يقرب من 37 عامًا حتى وفاته.

ماذا أراد أن يوصل من عيشه على العامود؟
لم تكن حياة سمعان العامودي على العامود مجرد فعل غريب أو جنوني. لقد كانت رسالة عميقة الجذور في الإيمان المسيحي وهو أراد أن يوصل من خلالها عدة رسائل:
*التطهير من الخطايا: كان يعتقد أن العيش في هذه الحالة من الزهد القاسي يساعده على التطهير من خطايا الجسد والوصول إلى نقاء روحي عالٍ.
*التفرغ الكامل للعبادة: كان العيش على العامود يمنعه من أي تشتيت دنيوي، مما يتيح له التفرغ التام للصلاة والتأمل في علاقته مع الله. كان يرى في نفسه “ملاكًا على الأرض”.
*شهادة حية للعالم: في زمن كان فيه الإيمان يتعرض لتحديات، كانت حياة سمعان بمثابة شهادة حية على قوة الإيمان والتفاني. كان الناس يأتون من كل مكان ليشاهدوه ويسمعوا منه، وكانوا يتأثرون بتفانيه.

أهم أقواله وأفعاله
لم يُعرف عن سمعان أنه ترك كتابات مطولة، لكن أقواله وأفعاله كانت تتردد بين تلاميذه والزوار ومن أهم ما يُنسب إليه:
*الصلاة الدائمة: كان يؤكد على أهمية الصلاة بلا انقطاع، معتبرًا إياها السبيل الوحيد للتواصل مع الله.
*الوعظ والتعليم: على الرغم من عيشه فوق العامود، كان يعظ الزوار ويعلمهم مبادئ الإيمان المسيحي. كان الناس يأتون إليه طلبًا للمشورة الروحية، وكان يجيبهم بصبر وحكمة.
*حل النزاعات: كانت شهرته تصل إلى أماكن بعيدة، وكان الأمراء والملوك يطلبون منه أن يحل النزاعات بينهم، مما يدل على أن تأثيره لم يقتصر على الأمور الروحية فقط. كان يُنظر إليه كقاضٍ روحي عادل.
*الأعمال المعجزية: تُنسب إلى سمعان العامودي العديد من المعجزات، مثل شفاء المرضى، والتنبؤ بأحداث مستقبلية، وإخراج الأرواح الشريرة.

هل القديس سمعان العامودي مطوب في الكنيسة الكاثوليكية؟
نعم، القديس سمعان العامودي مطوّب كقديس في الكنيسة الكاثوليكية وهو يُعتبر قديساً مشتركاً بين الكنيسة الكاثوليكية، والأرثوذكسية الشرقية، والكنائس الأرثوذكسية المشرقية، والكنائس الكاثوليكية الشرقية.
وضع التطويب: تم تكريم القديس سمعان العامودي كقديس من قبل الكنيسة الكاثوليكية، ويُشار إلى تطويبه بأنه تم “قبل المجمع” (pre-congregation)، مما يعني أن قدسيته تم الاعتراف بها في فترة مبكرة جداً من تاريخ الكنيسة قبل وجود عملية التطويب الرسمية الحديثة.

تأثيره وذكراه
التأثير: تُظهر النقوش والآثار التاريخية في أوروبا، وخاصة في روما، أن القديس سمعان كان يُكرّم بشكل واسع في الغرب أيضاً، مما يؤكد مكانته كشخصية إيمانية عظيمة تتجاوز الانقسامات اللاحقة بين الكنائس.
كانت حياة القديس سمعان العامودي مصدر إلهام للكثيرين. بعد وفاته، تم بناء كنيسة ضخمة حول العمود الذي عاش عليه، تُعرف باسم “كنيسة مار سمعان العمودي”، والتي تُعتبر واحدة من أهم المعالم الأثرية المسيحية في العالم.
لم يتبعه الكثيرون في طريقة الزهد التي اتبعها، ولكن حياته بقيت رمزًا للتفاني المطلق والتضحية من أجل الإيمان.
إن القديس سمعان العامودي هو مثال حي على أن الإيمان يمكن أن يدفع الإنسان إلى تجاوز الحدود الجسدية والنفسية لتحقيق هدف روحي أسمى. إنه قديس فريد من نوعه، ولهذا السبب، لا تزال الكنيسة تحتفل بذكراه وتُكرمه حتى يومنا هذا.

**الكاتب ناشط لبناني اغترابي
عنوان الكاتب الألكتروني
Phoenicia@hotmail.com
رابط موقع الكاتب الألكتروني
https://eliasbejjaninews.com

Share