نص مقابلة مطولة من جريدة الشرق الأوسط باللغتين العربية والإنكليزية مع الرئيس السابق أمين الجميل/Text of a comprehensive extended interview with former President Amin Gemayel from Asharq Al-Awsat newspaper in Arabic and English.
أمين الجميل: نظرة الأسد إلى لبنان كانت شبيهة بنظرة صدام إلى الكويت قال لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس السوري استخدم اقتراح تفجير طائرة السادات لتهديده (1 من 3) بيروت: غسان شربل/الشرق الأوسط/11 نيسان/2025
قال الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل إن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كان ينظر إلى لبنان كما كان ينظر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلى الكويت. وأضاف أن الأسد «كان يعد لبنان خطأ تاريخياً يمكن تصحيحه بإعادته إلى الحضن السوري». وشدد على أن الأسد كان يريد «ضم لبنان لا أكثر ولا أقل»، لافتاً إلى أنه تمسك بقسمه الدستوري خلال 14 لقاء قمة عقدها مع نظيره السوري. وكان الجميل يتحدث إلى «الشرق الأوسط» التي سألته عن تجربة لبنان مع «عهد الأسدين» الطويل إضافة إلى محطات أخرى.
في السبعينات تلقى بيار الجميل رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» دعوة من حافظ الأسد لزيارة دمشق فاصطحب معه نجليه أمين وبشير. استقبلهم الرئيس السوري في منزله وكان اللقاء حميماً، لكن موسم الود لم يعمر طويلاً.
يوقظ حديث الذكريات أوجاع الجميل، فهو يعيش مع جرحين عميقين. جرح اغتيال نجله النائب والوزير بيار في 2006 في خضم موجة الاغتيالات التي ضربت لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وجرح اغتيال شقيقه الرئيس المنتخب بشير في 1982. والواقع أن أمين الجميل دخل قصر الرئاسة في العام نفسه إثر زلزالين، الأول الاجتياح الإسرائيلي والثاني اغتيال شقيقه.
حافظ الأسد و«خطأ» لبنان
سألت الجميل عما كان حافظ الأسد يريد من لبنان، وسأتركه يروي: «أنت تسأل سؤالاً مفروغاً منه، كما يقول المثل الفرنسي. كان يريد ضم لبنان لا أكثر ولا أقل. السياسي السوري، حتى من قبل الرئيس الأسد، لا يهضم وجود لبنان، ويعتبره بلداً مصطنعاً ويجب أن يكون جزءاً من سوريا. نعرف أن مرفأ بيروت أقرب إلى الشام (دمشق) من مرفأ طرطوس. لذلك، كانوا يعتبرون أن لبنان جزءٌ لا يتجزأ من سوريا، وأن هذا خطأ سايكس – بيكو وما إلى ذلك. الرئيس (حافظ) الأسد كانت هذه الفكرة أيضاً موجودة عنده، لم يهضموا وجود لبنان بلداً مستقراً. كانت الغاية الأخيرة هي ضم لبنان. وكل المساعي والاتفاقات والعلاقات التي كانت تتم سابقاً كانت خلفيتها الوصول إلى مرحلة لضم لبنان. قال لي الرئيس الأسد بوضوح وكنا رأساً برأس (في خلوة): لا تنس أن لبنان جزء من سوريا، ولبنان ونحن بلد واحد، الاستعمار هو الذي قسمنا، ويجب أن تفهموا أنتم كلبنانيين أنه من مصلحتكم أن ترجعوا إلى الحضن السوري، ويجب أن تفهموا أنه مهما تطورت الظروف، يجب أن يرجع لبنان إلى الحضن السوري. كان بهذا الوضوح. بصراحة، كان يقول لي إنه يجب أن تفهم أنه بالنهاية يجب أن يكون البلدان بلداً واحداً. وأعطاني مثلاً من أجل أن يخففها، عندما وجدني غير مقتنع، قال لي: خذ أوروبا مثلاً. كيف التقت أوروبا واجتمعت وتوحدت، لماذا نحن لا نفعل الشيء ذاته؟ أصبح هذا شيئاً طبيعياً. أوقات من الطبيعي أن يتوحد البلدان، مصالح مشتركة على الصعيد السياسي على الصعيد الأمني على الصعيد الاقتصادي، هناك مصلحة أن يتوحد البلدان».
سألت الجميل إن كان غزو صدام حسين للكويت ذكّره بسعي حافظ الأسد إلى ضم لبنان، فقال: «بالنسبة إلى صدام كانت الكويت ما كانه لبنان بالنسبة إلى حافظ الأسد»، مشيراً إلى الرأي الذي ساد لدى حكام عراقيين ومفاده «أن الاستعمار سرق الكويت من العراق والرأي الذي كان لدى حكام سوريين ومفاده أن الاستعمار سرق لبنان من سوريا». لكن الجميل يستدرك: «رغم كل ذلك بقيت علاقتي طبيعية مع الرئيس الأسد. حتى إنه، ويمكن لا يفهمني البعض، كانت هناك عاطفة بيننا. كان هناك تقبل للآخر. كان الرئيس الأسد يتفهم موقفي، وكان يقول في فكره إنه لو كان مكاني لاتخذ الموقف ذاته. وأنا أتفهم موقفه، لأن العقيدتين متناقضتان، وكل واحد عنده مفهومه للحالة الوطنية التي ينطلق منها.
كان الرئيس الأسد يشمئز ويثور على مواقفي الرافضة، في محطات عدة. كان الرئيس الأسد يعتبر أن ثمرة التين صارت ناضجة وحان موعد قطفها، أي قطف لبنان، ثم آتي أنا وأقف في وجهه وأكون جدار الصد المنيع ضد تحقيق هذا الهدف. ورغم ذلك، كان هناك احترام، في قرارة نفسه، وكان يقدر أنه لو كان هو محل أمين الجميل كان سيقف الموقف ذاته. لكن رغم ذلك، كانت مصالحه تقتضي أن يحقق «وحدة سوريا». وكان يعتبر أنه لديه كل الإمكانيات لذلك. لا ننسى أن الجيش السوري كان في لبنان وكان استوعب معظم القيادات اللبنانية التي كانت تذهب لتحج في سوريا. كان اعتبر أن الموضوع مؤاتٍ اليوم لتوحيد البلدين. نعرف الضغط السوري الذي كان على قيادات لبنانية معينة. وفي الوقت نفسه تحرك الأسد للإمساك بالقضية الفلسطينية وأنشأ شبكة من المنظمات الموالية لنظامه. كان مقتنعاً بأن الوقت مناسب (لإلحاق لبنان) وأنا كنت المانع لتحقيق هذا الحلم، لذلك كانت هناك مشادات سياسية قوية بيني وبينه، وصراع داخلي. صراع أكاديمي – إذا صح التعبير – بين أن يقنعني هو بوحدة سوريا وأنا أقنعه باستقلال لبنان. كان هذا الصراع الأكاديمي مع احترام متبادل لوجهة نظر كل واحد منا. بقيت العلاقة جدلية بيني وبين الرئيس الأسد طوال رئاستي وقد التقيته 14 مرة».
«كلمة لا لحافظ الأسد تتطلب بطولة خارقة»
وأضاف: «حاورت وعاندت وحاورت وقاومت على الجهتين. كانت هناك حقيقة مقاومة مهمة، كان هناك ثقل الرئيس الأسد، وبرستيج الرئيس الأسد وموقعه على الساحة السورية والساحة العربية، وكل ثقله وأنا آتٍ أعزل وبلدي محتل وجيشي مضطرب غير ثابت ومخترق، والقيادات السياسية لا تعرف أين تذهب.
كان الوضع اللبناني صعباً جداً جداً ودقيقاً جداً حتى وصلنا إلى مرحلة انقلب فيها معسكري علي أيضاً. كنت أنا أعزل في تلك المرحلة، واعتبر الرئيس الأسد أنها الفرصة المؤاتية، خاصة عندما استوعب جزءاً من (القوات اللبنانية) واعتبر أن المعركة انتهت وأن أمين الجميل ليس لديه إلا أن يمضي (يوقع) ويعطينا هذا الصك وننتهي.
فوجئ عندما وقفت أنا هذا الموقف، وأعتقد كان ذلك أصعب المحطات. كان نادراً جداً أن يقف أحد هذا الموقف في وجه الرئيس الأسد خصوصاً في الظرف الذي كنت موجوداً فيه وأن يقول له لا. كلمة لا لحافظ الأسد في ذلك الوقت كانت تتطلب بطولة خارقة نظراً للواقع الذي كنا موجودين فيه في ذلك الوقت».
سألته إن كانت مرحلة اتفاق 17 مايو (أيار) اللبناني – الإسرائيلي هي الأصعب في العلاقة مع الأسد، فأجاب: «لا، أصعب مرحلة كانت مرحلة (الاتفاق الثلاثي) (بين حركة «أمل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية»). في الاتفاق تمكن الرئيس الأسد بشكل كامل من الساحة اللبنانية، لا سيما عندما استطاع أن يستوعب فريقاً من (القوات اللبنانية) مع إيلي حبيقة وسمير جعجع.
مع استيعاب إيلي حبيقة وسمير جعجع اللذين يمثلان الواقع المسيحي المقاوم في ذلك الوقت، اعتبر أن لبنان أصبح بمتناول اليد. من يعارض؟ من يعاكس؟ ليس سوى أمين الجميل. هو لم يكن يعطي أهمية، للأسف، لموقعي أنا أو لعنادي فيما يتعلق بالمصلحة الوطنية. أنا معي (أمتلك) التوقيع. توقيع رئيس الجمهورية. لا يستطيع أن يتجاوز هذا التوقيع. مهما استوعب قيادات على الأرض، حتى الميدانية أو السياسية، يبقى في حاجة إلى توقيع رئيس الجمهورية. رئيس الجمهورية أقسم اليمين على المحافظة على الدستور وسيادة البلد. وهذا كان شيئاً مقدساً عندي.
رغم كل الضغوطات أكانت من الداخل أو كانت من الخارج، حتى من ضمن المعسكر المسيحي الذي فقد صوابه وباع نفسه للشيطان، ولا أريد أن أدخل في التفاصيل، أصبحت أنا وحيداً ومعزولاً تقريباً في الوسط اللبناني. ورغم ذلك، كنت متشبثاً بالحقيقة، متشبثاً بالحق اللبناني، ومتشبثاً بالقناعات الوطنية التي تربينا عليها، واعتبرت أن هذه، أياً كان الجنوح من هنا أو من هناك، من المفترض أن نتمسك بها، من المفترض أن ندافع عنها حتى الرمق الأخير.
لذلك، قضية الاتفاق الثلاثي كانت أصعب محطة في عهدي، والحمد لله قدرنا أن ننتصر. الفريق الذي منّا وفينا باع نفسه للشيطان، انكشف على صعيد الرأي العام المسيحي واللبناني بصورة عامة، والتف الرأي العام المسيحي حولي أنا، حتى نقدر على أن نواجه هذه الجريمة التي كانت ترتكب بحق سيادة لبنان واستقلاله وسيادته والنظام الديمقراطي ودور لبنان على الصعيد العربي والعالمي».
سألت الجميل عما إذا كان الأسد حقد عليه لتسببه بسقوط «الاتفاق الثلاثي»، فأجاب: «كان الأسد مقتنعاً بأنه ضم لبنان كله ولم يبق غير تقبل التهاني. كان مقتنعاً وقتها أنه وضع يده على لبنان. يوم التوقيع على الاتفاق الثلاثي كانت هناك زيارة رسمية للملك حسين (العاهل الأردني) إلى سوريا. أجلوا زيارة الملك حسين من أجل أن يحصل التوقيع وتجنباً لأن يحصل أي شيء وتضيع الفرصة. لهذه الدرجة كانوا متمسكين بهذه الفرصة.
بقدر ما كان الرئيس الأسد مشمئزاً ومصاباً بنوع من خيبة أمل كبيرة، أو ضغينة إذا صح التعبير، لأنني قلت له لا، وكيف يجرؤ أمين الجميل الرئيس المصادرة كل إمكانياته الوطنية والدستورية، أن يقول له لا؟ فبقدر ما كان مغتاظاً من هذا الموقف، كان عنده احترام لي. كان لدي شعور أنه لم يفقد الاحترام (لموقفي).
بعدما قلت له لا وفرط الاتفاق، كنا بزيارة للمغرب، وإذ فوجئت بمجيء سفير سوريا في المغرب لزيارتي، وهو من الفريق العلوي المقرب جداً من الرئيس. جاء لزيارتي على أساس أنها زيارة بروتوكولية، وخلال الزيارة قال لي إن الرئيس الأسد يحترمك ويقدرك، وكان بذلك يفتح باباً لإعادة التواصل. هكذا فتح الخط بيني وبين الرئيس الأسد، ما يؤكد أنه بقدر ما كان مغتاظاً من موقفي بقدر ما كان عنده احترام ضمني كيف أن هذا الشاب في أول طلعته قادر على أن يقف في وجه سوريا، وفي وجه كل الإمكانيات والحضور».
رفض الطيار الإقلاع فاكتُشفت القنبلة!
سألت الجميل إن كان قد خاف من الاغتيال، خصوصاً بعد سابقة كمال جنبلاط مع الأسد، فأجاب: «كل الوسائل استعملت حتى يدفعني إلى التوقيع على الاتفاق. من الوسائل (التي استخدمها أنه) عندما كنا قاعدين وكنا نتحدث وراح يخبرني بمعرض أنها خبرية عابرة، ولا علاقة لها بالموضوع. قال إن (الرئيس المصري الراحل أنور) السادات جاء ليبلغه أنه ذاهب إلى القدس، وأن هذه فرصة ونريد طي صفحة الماضي ونصل إلى صفحة سلام جديد للمنطقة كلها، وباحترام، وبتحقيق حق الفلسطينيين. يعني كل هذه السردية المعروفة. الرئيس الأسد أكيد قال له (للسادات) أنت غلطان، ورحلتك إلى القدس لا نشجعهاً أبداً أبداً، ونعتبرها طعنة. فقال له: أنا أخذت القرار. انتهت الزيارة، وخرج السادات من الغرفة ليتوجه إلى طائرته.
الأسد أخبرني القصة كما أخبرك إياها. في محيطه (الأسد) قالوا له يجب ألا نسمح للسادات بالوصول إلى القدس. إذن ما رأيك؟ أي ما معناه هل ننسف طائرته أو نقتله كيلا يستمر في مشروعه؟ الرئيس الأسد أخبرني أنه فكر أنه شيء منطقي ألا يدعوه (السادات) يصل (إلى القدس)، لكن ضميره لم يسمح له. وكأنه كان يسمعني أنه يمكن أن يكون أخطأ. يمكن أنه غلط لأنه لم يدعهم يغتالونه. وكأنه كان يوحي أنه لن يعيد الغلط نفسه مرة ثانية أي أنه لن يدعني أرجع إلى بيروت من دون هذا التوقيع. يعني أنه كان يُسمِعني. كان يسمعني أنه هذا ما كان سيحصل للسادات، لكن هو منعها، وليس كل مرة سيمنعها. وهذه قصة، وضع لبنان بأهمية القدس.
حصلت محاولات عدة لاغتيالي. هناك محاولة وهي الأكثر ثبوتاً، يوم كنت مسافراً إلى اليمن وفخخوا الطائرة التي كانت ستقلني إلى صنعاء. القبطان اكتشف أن هناك ثغرة ثانوية في الطائرة شغلت باله وأبلغ المطار أنه توجد علّة في الطائرة. قالوا له إن هذه العلّة ثانوية ولها علاقة بالراديو، وأنت لست بحاجة إليه، سافر الآن وعندما ترجع نصلحها، فقال لهم: لا، لن أسافر. هذا الطيار كان من عائلة مكاوي. كان معقداً لدرجة أنه متمسك بالكتاب ويمشي حسب الأصول مائة في المائة. رفض أن يطير بالطائرة بهذه العلّة. جاؤوا وكشفوا على الطائرة. اكتشفوا تحت غرفة القيادة شريطاً موصولاً بالراديو الثانوي الذي يربط الطيار بالمحطة في مطار بيروت. اكتشفوا أن هناك شيئاً معلقاً بالهوائي، تتبعوه ورأوا قنبلة تحت كرسي كابتن الطائرة وساعتها «قامت القيامة».
فخخت الطائرة في مطار بيروت. أبدلنا الطائرة وسافرت إلى اليمن. يعني هذه كانت بالجرم المشهود إذا شئت. جاءت المخابرات السورية، كانوا بالمطار، صادروا القنبلة، صادروا كل المعدات، ليمنعوا أي أحد من أخذ البصمات أو أي دليل آخر. حصلت محاولات ولكن كنا نكتشفها قبل أن تأخذ مداها. هناك ثلاث محاولات لا أذكرها، لا أحب أن أتذكرها، لكن المحاولة التي ثبتت وكانت على وشك أن تنفذ كانت قضية طائرة اليمن.
طبعا من يقدر أن يفخخ طائرة تحت الحراسة؟ طائرة رئاسية تحت الرقابة من يجرؤ على الدخول إليها؟ ثم بعد أن اكتشفوا القنبلة منعت المخابرات السورية المخابرات اللبنانية من الاقتراب من الطائرة، وفكوا جهاز التفجير وأخذوه معهم».
المخابرات السورية «خططت اغتيال بشير»
وعما إذا كان يعتقد أن الأجهزة السورية لها علاقة باغتيال شقيقه بشير، قال أمين الجميل: «هذه ثابتة. الذي اغتال بشير هو عنصر تابع للحزب القومي السوري، ومعروف أن هذا الحزب في ذلك الوقت مع أسعد حردان وجماعته، (مرتبطون) مباشرة مع جهاز المخابرات السورية، يعني الأساس (في التخطيط) أجهزة المخابرات السورية، وتنفيذ العملية «المجيدة» لأسعد حردان وجماعته في الحزب القومي السوري. وانكشف الذي نفّذ التفجير وهو (حبيب) الشرتوني. وعندما اقتحمت القوات السورية في أيام الرئيس (إلياس) الهراوي القصر الجمهوري وطردوا ميشال عون، توجهت فرقتان عسكريتان واحدة إلى القصر الجمهوري، وأخرى إلى سجن رومية لتحرر حبيب الشرتوني، ونزل الشرتوني من السجن وأدلى بتصريح طويل قدم فيه شكره لسوريا وتحدث عن أمجاد الفريق الذي ينتمي إليه. الشرتوني كان تابعاً مباشرة للحزب القومي السوري وهم سلحوه وجهزوه وساعدوه. كان الاغتيال بوضع عبوة ناسفة في مكتب بشير، وكان لدى الشرتوني وصول إلى المكان لأنه كان ساكناً في البناية. وضع القنبلة أول مرة لكن لم تكن لديه الشجاعة ليفجر لأنه في قلب منطقة سكانية وهناك جماعة يعرفهم ويعرف أهلهم. المرة الأولى جَبُنَ ولم يتجرأ، والمرة الثانية لم يجرؤ، وعندما وبخه مسؤولو الحزب القومي السوري وأفهموه أن هذا غير مقبول وأن القضية كلها بيده وهو سينقذ البشرية كلها، في المرة الثالثة تجرأ وفجر.
صدر بحق الشرتوني حكم بالإعدام لكنه لم ينفذ. كان مسجوناً في سجن رومية، وجاء الجيش السوري، فتح زنزانته وأنزله بمظاهرة طويلة عريضة. وهذا دليل قاطع. صعود فرقة من الجيش السوري، هل تحتاج إلى كل هذا؟ وعلى كل حال الجيش السوري كان مسيطراً على الأجهزة كلها وكان يقدر باتصال بقائد للسجن أن يرسل لهم الشرتوني، لا أن تطلع فرقة عسكرية بأمها وأبيها طوقت السجن ودخلوا إلى زنزانته وحملوه وجاؤوا به مثل المنتصر على الراحات. جاؤوا به إلى بيروت وعقد مؤتمراً صحافياً أشاد فيه بسوريا وافتخر باغتيال بشير الذي هو خائن صهيوني»، على حد تعبيره.
قصة اللقاء الأخير مع الأسد
وتحدث الجميل عن لقائه الأخير مع الأسد الأب وفشل محاولة الاتفاق على مخايل الضاهر رئيساً لقاء ضمانات، فقال: «اجتمعت بالرئيس الأسد قبل يومين من نهاية ولايتي، وكنا نحاول العثور على حل. كنت مهتماً بإيجاد حل وأن ينتخب الرئيس بشكل طبيعي حسب الدستور وأن نجنب لبنان فراغاً قاتلاً. آخر زيارة قمت بها إلى الرئيس الأسد في سوريا، كنت حاملاً معي مشروع حل: انتخاب مخايل الضاهر لقاء ضمانات معينة لن أدخل الآن في تفاصيلها.
بينما كنت عند الرئيس الأسد أشرح له الموضوع وما هو الحل الذي أحمله، وهو كان حلاً يمكن أن يطبق، ورد خبر إلى الرئيس الأسد، أدخلوا له ورقة، أن هناك اجتماعاً في وزارة الدفاع في لبنان بين الدكتور سمير جعجع وقائد الجيش العماد ميشال عون ولا أعرف من أيضاً. فسّر الأمر بمثابة انقلاب على الرئيس الجميل، وإذا وافقت سوريا فسيحصل عليه انقلاب في لبنان، خاصة أن الاجتماع حصل في وزارة الدفاع. هذه أفشلت اجتماعنا. قال الرئيس الأسد: تفضل.
وفي الواقع حصل هذا الاجتماع (بين عون وجعجع). الاجتماع ما كان سيؤدي إلى انقلاب لكن هذا الذي حصل يومها، فتوقف البحث (مع الأسد) ورجعت إلى بيروت لنعالج الموضوع ثم نستمر بالبحث. رجعت إلى بيروت ولم نقدر على أن نخرج من هذا المأزق. هذا لأقول إنني ذهبت إلى الرئيس الأسد قبل انتهاء ولايتي تقريباً واختلفنا ولم نتوصل إلى نتيجة للأسباب التي ذكرتها. رغم ذلك، وكان الرئيس الأسد مريضاً، لكنه أصر على أن يوصلني إلى المطار وينتظر لتطير الطائرة، لترَ إلى أي حد كان هناك احترام، قلت له: سيادة الرئيس، ما في لزوم. أوصلني إلى المطار وقبلات قبل (صعودي إلى) الطائرة وأكد أنْ نحن إخوة ونظل إخوة مهما حصل. صعدنا إلى الطائرة ورجعنا إلى بيروت، وبقيت الأمور على حالها، أي لم نقدر على أن نتوصل إلى حل في قضية الرئاسة، وبعد أيام حصل اتصال بيني وبين الرئيس الأسد. كنا نستعرض على التليفون، وأنه إن شاء الله نلتقي قريباً، وقال لي الرئيس الأسد: البيت بيتك مائة أهلاً وسهلاً بك. انتهت. بعد كم يوم، حصلت معي مشاكل في لبنان. اعتبرت أنه من الأنسب أن أغادر قليلاً، أبتعد عن الساحة اللبنانية، لأنه حصلت فوضى. فراغ تبعته فوضى، ولا أريد أن أكون جزءاً من هذه الفوضى».
الجميل: خدام كان عصا يحركها الأسد… وأساليبه خبيثة ولئيمة قال لـ«الشرق الأوسط» إن حافظ لم يفاتحه بموضوع تحالف الأقليات لكن رفعت كان يجاهر به (2 من 3) بيروت: غسان شربل/الشرق الأوسط/12 نيسان/2025
كان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مفاوضاً بارعاً وحريصاً على صورته. كان يفضل إنهاك الزائر برحلة طويلة عبر التاريخ قبل التطرق إلى جوهر المحادثات. وكان قادراً على كبح غضبه والالتفاف ثم معاودة الكرة. وكان يتفادى الألفاظ الخشنة وترك الكراهيات تعبر عن مشاعرها. لكنه لم يكن ينسى أولئك الذين حاولوا عرقلة مشروعه، وبينهم ياسر عرفات وكمال جنبلاط وبشير الجميل وأمين الجميل وسمير جعجع.
وفي اتهام الآخرين والعمل على تطويعهم، كان لدى الأسد – على حد قول الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل في الحلقة الثانية من مقابلته مع «الشرق الأوسط» – عصا اسمها عبد الحليم خدام الذي كان وزير خارجيته ونائبه لاحقاً. وكثيراً ما اعتبر سياسيون لبنانيون أن «فظاظة خدام وليدة تكليف رسمي من معلمه». ولم يكن الأسد يلجأ إلى التهديد المباشر لزائره ويفضل الإيحاء – كما حدث حين حكى للجميل أن مساعديه اقترحوا تفجير طائرة الرئيس أنور السادات لمنعه من الوصول إلى القدس.
تعمد خدام في أحيان كثيرة إذلال حلفاء سوريا وخصومها حين يعاندون ويخرجون عن الخط الذي ترسمه. وكان يتعمد إقلاقهم كي يصلوا مستسلمين إلى مكتب السيد الرئيس. سألت خدام «المتقاعد» في باريس عن اتهامه بتجاوز الحدود والخشونة، فأجاب أن الغرض لم يكن الإهانة، بل تفادي الوصول إلى صدام قد تكون عواقبه سيئة إذا أوكلت تسوية الأمور إلى الأجهزة الأمنية. وفي الجلسة نفسها، قال خدام إن أمين الجميل «عرقل طويلاً الوصول إلى حل في لبنان، وكان كثير التردد والشكوك». ولم ينكر أن الأسد فوجئ بسقوط «الاتفاق الثلاثي»؛ إذ لم يعتقد أن أحداً في لبنان يمكن أن يقدم على مثل هذا التحدي السافر لسوريا وللأطراف التي وقّعت الاتفاق.
«كانت لدى الرئيس الأسد أوراق كثيرة، ولم تكن لدى الرئيس سركيس أي أوراق. كان باستطاعة الأسد إسقاط الحكومة اللبنانية أو شلّها قبل عودة الرئيس اللبناني إلى بيروت. ولم يكن لدى سركيس ما يضغط به على الأسد. لكن سركيس الذي كان يبدي مرونة كان يتصلب حين يرى أن المطلوب منه يمس بالثوابت اللبنانية»، هذا ما سمعته من وزير الخارجية اللبناني فؤاد بطرس، ولعله يصدق أيضاً على علاقة الجميل بالأسد. وقال بطرس إنه كان يمارس أقصى درجات الجدية لمنع خدام من أخذ الحوار إلى اتهامات وعبارات غير رزينة».
طلبت من الجميل أن يتذكر علاقته بخدام وها هو يروي: «من الأساس، لم يكن هناك ود بيني وبين خدام؛ لأنه كان يستعمل وسائل قوطبة (عرقلة) على رئاسة الجمهورية، وتأليب فريق عملي عليّ، أي كانت هنا وسائل خبيثة ولئيمة لإرباك الرئيس اللبناني. الرئيس الأسد بقدر ما كان ودوداً معي ويتصرف معي باحترام، بقدر ما كان بحاجة إلى فريق آخر يحرك العصا. والعصا كان خدام. يعني كل الضغوطات التي كانت تمارس عليّ، والتي كانت بمعرفة الرئيس الأسد، كان ينفذها عبد الحليم خدام.
خدام هو العصا والسم. من أول الطريق، لم تكن هناك علاقة ودية معه. بقدر ما كان الأسد مهذباً ولطيفاً معي، بقدر ما كان خدام يجسد المقلب الآخر من سوريا الذي يريد أن يوقّع أمين الجميل مرغماً على اتفاقات تضر بمصلحة لبنان. كنت أضع خدام عند حدوده. لم يستطع التطاول عليّ. كنا في اجتماع مرة مع الأسد، وكان موجوداً، وكان يشيع قبل الاجتماع أننا اجتمعنا مع بعض جماعتنا في لبنان، ويورد قضايا سخيفة، يعني خارج إطار المألوف. دخلنا إلى الاجتماع، فقال خدام كلمتين، فقلت للرئيس الأسد: سيادة الرئيس، نحن لدينا مشكلة مع خدام، ليتك تقول له أن يوقف جاسوسيته، الأسلوب الجاسوسي، في التعاطي معنا. خدام، كنت ألزمه حدوده، ولا يأخذ راحته معي كثيراً. كان مهيمناً على كثير من اللبنانيين، وفارضاً وهرة على اللبنانيين، وهذه لا تمشي معي.
كان بلا تهذيب. وكان وقحاً إلى درجة تبتعد عن المنطق والتهذيب. لكن معي أنا، كان يعرف أن أي كلمة خارج الحدود سيتلقى جواباً عليها».
الأسد ولغة الأقليات
أدرك حافظ الأسد باكراً هشاشة التركيبة اللبنانية وعدّها لقاء أقليات تحتاج دائماً إلى من يرعى حروبها وهدناتها. سمح بالانتصارات المحدودة ومنع الهزائم الساحقة؛ لأنها تبطل الحاجة إلى وصي أو وسيط. كان يريد أن يحكم سوريا كلها وإلى الأبد، وأن يكون لبنان حديقة ملحقة بنظامه. لم يستخدم لغة الأقليات والطلاق بين المكونات التي جاهر بها شقيقه رفعت أمام وليد جنبلاط ومروان حمادة، داعياً إلى تقسيم لبنان وسوريا معاً.
سألت الجميل إن كان شعر خلال حواراته مع الأسد أنها في عمقها حوار بين علوي وماروني، فأجاب: «لا، هذه كانت مع رفعت (الأسد). رفعت عندما بدأ يلعب دوراً في سوريا على الصعيد السياسي، كان يطرح هذا الموضوع، أي نحن الأقليات يجب أن نتفاهم مع بعضنا وأن نتضامن. هذه اللغة لم تكن في أي مرة على صعيد النظام. لا الرئيس الأسد ولا الحاشية كانت تطرح الموضوع من هذه الزاوية. نعم، رفعت كان يتحدث علناً عن أنه يجب أن يكون هناك تفاهم. لكن التفاهم بالتأكيد، على مقاسهم هم.
كانت سياسة حافظ الأسد ترمي إلى جمع الأوراق. هكذا كانت علاقته مع الدروز، والتصادم بينه وبين كمال جنبلاط ضمن هذا الإطار. كان يستعمل دروز سوريا، وكان يستعمل الأقلية المسيحية في سوريا. كان واضعاً يده على الأقليات كي يجمعها كلها تحت رايته هو ولتكون جزءاً من النظام السوري.
قصة التوتر بين السنة والعلويين كانت مكشوفة. وكان رفعت يعلنها، وعندما يتحدث إلينا كان واضحاً وجود العداوة بين العلويين والسنة، لكن مع الرئيس الأسد لم يكن يبدو لها أي أثر، لكن باطنياً ماذا هناك؟ لا يعرف أحد ماذا يوجد في باطن الآخر، لكن في الممارسة معنا، في العلاقة، لم نكن نشعر أبداً بهذا الشيء».
سألته عما تردد عن أن الرئيس كميل شمعون طرح ذات يوم على الرئيس الأسد أن تقوم علاقة كونفدرالية بين لبنان وسوريا، فأجاب: «ليس صحيحاً. هذا ليس صحيحاً أبداً. لا يمكن أن يكون الرئيس شمعون طرح مثل هذا الطرح. صدرت أخبار كثيرة. صدر خبر ثان أن (المبعوث الأميركي إلى لبنان) دين براون عرض على البطريرك نقل المسحيين إلى كاليفورنيا، كل هذا كلام للاستهلاك، كلام شعر ليس له مدلول على الأرض».
ضغط أميركي لمصلحة إسرائيل… وسوريا
استفسرت من الجميل عن عبارة المبعوث الأميركي ريتشارد مورفي: «مخايل الضاهر أو الفوضى» التي تردد أنه قالها للقيادات اللبنانية في خضم أزمة رئاسة الجمهورية عام 1988، باعتبار الضاهر المرشح الوحيد الذي تقبل به دمشق وتوافقت عليه مع أميركا، قبل أن يتنكر لها لاحقاً.
قال الجميل: «نعم مورفي قالها. كانت لدينا مشكلة. الأميركي يريد سوريا ولا يريدها. يعرف أن سوريا دورها سلبي جداً في لبنان، لكنه لا يريد أن يعاكسها، لا يريد أن يخوض معركة معها. فكان يظل يدفع لكي يجد قاسماً مشتركاً مع سوريا وليس معنا نحن. وقضية مورفي أنهم اعتبروا مخايل الضاهر تسوية؛ لأن مخايل الضاهر رجل محترم إلى حد يمكن أن يكون مقبولاً لبنانياً، فلذلك مشوا مع سوريا بترشيح مخايل الضاهر. وكان الأميركيون، مثل كل سياستهم عندنا في لبنان، مع سوريا وغير سوريا كما كان في اتفاق 17 مايو (أيار) مع إسرائيل، كانوا دائماً في الحلول في المقلب الآخر. يريدون أن يفرضوا على لبنان بعض الأمور؛ أي إنهم لا يقدرون على إسرائيل، فلبنان لازم يدفع. لا يقدرون على سوريا، سوريا عنيدة وعندها الإمكانات ولا يريدون أن يصطدموا معها، كانوا يجربون أن يقنعونا بشيء ليس لصالح لبنان كثيراً. كانت أميركا، البراغماتية الدبلوماسية الأميركية، تريد حلولاً بأي ثمن. من الطرف الذي يستطيعون أن يأخذوا منه بأسرع ما يمكن. من الذي يستطيعون أن يمونوا عليه؟ كان عندهم حرص على إرضاء سوريا، كما كان عندهم حرص على إرضاء إسرائيل. في الاتفاق مع إسرائيل، كانوا كثيراً يزركوننا (يحشروننا) في نواحٍ معينة، ومع سوريا أيضاً، كان من الواضح أنهم لا يريدون أن يزعلوا سوريا، ومن الواضح أنهم في النهاية يعرفون أن القوة بيد سوريا ولا يريدون أن يواجهوا هذه القوة، لذا يحاولون أن يجدوا طريقة ليمشّوا المصلحة السورية بأي ثمن. هذه كانت قصة مخايل الضاهر».
وعن أبرز موفديه إلى دمشق، قال الجميل: «في الأساس العلاقة والقرار بيدي أنا. والقرار كنت أنا أفاوض عليه. بالنسبة إلى التمهيد، كان جان عبيد (الوزير الراحل)، ولعب دورا مفيداً جداً، رجلاً ذكياً وحريصاً على المصلحة اللبنانية وعلاقاته حميمة مع السوريين. لعب دوراً إيجابياً، لم يقدر أن يأخذ كل شيء، إنما حلحل بعض الأمور. إيلي سالم كذلك لعب دوراً إيجابياً. وبطريقته البديهية، كان يقدر أن يصل إلى بعض الأمور المعينة، وخاصة مع خدام الذي كان يعرف أن علاقتي به ليست طيبة، وكان هو يحاول أن يعوض من هذه الناحية، وكانت علاقته جيدة مع خدام واستطاعا أن يصلا إلى كيمياء مشتركة. هذان الاثنان كانا أساسيين، وما تبقى كانت الأجهزة. والذي لعب دوراً، ستتفاجأ، إيجابياً جداً في هذه العلاقة (الضابط) جميل السيد. جميل السيد كان ضابط مخابرات في الجيش اللبناني في البقاع. وعندما كنت أذهب إلى الشام كنت أتوقف في البقاع وأجتمع به ويعطيني معلومات دقيقة جداً جداً عن الوضع في القصر الجمهوري والوضع السوري بصورة عامة. كان مطلعاً وكان مخلصاً. أشعر أنه كان يعطيني معطيات غير موجودة عند العموم وتفيد لبنان».
هل كان هناك انزعاج سوري من دور غسان تويني معك؟ قال: «لم يكن هناك ود لغسان أبداً. غسان جاء مرة واحدة معي إلى سوريا. لم يكن هناك ود. كانت هناك مشادات عندما يكون موجوداً. غسان وخدام يلعبان كرة الطاولة بعضهما مع بعض. يرمون الطابة بعضهما لبعض. لم يكن لديهما حب له بسبب جريدة (النهار). لم تكن ترحم سوريا، وبقدر ما يتنصل غسان من أي مقال فيها، تبقى ظاهرة للكل».
سوريا واغتيال بيار الجميل
أسأله عن اغتيال نجله الوزير والنائب بيار الجميل، وما إذا كان مقتنعاً بأن سوريا في عهد بشار الأسد وراء الاغتيال، فيجيب: «نحن قناعتنا أنه لا يمكن أن يُفعل هذا الشيء إذا لم تكن هناك يد سورية؛ لأن المخابرات السورية كانت ممسكة بكل المفاصل، خاصة في تلك المرحلة بالذات. انسحبت القوات السورية لكن بقيت المخابرات بالكامل. بقيت المخابرات في بيروت، والذي أخذ محل السوري هو الإيراني، وكانت هناك وحدة حال بين إيران وسوريا، وبقيت إيران بعد ما كانت ركزت أجهزة المخابرات التابعة لها.
«حزب الله» لم يكن أخذ كل هذا النفوذ، كانت سوريا لا تزال هي الأداة التنفيذية لإيران في تلك المرحلة، حتى تمكن لاحقاً الإيرانيون ورتبوا «حزب الله» بالشكل المعروف، وأخرجوا سوريا من الساحة السياسية إلى حد ما.
لا توجد قصاصة ورقة في ملف التحقيق في اغتيال بيار. معروف أن القضاء لا يستطيع العمل إلا بالتعاون مع قوى الأمن، قوى الأمن تتقصى وتأتي بالمعلومات، قوى الأمن هي التي تحضر للقاضي الدعوى، وكان ممنوعاً على القضاء، على قوى الأمن، إعطاء أي معلومات لديهم عن هذا الموضوع.
لا توجد ولا قصاصة ورق في الملف. لا توجد أي قصاصة ورق على الإطلاق. رغم كل تقديري للقضاة المحققين، ماذا يقدر أن يفعل القاضي إذا قوى الأمن لا تنفذ استنابته؟ لا نزال حتى اليوم نتأمل. ثمة شاب صديق لنا التقى بالرئيس أحمد الشرع في سوريا في مناسبة معينة، وتحدث معه عن موضوع بيار. الرئيس الشرع، عندما عرف أن الشخص قريب منا، فتح السيرة وقال له نحن نعرف كم عانى لبنان والاغتيالات ومنها بيار الجميل، ذكر بيار الجميل، أرسلنا للرئيس الشرع نسأله إن كان يمكنه أن يساعدنا في توفير معلومات إضافية حول هذا الموضوع ووعد خيراً».
سقوط بشار وصعود الشرع
لم يستغرب الجميل سقوط نظام بشار الأسد. قال إن الأمر كان متوقعاً؛ «لأن الرئيس بشار لم يكن مؤهلاً للوصول إلى هذا الموقع… وكان لديه نوع من الطموح الشخصي يفوق قدراته، فضلاً عن أن الطاقم المحيط به لم يكن على قدر المسؤولية، وقدم مصالحه الشخصية على ما عداها».
وعن رأيه بإطلالة الرئيس الشرع على الساحة السورية، قال: «نتمنى له التوفيق، ونحن بحاجة إلى أن يكون في سوريا قيادة منفتحة وعندها تفهم للمصلحة اللبنانية – السورية بشكل نظيف ونزيه، وهو يظهر الاستعدادات الطيبة، لكن المهم أن يدعوه يعمل. إلى أي حد سيستطيع الوصول إلى النتيجة المرجوة، ونحن نتمناه، خاصة بعد كل هذه المواقف والتصريحات التي تصدر. شيء يطمئن، هل يستطيع يا ترى أن ينفذ؟ هل يستطيع يا ترى أن يأتي أحد من الرعيل الأول في هذه التنظيمات المعروفة يخرب مشروعه؟ لا يزال من السابق لأوانه أن يعرف المرء ماذا سيحصل، لكن المهم أولاً أنه انتهى عهد الأسد وهذا شيء إيجابي جداً، وأي شخص سيأتي من بعده لن يكون أسوأ منه، ثانياً، التصريحات الأولية للرئيس الشرع مطمئنة، ثالثاً المهم أن يقدر أن يطبق ويستوعب الأجنحة المتعددة والمتضاربة في سوريا، يستطيع أن يستوعبها حتى يخلق مناخاً جديداً لسوريا؛ لأن الدولة يجب أن يكون فيها تضامن. ما نعاني منه في لبنان، هذا التشرذم في السلطة. بقدر ما يستوعب القيادات الأخرى ويوحد القرار بسوريا، بقدر ما يخدم مصلحة سوريا ومصلحة لبنان ومصلحة المنطقة».
الإطلالة الأولى للحريري
سألته عن الإطلالة الأولى لرفيق الحريري على الملفات اللبنانية في عهده، فقال: «نعم. أول مرحلة، جاء رفيق كمندوب للملك فهد بن عبد العزيز للقيام ببعض الأعمال الإنمائية. مثلاً أول عمل كان تنظيف شارع المعرض، أنفقوا مبلغاً معيناً لتنظيف شارع المعرض وتأهيله. كان وقتها مغطى بالركام. وبعض المشاريع. كان هناك مبلغ معين تسلمه رفيق الحريري، وهو مخصص لبعض القضايا. المساعدات الاجتماعية بكثافة، وبعدها تطورت الأمور حتى بدأ رفيق يأخذ موقعاً سياسياً خاصة في مؤتمر لوزان ومؤتمر جنيف. كان مرافقاً للسفير السعودي والمندوب السعودي لهذا المؤتمر، وضابط ارتباط بينهم وبين القيادات اللبنانية، ونسج علاقات مع معظم القيادات اللبنانية، ولعب دوراً تنسيقياً ودور تبادل آراء في هاتين المرحلتين، مرحلة لوزان ومرحلة جنيف، لم يلعب دوراً سياسياً أبعد من هذا الشيء في عهدي».
أما عن تجربة رفيق الحريري في عهد الأسدين، فيقول الجميل: «قد أكون الأقدر على فهم ما عاناه الحريري في ضوء تجربتي؛ لأن المعاناة تتشابه. متى بدأت الصراعات بين الحريري والأسد؟ عندما بدأ الأسد يطلب من الحريري أموراً فوق طاقة الحريري القبول بها، والتي هي تتعلق بسيادة لبنان واستقلال لبنان. مر بمراحل صعبة جداً جداً. علينا أن نتذكر عندما اضطر أن يوافق على التجديد لإميل لحود. كانت كارثة له، لم ينم الليل. لا يستطيع أن يقول لا ولا يستطيع أن يقول نعم. وأنا مررت بها. أنا قلت لا وظللت حياً. مررنا بالمعاناة نفسها، أنا وهو، فيما يتعلق بهذه النقطة بالذات. لذلك، أنا أفهمه تماماً. وأيضاً، بقيت العلاقات طيبة جداً بيننا وبينه، لأننا نفهم بعضنا.
كنت ألتقي الحريري كثيراً. وكنت أحكي له عن تجربتي. لم يكن يريد التحدث عن تجربته. كان يعرف أن الحيطان لها آذان، ولم يكن يجرؤ على التحدث كي لا يصل الكلام إلى السوريين. كنا نفهم بعضنا «على الطاير».
في عهد بشار، قاوم الحريري بشراسة. ظاهرة رفيق الحريري مميزة ومضمونها نقيض مصلحة سوريا في لبنان. من هنا، بقدر ما هو قريب إلى الخليج ولديه هذا المفهوم للبنان المعتدل المنفتح ولبنان الدور الإقليمي والدولي، بقدر ما يزعج هذا الشيء سوريا. لا أريد أن أعمل تشبيهاً، لكن بصورة ما، كانت لدينا نفس الأهداف، ولهذا السبب نفس الحساسية مع السوريين.
الحريري واختراق النظام السوري
تجاوز حضور الحريري في سوريا الحدود المسموح بها. لا أعرف إلى أي حد، كان خدام مؤمناً بالأسد أكثر مما هو مؤمن برفيق الحريري مثلاً. هذا ما أقوله لك. هناك شخص فهم المسألة بذكاء. إنه رئيس الأركان حكمت الشهابي، ترك سوريا وراح إلى أميركا. تركها بحجة مشاكل صحية. وهناك مجموعة كبيرة صارت قريبة من رفيق الحريري. وبعض أبنائهم استفادوا من الحريري ودرسوا على حسابه.
اخترق الحريري النظام السوري بكل معنى الكلمة. نتحدث ماذا أعطى سوريا وماذا أعطته سوريا. أعطى سوريا، أتذكر عندما جاء شيراك إلى لبنان، وقال في مجلس النواب إن اللبنانيين يجب أن يفهموا الموقع السوري في لبنان، وأن الجيش السوري في لبنان عنصر إيجابي، ويجب ألا تطالبوا أنتم بانسحاب الجيش السوري. ما ثمنها هذه؟ كان الحريري يبيع سوريا هذا الموقف نظراً لتأثيره على شيراك. أثّر على شيراك ليأتي ويقول كلاماً عكس جمهور فرنسا في لبنان، جمهور فرنسا في لبنان يريد انسحاب السوري، بينما طرح شيراك عكس المفهوم. سلف رفيق سورياً كثيراً.
لسوء الحظ، أنا كنت أتوقع استهداف الحريري، وقلت: انتبه لحالك. رفيق الحريري وصل إلى مرحلة أعطى لبنان نفساً أكثر مما تستطيع سوريا أن تحتمله. أعطى للبنان نفساً وموقعاً. مثل اجتماعاته مع الرئيس جاك شيراك، واجتماعاته مع السعودية، ومع الأميركيين، واجتماعاته مع اللبنانيين، منفتح على الكل، لا يوجد لبناني لم يتواصل معه، هذا كله نقيض ما تريده سوريا في لبنان. سوريا تريده معزولاً عربياً أولاً، ودولياً ثانياً. سوريا تريد أن تكون هي المرجع بين اللبنانيين بين بعضهم البعض. إذا أمين الجميل يريد أن يتحدث مع أخيه فعليه أن يذهب إلى الشام أو إلى عنجر، ومن هناك يتم التواصل، بينما رفيق الحريري تجاوز هذا المنطق وأعطى، حقيقة، طموحاته الوطنية بُعداً أبعد من أن تستوعبه سوريا على الصعيد اللبناني».
أمين الجميل: حاولت بطلب من صدام إبعاد شبح الحرب الأميركية على العراق قال لـ«الشرق الأوسط» إن السعودية هي «الأخ الأكبر الذي لم يطعن لبنان يوماً في الظهر» (3 من 3) بيروت: غسان شربل/الشرق الأوسط/13 نيسان/2025
كان عهد الرئيس أمين الجميل (1982 – 1988) صعباً وصاخباً. انقسم فيه اللبنانيون واشتد الصراع الإقليمي والدولي على لبنان. بدأ العهد بذيول الغزو الإسرائيلي لبيروت واغتيال شقيقه الرئيس المنتخب بشير. ولم تتأخر المحطات الصعبة. في السنة التالية للغزو دعمت موسكو ودمشق رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط فكانت «حرب الجبل» التي أحدثت تمزقاً عميقاً في نسيج التعايش الدرزي – الماروني في الجبل. وفي 1984 دعمت دمشق رئيس حركة «أمل» نبيه بري فكانت «انتفاضة 6 شباط» (فبراير) التي غيّرت ميزان القوى بين الطوائف اللبنانية. حدث آخر بالغ الدلالات وقع في 1983. فجر انتحاريان مقري «المارينز» و«الوحدة الفرنسية» في القوة المتعددة الجنسيات في لبنان فسقط مئات القتلى وانسحب الدعم الغربي. وعلى دوي تلك التفجيرات سيولد «حزب الله» الذي تحول في القرن الحالي اللاعب الأول في لبنان، خصوصاً بعدما ورث الدور السوري فيه. وفي عهد الجميل حاولت سوريا إبرام سلام الميليشيات في لبنان، لكن «الاتفاق الثلاثي» سقط فاتحاً الباب لمزيد من الحروب وجولات التفاوض. لم يستسلم الجميل لمحاولات إخضاع عهده أو تطويقه. سعى إلى إبقاء علاقات لبنان الغربية حاضرة وحية، وعزز الروابط مع الاعتدال العربي، وأقام علاقات مع الرئيس صدام حسين والعقيد معمر القذافي وغيرهما، كما يروي في الحلقة الأخيرة من مقابلته مع «الشرق الأوسط».
علاقة وثيقة بالسعودية وملوكها
سألت الجميل عن علاقته بالمملكة العربية السعودية، بدءاً بزيارتها برفقة والده بيار الجميل للقاء الملك فيصل بن عبد العزيز، فأجاب: «أنا فخور بهذه العلاقة. فخور أنني تعرفت على كل الملوك، من الملك فيصل إلى الملك سلمان. لا يوجد ملك منهم لم تكن تربطنا به علاقة حميمة، وأنا أفتخر بهذا. معظمهم كانت لديهم عاطفة خاصة تجاهي».
ويضيف: «في هذه المرحلة التي يعيشها لبنان، السعودية هي الأخ الأكبر، السعودية هي التي لم تطعن لبنان يوماً في الظهر، السعودية الوحيدة التي كانت بالسراء والضراء إلى جانب لبنان، وتمده بكل الدعم المعنوي والاجتماعي والإنساني في كل المراحل. لا يمكنك أن تنكر هذا الشيء. لا يمكنك أن لا تقدر هذا الشيء. لا يمكنك ألا تحترم الناس الذين احترموك ودعموك في الظروف الصعبة».
ويروي الجميل واقعة طريفة لا تخلو من دلالة مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، قائلاً: «الملك سلمان، الله يطول بعمره، كنت مداوماً على زيارته عندما كان أمير الرياض. مكتب الرياض يعرفني تماماً، وكنت كلما ذهبت إلى المملكة، كان بديهياً أن أزور إمارة الرياض. مرة ذهبنا، وكان لدي موعد معه، أخذنا إلى الصحراء في مكان ما لديه نوع من مكان إقامة فيه. خيام على الطريقة القديمة، وبين هذه الخيم كان هناك مكتب له فيه (وسائل) اتصالات، آخر طراز الاتصالات، الإنترنت قبل الإنترنت. وبينما كنا نتحدث معاً، قال لي أنا يمكنني أن أتصل من هنا بأي كان وفي أي وقت. قلت له: هل يمكنني أن أتصل ببيتي؟ قال لي: لا. أنا استغربت فسارع إلى القول: لا يمكنك أن تتصل ببيتك لأن بيتك هنا. هكذا كان الجو حميماً، وأنا عندي تقدير واحترام».
وأضاف: «حقيقة، في الأيام الصعبة، دائماً كانت المملكة بجانب لبنان، وإلى حد اليوم، رغم العتب والزعل بالنسبة لنكران الجميل من بعض لبنان تجاههم والتصرف الذي حصل في ظل الهيمنة الإيرانية وغيره، بقيت المملكة عينها على لبنان، وقلبها على لبنان، وانتظرت أول فرصة حتى ترجع (إليه). وإذا كان اليوم لبنان ينعم بهذا الأمل الجديد فهو بفضل المملكة التي وضعت كل ثقلها ونفوذها لإعادة إيقاف لبنان على رجليه وتعزيز قدراته وبناء المؤسسات الدستورية لتستأنف دورها».
سيارة صدّام المصفحة
عن علاقته بالرئيس صدام حسين، قال الجميل: «كانت علاقة حميمة جداً، وأنا زرته مرات عدة في بغداد. في يوم، وكنت رئيساً جرت محاولة اغتيال ضدي، اتصل بي وقال لي: ماذا تفعل أنت؟ يقولون لي إن أمنك يحتاج إلى شدشدة؟ قلت له: نفعل ما بيدنا، والله هو الذي يحمي. قال: لا، هذا ليس عملاً، سأرسل لك سيارتي. في اليوم التالي تصل سيارته وهي مصفحة بالكامل، تصفيح قوي من الداخل والخارج. وصلت بالطائرة. لترى كيف كانت لفتته واهتمامه بأمني».
استمرت هذه العلاقة حتى اللحظات الأخيرة لحكم صدام، حين وصل الجميل طلب فاجأه. يتذكر: «بقيت العلاقة حميمة إلى درجة أنه عشية الحرب (الغزو الأميركي) بعث لي خبراً أنه يريد رؤيتي، فذهبت إلى بغداد. قال لي الأمور ليست سوية بيننا وبين الأميركيين، وهناك صدام معهم، ما رأيك؟ أنت لديك علاقة جيدة معهم، هل نستطيع أن نفهم شيئاً منهم؟ ماذا نفعل؟ قلت له إن هذه قصة كبيرة، أكبر مني. لدي علاقات جيدة، لكنها ليست على مستوى، عندما كنت رئيساً كانت على مستوى الرؤساء. الآن لدينا علاقات أقل. قال لي: حاول. ذهبنا إلى أميركا، واجتمعنا مع بعض الناس. وكان من المهم ألا نعقد اجتماعاً مع المسؤولين المباشرين، أي الفريق الرئاسي، لئلا يسلط الإعلام الأميركي الضوء علينا ويحولها إلى قضية. كنا نمشي على رؤوس أصابعنا لنصل إلى نتيجة.
لي قريب في أميركا من آل الجميل، من أهم المحامين الذين حصلوا على رقم قياسي في كتاب غينيس. من أهم المحامين في أميركا، ولديه علاقات. تحدثنا معه، وهذه قضية عائلية لا تحدث جلبة، وهو كانت علاقته جيدة مع جيمس بايكر الذي كان وزيراً للخارجية وتولى حقائب وزارية عدة في أميركا. عقدنا اجتماعاً معه، وحينها لم يكن في الإدارة ومتقاعداً تقريباً لكن لديه كل العلاقات. كنا نحاول ألا نتسبب بأي إحراج للإدارة.
كان هذا قبل الحرب الكبيرة على العراق. عرضت عليه الموضوع، فقال لي: دعنا نرى ماذا يمكننا أن نفعل. بعد ثلاثة أو أربعة أيام، أنا بقيت في هيوستن حيث مركزه، عقدنا اجتماعاً وقال لي عندي باب نور، هناك شيء يمكننا أن نقوم به، ابق معنا على الخط. وكان هو وزير مالية، ويوقع على ورقة الدولار. ذهب وراء مكتبته وأحضر رزمة دولارات، من فئة الدولار الواحد، وقال لي: لنر مدى حظنا في الموضوع، وقال لي: متى ولدت؟ قلت له: في 1942. أي تاريخ؟ قلت له: في كانون الأول، كانون الثاني. ذهب إلى دولاراته ونظر إذا كان بينها رقم يتناسب مع تاريخ ميلادي. وجدها، وقالي لي: هذا هو. وعندي الدولار موجود هنا. فقال لي عندنا حظ، هذا الدولار رقم عيد مولدك، والله يوفقنا. فقلت له: هذا الدولار أريده، وموقعاً منك بخط يدك. وقع عليه وأعطاني إياه، على أساس أنه دليل خير. وأكملنا، لكن لسوء الحظ، وكما يقولون سبق السيف العزل، والأميركيون كانوا حددوا موقفهم وانتهت القصة. حاول ولم ينجح، وهذه القصة لن نتوسع فيها، دخل فيها الفاتيكان ومجموعة عناصر، وكانت هناك محاولات عدة نسقناها بعضنا مع بعض لكي نصل إلى نتيجة، لكنها لم تعط نتيجة، ولكن المهم، أن التجربة أو المهمة التي قمنا بها بناء على طلب صدام حسين.
هذا بالنسبة إلى صدام، بقيت العلاقة جيدة جداً مع صدام ومع فريق صدام، كان وزير الخارجية طارق عزيز صديقاً لي، كانت العلاقة ودية جداً معه. ذهبت مرات عدة إلى العراق، في الحقبة التي كان صدام رئيساً فيها، وكان مهتماً أن يساعد في شيء. لكن وقتها، علاقته مع الأسد لم تكن جيدة. كان متحفظاً في كلامه. أكيد لم يكن هناك ود بينهما. هذا مع صدّام حسين، والسيارة لا تزال موجودة. السيارة مرسيدس موجودة، لكن الكراهية مع الأسد كانت أكيدة ومتبادلة. السيارة (موديل) سنة 80، حافظت عليها بيضاء، وتصفيحها رقم واحد، أي أهم تصفيح، ومازلت محتفظاً بها. كانت مشاعره جيدة تجاه لبنان وربطته علاقات بجهات لبنانية بينها العماد ميشال عون قائد الجيش إبان ولايتي. والحقيقة أنه أرسل مساعدات بكمية كبيرة».
تأمين صدام وشبيهه!
سألت الجميل عن أسلوب صدام واستقباله لضيوفه، فأجاب: «قريب جداً إلى القلب. عندما تكون معه رأساً برأس، لا يوجد بروتوكول. قريب إلى القلب. متحدث، متحدث مهم، وعندما تكون معه تنسى أنه هو صدام حسين الأسطورة أو التاريخ. ودود جداً عندما يكون لديه ثقة بالشخص. وكان الطريف أنك لتصل إليه هناك كثير من التمويه الأمني. قصة كبيرة، تلف مائة لفة ودوران، ثم تصل إلى مكان وتعتقد أنك وصلت إلى صدام حسين، ثم تتبين أنك وصلت إلى شبيه صدام حسين، وليست له علاقة به. ثم تأتي سيارة أخرى وتأخذك إلى مكان آخر، ثم تدخل إلى بيت متواضع جداً فتجد صدام حسين فيه. الاجتماع في بيت متواضع، في منطقة واسعة، بعيدة عن المطار، فيها مراكز كثيرة، وتظن أنه هذا المركز الرئيسي ثم يتبين أنه محطة، ثم تذهب إلى المحطة الأخيرة وتجد البيت المتواضع. ليس متواضعاً كثيراً لكنه عادي وليس بمستوى القصور. الإجراءات الأمنية صارمة جداً».
وعن الغزو العراقي للكويت، قال: «قصة الكويت قديمة في العراق كما هي قصة لبنان في سوريا. لكن التذرع بروايات تاريخية لا يبرر أبداً الاعتداء على سيادة الدول أو شطب الحدود الدولية المعترف بها… سألتني عن علاقتي الشخصية مع صدام حسين وأجبتك بأنها ممتازة وأنه كان يريد مساعدة لبنان. موقفه هذا لم يمنعنا من الوقوف بقوة ضد غزو الكويت البلد الذي ربطته دائماً علاقات ممتازة مع لبنان. فكما رفضنا سياسة الأسد الرامية إلى ضم لبنان إلى سوريا، رفضنا سياسة صدام الرامية إلى ضم الكويت إلى العراق».
الجميل والقذافي… من القطيعة إلى الصداقة
بدأت علاقة الجميل مع العقيد معمر القذافي في مناخ من التوتر والقطيعة لكنها تحسنت لاحقاً إلى درجة صار معها الرئيس اللبناني يشارك في معالجة مشاكل الزعيم الليبي وخيمته الجوالة. سألته فروى: «حين توليت الرئاسة كانت لدي ملفات، لا سيما ملف إيران وملف ليبيا. لم يكن هناك حديث عن مشاركة ليبية في قوات السلام العربية التي أرسلت إلى لبنان. بادرت ليبيا وبالتفاهم مع سوريا إلى إرسال وحدة عسكرية. دخلت وهذا شيء ضد المنطق وضد القانون وضد البروتوكول الدبلوماسي. عندما تسلمت (الرئاسة) بعثت رسالة مفادها أن هذا الوضع شاذ ومناف للدستور اللبناني ولبروتوكول جامعة الدول العربية، وطالبت القذافي بسحب الوحدة. لم يتجاوب، لا بل في الإعلام كان هناك موقف عدائي للبنان. أخذت قراراً بقطع العلاقات الدبلوماسية مع ليبيا. قطعنا العلاقات الدبلوماسية وسحبنا السفراء. هذا في بداية العهد. مرت الأيام، وكانت تربطني علاقة حميمة جداً وودية جداً مع الملك الحسن الثاني، ملك المغرب، وكان يصر علي حين أكون في المنطقة أن أزوره لتناول عشاء على انفراد. إنها جزء من هذه السفرات أو هذه الرحلات واللقاءات، غير السرية، لكن البعيدة عن الأضواء. تماماً بلا إعلام. اتصلت بالملك الحسن الثاني وأبلغته أنني موجود، فقال لي: تفضل تعال نتعشى معاً في اليوم الفلاني. أثناء العشاء، والملك الحسن الثاني رجل مهذب جداً وخبير في الأصول، غادر العشاء مرتين. استغربت إذ لم يكن ذلك من عادته. في المرة الثانية عاد ضاحكاً وقال لي: معمر القذافي على الهاتف. اتصل بي مرتين ويريدك أن تذهب إليه. قلت له: يا عمي الدم للركب بيننا وبينه وهناك قطع علاقات دبلوماسية. وكذلك كانت قضية إخفاء الإمام موسى الصدر ساخنة، كيف أذهب إلى هناك؟ قال لي: معك حق، وأنا اختبرت القذافي وأعرف كم يمكن أن يضر، لكنني أنصحك، ولدينا تجربة معه وطبعنا العلاقات، وكان صادقاً، ومتى ما اتفقت معه يكون صادقاً. أنا أنصحك كرمى للبنان أن تقيم هذه العلاقة معه، وأنا أضمنها لأنني أخذت ضمانات من القذافي أنه سيفتح صفحة جديدة مع لبنان، وبصورة خاصة معك. أصر علي الملك، فقلت له: كيف سنبررها؟ عندي دولة وعندي حكومة وعندي مجلس نواب؟ قال لي: نجريها بسرية تامة ولا يعرف أحد بها. طائرة تحط في ليبيا بمطار عسكري لا يعرف أحد، تلتقي القذافي فإذا اتفقتما اتفقتما وإذا لا فكل شيء يبقى على حاله، وتغادر. وأنا سأرسل معك وزير كبير بطائرتي حتى يكون كل شي مضموناً وبأمان. ذهبنا في طائرة مغربية وطائرتي «الميدل إيست». على أساس أن العاهل المغربي هو الضامن لكل شيء. وصلنا إلى المطار واستقبلني (القذافي) وكان في قمة اللطف والتهذيب والمودة. تحدثنا مطولاً، طوينا الصفحة؟ قال لي: نعم، انتهت، ربما حصل خطأ، وما تريدنا أن نقوم به سنفعل، المهم أن تكون العلاقة جيدةً معكم، وكيف يمكننا أن ندعم لبنان في الأوساط العربية والمحافل الدولية نحن مستعدون. (قلت له) كثر خيرك. صعدنا إلى الطائرة وعدنا إلى بيروت. غبنا مدة الهواء، مدة خمس أو ست ساعات أي مشوار الوصول إلى بيروت. ماذا حدث في هذه الوقت؟ في هذا الوقت تبث الإذاعة الإسرائيلية: طائرة الرئيس اللبناني تركت المغرب باتجاه بيروت واختفت في الجو. كان الاتفاق أن الزيارة سرية. إطفاء أضواء في المطار في ليبيا وتختفي الإشارات كلها، ثم تأتي الإذاعة الإسرائيلية وتذيع أنه من الأرجح أن الرئيس الجميل اختطف في الأجواء الليبية. وقامت القيامة ووصل الخبر إلى بيروت وصار هناك استنفار كامل، رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ووزير الخارجية والمخابرات، حصل اضطراب كامل. قامت القيامة في بيروت وعقدوا اجتماع حرب في القصر الجمهوري، جاء رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب. جرت اتصالات مع سفارة أميركا وكلام مفاده نريد أن نقدم شكوى لدى الأمم المتحدة، وشكوى لدى الجامعة العربية. وطلب اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية. وسنأخذ إجراءات فورية بحق ليبيا، لأن هذا ليس منطقياً وليس معقولاً. وجاء واحد من الحضور، وقال لنبلغ زوجة الرجل، نحن نقوم بكل هذه الإجراءات وستصدر في الإذاعات والأخبار، فلنبلغها بأننا نقوم باللازم.
اتصلوا بزوجتي وقالت لهم، بعد فترة تفكير: أنا لست خائفة. أعرف زوجي عنده «نتعات» (مفاجآت) من هذا النوع ويجب أن يكون هناك شيء للخير وراء ذلك. لدى زوجتي إلهام، تستكشف ذهنياً. قالت: أنا لست خائفة على أمين ولا أرى سوءاً، ولنستمر في البحث. اتصلوا بليبيا ولم يكن لدى أحد خبر.
(وزير الخارجية اللبناني الأسبق) إيلي سالم اتصل بوزير خارجية ليبيا فقال له إنه ليس لديه خبر. اتصلوا بالمغرب وجاءهم رد مشابه. في الأخير إيلي سالم أخذ قراراً بالاتصال بالملك مباشرة. لحسن حظنا، استجاب الملك بعدما علم بخطورة الموضوع، وقالوا له لا تشغلوا بالكم والرئيس الجميل بألف خير وسيصل إلى بيروت بعد ساعة. طائرتي معه تواكبه ومعه وزير من عندي. أهنئكم كانت الزيارة ناجحة إلى ليبيا وإن شاء الله تكون بينكم أطيب العلاقات. هذه قصة ليبيا، ومن وقتها أصبحت بيني وبين القذافي علاقات وكل فترة يريدني أن أزوره بالقوة، وأزوره. ولهذا لعبت دوراً في القمة العربية في الجزائر، خصوصاً أن مقعد لبنان مجاور لمقعد ليبيا. طالب القذافي العرب بإصدار بيان استنكار للغارة الأميركية على طرابلس والتي قال إنها قتلت ابنته بالتبني. أكد أنه لن يغادر مقعده ما لم يصدر بيان من هذا النوع.
أنا كنت بجانبه، وقلت له: سأجد حلاً. ما رأيك تعد ليبيا بياناً تستنكر فيه ما حصل، ونطلب أن يكون هذا البيان جزءاً لا يتجزأ من البيان الختامي، أي يضم إلى البيان الختامي. اقترحت هذا المخرج لأن دولاً عربية عدة لم تكن في وارد تضمين البيان الختامي للقمة إدانة لأميركا. سألت القذافي إن كان موافقاً، فأجاب: شرط أن تكتب أنت البيان وتضمنه انتقاداً لأميركا واستنكاراً للغارة. وكتبت له بياناً طويلاً عريضاً وعجبه كثيراً، هذا كلام هذا كلام. قلت للرئيس (الجزائري الراحل) الشاذلي بن جديد أن الأخ معمر موافق ووجدنا وليس هناك سوى إضافة هذا البيان ويكون جزءاً من أعمال القمة. وافق الجميع على المخرج. كان إقناع القذافي قصة كبيرة. هذا نوع من المحطات.
واجهتنا مشكلة أخرى. جاء العقيد مع خيمته وأصر على الإقامة فيها وليس في الفندق. عارض الأمن الجزائري طلبه لأسباب أمنية وتبنى الرئيس بن جديد الموقف نفسه. لوّح القذافي بمغادرة القمة وتوليت أنا حل الإشكال وفي النهاية أرسل القذافي الخيمة إلى طائرتي كهدية منه». لم يتحدث القذافي خلال لقاءاته مع الجميل عن قصة إخفاء الإمام الصدر خلال زيارته إلى ليبيا. ويقول الجميل إن معلومات وردت في تلك الفترة ومفادها «أن المخابرات السورية لعبت دوراً في إخفاء الصدر بسبب وجودها في المطارات الليبية منذ تولي القذافي السلطة. وقيل إن الحشود المليونية التي كانت تشارك في مناسبات الصدر أزعجت النظام السوري لأن رؤية الصدر لدور الشيعة في لبنان لا تتوافق مع مشروعه».
أكد الجميل أن لا مرارات لديه على رغم الصعوبات الهائلة التي اصطدم بها عهده. قال إنه «مرتاح الضمير لتمسكي بالثوابت الوطنية وبذلي كل جهد ممكن». بدا شديد الارتياح لتجربة نجله سامي النائب ورئيس «حزب الكتائب»، مشيراً إلى «اجتماع الشجاعة والنضج في إطلالاته». أشاد بتجربة الرئيس جوزيف عون يوم كان قائداً للجيش وبالمسيرة المهنية لرئيس الحكومة نواف سلام متمنياً النجاح للعهد الحالي في لبنان.
Amine Gemayel to Asharq Al-Awsat: Assad Viewed Lebanon the Same Way Saddam Beirut: Ghassan Charbel/Asharq AlAwsat/April 12/2025
Former Lebanese President Amine Gemayel said that the late Syrian President Hafez al-Assad viewed Lebanon the same way the late Iraqi President Saddam Hussein viewed Kuwait. He added that Assad “considered Lebanon a historic mistake that could be corrected by bringing it back into the Syrian fold.” He emphasized that Assad wanted “nothing more, nothing less than to annex Lebanon,” noting that he upheld his constitutional oath during 14 summit meetings with the Syrian president.
Gemayel made these comments in an interview with Asharq Al-Awsat, where he discussed Lebanon’s experience during the long “Assad era” and other key moments.
In the 1970s, Pierre Gemayel, leader of the Kataeb Party, received an invitation from Assad to visit Damascus. He brought along his sons Amine and Bashir. The Syrian president warmly welcomed them into his home, but the honeymoon did not last long.
Reminiscing stirred up painful memories for Gemayel, who carries two deep wounds: the assassination of his son, MP and Minister Pierre Gemayel, in 2006 amid a wave of killings that followed the assassination of former Prime Minister Rafik al-Hariri, and the assassination of his brother, President-elect Bashir Gemayel, in 1982. Amine Gemayel assumed the presidency that same year, following two political earthquakes: the Israeli invasion of Lebanon and his brother’s assassination.
Hafez al-Assad and the ‘Lebanese mistake’
Asked what Hafez al-Assad wanted from Lebanon, Gemayel said: “You’re asking a foregone question, as the French saying goes. He wanted to annex Lebanon—nothing more, nothing less. Syrian politicians, even before Assad, couldn’t accept Lebanon’s existence. They saw it as an artificial country that should be part of Syria. They believed Lebanon was wrongly separated due to the Sykes-Picot Agreement. Beirut’s port is closer to Damascus than Tartus, so they believed Lebanon was an inseparable part of Syria.”
“Assad also held this view. He couldn’t digest the idea of Lebanon as a stable, independent country. His ultimate goal was annexation. Every agreement or relationship Syria pursued was aimed at eventually achieving this annexation,” he revealed.
“Assad told me plainly, in a one-on-one meeting: ‘Don’t forget that Lebanon is part of Syria. We’re one country. Colonial powers divided us, and it’s in your interest as Lebanese to return to the Syrian fold. No matter how circumstances change, Lebanon must return to Syria.’”“He was that blunt. He even tried to soften it by comparing it to European unity. ‘Europe united, why can’t we do the same?’ He argued that the countries had shared interests: political, security, economic. So why not unite?”
Asked whether Saddam’s invasion of Kuwait reminded him of Assad’s attempt to annex Lebanon, Gemayel said: “Yes. To Saddam, Kuwait was what Lebanon was to Hafez al-Assad.” He noted that Iraqi leaders claimed colonial powers had stolen Kuwait from Iraq—just as Syrian leaders believed colonialism had stolen Lebanon from Syria.
Still, Gemayel clarified: “Despite all this, I maintained a normal relationship with Assad. Even affection, you could say. We respected each other. He understood my position and would say, privately, that if he were in my place, he’d do the same. And I understood his views, though our ideologies were completely opposed.”
“Assad would get infuriated by my rejections at times. He thought Lebanon was ripe for the picking—and there I was, blocking him. But he respected me for it. He knew that, in my place, he might have acted the same way. Still, he believed it was in Syria’s interest to ‘unite’ with Lebanon.” “The Syrian army was already in Lebanon and had co-opted many Lebanese leaders who were ‘pilgrimaging’ to Syria. Assad thought the moment was right. He also mobilized pro-Syrian Palestinian factions,” recalled Gemayel. “I stood in the way of this dream, which led to fierce political clashes between us—an intellectual struggle, if you will, between his push for unity and my defense of Lebanese independence. We had mutual respect. I met Assad 14 times during my presidency.”
Telling Assad ‘no’ required extraordinary courage’
“I debated, resisted, and stood firm. Facing Assad—his weight, his stature in Syria and the Arab world was no easy task. I had no army, no stable institutions, and Lebanese political leaders were scattered. The situation in Lebanon was dire,” Gemayel told Asharq Al-Awsat.
“Eventually, even my own allies turned on me. Assad had even co-opted a faction of the Lebanese Forces. He thought I’d cave and sign the papers. But I didn’t. That moment was one of the hardest. Saying ‘no’ to Assad under those conditions required extraordinary courage.”Asked whether the May 17 Lebanese-Israeli Agreement was the most difficult point in his relationship with Assad, Gemayel said: “No. The hardest point was the Tripartite Agreement between Amal, the Progressive Socialist Party, and the Lebanese Forces. With that agreement, Assad fully controlled the Lebanese scene—especially after winning over leaders like Elie Hobeika and Samir Geagea.”
“Assad believed Lebanon was in his grasp. Only I stood in the way. He didn’t care much about my position but needed my signature. As president, I had taken an oath to preserve the constitution and sovereignty.”
“Despite enormous internal and external pressure—even from within the Christian camp—I stood alone. But I was committed to the Lebanese cause. Ultimately, we won. The public, especially the Christian community, rallied around me. The other leaders who had sold out were exposed. That moment saved Lebanon’s sovereignty and its democratic system.”
Asked by Asharq Al-Awsat, if Assad resented him for sabotaging the Tripartite Agreement, Gemayel replied: “Assad thought he had Lebanon in the bag and was just waiting for congratulations. The day of the signing, King Hussein of Jordan was set to visit Syria. They delayed his visit to finalize the agreement. That’s how important it was to them.”
“Assad was frustrated, maybe even bitter. He couldn’t believe that I—stripped of power—dared to say no. But he respected me for it,” added Gemayel. “After the deal collapsed, I was in Morocco. Syria’s ambassador, a close Alawite to Assad, visited me and conveyed Assad’s respect. It was a message to reopen communication. Assad may have been furious, but he still respected how I stood firm as a young leader facing such odds.”
The bomb on the presidential plane
Asked whether he feared assassination like Kamal Jumblatt, Gemayel replied: “All kinds of pressure were used to make me sign. One story Assad told me—casually—was about how Sadat informed him he was going to Jerusalem. Assad opposed it strongly. After Sadat left the room, Assad’s people asked if they should stop him, maybe even blow up his plane.”
“Assad said he thought about it, but his conscience stopped him. The way he told me the story, it felt like a warning. Like he wouldn’t make the same ‘mistake’ again,” said Gemayel.
“There were several attempts to assassinate me. The most serious one was when I was flying to Yemen. My plane had been rigged with a bomb. The pilot, a meticulous man named Makawiy, noticed a minor issue with the radio and refused to fly. They discovered a wire under the cockpit leading to a bomb.”“Syrian intelligence was at the airport and immediately seized the bomb and equipment to block any investigation. Who else could rig a presidential plane under heavy guard? Clearly, only they had that kind of access.”
Syrian intelligence behind Bashir’s assassination
Asked whether he believed Syrian intelligence was behind his brother Bashir’s assassination, Gemayel said: “That’s a fact. The killer was from the Syrian Social Nationalist Party, which was under direct Syrian intelligence control under Assad Hardan. The bomb was planted in Bashir’s office by Habib Chartouni, who had access to the building.”“After the Syrian army ousted Michel Aoun from the presidential palace under President Elias Hrawi, they sent one unit to the palace and another to Roumieh Prison to free Chartouni. He walked free and gave a speech thanking Syria. That says everything.” “Chartouni was initially too afraid to detonate the bomb, but party leaders pressured him. The operation was directly linked to Syrian intelligence,” added Gemayel.
Final meeting with Assad
Gemayel recounted his last meeting with Assad, two days before the end of his term: “We were trying to reach a deal: electing Michel al-Daher as president in exchange for certain guarantees. While I was with Assad explaining the plan, he received a note about a meeting in Lebanon between Geagea and Army Commander Michel Aoun.” “He saw it as a coup attempt and ended the meeting abruptly. I returned to Beirut, but we couldn’t resolve the situation. Despite this, Assad—though ill—insisted on accompanying me to the airport, saying: ‘We are brothers no matter what.’”
Gemayel to Asharq Al-Awsat: Khaddam was Assad’s Stick to Apply Pressure Beirut : Ghassan Charbel/Asharq AlAwsat/April 13/2025
Late Syrian President Hafez al-Assad was a masterful negotiator, fiercely protective of his image and reputation. He was known for exhausting his guests with lengthy detours into history before addressing the substance of any talks.
Assad had an exceptional ability to restrain his anger, circling around an issue before striking again — often with calculated patience. He avoided coarse language, allowing resentments to speak for themselves, but he never forgave those he believed had tried to derail his vision. Among them, according to accounts, were Yasser Arafat, Kamal Jumblatt, Bashir Gemayel, Amine Gemayel, and Samir Geagea. In dealing with rivals and pressuring opponents, Assad often relied on a trusted enforcer: Abdel Halim Khaddam, his long-time foreign minister and later vice president. In the second part of his interview with Asharq Al-Awsat, former Lebanese President Amine Gemayel said Khaddam was Assad’s “stick,” used to assert control. Many Lebanese politicians believed Khaddam’s bluntness was not personal, but rather a reflection of an official mandate from his mentor. Assad rarely issued direct threats. Instead, he preferred subtle intimidation — as when he told Gemayel that his aides had once suggested blowing up President Anwar Sadat’s plane to prevent him from reaching Jerusalem.
Khaddam, the late Syrian strongman’s long-serving envoy, was known for humiliating both allies and foes who dared defy Damascus’ directives. His tactics were often unsettling — deliberately designed to leave visitors unnerved and pliant by the time they reached Assad’s office. In a conversation in Paris during his retirement, Khaddam defended his hardline methods, saying they were not meant to insult but to prevent potentially dangerous confrontations. “The aim was to avoid escalation that could lead to security agencies taking over, which might have resulted in worse outcomes,” he said.
In the same meeting, Khaddam accused former Lebanese President Amine Gemayel of obstructing a political solution in Lebanon, calling him “hesitant and suspicious.”He also acknowledged Assad was caught off guard when the Tripartite Agreement collapsed. The Syrian leader, Khaddam said, had not believed anyone in Lebanon would openly defy Syria — or the other Lebanese factions who had signed the accord. “President Assad had many cards to play. President Sarkis had none,” recalled former Lebanese Foreign Minister Fouad Boutros, reflecting on the stark imbalance between Syria and Lebanon during Elias Sarkis’s presidency. Assad, he said, had the power to topple or paralyze the Lebanese government before Sarkis even returned to Beirut. “Sarkis had no leverage over Assad,” Boutros noted. “But while Sarkis often showed flexibility, he would stand firm when asked to compromise Lebanon’s core principles.”Boutros, who played a key role in Lebanon’s diplomacy during the civil war, said he had to exercise utmost restraint to keep Khaddam — Syria’s often abrasive envoy — from derailing talks with personal attacks or inflammatory language. The dynamic, he suggested, was not unique to Sarkis. It also echoed the later, uneasy relationship between Gemayel and Assad. Gemayel recalled a cold and confrontational relationship with Khaddam, describing him as “the stick and the poison” used by Assad to pressure Beirut into submission.
“There was no warmth between us from the beginning,” Gemayel told Asharq Al-Awsat.
“Khaddam used underhanded tactics to undermine the presidency and sow division within my team. While President Assad treated me with respect and politeness, he needed someone to apply pressure — and that was Khaddam,” he added.
Gemayel said Khaddam was behind all the pressure campaigns Syria waged against him — all with Assad’s full knowledge. “Assad played the courteous statesman. Khaddam handled the dirty work. Syria wanted me to sign agreements harmful to Lebanon’s interests, and Khaddam was the one tasked with forcing my hand.”Despite Khaddam’s harsh demeanor, Gemayel said he never allowed him to overstep. “I kept him in check. He didn’t dare cross the line with me. We were once in a meeting with President Assad, and Khaddam had been spreading ridiculous rumors beforehand. When he spoke up, I turned to Assad and said: ‘Mr. President, we have a problem with Khaddam. Please ask him to stop acting like a spy when dealing with us.’”
Khaddam, Gemayel said, tried to intimidate many Lebanese politicians — but not him. “He was rude, even insolent to the point of absurdity. But he knew that if he said anything out of line with me, I would respond immediately.”
Assad’s Subtle Control and the Language of Minorities. Assad understood early on the fragility of Lebanon’s sectarian makeup. To him, the country was a meeting place for minorities — one that always needed an external patron to manage its wars and truces. He allowed for limited victories, but never total defeat, ensuring that no side could do without Syria’s oversight.
Assad sought to rule Syria indefinitely, with Lebanon as a backyard extension of his regime. Yet unlike his brother Rifaat, he avoided openly sectarian rhetoric or calls for partition. Rifaat, according to Gemayel, once suggested dividing both Syria and Lebanon along sectarian lines during a conversation with Lebanese leaders Walid Jumblatt and Marwan Hamadeh. When asked whether he ever felt his dialogue with Assad was, at its core, a conversation between an Alawite and a Maronite, Gemayel replied: “No — that was Rifaat’s language. He used to say minorities must come together and show solidarity. But that narrative was never pushed by President Assad or his inner circle. It was always tailored to serve their own agenda.”
Assad’s political strategy was built on gathering leverage — and minority groups were central to that plan. His ties with Lebanon’s Druze community, and his clash with Druze leader Kamal Jumblatt, fit squarely within this framework. Assad relied on Syria’s own Druze population, as well as the Christian minority, to tighten his grip on the country’s diverse communities and align them under the banner of his regime.
“Assad had a firm hold on the minorities,” Gemayel said, adding that “he brought them all together to make them part of the Syrian system.”
Tensions between Syria’s Alawite leadership and the country’s Sunni majority were well known, Gemayel added, particularly through the candid rhetoric of Assad’s brother, Rifaat.
“Rifaat was open about the hostility between Alawites and Sunnis,” Gemayel said. “In his conversations with us, it was clear. But with President Assad, there was no visible sign of that. What lay beneath the surface, only God knows — but in our dealings with him, we never felt it.” Gemayel Dismisses Reports of a Syria-Lebanon Confederation Proposal.
Asked about longstanding claims that former Lebanese President Camille Chamoun had once proposed a confederation between Lebanon and Syria to Hafez al-Assad, Gemayel was quick to reject the idea.
“That’s absolutely not true,” he said. “President Chamoun would never have made such a proposal. A lot of things were said at the time. There were even reports that US envoy Dean Brown had suggested relocating Lebanon’s Christians to California — all of it nonsense, poetic talk with no grounding in reality.”
Gemayel also addressed one of the most controversial moments in US diplomacy during Lebanon’s 1988 presidential crisis: the phrase reportedly used by US envoy Richard Murphy — “Mikhael Daher or chaos.”
Daher, a Christian MP close to Damascus, had been floated as the only candidate acceptable to both Syria and the United States.
But Washington later distanced itself from the deal. The episode, Gemayel said, underscored a period in which American pressure aligned more with Syrian — and by extension, Israeli — interests, leaving Lebanon’s sovereignty hanging in the balance.
Gemayel confirmed that US envoy Richard Murphy did indeed issue the stark ultimatum in 1988. The phrase, which became emblematic of foreign interference in Lebanon’s presidential crisis, reflected what Gemayel described as Washington’s unwillingness to confront Damascus — despite acknowledging its destabilizing role in Lebanon.
“Yes, Murphy said it,” Gemayel affirmed to Asharq Al-Awsat.
“The Americans had a problem — they wanted Syria, and they didn’t. They knew Syria was playing a destructive role in Lebanon, but they didn’t want to challenge it. They kept trying to find common ground with Syria, not with us.”
According to Gemayel, the US saw Daher — a respected Christian parliamentarian close to Damascus — as a palatable compromise. “They thought Daher was a respectable figure who might be acceptable to the Lebanese, so they went along with Syria’s choice,” he said.
Washington, he added, had consistently prioritized pragmatism over principle in Lebanon, often aligning with whichever side could deliver results — even if it came at Beirut’s expense. “It was the same with the May 17 Agreement with Israel,” Gemayel said, referring to the short-lived 1983 accord. “The US couldn’t pressure Israel, so Lebanon had to pay. And they couldn’t pressure Syria either — Syria was stubborn, had resources, and they didn’t want a confrontation. So they kept trying to sell us solutions that weren’t in Lebanon’s interest.”“The Americans were always looking for the quickest deal,” he added. “They wanted to please both Syria and Israel. With Syria, it was clear — they didn’t want to upset Assad, because they knew who held the real power in Lebanon.”
Gemayel said that while he personally held the reins in decision-making and negotiations with Syria during his time in office, several close advisers and intermediaries played essential roles in laying the groundwork for dialogue with Damascus.
“The relationship and final decisions were in my hands,” he told Asharq Al-Awsat.
“I was the one doing the actual negotiating. But when it came to preparation, the late Jean Obeid played a very valuable role. He was intelligent, committed to Lebanon’s interests, and had close ties with the Syrians. He couldn’t get everything done, but he managed to ease certain issues,” said Gemayel.
Gemayel also credited Eli Salem, another aide, for navigating delicate talks with Syrian officials — particularly with Khaddam.
“Salem had a knack for getting through on specific points,” Gemayel said. “He had good chemistry with Khaddam, and that helped, especially since Khaddam and I didn’t get along.”One figure who unexpectedly played a constructive role, according to Gemayel, was Brigadier General Jamil al-Sayyed, then an intelligence officer stationed in Lebanon’s eastern Bekaa Valley. “You may be surprised,” he said, “but Jamil al-Sayyed was very helpful. Whenever I was heading to Damascus, I would stop in the Bekaa to meet him. He gave me very precise insights into what was happening at the Syrian presidential palace and the broader picture in Damascus. He was well-informed, sincere, and provided intelligence that wasn’t widely available — information that truly benefited Lebanon.”
Asked whether Syria was uneasy about the role of veteran journalist and diplomat Ghassan Tueni in his administration, Gemayel said the Syrians had little affection for him.
“There was never any warmth toward Ghassan,” he said. “He came with me to Syria just once, and it was clear there was tension. Whenever he was present, things got heated. Ghassan and Khaddam were like a ping-pong match — constantly hitting the ball back and forth.”The friction, Gemayel explained, stemmed in large part from Tueni’s association with An-Nahar, the Beirut daily he helped lead, which often published sharp criticism of Syria.
“Syria never appreciated An-Nahar,” Gemayel said. “Even if Ghassan tried to distance himself from specific articles, the content was out there for everyone to see — and the Syrians didn’t forget it.”