الكولونيل شربل بركات/قراءة تاريخية في وقائع وخلفيات ومراحل اقرار وإلغاء إتفاق 17 أيار

45

قراءة تاريخية في وقائع وخلفيات ومراحل اقرار وإلغاء إتفاق 17 أيار
الكولونيل شربل بركات/16 أيار/2025
… بعد انتهاء المفاوضات اللبنانية الاسرائيلية، التي طالت مدتها بدون سبب ما أعطى السوريين الوقت لاستيعاب الضربة التي تلقوها وتجميع بعض الدعم من قبل حلف وارسو واكتشاف المزيد من نقاط الضعف لدى الرئيس الجميل، ارسل الاتفاق إلى مجلس الوزراء الذي كان الرئيس شفيق الوزان يواكبه في كافة مراحله، فاجتمع المجلس وأقر الاتفاق في 14 ايار ومن ثم أرسل إلى مجلس النواب الذي اجتمع في 16 ايار في جلسة استماع مغلقة ناقش فيها كافة البنود بحضور 80 نائبا ووافق عليه بالاجماع وسمح بتوقيعه، وقد كان للرئيس كامل الأسعد رغبة خاصة بضبط الحدود الجنوبية مع اسرائيل والعودة إلى فترة الهدوء الذي سبق اتفاق القاهرة. عندها قام وفد لبنان بتوقيع الأتفاق في 17 أيار سنة 1983. ومن ثم اجتمع المجلس النيابي في 13 و14 حزيران بجلسة مناقشة مفتوحة حضرها 72 نائبا تم بعدها التصويت على القرار بأغلبية 65 صوت وامتناع ثلاثة نواب عن التصويت مع صوتين معارضة وصوت متحفظ. وهكذا أقر المجلس النيابي الاتفاق رسميا أيضا ولم يبق سوى أن يبرمه رئيس الجمهورية كونه يرجع له حق ابرام المعاهدات الدولية بحسب الدستور.
في هذه الأثناء قامت سوريا أو حلفائها، وللضغط على الرئيس الجميل، بتنفيذ محاولة اغتيال لمبعوث الرئيس الأميركي السفير فيليب حبيب اللبناني الأصل والذي عمل جاهدا على دفع التفاوض بين البلدين. وقد استعمل في العملية، التي جرت في الثامن عشر من نيسان 1983 وطالت السفارة الأميركية، لأول مرة سلاح الانتحاريين، حيث فجّر أحد خريجي تدريبات الحرس الثوري نفسه بسيارة ملغومة داخل السفارة، ما أدى إلى انهيار المبنى وسقوط 63 قتيلا من الأميركيين واللبنانيين لم يكن بينهم السفير حبيب كونه لم يحضر الاجتماع. هذه العملية جرت إذا قبل التوقيع على اتفاق انسحاب القوات الاسرائيلية من لبنان. ثم قامت المدفعية السورية بقصف ساحل كسروان في أول ايار 1983 وفي الثاني منه دخلت قوافل من المقاتلين الفلسطينيين من سوريا وتمركزت في البقاع اللبناني (1).
كانت رؤية الرئيس أمين تختلف كثيرا عن رؤية بشير الذي أحب المواجهة والتحدي. وقد غاص أمين في خوف من ردة فعل السوريين، خاصة على صعيد الاستقرار في البلد ككل، انقلب إلى تردد جعلهم، وهم يعرفون نقاط صعفه، يضغطون عليه أكثر فاكثر لعدم ابرام الاتفاق. وقد رأى بأن هؤلاء لم يهابوا الولايات المتحدة عندما فجروا سفارتها. وبدل أن يهرب إلى الأمام ويتمسك باتفاق علني مع الاسرائيليين يلزمهم بالمساعدة ولو مخابرتيا للتخلص من الضغوط السورية، أظهر الشيخ أمين عن ضعف كبير في اتخاذ القرارات، وعلى ما يبدو فإن الرئيس الأسد، والذي كان يعرفه جيدا، لعب على تردده مهددا أحيانا ومسمعا بثقته بأنه لن يقدم على ابرام الاتفاق.
ولكن هل من شك بأن اسرائيل قامت بال1982 بضرب سوريا بكل قوتها في لبنان، وأنهت سلاح طيرانها، وخسّرتها كامل أسلحتها التي كانت تنشرها في مناطق الشوف والجنوب، وهي التي تطالب بخروج سوريا من لبنان؟ من هنا كان التمسك باتفاق مع الاسرائيليين يمكن أن يعطي الرئيس الجميل ولبنان فرصة الوقوف بوجه الرئيس الأسد وفرض خلاص لبنان من قبضته بدل الخوف والتردد وعدم المبادرة؟ وقد كان الكنيست الاسرائيلي وقّع على الأتفاق بالاجماع وأبرمه الرئيس الاسرائيلي، ليبقى بكل اسف، في جارور مكتب الرئيس الجميل بدون أي قرار.
ماذا كان بمقدور الشيخ أمين أن يفعله لو أنه أتخذ توجها مخالفا؟ وكيف كان يمكن أن تسير الأمور لو أنه تصرف على طريقة بشير؟
كان من المفروض على الشيخ أمين أن يبادر إلى مهادنة الاسرائيليين واقناعهم بأن لبنان يدين لهم بتخليصه من عبئ المنظمات الفلسطينية التي تسببت بكل المعاناة للبنانيين ومن ثم للاسرائيليين. ثم الاعتماد على طاقم من الوزراء يؤمن بضرورة الاتفاق على خروج الاسرائيليين باسرع وقت ولكن بقناعة بأن لبنان شاكرا ومقدرا لمعاناتهم معه منذ 1969 من جراء اتفاق القاهرة. وبالتالي العمل على الغاء هذا الاتفاق في مجلس النواب كخطوة أولى. ثم اجراء محادثات سريعة مع الاسرائيليين للبدء بتنفيذ انسحابهم، بالتنسيق مع الجيش وقوى الأمن اللبنانية لتتسلم الأرض وتشرف على الأمن فيها على مراحل تضمن خلالها سيطرتها، وبنفس الوقت ضبط القوى التي تتسلم الأمن والتأكد من ولائها للدولة والتزامها بالعمل الوطني لا الفئوي. والأهم من كل ذلك عدم اطلاع السوريين على اي تفاصيل حول الاتفاق لكي يبقى لديهم الاعتقاد بأن لبنان مسنودا من إسرائيل ومن القوى الغربية والأمم المتحدة وليس بلدا ضعيفا.
ومن جهة أخرى مقاربة العرب خاصة السعوديين للعمل على ضبط السوريين ريثما ينتهي من الاتفاق حول انسحاب الاسرائيليين ومراحل تنفيذه. وفور الانتهاء من توقيع الاتفاقيات مع الاسرائيليين وبدء الانسحابات وتسلم المناطق الواحدة تلو الأخرى، يبدأ العمل على اجراء مفاوضات مع السوريين، بمشاركة الولايات المتحدة واشرافها، كما جرى أثناء التفاوض من الاسرائيليين. وهنا يمكن اشراك السعودية كمراقب عربي لكي تضمن مواصلة بعض الدعم المالي الذي سيحل محل أموال عرفات التي ستسحب بدون شك من المصارف اللبنانية بأقرب وقت كعملية رد على الغاء اتفاق القاهرة وخروج عرفات وقواته من لبنان. وفي اثناء التفاوض مع السوريين حول جدولة انسحابهم، يمكن استعمال العصا الاسرائيلية والتهديد الغير مباشر بعرقلة انسحابهم. المهم أن يشرف الجيش اللبناني في نهاية الأمر على الحدود بين لبنان وسوريا كما سيشرف على الحدود بين لبنان واسرائيل. وإذا كانت مخاوف الرئيس الجميل الطبيعية من تصرف السوريين في موضوع الترانزيت نحو الخليج الذي يفيد البلدين، ولكن السوريين يستعملونه للضغط في أي موضوع، فإن الاتفاق مع الاسرائيليين كان يمكن أن يتضمن اماكانية استعمال طريق داخل الجولان السوري من المجيدية نحو حدود الأردن في منطقة منابع اليرموك حيث تصبح هذه الطريق أقصر وأسهل على الشاحنات وتمر في الأراضي السورية المحتلة التي تشرف عليها قوات الأمم المتحدة دون أن تمر بالاراضي الاسرائيلية. وهنا يمكن أن نتذكر بأن النفط السعودي بقي يمر داخل الجولان هذا نحو لبنان حوالي عشر سنوات ‘(2) بعد احتلاله من قبل اسرائيل في 1967 وحتى توقيف الضخ في 1976.
النقطة المهمة كانت في طاقم الرئيس الجميل الذي لم يتضمن اي من مساعدي بشير. فلماذا مثلا استعين بإيلي سالم لوزارة الخارجية وليس بالفرد ماضي؟ ولماذا لم يتسلم فيصل ارسلان مثلا وزارة الدفاع فيسعى لمحو آثار الخلاف في الجبل، أو أحد الضباط السابقين (3) الذين لهم الفضل بالدفاع عن لبنان؟ ولماذا لم يتسلم سجعان القزي مثلا وزارة الاعلام؟ وليعين رجالات من الشيعة الموالين للأسعد أو كاظم الخليل أو بيت حمادة وغيرهم في وزارات مهمة لكي يشعروا بأن لهم يد في بناء الوطن وتحمّل المسؤولية. ومن ثم وبعد أن يستتب الأمن وتبدأ عمليات المصالحة بين اللبنانيين في كل المناطق يمكن البدء باشراك الكل مثل جماعة جنبلاط أو بري وحتى بقية الأحزاب، لأن أساسات البناء يجب أن تكون صلبة وبعدها يمكن الاستعانة بالكل.

 

****
01/ ويقول الرئيس الجميل ايضا بأن جهود دمشق وطهران وموسكو وطرابلس الغرب تضافرت كلها لمواجهة الاتفاق. ومن ثم اشار الرئيس الأسد بأن الرئيس السادات الذي وقع اتفاق مع اسرائيل “قتله شعبه” ما اعتبر تهديدا مباشرا للرئيس الجميل
02/هذا الممر نفسه كان يمكن استعماله من قبل حكومة السنيورة لاحقا وهو ما يمكن استعماله في ما لمحت له السفيرة الأمريكية يوم تكلمت عن وصل قطاع الغاز والكهرباء اللبناني بالشبكة الأردنية – المصرية عبر الأراضي السورية.
03/سامي الشدياق أو سعد حداد مثلا
*الصورة المرفقة /جلسة من جلسات اجتماع الوفدين اللبناني والإسرائيلي خلال مراحل التفاوض على اتفاق 17 أيار بواسطة أميركية
ملاحظة/المقالة التي في أعلى هي من كتاب الكولونيل شربل بركات “لبنان الذي نهوى”

رابط النص الكامل لكتاب الكولونيل شربل بركات: “لبنان الذي نهوى”. بحث سياسي لمرحلة المئة عام من تاريخ لبنان الكبير

النص الكامل لكتاب الكولونيل شربل بركات: “لبنان الذي نهوى”. بحث سياسي لمرحلة المئة عام من تاريخ لبنان الكبير

**اضغط هنا لدخول صفحة الكولونيل شربل بركات على موقعنا المنشورة عليها كل مقالاته وكتبه وتحليلاته

**Click here to access Colonel Charbel Barakat’s page on our website, where all his articles, books, and analyses are published.

Share