قيامتنا مع الرب يسوع المسيح تبدأ اليوم وتستمر معنا في كل يوم من أيام حياتنا، بقوة الروح القدس، تماماً كما بدأت في حياة الرسل يوم العنصرة، عندما حلّ الروح القدس عليهم. هذا ما نعيشه ونعبّر عنه في احتفالاتنا الليتورجية المتنوعة، ولا سيما في زياح الصليب الظافر والخلاصي، وفي رتبة السلام في عيد القيامة، عيد الأعياد. المسيح القائم من بين الأموات حاضر في كل كلمة ننطق بها، لأن الكلمة كانت في البدء، والكلمة هي الله، وقد أنعم الله بها علينا لنمجده. هو حاضر في حريتنا، واختياراتنا، وقراراتنا، وأنشطتنا، وفي كل أعمالنا ليضفي عليها بعداً إلهياً. لكن أمور هذا العالم كثيراً ما تغرينا وتغوينا، فنسقط في فخ الغرائز والنزوات، ويضعف إيماننا ويخور رجاؤنا، فنبتعد عن تعاليم الإنجيل، ونهمل واجباتنا تجاه أبينا السماوي وتجاه إخوتنا في الإنسانية.
إيمانياً، إن لم نؤمن بالقيامة، فنحن لسنا مسيحيين، ويكون إيماننا باطلاً، لأن جوهر الإيمان المسيحي يقوم على تجسّد، وموت، وصلب، وقيامة السيد المسيح، وصعوده إلى السماء. المسيح الذي صُلب ومات ثم قام، هو حيّ وحاضر معنا إلى الأبد، في ضمائرنا، ووجداننا، وقلوبنا، وأفكارنا، وهو ساهر دائماً على إرشادنا وتوجيهنا. إن قيامة المسيح من بين الأموات، هي قيامة لكل إنسان يسعى إلى الحياة الجديدة. إنها حقيقة ثابتة:”ليس هو ههنا، لكنه قد قام.” (لوقا 24:6). نحن نؤمن يقيناً بأن المسيح قام وهو حيّ فينا. ولأن أحداً لم يشاهده وهو يقوم من القبر، فإن قيامته كانت وستبقى على الدوام موضوع إيماننا وأساسه، بدءًا من الرسل القديسين وصولاً إلى جميع أجيال الكنيسة. القيامة ليست حدثاً تاريخياً فحسب، بل هي ينبوع إيمان يتفجّر في قلب المؤمن وعقله وضميره، فيزداد إيمانه ويتجذر، ومن خلاله يتبرر ويثبت على طريق الخلاص.
إن الله يبرر الذين يجعلهم أبناء له، ويمنحهم الإيمان بالقوة التي بها أقام يسوع المسيح. وعندما أقام الله ابنه من بين الأموات، لم يفعل ذلك بمعجزة مذهلة لأجل المسيح فقط، بل لأجل جميع الناس، كي يؤمنوا بأنه ابن الله، ويشهدوا أنه أب محب وغفور، وأنه افتداهم بأغلى ما عنده، أي بابنه الوحيد. فإن كان الآب السماوي قد قدّم ابنه الوحيد لفدائنا وخلاصنا من الخطيئة الأصلية، وأقامنا معه إلى حياة جديدة، ألا يجب أن نكون له ممتنين وشاكرين ومكرّسين له بالكامل؟. إن عيد القيامة، هو عيد الأمل والرجاء والحياة، ويدعونا جميعاً إلى تجديد إيماننا بالمسيح المنتصر بعذابه وموته وقيامته، وكذلك إلى تعزيز ثقتنا بالكنيسة وبخليفة بطرس، وإلى توبة صادقة ننال بها رضى الله، وإلى تعزيز التضامن الأخوي في ما بيننا، إذ بدونه يستحيل أن نبلغ ما نطمح إليه من كرامة وراحة واستقرار وسلام وخلاص.
كم نحن اليوم بحاجة إلى التأمل في معاني وأسرار القيامة، بعد أن أسرتنا الأنانية والطمع، وسيطرت على تفكيرنا تصرفات صغيرة وتبعية عمياء، جعلتنا ننسى أننا أبناء الله، الذي خلقنا على صورته ومثاله، وجعل من أجسادنا هيكلاً له، ولم يبخل علينا بابنه، بل أسلمه للموت من أجل خلاصنا. كثيراً ما ننسى أن أبانا السماوي، ليظهر لنا محبته وأبوته، أرسل ابنه الوحيد ليتجسّد ويتألم ويُهان ويُصلب، وذلك من أجل أن يحررنا من عبء الخطيئة الأصلية…في حين أن الرب يسوع بصلبه وموته، غلب الموت، وقام في اليوم الثالث، فأقامنا معه، لابسين الإنسان الجديد، المتجدد، الطاهر، النقي، المتحرر من كل ذنب وضعف، وقد خلع عنا كل أثقالنا وعثراتنا. لهذا فإن قيامة المسيح هي قيامتنا جميعاً، كما عبّر عنها القديس بولس: “المسيح حيّ فيّ.”
لقد قام المسيح، فقام به ومعه وفيه الإنسان الجديد، الذي لبسناه في سر المعمودية، والذي يحمل في قلبه المحبة، والتسامح، والغفران، والسلام، والوداعة، والنقاوة، والمصالحة، واحترام كرامة الإنسان وحريته.
بجدية وعملياً وبإيمان راسخ فلندحرج الحجر عن قلوبنا وصدورنا وأفكارنا، حجر الخطيئة، والفساد، والأنانية، والأحقاد، والمصالح الشخصية، والانقسام، وكل ما هو من الشرير، ولنطلب من الرب القائم من بين الأموات أن يبارك وطننا لبنان، وشعبه في الداخل والانتشار، ويُعيد عليهم العيد وهم بأفضل حال، مغمورين بالطمأنينة والسلام. فلنشهد اليوم شهادة الحق ونقول بصوت عالٍ: “المسيح حيّ فينا!” ولنُعايد بعضنا البعض بالقبلة المقدسة، بإيمان راسخ وعميق.
ونختم بكلام القديس بولس في رسالته إلى أهل كولوسي (3: 1 – 5): “فَبِما أنَّكُمْ أُقِمتُمْ مَعَ المَسِيحِ مِنَ المَوتِ، اسعُوا دائِماً إلَى الأُمُورِ السَّماوِيَّةِ، فَهُناكَ المَسِيحُ مُتَوَّجٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. رَكِّزُوا تَفكِيرَكُمْ عَلَى الأُمُورِ السَّماوِيَّةِ، لا عَلَى الأُمُورِ الأرْضِيَّةِ. فَالذّاتُ القَدِيمَةُ فِيكُمْ قَدْ ماتَتْ، وَحَياتُكُمُ الجَدِيدَةُ مَستُورَةٌ فِي المَسِيحِ فِي اللهِ.”
المسيح قام! حقاً قام! ونحن شهود على قيامته.
**الكاتب ناشط لبناني اغترابي عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com رابط موقع الكاتب الالكتروني على الإنترنت http://www.eliasbejjaninew.com