ادمون الشدياق/بمناسبة عيد الجيش نتذكر العماد إبراهيم طنّوس: القائد الوحيد المقاتل في ذاكرة الجيش اللبناني والمقاومة الوطنية

39

بمناسبة عيد الجيش نتذكر العماد إبراهيم طنّوس: القائد الوحيد المقاتل في ذاكرة الجيش اللبناني والمقاومة الوطنية
ادمون الشدياق/03 آب/2025
في مسار التاريخ العسكري اللبناني الحديث، قلّما برز قائد استطاع أن يجسّد ببذته العسكرية كرامة وطن بأسره كما فعل العماد إبراهيم طنّوس (1929 – 1999)، القائد الفذّ الذي أعاد للقيادة العسكرية معناها الحقيقي في فترة من أحلك فترات الحرب اللبنانية (1975-1990). لقد كان طنّوس استثناءً نادراً في قيادة الجيش، ليس بصفته قائداً على الورق، بل قائداً على الأرض، في خنادق القتال، ومع جنوده، وفي عمق الشارع المقاوم.
النشأة والمسيرة العسكرية
ولد إبراهيم طنّوس في بلدة القبيات (عكار) سنة 1929، في بيئة جبلية قاسية تربّى فيها على قيم الصلابة والشرف. التحق بالكلية الحربية وتخرّج ضابطاً في الجيش اللبناني سنة 1951. طوال مسيرته العسكرية، عُرف طنّوس بنزاهته وانضباطه، وابتعد عن دهاليز السياسة وزواريب الولاءات الطائفية التي عصفت بالمؤسسة العسكرية في سنوات ما قبل الحرب[1].
رُقّي إلى رتبة عماد وتسلّم قيادة الجيش اللبناني في كانون الأول 1982، في مرحلة مصيرية تزامنت مع اغتيال الرئيس بشير الجميّل واحتدام المواجهات بين القوى السيادية اللبنانية من جهة، والميليشيات الفلسطينية واليسارية والسورية من جهة أخرى[2].
قائد مقاوم في زمن السقوط
على عكس العديد من قادة الجيش الذين سبقوه وتلوه، كان العماد إبراهيم طنّوس يؤمن بأن الجيش ليس مؤسسة بيروقراطية تقف على الحياد بينما تُنهَك الدولة، بل هو الحارس الأخير لهوية لبنان. رفض نظرية “الجيش الحيادي” في حرب وجودية، وسعى إلى إعادة بناء العقيدة القتالية للجيش على أساس “القتال من أجل السيادة”، وهو ما وضعه في خط المواجهة المباشرة مع قوى الوصاية والاحتلال[3].
في عهده، أُعيد تشكيل وحدات قتالية فعّالة داخل الجيش اللبناني، وتحولت الألوية من نمطية كلاسيكية إلى وحدات مدرعة وخفيفة قادرة على الاشتباك الميداني. ويُسجَّل لطنّوس أنه أول قائد جيش في تاريخ لبنان الحديث يقاتل فعليًا على الأرض، ويقود عملياته ميدانياً، متحدياً جميع المخاطر التي كانت تتهدده شخصيًا[4].
معركة مار مخايل: صورة القائد المقاوم
تبقى معركة تحرير كنيسة مار مخايل – الشياح سنة 1983 الحدث المفصلي الذي يُختصر فيه معنى القيادة العسكرية عند إبراهيم طنّوس. فحين كانت الميليشيات الفلسطينية واليسارية تسيطر على المحور الممتد من الصفير إلى مار مخايل، تقدّم طنّوس بنفسه إلى ساحة القتال مع عناصر من الجيش والقوات اللبنانية، وأشرف ميدانياً على العمليات القتالية لتحرير الكنيسة.
المشهد الذي بقي محفوراً في الذاكرة هو حين أمسك طنّوس بجهاز “الموتورولا” وأمر دبابات الـ M-48 بفتح نيرانها على مواقع القنّاصة، رافضاً أن يبتعد عن مرمى القصف رغم تحذيرات طواقم الدبابات. في تلك اللحظة، جسّد طنّوس صورة القائد الميداني الذي يُفضّل الشهادة واقفاً على أن يقود جنوده من مكاتب القيادة المحصنة[5].
العلاقة مع المقاومة اللبنانية (القوات اللبنانية)
تميّزت علاقة العماد إبراهيم طنّوس مع القوات اللبنانية بقيادة الدكتور سمير جعجع والرئيس بشير الجميّل، بعلاقة تعاون ميداني وتنسيق وطني بعيداً عن الحساسيات الحزبية. فقد أدرك طنّوس مبكرًا أن المعركة الوجودية في وجه الاحتلال الفلسطيني والسوري تتطلب تكاتف جميع القوى السيادية في لبنان، سواء العسكرية النظامية أو الشعبية المقاومة.
لم يتعامل طنّوس مع القوات اللبنانية كميليشيا، بل كجزء من مشروع مقاومة لبنانية شاملة، وكان أول قائد جيش يُشيد بمساهمات القوات اللبنانية في الدفاع عن المناطق الحرة، بل شارك معهم في عمليات تحرير مباشرة[6].
مواقفه في السياسة الوطنية
لم يكن طنّوس رجل سياسة، لكنه كان يحمل في داخله رؤية وطنية صلبة. عارض بحزم اتفاقات الإذعان التي كانت تُفرض على لبنان، ورفض أي صيغة حلول تضعف من سيادة الدولة أو تفرّط بدور الجيش. وعندما حاولت قوى الوصاية السورية اختراق الجيش عبر إغراء بعض الضباط، كان موقف طنّوس حازمًا: “إما جيش واحد للوطن أو لا جيش”[7].
نهاية المسيرة والإرث الوطني
أُجبر العماد إبراهيم طنّوس على الاستقالة من قيادة الجيش في 23 يونيو 1984، بضغط مباشر من النظام السوري وحلفائه في الداخل اللبناني، بعد أن أصبح حجر عثرة أمام مشاريع تقاسم لبنان. لكنه غادر القيادة مرفوع الرأس، تاركًا وراءه نموذجاً في القيادة العسكرية المقاومة يصعب تكراره.
توفي العماد طنّوس سنة 2012، لكنه بقي في الذاكرة الوطنية اللبنانية رمزاً للقائد الشريف، المقاوم، والوفي لقسمه العسكري. لم يبحث عن الأضواء، ولم يساوم على شرف البذلة العسكرية.
حائز:
• وسام الجرحى.
• ميدالية الاستحقاق اللبناني الفضية.
• وسام الأرز من درجة فارس.
• وسام 31/12/1961 التذكاري.
• وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط.
• وسام الاستحقاق اللبناني ذو السعف من الدرجة الثانية بالأقدمية.
• الوسام الحربي مرتين.
• وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور.
• وسام الأرز الوطني من رتبة الوشاح الأكبر.
• وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الأولى.
• تنويه العماد قائد الجيش مرتين.
• تهنئة العماد قائد الجيش ثلاث مرات.
ــ تابع عدة دورات دراسية في الداخل وفي فرنسا وإيطاليا.
ــ توفي بتاريخ 26/12/2012.
ــ متأهل وله أربعة أولاد.
الخاتمة: الجنرال الذي لن يُنسى
إبراهيم طنّوس لم يكن مجرّد قائد عسكري عابر في دفتر القيادة اللبنانية، بل كان حالة وطنية بحد ذاتها. في زمن التخاذل، كان هو الوجه المشرق للشجاعة؛ وفي زمن التفكك، كان الصوت الصارخ بالوحدة؛ وفي زمن الغدر، كان آخر حصون الكرامة.
لقد أثبت أن القائد الحقيقي هو من يمشي بين جنوده في ساحات النار، لا من يختبئ خلف جدران المكاتب. ترك لنا إرثاً من الشرف العسكري الذي لا يُشترى ولا يُباع، وأثبت أن مقاومة الاحتلال ليست خياراً سياسياً بل واجباً أخلاقياً.

الهوامش:
[1] موسوعة الجيش اللبناني – تاريخ القيادات 1950-1985.
[2] يوسف شبل، “لبنان بين بشير ورفيق”، بيروت، 2003، ص 145.
[3] أنطوان صفير، “الجيش اللبناني: أزمة المؤسسة وبُعد العقيدة”، مجلة الدراسات اللبنانية، 1995، العدد 12.
[4] مقابلة مع اللواء المتقاعد ميشال عون في مجلة الدفاع الوطني، 1987.
[5] مقابلة أرشيفية مع العماد إبراهيم طنّوس، تلفزيون لبنان، 1984.
[6] سركيس نعوم، “الجيش اللبناني والقوات اللبنانية: تحالف الضرورة”، النهار، 1992.
[7] جوزيف سماحة، “الجيش اللبناني في معادلة الشرق الأوسط”، مركز الدراسات اللبنانية، بيروت، 1990.
المراجع:
موسوعة الجيش اللبناني، المجلد الثالث: قيادات الجيش 1950-1990.
أنطوان صفير، “الجيش اللبناني وتحديات الهوية”، بيروت، 2001.
يوسف شبل، “لبنان بين بشير ورفيق”، بيروت، 2003.
أرشيف تلفزيون لبنان، مقابلات 1983-1984.
سركيس نعوم، “الجيش اللبناني والقوات اللبنانية: تحالف الضرورة”، النهار، 1992.
جوزيف سماحة، “الجيش اللبناني في معادلة الشرق الأوسط”، مركز الدراسات اللبنانية، بيروت، 1990.

Share