متري وسلامة يحرجان رئيس الحكومة…مواقف سلام بميزان الذهب ووزرائه بميزان منتهي الصلاحية سامر زريق/نداء الوطن/08 نيسان/2025
مجلة Entrevue: والد ليا سلامة يتحبّب لـ “حزب الله” ويثير استياء صهره غلوكسمان نداء الوطن/08 نيسان/2025
نشرت مجلة Entrevue الفرنسية، لصاحبها عمر حرفوش، مقالا هامّاً عن وزير الثقافة غسان سلامة، بعد تصريحاته عن سلاح “حزب الله” والتي بدت متهاونة إلى حد كبير. وجاء في النص الحرفي للمقال: “مقابلة مفاجئة مع وزير الثقافة اللبناني غسان سلامة مساء أمس (الأحد). أدلى الرجل، الذي هو أيضاً والد الصحافية الفرنسية اللبنانية ليا سلامة – نجمة قناة “فرانس 2” – ووالد زوجة رافائيل غلوكسمان، عضو البرلمان الأوروبي الملتزم والمدافع المتحمس لإسرائيل، ببعض التعليقات المتهاونة إلى حدّ ما تجاه “حزب الله” اللبناني، في اليوم التالي لزيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى بيروت. وبدا غسان سلامة طوال المقابلة لطيفاً إلى حد محرج تجاه الميليشيات الموالية لإيران. وأضاف أن لبنان “ليس مستعداً” للتفاوض بشأن ترسيم حدوده البرية مع إسرائيل. وبحسب قوله فإن الأولوية هي لتطبيق القرار 1701 وتثبيت وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة. وأما بالنسبة لنزع سلاح “حزب الله”؟ إنه ليس للغد. ويدعو سلامة إلى “مفهوم واقعي” لنزع السلاح، ودمج إعادة الإعمار، والثقة الشعبية، وضمانات بأن الدولة ستحمي مواطنيها – كما لو كان برنامجاً طويل الأمد للغاية. ورداً على سؤال حول المواعيد النهائية المحتملة للبنان لنزع سلاح “حزب الله”، رفض سلامة أي أمر خارجي: “لا يمكن لأي دولة، مهما كانت قوتها، أن تفرض خياراً على لبنان”. بل إنه عكس الأدوار، داعياً الولايات المتحدة وفرنسا إلى الضغط على إسرائيل، المتهمة بانتهاك القرارات الدولية بشكل منهجي. وأما بالنسبة للتطبيع مع إسرائيل؟ فقال إن ذلك مستحيل من دون توافق وطني. وهذا أمر لا يمكن تصوّره من دون معرفة موقف السعودية أولاً. يكفي أن نقول أن الموضوع مدفون بعناية. وما الذي يقوله صهره رافائيل غلوكسمان عن ذلك؟ يتبنى النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي، المعروف بمواقفه الحازمة لصالح إسرائيل وانتقاده للحركات المؤيدة لإيران، موقفاً معاكساً تماماً. وهو يدين بانتظام تصرفات “حماس” و”حزب الله”، ويسلّط الضوء على هدفهما المتمثّل في تدمير إسرائيل، ويستنكر انتهاكات هذه الجماعات للقانون الدولي. ويسلّط هذا الاختلاف العلني بين سلامة وغلوكسمان الضوء على التوترات الإيديولوجية داخل عائلتهما. ولن تفشل مثل هذه التصريحات في تأجيج التناقضات في شراكة عائلية أصلية إلى حد ما: بين الوزير المتعاطف مع “حزب الله”، وابنته في مركز المشهد الإعلامي الفرنسي، وصهره المؤيد لأوروبا والأطلسي والمؤيد لإسرائيل، والمعارض لتأثيرات طهران. كل شخص لديه صراعه الخاص – حتى داخل الأسرة.
إلى غسّان سلامة: كلامك من الماضي صالح المشنوق/نداء الوطن/08 نيسان/2025
– “الإعلان عن حلّ جمیع المیلیشیات اللبنانیة وغیـر اللبنانیـة وتسـلیم أسـلحتها إلـى الدولـة اللبنانیـة خـلال سـتة أشـهر”.
وثيقة الوفاق الوطني – اتّفاق الطائف
– “يدعو إلى حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها”.
نص قرار مجلس الأمن 1559
– “بدءاً بمنطقة جنوب الليطاني، تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية ومصادرة جميع الأسلحة غير المصرّح بها التي تتعارض مع هذه الالتزامات”.
نص اتّفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل
أصاب رئيس الحكومة نواف سلام حين صرّح بأن معادلة “جيش وشعب ومقاومة” أصبحت من الماضي وأن “البيان الوزاريّ ينصّ بوضوح على حصر السلاح بيد الدولة”. لكن بدل الالتزام بهذا المنطق السياديّ الرصين، أعاد وزير الثقافة في حكومته غسّان سلامة إحياء معادلات خشبية قديمة – جديدة، بقوله: علينا “إعادة النظر في المفهوم”، والمفهوم ليس نزع السلاح بل بسط سلطة الدولة على أراضيها. لن يشفع للوزير سلامة استعماله المفتعل لتعابير أكاديميّة، مثل “طرح السؤال المفهومي”، للتغطية على موقف سياسي مريب من مسؤول رسمي في الدولة اللبنانيّة. وهذا الموقف ليس فقط مليئاً بالمغالطات البديهيّة، ويطغى عليه بعد عقائدي من مخلّفات العقد السابع من القرن المنصرم، بل يخالف في جوهره كلّ النصوص التي تلتزم بها الحكومة التي هو عضو فيها. إنّ التذاكي بإعطاء أبعاد فلسفيّة للتغطية على سلاح “حزب اللّه”، لم يعد له مكان في السياسة اللبنانيّة في مرحلة ما بعد الحرب المدمّرة، وهو – كما قال الرئيس سلام – أصبح كلاماً من الماضي. بالمعنى “المفهومي”، المسألة ليست مرتبطة حصراً ببسط “سلطة الدولة”، بل بنزع سلاح الميليشيات. أفترض أن الوزير المثقّف قرأ نص اتفاق الطائف، الذي يتحدّث حرفياً عن حلّ الميليشيات و “تسليم أسلحتها”. وأفترض أيضاً أنه قرأ نص القرار الأمميّ 1559، الذي يدعم “نزع سلاح” الميليشيات اللبنانيّة. وأفترض أيضاً وأيضاً أنّه اطّلع (بحكم أن الحكومة التي يشارك فيها مهمتها الأساسية تنفيذ الاتفاق) على نص اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، الذي يتحدّث عن “مصادرة” جميع أسلحة الميليشيات. إذا كان تعبير “النزع” غليظاً، على حدّ قول سلامة، يمكنه اختيار أيّ من التعابير الأخرى المستعملة، والتي تناسب ذوقه الرفيع، وهنا لديه ثلاثة خيارات: تسليم السلاح أو مصادرته أو حصره بيد الدولة. التعبير الرابع الوحيد المتاح هو الاستقالة، بحكم أنه لا يبدو موافقاً على التزامات حكومته السياديّة.
المسألة لا تختصر أبداً ببسط سلطة الدولة، وهو مفهوم ضروري لكنّه غير كافٍ. الدولة بقواها العسكرية والأمنية موجودة في جنوب لبنان منذ العام 2006، تنفيذاً للقرار الأمميّ 1701. لكنها بسطت سلطتها من دون حصريّة، أي أنها تعايشت (بل رعت) وجود السلاح الميليشياوي الإيراني إلى جانبها. والمسألة لم تكن يوماً مسألة عديد وعتاد، بل مسألة قرار سياسي، لأن الدولة لم تفشل في نزع سلاح “الحزب” في جنوب لبنان بسبب وجود خمسة آلاف عسكري بدل خمسة عشر ألفاً، بل بسبب قرار الحكومة اللبنانيّة بشرعنة سلاح “الحزب” وعدم مواجهته. الحرب الأخيرة حصلت بحضور الجيش اللبناني في الجنوب حيث كان “يبسط سلطته”. لذلك، فإن بسط السلطة لا يعني شيئاً من دون تسليم السلاح، ولذلك نصّ الطائف على الاثنين معاً.
هذا “مفهومياً”، أمّا بالمعنى العمليّ، ما قاله سلامة مخالف لأبسط التجارب التاريخيّة اللبنانيّة (والعالميّة) الحديثة. قوله إن “بكل بيت في سلاح”، وهي حجّة مكرّرة دأب على تردادها محور الممانعة لشرعنة سلاح “الحزب”، فيه استخفاف بعقول اللبنانيين، الذين يمكنهم التفريق بين سلاح كلاشنيكوف فردي موجود في الكثير من البيوت وترسانة عسكريّة ذات بعد إقليمي فيها صواريخ مداها يتجاوز المئة كيلومتر. كما أن الاستشهاد بالتجربة الليبيّة للقول إن جمع عشرين مليون قطعة سلاح من منازل الناس مستحيل عملياً، فيه تضليل متعمّد للبنانيين، الذين يعرفون تمام المعرفة أن السلاح في لبنان (على عكس ليبيا) ليس متفلّتاً أبداً، بل منضبطاً استراتيجياً ويستعمل بقرار مركزي دقيق. عملياً، تمّ تسليم سلاح جميع الميليشيات اللبنانيّة (وحلّها كميليشيات) في العام 1991، من القوات اللبنانيّة إلى حركة أمل إلى التقدّمي الاشتراكي، والمطلوب ببساطة تطبيق المسار العملي نفسه على “استثناء” “حزب اللّه”. “فرجيني كيف بتنزع سلاح”، قال الوزير بثقة العالم، فيما التجربة ماثلة أمامنا جميعاً (من لبنان إلى جنوب أفريقيا إلى البوسنة إلى شمال أيرلندا إلى إلى). على أقلّ تقدير، كان يمكن للوزير استعمال مخزونه الأكاديمي للتخويف من احتمالية الحرب الأهليّة في حال الشروع في نزع السلاح، أقلّه لجعل النقاش في المسألة أكثر واقعية.
لم يكتفِ سلامة بالبعد العسكريّ لنظريّته غير الدستورية، بل أضاف عليها بعداً “مدنيّاً”، يعكس بكل وضوح طغيان الجانب الأيديولوجيّ في عقله على أي قدرة موضوعيّة لتحليل الوقائع السوسيولوجية والتاريخية على حقيقتها. فقد شرع في إعادة صياغة نظريّات يساريّة برزت في بدايات ما كان يعرف بالحركة الوطنيّة اللبنانيّة، قائمة على أن مسبّبات حمل السلاح ومشروعيّته تكمن (ولو جزئياً) في “محروميّة” البيئة الحاضنة للسلاح بالمعنى الاجتماعي-الاقتصادي (وفي ذلك استخفاف ولو غير مقصود بخيارات الناس العقائديّة). بغضّ النظر حول النقاش عن طبيعة حضور الدولة بالمعنى الاجتماعي-الاقتصادي، فإنه من الواضح أن الوزير سلامة (ربما من كثرة الغربة) ليس مطّلعاً على أوضاع الجنوب التنمويّة (أقلّه قبل حرب الإسناد)، وإلّا ما استطاع حتى محاولة إسقاط نظريات معلّبة على واقع مخالف تماماً لمقتضيات هذه النظريات. إن منطقة الجنوب من أكثر المناطق اللبنانية إنماءً وازدهاراً (بعد بيروت وجبل لبنان)، وقد استثمر فيها من قبل الدولة في مرحلة ما بعد الحرب أكثر من أي منطقة أخرى. حتى أن “النكتة” الرائجة بين أهالي الجنوب هي أن الرئيس برّي (ومجلسه الجنوبي) تمكّنا من إعمار عدد مدارس في المنطقة تفوق عدد الطلاب والأساتذة. لذا لا حاجة للترويج لنظريات مفادها أن شرعيّة السلاح لها بعد اقتصادي-اجتماعي، أو أن نزعه يتطلّب جهداً مسبقاً على المستوى التنموي (هل الحشد الشعبي العراقي أيضاً نتيجة نقص في المخابز؟)، لأن المسألتين (بالمعنى المفهومي المثبت) منفصلتان تماماً. السلاح هو من أفقر الجنوب (ودمّره)، وليس فقر الجنوب هو الذي أنتج السلاح.
استبشر اللبنانيون خيراً من قدوم وزير ثقافة يحظى بسمعة دولية مرموقة، وحيثيّة معنويّة ليبراليّة رصينة، خصوصاً بعدما عانوا سنوات من تخلّف سلفه الحضاري والأخلاقي. لكن لا يكفي أن يكون الفرق على مستوى المقاربات تجاه المسائل الثقافية والفنية والمعرفية، بل وقبل كل شيء بالمسألة السيادية، لكي يبقى لنا بلد نستمتع فيه بالإنجازات التي ينوي الوزير سلامة تحقيقها على مستوى وزارته.
سلامة… ثقافة «تمييع» السيادة و«نحر» حكومة سلام طوني عطية/نداء الوطن/08 نيسان/2025
«لكلّ عُرس قرص». ينطبق هذا المثل الشعبي الشهير على الحكومة اللبنانية، المُلقاة على عاتقها مهمّة إنقاذ لبنان من دون «لفّ ولا دوران». ويبدو أن داء «الثنائي» تمدّد نحو ثنائي جديد/ قديم بات يُعرف بـ«طارق متري وغسّان سلامة»، حيث يملك هذا التوأم، ما يكفي من المعارف والثقافة والعلاقات الدولية والألقاب الأممية الطنّانة، لكنه يفتقر في المقابل، إلى ما تحتاجه الأوطان من خصالٍ وفضائل في لحظاتها المصيرية، لا يمكن الاستعاضة عنها أو التلاعب بمعانيها، ألا وهي: الشجاعة. وإذا ما قرأنا تجارب السياسيين الكبار الذين نهضوا بمجتمعاتهم بعد الحرب العالمية الثانية لا سيّما في أوروبا، نجد أنّ الصفة المشتركة بين أولئك، مثل روبير شومان (فرنسا) وكونراد أديناور (ألمانيا) كانت الجرأة. نعم، لأنّ السياسة قبل أي شيء، هي فنّ الشجاعة وعالم الشجعان. هذا النقص، لطالما عرّى السلطة في لبنان وشلّ قدراتها الإجرائية والتنفيذيّة، مرّة تحت مسمّى الظروف الإقليمية والدولية، ومرّات نتيجة ضعف المسؤولين الذين أتقنوا لعبة تدوير الزوايا حتى «داخ» البلد وأُغميَ عليه سيادياً وسياسيّاً واقتصادياً. ويبدو أن متري وسلامة يتناوبان عبر مواقفهما الإعلامية في تسخيف القرارات السياسية الجريئة المطلوب تنفيذها حكوميّاً، لا سيما المتعلّقة بمسألة نزع سلاح «حزب الله»، والمُطالَب بها دوليّاً وعربيّاً من جهة، والأهم، من قبل اللبنانيين الذين لا يملكون ترف الوقت ولا تحمّل السياسات الرمادية والالتوائية التي يغذّيها «الثنائي الحكومي الجديد» من جهة أخرى.
كما أنّ «العقلانية» أو الواقعية الزائدة التي يقيس بها وزير الثقافة غسان سلامة رؤيته، «ميّعت» موضوع نزع سلاح «الحزب»، إذ قال في مقابلته التلفزيونية الأخيرة إنه «علينا إعادة النظر بالمفاهيم، حيث أن المطروح ليس سحب السلاح غير الشرعي، بل بسط الدولة سيادتها، ويتضمّن قسماً عسكرياً يتعلّق بحصر السلاح بيدها، وآخر مدنياً يتعلّق بإعادة فتح المخافر والأفران والمدارس وإعادة الإعمار». هذا «التعريب»، يتناقض مع مفهوم بسط سيادة الدولة، الذي يعني أولاً وثانياً وأخيراً، من دون «لَوْفَكات» نظرية ولا هرطقات اصطلاحية: سحب كل سلاح غير شرعي من دون أي «أرانب» وخزعبلات سياسية. وبعد تنفيذ هذا الشرط الوجودي والأساسي، يُمكن عندها الحديث عن إعادة الإعمار وفتح المدارس والمخافر والمصانع وتحقيق المشاريع الإنمائية. وقد غاب عن سلامة، أنّ الجنوب وقبل أن تُدمّره حرب الإسناد التي فتحها «حزب الله»، كان من أكثر المناطق اللبنانية إنماءً ونهضةً، حيث شهد يقظة اقتصادية وعمرانية وتجارية ومالية ضخمة. هذا يؤشّر إلى أنّ الشقّ «المدني» من المفهوم «السلامي» لسيادة الدولة، لم ينجح في معالجة الشق العسكري منه، حيث لم يُفكّك «الحزب» منظومته العسكرية، ولم يقطع ارتباطه بالمشروع الإيراني. فمشكلة السيادة تكمن في السلاح، ثمّ السلاح. ومن النقاط التي تطرّق إليها سلامة في مقابلته الأخيرة، قوله إن «من يتكلّم عن فرصة أخيرة في السياسة، لا يفقه السياسة». هذا صحيح، فالحياة هي أمواج فرصٍ تتمدّد وتنحسر، غير أن المستنقع اللبناني المأزوم، ليس بمقدوره تفويت هذه الفرصة الذهبية والتاريخية، أو تنفيسها في ميدان سياسة التكاسل والفتور والرمادية. كما أن هذه الفرصة التاريخية والنادرة، التي لم يُشارك سلامة في خلقها أو صناعتها، وبفضلها أصبح وزيراً لا يحقّ له إجهاضها، أو الجلوس عند ضفة النهر بانتظار فرصة أخرى، فالوقت يداهم وعقاربه مضبوطة على توقيت دولي وعربي صارم. ثمّ إن التنظير، لن يؤثّر في تغيير مواقف الولايات المتحدة ولا الدول الأوروبية والعربية، ومن حسن الحظّ، أن سلامة لم يُعيّن (كما تمنّى البعض) وزيراً للخارجية، لأنّ الشجاعة السياسية هي أكثر ما يحتاجها لبنان. ختاماً، معلومة لافتة لا بد من الإشارة إليها وهي أنه في 4 كانون الثاني 2023 جاء في موقع triloguenews أنه تم تعيين السيد غسان سلامة، وزير الثقافة اللبناني السابق حينها، عضواً في مجلس إدارة منظمة سوروس من أجل الديمقراطية، التي تمول حركات سياسية مختلفة حول العالم.
متري وسلامة يحرجان رئيس الحكومة…مواقف سلام بميزان الذهب ووزرائه بميزان منتهي الصلاحية سامر زريق/نداء الوطن/08 نيسان/2025
كان الرئيس سلام يدرك تماماً أن حكومته ستخوض نزالاً سياسياً قاسياً ومعقداً على جبهتين: مواجهة مقاومة “حزب الله” السلبية لبند بسط سلطة الدولة وحدها على جميع أراضيها، في ظل امتلاكه العديد من الأدوات التي يبرع في توظيفها للهيمنة إلى حد كبير على طريقة تكوين المناخ السياسي في البلاد. في موازاة معركة سياسية – دبلوماسية مع إسرائيل لإلزامها تطبيق التعهدات التي قدمتها ضمن تفاهم وقف إطلاق النار، وعلى رأسها الانسحاب من النقاط الجغرافية التي احتلتها، وصولاً إلى حل مسألة النقاط المختلف عليها في الحدود البرية.
ولأن الرئيس سلام يعرف بحكم خبرته وتجربته أن المواقف الصادرة عن أعضاء حكومته ستكون تحت المجهر على الصعيدين العالمي والعربي، تمسك باختيار الدكتور طارق متري وغسان سلامة بالذات لخوض هذه المعركة السياسية – الدبلوماسية، وتظهير الموقف الحكومي بأفضل شكل وبأدق المصطلحات، انطلاقاً من حنكتهما وخبرتهما وتمرّسهما في معارك من هذا النوع، يكون فيها كل كلام صادر عن الحكومة هو بمثابة التزام عليها وعلى الدولة اللبنانية واجب إيفاؤه. في الواقع يمتلك متري وأكثر منه سلامة رصيداً هائلاً يعدّ مفخرة لأبناء السلك الدبلوماسي ويجعلهما الخيار الأنسب. لكن، وفيما كان الرئيس سلام يتوسّم في كل منهما أن يكون ردءاً له، فإذ بهما يحرجانه أمام المجتمعين الدولي والعربي، وكذلك الرأي العام المحلي في المواقف التي اتخذها كل منهما في أدق قضية تواجهها الحكومة وأكثرها تعقيداً، وهي وضع جدول زمني محدد لتسليم سلاح “حزب الله” إلى القوات المسلحة الشرعية.
بسبب هذا البند بالذات ترزح الحكومة تحت وطأة ضغوط أميركية ودولية يعمل الرئيس سلام على احتوائها وتفكيكها بتؤدة، رامياً تحويلها إلى فرصة لتطبيق ما تأبّطه معه منذ دخل القصر الجمهوري لإبلاغه التكليف: الدستور وفي القلب منه “وثيقة الوفاق الوطني”، الذي ينص البند الأول في مادته الثانية على “حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال 6 أشهر”، تبدأ بعد تصديق الوثيقة وانتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة.
وها نحن ذا في ظروف مشابهة، حيث أورد الرئيس جوزاف عون هذا البند ضمن خطاب قسمه، وركّزت عليه “حكومة الإنقاذ” في بيانها الوزاري. بيد أن نائبه طارق متري سرعان ما ارتكب “فاولاً” سياسياً كارثياً، بإعلانه من على منبر قناة “الحرة” بالذات نسف مسألة الجدول الزمني من جذورها، مما سبّب إحراجاً لصديقه رئيس الحكومة من دلالاته بيان متري الاستدراكي. نجح سلام في رتق هذا الخرق وتكوين موقف جريء وموزون بإعلانه من على منبر قناة “العربية” طيّ صفحة سلاح “حزب الله”، ومعها طبعاً كل الجماعات الرديفة. فحصل على جرعة دعم سعودي استثنائية تتيح له التقدم خطوة أخرى نحو وضع جدول زمني محدد لإقفال هذا الكتاب من جذوره، خصوصاً أنها حيدت السنّة من درب المعارضة، وهم الذين تدثّروا برداء “القضية الفلسطينية” طويلاً. أردفه بموقف آخر على نفس الوزن لكبح جماح الحملة التي شنت عليه بصواريخ نارية وإعلامية، واتهامه بالمضي في التطبيع، لإرباكه وعرقلة مسار المفاوضات الخارجية الدقيقة التي يقودها لإنقاذنا من الكارثة التي أوقعنا فيها “حزب الله”، حيث أكد بأن حكومته ليست في وارد التطبيع. ما بين الموقفين هامش يمكن توسعته لاستخدام أدوات سياسية – دبلوماسية تساعد على التوصل إلى اتفاق شبيه بترسيم الحدود البحرية.
وهذا ما مكّنه من طرح فكرة “الدبلوماسية المكوكية” أمام موفدة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مورغان أورتاغوس، وهي ليست مستقاة من تجربة سلفها آموس هوكستين فقط، بل كذلك من تجربة “خطوة بخطوة” للموفد الأميركي الشهير فيليب حبيب لإخراج “منظمة التحرير” من بيروت، والتي خَبِرها الرئيس نواف سلام حينما كان ضمن فريق عمّه الرئيس صائب سلام، الذي لعب دوراً بارزاً في إبرام الاتفاق بشكل يضمن خروجاً مشرّفاً لأبو عمار وصحبه. إلا أن وزير الثقافة شكلاً، ووزير السياسة والدبلوماسية مضموناً، غسان سلامة، سدّد ضربة ثقيلة إلى موقف الرئيس سلام غداة سويعات من إشادة أورتاغوس بحكومته، من خلال ربطه في إطلالاته الإعلامية مساء الأحد مسألة تسليم سلاح “حزب الله”، بعملية إعادة إعمار ضخمة تشمل البنية التحتية و”الأفئدة” تحتاج زمناً طويلاً يتجاوز عمر الحكومة نفسها. لم يكن أحد أعلام الدبلوماسية المرموقين في “الأمم المتحدة” موفّقاً في المثال الذي ساقه عن ليبيا وعدم انطباقه على الحالة اللبنانية، حيث المطلوب جمع السلاح الثقيل من صواريخ باليستية ومسيّرات وخلافه وليس السلاح الفردي، فضلاً عن وجود حكومة واحدة وليست حكومات لدولة واحدة. لا جَرَمَ أن هذا الموقف سيكون أمام أورتاغوس أثناء إعداد الإحاطة التي ستقدمها لإدارتها عن زيارتها إلى بيروت، بما يقوّض جهود الرئيس سلام ويضع مصداقية تعهدات حكومته على المحك. ربما لا يزال هناك بقية أثر من اليسارية الممزوجة بالعروبة التي شكلت وعي الجيل الذي ينتمي إليه سلامة ومتري وغيرهما من النخب السياسية تؤثر على مواقفهما، في حين أننا بتنا في عصر طوى تلك الصفحة ومن خلفها “الجهادية الإسلامية” التي ورثتها، ويضع اليوم “شاهدة قبر” المشروع الإيراني الذي أرهق الأمتين العربية والإسلامية والمنطقة بأسرها تمهيداً لنظام إقليمي جديد. وهذا ما يستوجب مواقف أكثر انسجاماً مع هذه التحولات تساعد الحكومة على اكتساب المزيد من جرعات الدعم العربي والدولي وتوظيفها لصياغة سياسات عملانية وصلبة.