لبنان ما بين الحرب ومشتقاتها !!
نبيل بومنصف/جريدة النهار/26 حزيران/2025
قد يغدو نمطا بالغ القتامة أدمنه معظم اللبنانيين لفرط ما مر بهم وعليهم من تجارب تستنسخ مرارا وتكرارا الوقوع في أوهام السلام الثابت الدئم الراسخ ومن ثم تعود اللعنة إياها لإسقاطهم في متاهات الهدنات وانصاف السلام وانصاف الحروب والاضطرابات . والاسوأ الذي يلازم هؤلاء اللبنانيين المصابين بداء التشكيك واستعصاء شفائهم من التطير السياسي، أنهم ذاقوا مر التجارب الأشد ايلاما من فشل مشاريع الاستقرار والازدهار وهي تجارب ان يتكبد لبنان دوما أكلاف ومشتقات الحروب الإقليمية كما الصفقات الإقليمية الدولية، لا لشيء إلا ان معادلة مخيفة تجثم فوق أقداره تحول دون إنجازه دولة الحماية الثابتة القوية لمصالح اللبنانيين فتحل مصالح الأقوياء الإقليميين والدوليين في شبه استباحة متمادية لواقعه الدراماتيكي المستدام.
تبعا لهذه الحقيقة غير القابلة للجدل والنفي والتجميل باي شكل، يجد لبنان نفسه في اللحظة الراهنة، غداة فرض الإدارة الأميركية وقف نار غريبا غرائبيا، قسريا طوعيا في آن واحد، على إسرائيل وايران، معنيا حتى العظم ، باي تطورات في قابل الأيام والاسابيع جراء هذه الغرائبية الغامضة في انهاء حرب لا يسمح التوصيف المتجرد الموضوعي لنتائجها إلا ان ينصح بمزيد من الترقب الاستراتيجي لكشف ما لم يكشف من معالم كثيرة أنهاها وقف النار المباغت على زغل والتباس عصي الإجابة عليهما حتى الان حتى على اميركا نفسها. لبنان معني باستقراء إلى أين المسار الحربي فيه المستمر منذ ما قبل الحرب الإسرائيلية الإيرانية وبعدها على ما يكشف تحول لبنان إلى ساحة عمليات مفتوحة لإسرائيل من جهة وانكشاف تمادي “حزب الله” في أنشطته التسلحية والتمويلية واللوجستية من جهة مقابلة.
بعد حرب ال12 يوما الإسرائيلية الإيرانية ، ليس من المصادفات أبدا ان تستفيق المخاوف مضاعفة على احتدامات جديدة على ارض الميدان الجنوبي، في جنوب الليطاني وشماله وأبعد، على ما تسارعت اليه الأحداث في اليومين الأخيرين.
لا تقف استحقاقات لبنان عند هذا الهم المقيم الذي صارت معه معادلة نزع سلاح “حزب الله” منذ اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل، والأصح موضوعيا بين “حزب الله” والدولة العبرية، في 27 تشرين الثاني الماضي صنو السلاح النووي في ايران لجهة اجماع العالم على التخلص منه ولا الحرب .. هكذا كان سلاح الحزب سباقا مرات ومرات في صاغة النمط الحربي الذي يسلط على لبنان فينا السلاح نصف منزوع جنوب الليطاني ومشروع نزع في بقية انحاء الجمهورية اللبنانية، وشبح الهراوة الإسرائيلية الحربية الغليظة مسلط فوقه في كل لحظة مع كل غارة واغتيال وعملية على مدار السبعة أيام في الأسبوع والأربع والعشرين ساعة في اليوم.
لم تبدل “الحرب الأم الكبرى” بين إسرائيل وايران حتى اللحظة، وحتى ثبوت العكس إيجابا او سلبا، حرفا في مسار اللعنة الحربية المتسلطة على لبنان. ولا تقف هواجس اللبنانيين ويجب إلا تقف هنا، فثمة ما هو أدهى في الشبهة المبررة بان صفقة ما تزحف في بال رمز الصفقات العالمية الرئيس دونالد ترامب مع ايران قد تكون الحالة اللبنانية اقرب ضحاياها اطلاقاً فيما يهلل لبنانيون طربا لهذا النوع من الأوهام .
لعلنا لن نستبق ما يجب التريث وعدم التسرع في إطلاق الأحكام المسبقة عليه، لكن سجل السوابق اللبنانية في مشتقات الحروب والصفقات يبدو الحقيقة الوحيدة التي “يستحيل” على اللبنانيين إلا الإجماع عليها !!