المنطقة العازلة في الجنوب اللبناني ومردودها الإقتصادي على الإستقرار والإعمار والأمن
الكولونيل شربل بركات/26 آب/2025
تقوم الأمم المتحدة حتى اليوم بتوظيف مواطنين جنوبيين للعمل معها في الأمور اللوجستية والادارية وهي في نفس الوقت تسهم ببعض المشتريات في الدورة الاقتصادية لتلك القرى الجنوبية وبالتالي تؤمن بعض الاستقرار الاقتصادي للمنطقة، يضاف إليه ما كانت تدفع المليشيات الإيرانية للعناصر من أبنائها التي تعمل بامرتها وما تصرفه أيضا على بعض المؤسسات لتأمين دعمها المتواصل لفكرة ما تسميه المقاومة، وهذه مجتمعة اضافة إلى الانتاج الزراعي الذي تطور بعض الشيء بواسطة مؤسسات عالمية مثل USAID وغيرها سعت لتنويعه ليصبح أكثر قابلية للتصريف جعلت المنطقة تزدهر بعض الشيء قبل حرب الاسناد. وبالعادة يسهم الازدهار بالاستقرار ومنع المشاكل والحروب، فالناس تخاف على مقتنياتها من الضياع، ومن هنا تتمسك أكثر فأكثر بالقوانين التي تحمي الاستمرارية، لولا أن ما تدفعه المليشيات التي تأتمر بأوامر خارجية لها مصلحة بهذه الحروب يؤثر سلبيا في قرارات الناس بمنع الاعتداءات التي تجر إلى ردود لا يحمد عقباها.
من هنا فإن من يسعى للسلم يجب أن يسهم في الاستقرار وبالتالي في عملية الانتاج والعمران التي تتبعها، لتكون هذه العملية مواكبة بشكل دائم للتطور والتقدم والتعاون لما فيه مصلحة السكان في المنطقة الجغرافية التي نتكلم عنها. ولا تدخل أعمال العصابات والتهريب ضمن ما يسمح بالاستقرار لأن الأموال الناتجة عنها هي مداخيل غير ثابتة والعمليات التي ترافقها هي عمليات مؤقتة، من هنا عدم الاعتماد عليها وإدخالها ضمن الحركة الاقتصادية التي تسهم بالاستقرار لا بل بالعكس فهذه تسهم بشكل كبير بعدم الاستقرار.
عندما قرر رئيس الوزراء الأسرائيلي ايهود باراك الانسحاب من جنوب لبنان سنة 2000 وجّه مكتب لبنان في وزارة الدفاع الاسرائيلية سؤالا إلى اللجان المدنية عن مستقبل المنطقة وما هي مطالب السكان للاستمرار بالعيش بشكل طبيعي فيها، وكان موضوع انشاء منطقة صناعية حرة على طول الحدود هو أحد المطالب التي رفعت يومها للمكتب المذكور، حيث استند تصوّر الأهالي حول ضمان الجيش اللبناني للأمن على طول الحدود لمنع الاعتداءات، ولكن ماذا يكفل عدم نزوح الأهالي للداخل للتفتيش عن المداخيل؟ ومن هنا كانت فكرة انشاء منطقة صناعية حرة، أي معفية من الضرئب ومفتوحة على استثمارات عالمية لتشجيع اقامة مراكز انتاج فيها، حيث يمكن استيراد موادها الأولية عبر مرفأ الناقورة كما يمكن تصدير منتجاتها عبر نفس المرفأ، أو برا إلى لبنان أو اسرائيل على السواء، على أن تدفع الرسوم إلى هذه الدول على ما يدخل إليها من بضائع، ومن هنا تسميتها بالمنطقة الحرة تشبّها بما كان يقوم في مرفأ بيروت. هذه المنطقة كفيلة باستيعاب عدد كبير من سكانها الذين يملكون أراض وبيوت ويهمهم الاستقرار على طرفي الحدود لضمان استمرار عيشهم الرغيد وعدم توقف الانتاج في منطقتهم، وبالتالي رفضهم لأي نوع من الاعمال العسكرية العدائية، فاكتفاءهم وشعورهم بالتميّز يمنعهم من تأييد الأفكار العدوانية التي ستدمر استقرارهم.
قد تكون فكرة المنطقة الاقتصادية على طول الحدود الجنوبية المطروحة اليوم من نفس التوجه، فاستقرار الوضع الاقتصادي لأبناء هذه المنطقة هو ما سيؤمن استقرار الوضع الأمني فيها ويدفع السكان للتمسك بالسلم وعدم التماشي مع الأفكار الغريبة، خاصة بعد ما عانوا من الحروب والويلات. وعلى الدول، وأولها دولة لبنان ودولة اسرائيل أن تتفهم هذا الموضوع وتسعى لدعمه، لأنه يوفّر عليها الكثير من التكاليف ويمنع تطور الأمور بالاتجاه السيء، وعلى وسائل الاعلام، خاصة في لبنان، أن تتفهم أهمية استقرار المناطق الحدودية مع اسرائيل أو سوريا على السواء، وبالتالي انمائها بشكل كاف يسمح باستمرار السكان بالعمل في أراضيهم والسكن في بيوتهم ليكونوا هم العين الساهرة على الأمن وحفظ القانون ومنع التعديات عبر الحدود.
أما ما يطرحه الاعلام اللبناني عند سماعه بأي مشروع فهو تحويل الوجهة الجيدة منه إلى نقاش عدائي، مثل تسمية مشروع المنطقة الاقتصادية بالمنطقة العازلة، لابقاء روح العداوة والخوف مسيطرة على السكان فلا يرون في اي طرح نوع من الإيجابية، بل دوما التصوّر السلبي للأمور وما يمكن أن يحمل في طياته من بذار التخلف والتقاتل وبث الفوضى. ثم يأتي من يضيف على تلك التصورات بعدا أيديولوجيا مثل ما صرّح به الشيخ نعيم قاسم في خطابه الأخير ورفضه الفكرة من اساسها باعتبارها مقدمة لسيطرة “العدو” على لبنان. وهو وجماعته لا يعرفون مصالح الناس ولا يهمهم بناء مستقبلهم والأفكار التي قد تسهم في ذلك، انما ما يهمهم فقط هو الحقد والدمار وهدم ما تعمّر في مقابل أن تبقى الأموال تأتي من إيران مع الأوامر لتجنيد هؤلاء المواطنين ودفعهم لمزيد من الحقد والاقتتال، في سبيل استقرار الوضع الاقتصادي في طهران واستمرار نظام الملالي ببيع الموالين له مقابل مصالحه مع القوى العالمية الكبرى.
آن لنا في هذا البلد أن نستيقظ ونفهم ما يدور من حولنا، ونتمسك بحقنا بالحياة الكريمة والتعاون المجدي مع الجيران، فقد سئمنا الدفاع عن مصالح الآخرين مقابل خسارة مستقبل أولادنا، وها هو لبنان يدفع خلال خمسين سنة من عدم الاستقرار تخلّفا عن قطار التقدم الذي كان أول رواده، ويخسر ما بناه من اقتصاد وتنظيم سمح بتقدم كافة الفئات، وبحقها بالحياة المستقرة، وانطلاقها حول العالم لزيادة الانتشار البناء، الذي يسهم في فتح أسواق لأبنائها، وزيادة احترامهم بين البشر، وثقة الناس بهم، إن في جودة الانتاج أو الصدق بالمعاملة أو الانفتاح، الذي يدفع أكثر نحو الكفاية، لا بل الثراء في أحيان كثيرة.
فهلا تصرّفنا بمسؤولية وإيجابية ورفضنا زجنا برواسب التخلف مرة أخرى، وهلا شمّرنا عن السواعد للحاق قطار التقدم ورفض العنف من أساسه، لأنه انقلب علينا مرات متعددة ولم نتعلم بعد.
السيرة الذاتية للكولونيل شربل بركات
خبير عسكري، كاتب، شاعر، مؤرخ، ومعلق سياسي
*ضابط متقاعد من الجيش اللبناني
*متخرج من المدرسة الحربية ومجاز بالعلوم السياسية والادارية من الجامعة اللبنانية
*كلف كأحد الضباط لتنظيم الدفاع عن القرى الحدودية منذ 1976
*تسلم قيادة تجمعات الجنوب
*تسلم قيادة القطاع الغربي في جيش لبنان الحر وأصبح مساعدا للرائد سعد حداد ثم تسلم قيادة الجيش بالوكالة عندما مرض الرائد حداد واستمر بعد وفاته حتى مجيء اللواء أنطوان لحد فأصبح مساعده ثم قائدا للواء الغربي في جيش لبنان الجنوبي
*ترك العمل العسكري في 1988 وتسلم العلاقات الخارجية
*شهد أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي مرتين
*كاتب سياسي وباحث في التاريخ له الكثير من الكتب والمقالات السياسية التاريخية والانسانية
نشر كتابه الأول “مداميك” (1999) الذي يحكي عن المنطقة الحدودية ومعاناة أهلها، ترجم إلى العبرية ونشرته معاريف (2001) والانكليزية (2012) Madameek – Courses – A struggle for Peace in a zone of war موجود على Amazon Books
*نشر كتابه الثاني “الجنوب جرحنا وشفانا” الذي يشرح الأحداث التي جرت في المنطقة بين 1976 – 1986
*الكتاب الثالث “Our Heritage” كتاب بالانكليزية يلخص التراث اللبناني مع رسومات لزيادة الاستيعاب موجه للشباب المغترب
*كتابه السياسي الثالث “لبنان الذي نهوى” (2022) جاهز للطبع
*كتاب مجزرة عين إبل 1920 وهو بحث تاريخي عن المجزرة التي ساهمت في نشوء وتثبيت لبنان الكبير
*كتاب “المقالات السياسية 2005 – 2013” مئة ومقالة منشور على صفحته
*كتاب “الشرق الأوسط في المخاض العسير” مجموعة مقالات سياسية (2013 – 2025)
*كتاب “العودة إلى عين إبل” بحث تاريخي بشكل قصصي عن تاريخ المنطقة بين 1600 – 1900
*كتاب شعر عن المعاناة خلال الحرب الكبرى 1914 – 1918 من خلال قصيدة زجلية نقدية جاهز للطبع
*كتاب “تاريخ فناء صور الخلفي” بحث تاريخي عن المنطقة الجنوبية – قيد الانجاز
*كتاب المقالات الانسانية وكتاب عينبليات قيد الانجاز