ادمون الشدياق/عيد انتقال السيدة العذراء بالنفس والجسد إلى السماء

7

عيد انتقال السيدة العذراء بالنفس والجسد إلى السماء
ادمون الشدياق/فايسبوك/14 آب/2025
يُعدّ عيد انتقال السيدة مريم العذراء بالنفس والجسد إلى السماء من أبهى الأعياد الجامعة في التقليدين الشرقي والغربي. وقد حدّد البابا بيوس الثاني عشر هذه الحقيقة عقيدةً إيمانية ملزمة سنة 1950 في الدستور الرسولي Munificentissimus Deus، مؤكدًا أن مريم “بعد أن أنهت حياتها الزمنية انتقلت بالنفس والجسد إلى المجد السماوي”[1].
الجذور التاريخية والليتورجية
تبلورت ملامح العيد في الشرق منذ القرن الخامس في إطار عيد رقاد العذراء، حيث ظهرت نصوص ووعظيات آبائية تشدّد على أن الجسد الذي حمل الكلمة لا يليق به الفساد[2–4]. وفي السياق البيزنطي، استقرّ الاحتفال في 15 آب، وساهمت السلطة الإمبراطورية في تثبيته وانتشاره[5]. أمّا في الغرب اللاتيني، فتشهد له منذ القرن السادس نصوص مثل غريغوريوس التوري (De gloria martyrum)، ثم تعزّز حضوره ليتورجيًا في العصور الوسطى وصولًا إلى إعلانه عقيدة سنة 1950[6–7].
سيرة العذراء بعد صعود المسيح
بحسب التقليد الكنسي المشرقي، بعد رجوع المسيح إلى الآب، عاشت العذراء على الأرض نحو 23 سنة، وكانت قبل حلول الروح القدس مع الرسل “المثابرين على الصلاة بقلب واحد” (أعمال 1: 14)[8]. ويروي التقليد أنها رقدت بين أيدي الرسل بعمر يقارب 72 سنة، ودُفنت قرب بستان الزيتون حيث نازع يسوع[9].
حادثة الرسول توما واكتشاف القبر الفارغ
من أقدم وأشهر التقاليد المرتبطة بالانتقال ما ترويه نصوص Transitus Mariae الشرقية، المحفوظة بالسريانية واليونانية والقبطية. تقول الرواية إن الرسول توما كان غائبًا عند رقاد العذراء، إذ كان يكرز في بلاد بعيدة، ويُذكر في بعض المخطوطات أنه كان في الهند[13].
بعد ثلاثة أيام من دفن العذراء، عاد توما إلى أورشليم وطلب من الرسل أن يفتحوا القبر ليودّع الجسد الطاهر. وعندما فتحوا القبر، لم يجدوا فيه إلا الأكفان، تفوح منها رائحة طيب سماوي، وعرفوا أن مريم نالت المجد مع ابنها، وأن جسدها لم يعرف الفساد، بل انتقل إلى السماء بالنفس والجسد[14].
هذا التقليد، وإن لم يرد في الكتاب المقدس، أصبح جزءًا من التراث الوعظي والليتورجي في الكنائس الشرقية، يُذكر في الخطب والأناشيد، كعلامة على مشاركة مريم الفريدة في قيامة المسيح.
لماذا رقدت مريم وهي المعصومة من الخطيئة؟
يثير اللاهوت هذا السؤال لأن الموت ثمرة الخطيئة. يقدّم التقليد ثلاثة مداخل مترابطة:
1. المشاركة الفدائية: رقدت مريم لأنها شريكة ابنها في الفداء؛ والابن نفسه مات ليخلّص الإنسان، مع كونه بلا خطيئة[10].
2. التشبّه بنا: عاشت مريم خبرة الموت كبشر مثلنا، من غير أن يخضع جسدها لفساد القبر[2–4].
3. المثالية الروحية: تُقدَّم لنا نموذجًا للحياة الصالحة والميتة الصالحة، كما يشير التعليم الكاثوليكي المعاصر[11].
الانتصار على الفساد والموت
يعلّم المجمع الفاتيكاني الثاني أن “مريم، بعد أن كملت حياتها الزمنية، انتقلت بالنفس والجسد إلى مجد السماء، وعظّمها الرب كملكة العالمين لتكون أكثر مشابهةً لابنها ربّ الأرباب (رؤيا 19: 16) المنتصر على الخطيئة والموت”[12]. بهذا المعنى، لا يُفهم انتقالها كاستثناء اعتباطي، بل كاكتمالٍ لامتيازها الأمومي وعلاقتها الفريدة بسرّ المسيح والكنيسة.
البعدان الشرقي والغربي في فهم الانتقال
في اللاهوت الشرقي، يُقرأ الانتقال كاكتمال لمسار التألّه: فمن حملت في أحشائها الحياة لا تُسلَّم للفساد[3–4]. وفي اللاهوت الغربي، يُبرز الحدث باكرية مريم للقيامة: هي أوّل من نال ثمرة انتصار المسيح على الموت عربونًا لقيامة المؤمنين[1, 11–12]. لذلك يغدو عيد 15 آب عيد رجاء إسكاتولوجي، يذكّر بأن غاية الخلاص هي الحياة مع الله بالنفس والجسد.
وفي ختام هذا المسار الإيماني والليتورجي، تُستعاد صلاة الكنيسة:
“يا قديسة مريم، صلّي لأجلنا الآن وفي ساعة موتنا. آمين.”
الهوامش
[1] Pius XII, Munificentissimus Deus (1950).
[2] John of Damascus, Homilies on the Dormition.
[3] Germanus of Constantinople, Homilies on the Dormition.
[4] Andrew of Crete, Homilies on the Dormition.
[5] المعاجم التاريخية الليتورجية عن تثبيت العيد في العهد الموريسي.
[6] Gregory of Tours, De gloria martyrum I.4.
[7] تطوّر الاحتفال الغربي حتى إعلان العقيدة سنة 1950.
[8] أعمال الرسل 1: 14.
[9] السنكسار الأنطاكي/الماروني ونصوص Transitus Mariae.
[10] نصوص آبائية وخطب شرقية عن مشاركة مريم في الفداء.
[11] Catechism of the Catholic Church §966.
[12] المجمع الفاتيكاني الثاني، Lumen Gentium §59.
[13] Transitus Mariae, نسخ سريانية ويونانية (القرنان 5–6).
[14] Shoemaker, Stephen J., Ancient Traditions of the Virgin Mary’s Dormition and Assumption, Oxford University Press, 2002.

Share