د. رندا ماروني/في قاعة الإنتظار  يُحتجز اللبنانيون عنوة لترقب بلورة صورة المفاوضات النووية بين أميركا وإيران

109

في قاعة الإنتظار  يُحتجز اللبنانيون عنوة لترقب بلورة صورة المفاوضات النووية بين أميركا وإيران
د. رندا ماروني/11 نيسان/2025

دخل البيت الأبيض بتنفيذ خطة طي صفحة وكلاء إيران في كل المنطقة، وبدأ جدار طهران مثل جدار برلين يتهاوى، في حين ما زال ينتظر المنتظرون، ويراهن المراهنون، ويراوغ المراوغون، ويهدد المهددون، عله عسى أن يدركوا سبيلا، فيما اللبنانيون محتجزين في قاعة الإنتظار.

في قاعة الإنتظار يُحتجز اللبنانيون عنوة عن إرادتهم حيث تعددت اللهجات الموجهة إليهم أما اللغة فواحدة والهدف منها واحد، فاللغة هي لغة السلاح، أما الهدف هو الإبقاء على نموذج الغابة ونموذج الحكم للأقوى لا للقانون، فمرة ترتفع لهجة التوجيه نحو وجوب التضامن في مواجهة العدو الإسرائيلي الذي نكث وينكث بإتفاق موقع لم يطبق أصلا كما ورد، بل بإنتقائية وتحوير ومواربة، وضرورة الإبقاء على السلاح كورقة قوة لبنانية في المواجهة المفتوحة، متغافلين أنها ورقة الضعف بحد ذاته والمانع الرئيسي في إستعادة ما تهدم من هياكل قانونية ودستورية وإقتصادية ونهضوية وحضارية، ومرة ترتفع لهجة التهديد والوعيد بالحرب الأهلية إذا لم ينصاعوا للإرادة الإلهية الخمينية.

فاللبنانيون المحتجزون في قاعة الإنتظار والمغلوب على أمرهم مطالبون من المجتمع الدولي بتنفيذ إتفاق لم يكونوا هم الطرف الموقع عليه من جهة، ومطالبون بالإنصياع للإرادة الإيرانية الغاشمة بحجة مواجهة إسرائيل من جهة ثانية، وصرف النظر عن الحلم بلبنان السلام والازدهار والإبداع بكافة المجالات وإستبداله بمفاهيم جديدة، كانوا قد نجحوا بالترويج لها لفترة طويلة منها ما هو معلن ومنها ما مضمر، كزحفا زحفا نحو القدس، والحرب على إسرائيل التي بقيت شعارا وهميا لفترة طويلة.

فلولا دخول المملكة العربية السعودية في مفاوضات السلام مع إسرائيل، ولولا حرب المساندة الوهمية كما بدأت تحت شعار وحدة الساحات التي جُر إليها حزب الله تنفيذا للرغبة الإيرانية وسوء تقدير منها بالنتائج، ومنها ما هو مضمر كالسيطرة والإخضاع وإنشاء مناطق نفوذ وسياسات التهريب على أعلى مستوى وتجارة الممنوعات والمخدرات والكابتغون.

ففي قاعة الانتظار يحتجز اللبنانيون عنوة لترقب بلورة صورة المفاوضات النووية بين أميركا وإيران التي قد تفضي حسب أتباع إيران إلى نتائج مرضية بالنسبة إليهم في المزيد من السيطرة والقمع والتخويف والتهويل وإستباحة كل شي كما جرت العادة، وكما النموذج الذي شهدناه على مر التاريخ منذ نشأتهم، والذي يسمى بإحترافية وواقعية ودون مواربة عصر الإنحطاط اللبناني والسنين السود التي حاكها العقل المدبر الشيطاني الإيراني الأكبر بإحترافية الغزو وإلتهام الدول وخلق المؤسسات الرديفة مدفوعة المصاريف، بالإحتيال والمراوغة تارة، وبزعزعة الأمن تارة أخرى.

وفي غرفة الإنتظار الطويل لا تزال المراوغة والمماطلة والتسويف والتحريف في تنفيذ الإتفاق الموقع والذي ينص على نزع السلاح شمال وجنوب الليطاني وفي كل لبنان.

الصفات البارزة لدى المعنيين مباشرة بهذا الإتفاق وبتنفيذه، الحالمين بإعادة الحال إلى ما كان عليه، فمرة بطرحون طاولة للحوار حول موضوع السلاح، ومرة يطرحون وجوب الإتفاق على إستراتجية دفاعية، ومرة يعرضون ورقة الأمن القومي، ومرة أخرى يصوبون على السلاح الفلسطيني متناسين تنسيق الأمس بينهما، مستبشرين بدء مفاوضات حول السلاح النووي بين إميركا وإيران علها تعيد لهم الحياة من جديد على مبدأ هات وخذ ولو كان الضحية لبنان الكيان.

فعشية بدء مفاوضات عُمان حول الإتفاق النووي بين أميركا وإيران، يتجاهل المنتظرون النتائج والعاقدين الأمل على إستعادة اللحمة الشيطانية، أن إيران دخلت مرغمة في التفاوض وأن وضعها في غاية الإحراج، إن لناحية الخوف من الضربة المرتقبة الحتمية في حال فشل المفاوضات، وإن لناحية قدرة النظام على الإستمرار في ظل المعارضة الداخلية لنظام خامنئي، وإن لناحية تلقي المزيد من الانتكاسات الاقتصادية والمالية وفرض المزيد من العقوبات، وإن لناحية التهديد المباشر بإستبدال نظام الخامنئي ونهاية ما يسمى الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

كما يتجاهل المنتظرون النتائج بأن الحيل الإيرانية في المماطلة لم تعد تنطلي على أي طرف مفاوض، وأن الوصول لنتائج سريعة بات مطلبا رئيسيا وملحا من الإدارة الأميركية، في حين أن طهران تحاول من خلال مفاوضات السبت التوصل إلى اتفاق نووي مؤقت قبل مواصلة المفاوضات بشأن إتفاق نووي شامل مع الولايات المتحدة الأمريكية ، كما أن الإيرانيين يرون أن التوصل إلى إتفاق نووي معقد وعالي التقنية خلال شهرين هو أمر مستبعد وغير واقعي. لذا يريدون الحصول على مزيد من الوقت لتجنب التصعيد وذلك وفق ما نقل موقع أكسيوس عن دبلوماسيين أوروبيين، وقد رجح الخبراء الإيرانيون على أن ينص الإتفاق المؤقت على تعليق بعض أنشطة تخصيب اليورانيوم وتخفيف مخزون طهران من اليورانيوم المخصب بنسبة ستون في المئة، فضلا على السماح لمفتشي الأمم المتحدة بدخول أوسع إلى المنشئات النووية، وقد إستبق هذا الترجيح وهذا السماح، تهديد مباشر من أحد كبار مساعدي المرشد الأعلى في إيران بطرد مفتشي الأمم المتحدة النوويين قبل محادثات السبت مع الولايات المتحدة الأمريكية التي ستجري في عُمان، فكان الرد من المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الأمريكية تاني بروس، بأن التهديد بهذا النوع من الإجراءات يتعارض مع مزاعم طهران بشأن برنامجها النووي السلمي.

ففي الساعات القليلة المقبلة ستبدأ المفاوضات متزامنة مع حرب عسكرية على أذرعة إيران في اليمن، ففي حين أن إيران تعلن أنها لن تتراجع عن برنامجها النووي تحت أي ضغوط، تواصل الولايات المتحدة بقيادة ترامب بممارسة المزيد من الضغوط، حيث أكد أن بلاده ستتخذ إجراءات عسكرية ضد إيران في حال فشل المفاوضات، وقد أكد وزير الدفاع الاميركي بأن نشر قاذفات ب٢ في المحيط الهندي يمثل رسالة واضحة لطهران، لكن الأميركيين رغم تهديداتهم العسكرية لا يزالون يأملون في أن تثمر المفاوضات عن حل سلمي.

وفي تقرير موسع لمجلة ناشونيل انتريست الأميركية كشف خبراء إستراتجيون عن ملامح خطة تقودها إدارة ترامب حاليا تستند إلى ممارسة الضغط الاقصى، ويشير إلى أن الإدارة الأميركية الحالية بدأت تُفعل البعد العسكري في خطتها تجاه طهران بإتمام مهمة القضاء على أذرعها، وبدأت المعلومات تعيد الذاكرة لنهج إتبعه الرئيس السابق رونالد ريغن، يتخذه ترامب حاليا في سياق خطة عنوانها “سقوط إيران،،،”.

تفاصيل كشفتها مجلة ذا ناشونال انترست، تتحدث بالأدلة والوقائع التي أدت لإنهيار الإتحاد السوفياتي ، سقوط إيران على يد ترامب الجمهوري تكاد تكون مشابهة لسيناريو سقوط الاتحاد السوفيتي السابق على يد الرئيس رونالد ريغن، أبرزها الضغط الاقتصادي والسياسي، دون دخول مواجهة عسكرية، مباشرة، مما دفع بالمنظومة السوفياتية إلى الإنهيار الذاتي، التقرير أعاد للأذهان نهج ترامب تجاه إيران والذي أطلقه تحت عنوان الضغط الأقصى والذي شمل عقوبات خانقة وعزلة دبلوماسية، وإغتيال سليماني، الأمر الذي أذى الداخل الايراني، حيث بدأت الإضطرابات تأخذ منحى أكثر إتساعا ضد نظام خامنئي وما يؤكد ذلك الخطاب الذي خرج به مسعود بازشكيان حينه بحديثه أن طهران قادرة على مواجهة أي محاولة خارجية لإثارة الخلافات في الداخل الإيراني.

إن الخطة الترامبية هذه المرة وبحسب خبراء تضع العنصر العسكري في الواجهة كعامل لضغط شديد ليكون الرئيس ترامب أول رئيس أميركي يضع خطة إنهيار جدار إيران بخطة عسكرية وأخرى سياسية وخطة إقتصادية، وهذا ما قد يوجه الضربة القاضية للنظام الإيراني بعد ترنحه وخسارة أذرعه في المنطقة، كما أن إتمام المهمة في اليمن ضد الحوثيين عنصر أساس في تحقيق إدارة البيت الأبيض لأهدافها، والتي تريد من خلالها أن تنهي أيا ذراع لإيران وأيا نفوذ خارجي، وكل هذا لن يرتبط أي ارتباط بالاتفاق النووي، ففي الحالتين دخل البيت الأبيض بتنفيذ خطة طي صفحة وكلاء إيران في كل المنطقة، وبدأ جدار طهران مثل جدار برلين يتهاوى، في حين ما زال ينتظر المنتظرون ويراهن المراهنون ويراوغ المراوغون ويهدد المهددون عله عسى أن يدركوا سبيلا، فيما اللبنانيون محتجزين في قاعة الإنتظار

**اضغط هنا لقراءة مقالات وكتب الدكتورة رندا ماروني على موقعنا

Share