لبنان والوضع المتجدد في حلول الشرق الأوسط الكولونيل شربل بركات/31 آذار/2025
إن حكومة لم تستطع بعد أن تعيّن من يصلح القضاء ولم تطرد العقيقي الذي شوه صورة المحاكم وزاد باصدار الأحكام الحاقدة وغيره من السفهاء، يجب أن ترحل هي وتستبدل قبل فوات الأوان، وإلا فإن للمجتمع الدولي الحق بتعيين من يشرف على الدولة اللبنانية وتنظيماتها الادارية، ونكون لم نستحق بعد الاستقلال والسيادة، وعلينا الالتزام بقواعد التعلم والخضوع للارشادات. فلن يقبل العالم المتحضر وجود ساحة لتصدير الحقد بعد اليوم. ولن يكون لبنان مع هؤلاء المتذبذبين في قراراتهم بمنأى عن العقوبات بدل المساعدات.
ها قد وصلت الأمور إلى خواتمها في صراعات القوى في المنطقة وقد تحددت التوجهات الحاسمة بدون مواربة ولا تحايل كما كان يجري منذ عقود. فقد اتضح اليوم ومع الرسائل الصريحة والمباشرة بأن لا تراجع عن القرارات وأن التلاعب بمصير الشعوب بات ممنوعا على القوى المستجدة والحالمة بالسيطرة بالواسطة أو التهويل لا فرق. ولكن هل اذا ما قضي الأمر في طهران وانتهت ظاهرة الملالي وتحكّمهم بمصير الشعوب ستقف الأمور عند هذا الحد ويعود المتاجرون بالشعارات لنقل البندقية من كتف إلى آخر؟
يقول قائل بأن زوال حكم الملالي على مستوى المنطقة بالضربة القاضية قريبا سيؤدي بدون شك إلى توسع سيطرة الأخوان الذين يقودهم بطر السلطان العثماني الجديد أردوغان وأحلامه بالخلافة ومن ثم يصبح الشرق الأوسط مرة أخرى ملعبا للارهاب وتأجيج الأحقاد ومسرحا لصراعات متجددة تطيح بكل قواعد اللعب. ولكننا نرى بأن نهاية هذه المرحلة ستأخذ في طريقها كل النظريات المبنية على الحقد وتفتح أبواب التوازن في علاقات الشعوب المستندة على الطروحات السلمية والانفتاح الخلاق والتنافس على الانتاج.
ولكن هل يمكن أن يأتي الخير ويعم السلام هذه البلاد التي دفع سكانها في زمن مكثف ثمن عاهات متوارثة نفض عنها الغبار لتظهر على حقيقتها وتذوب أمام عيون المقهورين فينتظم العمل بدون مواربة ولا جشع وتتعايش الأمم بمختلف أبعادها الثقافية والاجتماعية في انسانية متكاملة لا يعيبها التلون؟ وماذا سيكون الثمن وما هو المطلوب؟
في لبنان، الذي لا يزال العهر يسيطر على بعض أبنائه فلا يريدون أن يفهموا بأن الوسائل والطروحات البالية انتهت إلى غير رجعة، على من تقدم لتحمّل المسؤولية أن يبادر بالانتظام وتنفيذ المطلوب. فالمناصب تعطي بعض الاحترام مقابل أن يملأ من يتبوأها دوره ويتحمّل نتائج بعد النظر لتوجيه من يقود ووضعهم ضمن المسار الصحيح للأمور، وإلا فسقوطه يصبح واجب وتغييره ضرورة. من هنا نريد توجيه بعض الملاحظات إلى رأس الدولة الذي اعتقد الكل بأنه وصل بالجهد والمواظبة وبعدم السعي وراء التظاهر أو التشاوف، وقد لعب فيما مضى بأقل قدر من المخاطرة بالمؤسسة العسكرية وانضباطيتها وبالتالي بالمساهمة برسم خطوط المرحلة القادمة التي يجب أن تنقذ لبنان من براثن التبعية والحقد وتعيده إلى الانتظام في المسار الصحيح. ولكن هذا لا يعني مطلقا بأنه معصوم أو لا يطالب أو أن ما عاشه في المراحل الانتقالية مستمر وحالة المسايرة هي القرار الصحيح. من هنا نقترح على من هم قريبين منه أن يخرجوا هم أولا من دائرة الخوف ويطرحوا التغيير والتجدد بما يتناسب مع المرحلة، وبالتالي أن يشمّر الرئيس عن ساعديه كونه راس السلطة التنفيذية ويطلق بسرعة خطة الاصلاح الأمني ويقوم بما يلي:
– تبليغ كل من يدّعي قيادة مجموعات مسلحة بأن لا سلاح خارج الدولة بعد اليوم ولا تلاعب في هذا الموضوع، ولن تكون هناك مشارورات أو آراء تطرح هنا وهناك، ولا خطط استيعاب خاصة من قبل الذين تسببوا بتدمير البلد وتهجير أهله مهما أدعوا من حجج. وهذا القرار هو الأهم وعليه يبنى مستقبل الرئيس الشخصي ومستقبل البلاد في المرحلة القادمة. ومن ثم عليه تنظيف من حوله من قيادات كانت أو ما زالت مرتبطة بالعصر الماضي، فتكف أيدي كل الضباط في الجيش أولا وفي قوى الأمن بكافة فروعها، ويوضع هؤلاء بتصرف القيادة بدون تدخل بالأوامر المباشرة، ومن ثم يعيّن ضباط صادقون بالولاء للدولة فقط لتنفيذ المهمات المطلوبة، وهذه العملية يجب أن تأخذ مجراها فورا وقبل سقوط نظام الملالي وغيره من الافرازات.
– ثانيا اعطاء الأوامر بحل كل غرف العمليات التي لا تتبع لمؤسسات الدولة، إن من جهة المخابرات أو الاعمال الحربية، ووقف العمل بكل البطاقات التي تسهّل المرور على الحواجز العسكرية ونقل السلاح. من ثم الطلب إلى من يدّعون قيادة هذه المجموعات بأن تحل نفسها فورا وتقدم ملفاتها ولوائح اسمية بكل عناصرها ومراكز اقامتهم ومخازن الأسلحة والذخائر وكافة العاملين معهم، لمقابلتها مع ما عند الأجهزة الأمنية من لوائح.
– الطلب إلى من يدّعي قيادة التنظيمات المسلحة المتواجدة على الأراضي اللبنانية كلها وبدون استثناء، تقديم لوائح مفصلة عن مخازن الأسلحة وموجوداتها ومواقعها والالتزام برزنامة زمنية لتسليمها للقوى الأمنية بأقرب فرصة.
– وضع خطة عملية لتنظيف المناطق اللبنانية كافة من الأسلحة والعتاد العسكري فورا، على أن تشمل قرى الجبل شمالا وجنوبا والعاصمة وجوارها ومن ضمنها المخيمات الفلسطينية في المرحلة الأولى أي خلال شهرين ومن ثم المناطق الحدودية في الجنوب وحول لبنان الشرقي والشمالي أي الحدود مع سوريا بكاملها وهذه يجب أن تسير بالتوازي مع تنظيف العاصمة لأهميتها بمنع التدخل من وإلى الدول الجارة. وبعدها تنظف بقية مناطق البقاع وعكار والجنوب لكي لا يكون هناك أي بؤر خارجة عن سلطة الدولة.
– أما الانتظام الاداري والوظيفي فهو تحصيل حاصل وليس انجازا وبالتالي لن نعطيه أي قيمة مضافة كونه من صلب عمل أي حكومة في أي بلد مستقر.
– ولكن على المجلس النيابي أن يصدر قرارات حاسمة بحل كافة التنظيمات المسلحة بالتوازي مع العمل المطلوب من قبل السلطة التنفيذية، وأن يبادر إلى طلب التفاوض مع الدول الجارة حول مستقبل العلاقات وأهمية السلم والالتحاق بقطار المنطقة، الذي لن ينتظر أحدا، لكي يكون للبنان موقع على طاولة القرار ولا يصبح شرابة خرج كما كان ساحة صراع مفتوحة. وتبدأ قراراته بمنع استعمال الأراضي اللبنانية كقاعدة انطلاق لأعمال حربية ضد أي دولة كانت، مهما كان توجهها وسياساتها، فلن يكون لبنان بعد اليوم ساحة. ومن ثم على المجلس أن ينظّف نفسه بفرض استقالة الرئيس بري الذي جدد له بدون وجه حق ولم يعد أهلا للرئاسة، وتعيين نائبه مسيرا لأعمال المجلس حتى الانتخابات.
– أما من الناحية الادارية فيجب أن يبلّغ كافة موظفي الدولة ومنهم خاصة رجال الدين، الذين يعتبرون موظفين رسميين ويقبضون معاشات، بأنهم سيطالبون بتقديم كشف حساب عن الأموال التي يتنعمون بها، وسوف تقطع معاشات من يتجرأ منهم على التدخل بالسياسة علنا، خاصة إذا كانت هذه السياسة تخرج عن مصلحة الدولة. وكما فعلوا بالسيد على الأمين سابقا والذي طرد من منصبه كمفتي صور ومنع حتى من أخذ مكتبته، فلينتظروا أن يمارس نفس التصرف بهم كونهم لم ينتقدوا من قام بتلك الشائنة يومها.
إن إدارة البلاد يجب أن تمارس ببعد النظر من جهة وبالتشدد في ما يضر بالأمن والاستقرار، وإلا فليذهب المسايرون والممالقون والذين يريدون أن يربحوا التصفيق بدون وجه حق إلى مذبلة التاريخ.
إن حكومة لم تستطع بعد أن تعيّن من يصلح القضاء ولم تطرد العقيقي الذي شوه صورة المحاكم وزاد باصدار الأحكام الحاقدة وغيره من السفهاء، يجب أن ترحل هي وتستبدل قبل فوات الأوان، وإلا فإن للمجتمع الدولي الحق بتعيين من يشرف على الدولة اللبنانية وتنظيماتها الادارية، ونكون لم نستحق بعد الاستقلال والسيادة، وعلينا الالتزام بقواعد التعلم والخضوع للارشادات. فلن يقبل العالم المتحضر وجود ساحة لتصدير الحقد بعد اليوم. ولن يكون لبنان مع هؤلاء المتذبذبين في قراراتهم بمنأى عن العقوبات بدل المساعدات.
فلنتعظ ولنتعلم من تجاربنا ومآسينا خلال نصف قرن ولنبادر إلى اتخاذ القرارات الصائبة. ولتكن رئاسة ابن الجنوب المتألم لتضحيات أهله هي الحافذ لكي ينطلق بمسيرة التقدم والالتحاق بقطار المدنية السريع فلن ينتظرنا العالم بعد اليوم.