في مثل هذا اليوم، في 13 نيسان 1975، دخل لبنان في واحدة من أحلك مراحل تاريخه. لم يكن ما حدث مجرد بداية لحرب أهلية، بل كان انزلاقًا إلى مشروع خطير هدفه تدمير الكيان اللبناني، وتمزيق النسيج الوطني، وتحويل الوطن إلى ساحة لصراعات الآخرين.
في 13 نيسان 1975 بدأ فصلٌ أليم في تاريخ لبنان. يومٌ انطلقت فيه شرارة حروب أحرقت الأخضر واليابس، وأدخلته في نزاعات مسلحة طويلة مدمّرة، استُبيحت فيها السيادة، وسالت الدماء، وتكاثرت التدخلات الخارجية، وضاعت الدولة ومؤسساتها بين مشاريع احتلال ومؤامرات إقليمية ودولية، وخيانات وطرواديات داخلية.
لكن الحقيقة الأهم هي أن ذلك اليوم الدامي في عين الرمانة لم يكن مجرد بداية حرب أهلية، بل بداية مخطط شيطاني كبير لضرب الكيان اللبناني، وتفكيك مجتمعه، وإسقاط هويته، وتحويله إلى ساحة بديلة لصراعات الآخرين. وقد ظنّ وتوهم المتآمرون، من الداخل والخارج، أنهم قادرون على ابتلاع وطننا الصغير، إلا أنهم اصطدموا بشعب لا يُهزم، وبأرض لا تُهان.
الإجرام بدأ باغتيال المواطن اللبناني جوزيف أبو عاصي في منطقة عين الرمانة، وبمحاولة اغتيال رئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميّل. ومن المؤكد أن العملية لم تكن صدفة، بل كانت جزءاً من خطة مرسومة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي أرادت فرض نفسها دولة داخل الدولة. وقد تآمرت معها وشاركتها أحزاب وتيارات جهادية ويسارية وعروبية وبعثية وقومجية، إلى جانب دول عربية حلمت بإلغاء لبنان وإقامة وطن بديل للفلسطينيين على أرضه.
لكن سرعان ما نهض اللبنانيون الأحرار من مختلف الطوائف، وفي مقدمهم المسيحيون وأحزابهم السيادية، وبدأوا مقاومةً شرسةً، صمدوا خلالها رغم المجازر والخذلان، حتى طُردت منظمة التحرير، وسقط المشروع الفلسطيني، وعاد القرار إلى اللبنانيين، الذين أثبتوا أن بلدهم عصيّ على الغرباء والطرواديين، وهو لا يُقسّم ولا يمكن لأي محتل أو محور من محاور الإسلام السياسي، بشقيه السني والشيعي، واليساري الحاقد والغوغائي بكل تفرعاته، أن يبتلعه أو يلغيه.
وعقب انكسار وهزيمة المخطط الفلسطيني، بدأت مؤامرات وأطماع نظام البعث السوري، فدخل جيش حافظ الأسد تحت غطاء “قوة ردع عربية”، وسرعان ما تحوّلت إلى قوة احتلال وإجرام وغزوات. فسيطرت بالقوة والإرهاب على كل مفاصل الدولة، وارتكبت المجازر والاغتيالات والاعتقالات والإقفار والتهجير، ففُقِدت الحريات، وتمّت مصادرة القرار الوطني، وبدأ زمن القهر تحت الوصاية السورية البعثية، واستمرت هذه الحقبة السوداء حتى عام 2005.
ولأن أرض لبنان هي أرض “وقف لله”، فشل الاحتلال السوري في الاستمرار في مخططه وسقط بعد انتفاضة الأرز سنة 2005، وخرج الجيش السوري من لبنان مذلولاً يجرجر أذيال الهزيمة والخيبة. وعاد الأمل بأن يستعيد اللبنانيون دولتهم ومؤسساتهم وحريّاتهم.
إلا أن الأمل لم يكتمل. فبدلاً من نهاية زمن الاحتلالات، ظهر احتلال جديد، أخطر وأدهى، وهو الاحتلال الإيراني عبر ميليشيا حزب الله الملالوية والجهادية والإرهابية، التي تلحفت نفاقاً واحتيالاً بشعارات “المقاومة والممانعة وتحرير فلسطين والصلاة في القدس”. استغلّ الحزب الفراغ السياسي والانقسام الداخلي، وفرض سيطرته المسلحة على الدولة، وصادر قرار الحرب والسلم، وربط لبنان بمشروع ولاية الفقيه المذهبي والتوسعي والجهادي.
جرّ حزب الله لبنان إلى حروب لا طائل منها، ودفع الشيعة الكرام إلى مقابر لا نهاية لها، وقتل أحلام جيل كامل من اللبنانيين، ودمّر علاقات لبنان مع أشقائه العرب والعالم. وبأوامر مباشرة من طهران، فتح جبهة حرب مع إسرائيل في 8 تشرين الأول 2023، حرب عبثية ومجنونة لم يكن للبنان فيها لا ناقة ولا جمل، فراح ضحيتها آلاف الضحايا والمشرّدين، ودُمّرت مناطق كثيرة في الجنوب وضاحية بيروت والبقاع. وانتهت الحرب بهزيمة كاملة وشاملة وماحقة للحزب.
اليوم، 13 نيسان 2025، يتمنى اللبنانيون أن تُكتب نهاية هذا الحزب، بعد أن فشل في تحقيق أهدافه الإيرانية، وتلقى ضربة قاصمة أفقدته معظم قادته ومرابضه ومواقعه. ومعه تتفكك الميليشيات الإيرانية في سوريا والعراق واليمن وغزة، حيث سقط نظام الأسد وانهزم معه المشروع الإيراني وانهار، فيما تدخل إيران الملالي في مرحلة الخضوع والتراجع، بعد أن فُضح زيف خطابها وسقط “محورها”.
بفخر نقول إن اللبناني لم يكن يوماً تابعاً، لأن سلاحه هو الإيمان والرجاء والمقاومة. ولأن أرضه مقدسة، وتاريخه منغرس في ترابها، ولبنان ليس مجرد قطعة جغرافية، بل “وقف لله”، كما جاء في كتب العهد القديم. وأرضه أرض أنبياء وقديسين وشهداء، ولأن الله يحميه، وكل من يعتدي عليه يُضرب ويُعاقب بقساوة، لأن العدل السماوي لا يسكت عن الظلم.
المجد لله ولمحبته وطننا المقدّس. فنحن اللبنانيين، شهدنا عدالة السماء أمام أعيننا. الفلسطينيون الذين طمعوا بأرضنا طُردوا منها، السوريون البعثيون الذين احتلوها أُهينوا وهُزموا، والإيرانيون الملالي الذين حاولوا ابتلاعها، هم اليوم يواجهون مصيرهم الانهزامي. عوقب اليمنيون، الليبيون، الصوماليون، الذين شاركوا في تمويل وتسهيل الاحتلالات… جميعهم تراجعوا وانكسروا، بينما لبنان بقي، وانتصر، بصبر شعبه، وبدم شهدائه، وبإيمانه العميق أن الله لا يخذل الأبرار.
اليوم نقول لحزب الله الجهادي والفارسي والإرهابي: لقد سقط وفشل وانهزم مشروعكم الإيراني الاحتلالي. أنتم لستم مقاومة، بل جيش احتلال مأجور، وسلاحكم أصبح عبئاً عليكم، ولا مكان لأيرنة لبنان بيننا، وأرضنا المقدسة ليست لكم، ولن تكون يوماً.
في الخلاصة، لأن لبنان “وقف الله”، سوف يتحرر من الاحتلال الإيراني، واللبنانيون، بإذن الله، سوف ينتصرون. والمستقبل لهم، وليس لأي محتل أو غازي أو طروادي. الرحمة والعزّة للشهداء الأبرار الذين قدّموا أنفسهم راضين وعن إيمان قرابين على مذبحه. *الكاتب ناشط لبناني اغترابي *عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com رابط موقع الكاتب الألكتوني https://eliasbejjaninews.com