مار إلياس الحيّ، نبيّ النار والصعود والغيرة الإلهيّة
الياس بجاني/20 تموز/2025
يحتفل لبنان، ومعه الكنيسة المارونية وسائر المؤمنين، في العشرين من تموز بعيد النبي إيليا (مار إلياس الحيّ)، ذاك النبي الناري الذي وقف في وجه الملوك والظالمين، وجاهر بكلمة الله في زمن الارتداد والخوف. هو نبي المواجهة، نبي الإيمان الذي لا يساوم، والنار التي لا تنطفئ، وصاحب الغيرة التي تحرق الزيف والخيانة.
مار إلياس في الكتاب المقدس: صوت الحق في وجه الطغيان
ظهر إيليا في زمنٍ كان فيه الملك آحاب وزوجته إيزابيل يُروّجان لعبادة البعل، فوقف متحديًا قائلاً: “حيّ هو الربّ الذي أنا واقف أمامه” (1 ملوك 17:1). بهذه العبارة افتتح رسالته النبوية، متحديًا السلطة، والزيف، والكفر، دون خوف أو مساومة. وقد رافق إيليا حضور إلهي خارق: أقام ابن الأرملة، أنزل النار من السماء، شقّ مياه الأردن، وصعد حيًّا إلى السماء في مركبة نارية. هو صورة للمسيح المنتصر، ورمز لكل من يجاهد في سبيل الحق.
صفات مار الياس: الغيرة، الشجاعة، والصلاة
إيليا لم يكن مجرد نبي، بل رجل الله بكل ما في الكلمة من معنى: غيور على شريعة الرب، شجاع أمام الملوك، متواضع في حضرة الله، يبكي ويصلي، ويصغي للربّ لا في الزلزلة ولا في النار، بل في صوت النسيم اللطيف (1 ملوك 19:12). كان رجل صلاة ورجاء. عندما صرخ إلى السماء، نزل المطر بعد ثلاث سنوات ونصف من الجفاف. وعندما توسّل من أجل أرملة صرفة صيدا، أعاد الله الحياة لابنها.
مار الياس على جبل الكرمل: مواجهة الكفر بالنار
على جبل الكرمل، وقف إيليا بمفرده في وجه أنبياء البعل الأربعمئة والخمسين، متحديًا: “إن كان الربّ هو الإله فاتبعوه، وإن كان البعل فاتبعوه!” (1 ملوك 18:21). صلى أنبياء البعل من الصباح حتى المساء فلم يُجبهم أحد. أما إيليا، فبنى مذبح الرب، وسكب الماء على الذبيحة، ثم صرخ: “استجبني يا رب، ليُعلَم أنكَ أنت الإله في إسرائيل!” فانطلقت نار من السماء، أحرقت الذبيحة والحجارة والماء. عندها صرخ الشعب: “الربّ هو الله!”. ثم، استجابةً لصلاته، عاد المطر إلى الأرض بعد سنوات الجفاف (1 ملوك 18: 36–45).
صعود مار الياس إلى السماء وتجليه مع المسيح
بعد إتمام رسالته، شقّ إيليا نهر الأردن بردائه، وعبر مع تلميذه أليشاع. وهناك، “إذا بمركبة نارية وخيل نارية فصلت بينهما، فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء” (2 ملوك 2:11). نهاية إيليا لم تكن موتًا بل تمجيدًا. ولأنّه لم يذق الموت، ظهر مع موسى في تجلي الرب يسوع على جبل طابور (لوقا 9:30)، رمزًا لاتحاد الناموس والأنبياء في شخص المسيح.
معجزات مار الياس
1- صلى فلم تمطر السماء 3 سنوات و6 أشهر (1مل 17: 1؛ 1مل 18: 1؛ يع 5: 17، لو 4: 25).
2- كانت الغربان تعوله (1مل 17: 4).
3- بارك في دقيق وزيت أرملة صرفة صيدا (1مل 17: 8، 9).
4- أقامة ابن الأرملة من الموت (1مل 17: 17).
5- احتراق المذبح وقبول الذبيحة وهلاك أنبياء البعل (1مل 18: 29 -40).
6- تحققت نبوته عن آخزيا الملك (2مل 1؛ 2مل 9: 27 – 28).
7- شق نهر الأردن بردائه (2مل 2: 8).
8- سقوط نار من السماء على رسل أخزيا الملك فأكلتهم في الحال (2مل 1: 10 -14).
9- انتقاله إلى السماء في المركبة النارية وصعوده في العاصفة (2مل 2: 11، 12).
تجلّي إيليا وموسى مع المسيح: إعلان المجد والنبوة والناموس
في مشهد فائق الوصف، صعد يسوع إلى جبل عالٍ مع تلاميذه الثلاثة: بطرس ويعقوب ويوحنا. وهناك، أمام عيونهم، تجلّى وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور (متى 17: 2). وإذا بموسى وإيليا قد ظهرا له، يتكلّمان معه (متى 17: 3)، في لحظة التقت فيها النبوة بالناموس، والشهادة القديمة بالمجد الآتي. روى الإنجيلي لوقا أن موسى وإيليا كانا يتحدثان مع يسوع عن خروجه الذي كان مزمعًا أن يُكمّله في أورشليم (لوقا 9: 31)، إشارة إلى صلبه وقيامته. أما صوت الآب السماوي فسمعه التلاميذ من الغمام قائلاً: “هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت، له اسمعوا” (متى 17: 5). وهكذا، وقف إيليا النبي، الذي لم يعرف الموت، جنبًا إلى جنب مع موسى، ليشهدا للمسيح الكلمة المتجسد، الذي تمم به كلّ النبوات وحقق ملء الناموس.
مار الياس في صرفة صيدا: معجزة الخلاص في أرض لبنان
يذكر إنجيل لوقا (4:26) أن إيليا لم يُرسل إلى أرامل إسرائيل، بل إلى أرملة صرفة صيدا – في لبنان الحالي – حيث صنع أولى معجزاته الكبرى: أطعمته من فقرها، فبارك الله طحينها وزيتها، ثم أعاد الحياة لابنها بعد موته. وهكذا دخلت البركة إلى لبنان، لا بل ابتدأت فيه.
لبنان ومار الياس: الرابط الروحي والتاريخي
قلّة من الأنبياء ارتبطوا بلبنان كما ارتبط إيليا. من صرفة صيدا إلى جبال حرمون، ومن كنائس لبنان المكرّسة لاسمه، إلى المغاور التي احتمى بها النساك، يتجلّى حضور مار إلياس في ضمير هذا الشعب. كتب فؤاد إفرام البستاني في معاني الأيام: “إنه العيد الذي يكشف أن الغيرة على الله ما تزال حيّة، وأن في كل جيل إيليا جديد، يشهد للربّ، ويعيد للسماء مطرها، وللأرض خصبها، وللبشر رجاءهم.” وسمّاه “نبي لبنان”، لأنه عاش في أرضنا، وتنسّم هواءنا، ومجّد الله في ترابنا.
مار إلياس ولبنان القداسة والقديسين
مار إلياس هو مرآة الهوية اللبنانية: الإيمان بالحرية، الرفض القاطع للأصنام، والمجاهرة بالحق أمام كل طغيان. في زمننا هذا، حيث الاحتلال الإيراني يُمعن في تمزيق لبنان عبر أدواته من المرتزقة والطرواديين المحليين ومعهم ارتال الذميين وتجار الهيكل وعبدة الإسخريويتي، نحن بحاجة إلى روح إيليا التي لا تساوم، لا تخاف، لا تركع لبعل العصر ولا لمبدأ القوة الظالمة، لا للفساد، لا للفاسد والفاسدين. لهذا علينا كلبنانيين أحرار ان نصلي ونطلب شفاعة مار إلياس الذي هو شفيع الأحرار، نبيّ الرجاء، حامي الأرض، ورافع راية الحق فوق كل جبل من جبالنا الأبية.
رسالة عيد مار إلياس اليوم
نحن بحاجة إلى إيليا جديد – لا يساير، لا يهادن، ولا يصمت. بحاجة إلى غيرة مقدّسة تُشعل القلوب، وتطهّر الأرض من الكفر والاستعباد. فلنطلب بشفاعته أن يُعيد الرب المطر، لا فقط مطر الغيوم، بل مطر النعمة، والحق، والرجاء.
صلاة من أجل لبنان
يا مار إلياس الحيّ، يا نبي الغيرة والحق، يا من أنزل الله على يديك المطر والنار، أنزل على لبناننا المعذّب سلامًا، وعلى شعبنا شجاعة، وعلى كنيستنا روح النبوّة. علّمنا أن نقف كما وقفت، أن نصدح بكلمة الحقّ كما صرخت، وأن نكون شهودًا أمناء للربّ، لا نركع لبعل، ولا نخاف من آحاب.
رفرف بنارك فوق لبنان، ليظلّ وطنًا للحرية والإيمان، من جيل إلى جيل، وإلى الأبد.آمين.
***الكاتب ناشط لبناني اغترابي
رابط موقع الكاتب الإلكتروني
https://eliasbejjaninews.com
عنوان الكاتب الإلكتروني
phoenicia@hotmail.com