بين بشير الجميل وأمراء الحرب الآخرون
السفير د. هشام حمدان/23 آب/2025
في مثل هذا اليوم من عام ١٩٨٢ أنتخب بشير الجميل رئيسا للجمهورية. قيل حينها أنه جاء على ظهر الدبابة الإسرائيلية. وعندما اقسم بشير اليمين كرر شعاره المعروف: السيادة والإستقلال والحرية للبنان في ارضه الـ ١٠٤٥٢ كلم مربع. رفض بشير ما طلبه بيغن حينها. شكل رده أروع رد على اعدائه. فهذا الرجل لم تحمله الدبابة الإسرائيلية بل حمله الانعتاق الذي حاءت به الدبابة من الإيديولوجيات القومية الجوفاء، ومن الخوف الذي فرضته سطوة حافظ الأسد وجزمة جنوده على امراء الحرب الآخرين. بشير قال لا ل”بيغن” مؤكدا أن تعاونه مع إسرائيل لم يكن خيانة بل وسيلة لتحرير وطنه من رجس الإيديولوجيات التي عصفت بعقول اللبنانيين في زمن الحرب الباردة.
خاف كثيرون من انتخابه رئيسا في حينه، وأنا منهم. لكن بعد خطاب القسم فرح الكثيرون وأنا منهم. شعرت وأنا إبن الجبل وأحد المتاثرين بفكر كمال جنبلاط، أن بشير الذي نخافه أصبح الرئيس الذي نحلم به.
كمال جنبلاط قال لا للرئيس الأسد وقتل. بشير قال لا الإسرائيلي وقتل. هذه الرموز تبقى حية مشعة في التاريخ رغم اأخطائها في الممارسة لأفكارها. أما الأمراء الذين لا يزالون أحياءً حتى الآن ويحكمون سعيدا فهم أحياءً لأنهم قالوا نعم لهذا وذاك. قد تكون أعمارهم أطول لكنهم حتما دخلوا مزبلة التاريخ كقتلة أيديهم ملوثة بدماء الألوف من أهلهم من اللبنانيين.
معيار النبل الوطني هو ما قاله كمال جنبلاط : “ما أجمل العبور إلى الموت من أجل أن يحيا الآخرون”. أخال امراء الحرب الذين ما زالوا يتمتعون بالحياة يقولون: ” ما اجمل العبور إلى الزعامة والمال ولو على جثث آلاف الآخرين”.
إستذكار بشير هذا اليوم ليس محطة حزبية أو مذهبية أو مناطقية. بل هي محطة وطنية. هي ليست مناسبة للتفخيم والتعظيم والتعبير عن عواطف خاصة، بل هي مناسبة للقراءة في الوطنية. وهل يمكن القراءة في الوطنية دون نقد الواقع القائم؟ فهل ننسى ما حصل بعد غياب بشير؟
لمن يجهل الأمور نذكر أن شقيقه امين الذي جاء رئيسا على جثة بشير، عاش وحكم البلاد. كما وأن من خلف بشير في قيادة القوات عادوا إلى دوره الميليشيوي تحت العنوان السيادي الذي حمله. لكن لماذا استمرّ امين وهو ايضا ابن الكتائب ذاتها؟ وماذا فعل خلفاء بشير؟
يمكن القول وبكل بساطة، ان أمين استمرّ حاكما سعيدا وحيا لأنه قال ل”بيغن” اولا نعم للسلام، ثم تراجع ومشى مع المشروع الأميركي الذي أنقذه من التزامه مع بيغن اذ لم يفرض السلام مع إسرائيل بل جعل التسوية معها أمنية ومقدمة الى مشروع أوسطي يفتح البوابة نحو سلام في الشرق الأوسط. فكان اتفاق ١٧ ايار الشهير. لكن أمين سرعان أن تراجع ولم يوقع اتفاق١٧ ايار الذي أقره المجلس النيابي وذلك إارضاء للأسد. لم يقتله الإسراييليون ولا الأميركيون فقتل المعارض شيمة عربية فقط.
استمرّ خلفاء بشير يضعون أصابعهم على الزناد لمتابعة الحرب. كما أن حلفاء الاسد من ما يسمى حركة وطنية والذين ظلوا صامتين خلال مرحلة المفاوضات بشان الإتفاق. استمرّت أيديهم على الزناد. قال الأسد لا لاتفاق ١٧ ايار فاشتعلت حرب الجبل ثم حرب بيروت الغربية. ذهبت الدبابة الإسرائيلية وعادت الدبابة السورية. ظل لبنان تحت الإحتلال وما زال. رحم الله بشير. غاب جسدا لكن لبنان الحر سيذكره دوما رمزا من رموز السيادة والإستقلال والحرية.