بدايةً، لا بد من الإشارة إلى أنه لا توجد أي دولة في العالم، خصوصًا في الدول العربية والإسلامية، فيها مخيمات للاجئين تسمح بتحولها إلى دويلات مسلحة خارجة عن سلطة الدولة. في لبنان، ومنذ السبعينات، بقيت المخيمات الفلسطينية الـ 13 استثناءً لهذا المبدأ، حيث تحولت إلى معاقل مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة اللبنانية، وتشكل بؤرًا للإرهاب والتطرف والفارين من وجه العدالة وللمهربين وتجارة الممنوعات.
الخلفية التاريخية: محاولة احتلال لبنان
منذ اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975، تحالفت الفصائل الفلسطينية المسلحة مع القوى اليسارية والعروبية لمحاولة فرض سيطرتها على لبنان واستبدال الدولة اللبنانية بكيان فلسطيني. شنّت هذه الجماعات حروبًا دامية ضد الدولة ومؤسساتها وجيشها وقواها الأمنية والمناطق المسيحية تحديدًا، ما أدى إلى تحويل لبنان إلى ساحة حرب إقليمية أدت إلى نزاعات مسلحة استمرت لسنين وفككت الدولة. إلا أنه ورغم انتهاء الحرب رسميًا وصدور اتفاق الطائف وتفكيك كل الميليشيات المسيحية والدرزية والسنية، بقيت المخيمات الفلسطينية على حالها وعلى سلاحها، وكذلك لم يسلم حزب الله الإرهابي وحركة فتح والقومي السوري والبعثي وكثر من المنظمات الأصولية الإسلامية سلاحهم بقرار نظام الأسد السوري الذي بقي محتلاً للبنان حتى عام 2005، ومن بعده وحتى يومنا هذا حل حزب الله الإرهابي والإيراني مكانه ونفذ نفس الأجندة الخاصة بالمخيمات الفلسطينية وسلاحها ووضعيتها الخارجة عن سلطة الدولة اللبنانية. إن المخيمات الفلسطينية كان يفترض أن تكون تجمعات إنسانية للاجئين، إلا أنها بقيت حتى اليوم مناطق عسكرية مغلقة خارجة عن سلطة الدولة.
المخيمات الفلسطينية هي بؤر للإرهاب والجريمة
المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأبرزها مخيم عين الحلوة في صيدا ومخيم الرشيدية في صور، أصبحت مأوى للجماعات الإرهابية وعناصر الإسلام السياسي، بما في ذلك تنظيم حماس والجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى داعش وجبهة النصرة. هذه الفصائل تستخدم المخيمات كملاذ آمن، وتخزن فيها الأسلحة الخفيفة والثقيلة، مما يجعلها تهديدًا دائمًا للأمن اللبناني.
المخيمات الفلسطينية الـ 13 والمنظمات المسلحة التي تسيطر عليها
تتوزع المخيمات الفلسطينية في لبنان على مختلف المناطق، وهي:
مخيم عين الحلوة (صيدا)
مخيم المية ومية (صيدا)
مخيم الرشيدية (صور)
مخيم البرج الشمالي (صور)
مخيم البص (صور)
مخيم نهر البارد (الشمال)
مخيم البداوي (الشمال)
مخيم برج البراجنة (بيروت)
مخيم شاتيلا (بيروت)
مخيم مار الياس (بيروت)
مخيم ضبية (المتن)
مخيم الجليل (بعلبك)
مخيم ويفل (بعلبك)
وتتمركز في هذه المخيمات عدة منظمات مسلحة، من أبرزها:
حماس
حركة الجهاد الإسلامي
كتائب عبد الله عزام
داعش
جبهة النصرة
جماعة أنصار الله
حركة فتح (بعض الأجنحة المسلحة)
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة
فتح الإسلام (تمت تصفيتها بعد معركة مخيم نهر البارد لكنها تركت إرثًا أمنيًا خطيرًا)
معركة نهر البارد: نموذج للفوضى المسلحة
عام 2007، اندلعت معركة ضارية بين الجيش اللبناني وتنظيم “فتح الإسلام” الإرهابي الذي كان متحصنًا داخل مخيم نهر البارد. هذه المعركة أسفرت عن استشهاد المئات من أفراد الجيش اللبناني وسقوط العديد من الضحايا المدنيين. النظام السوري، الذي كان يحتل لبنان، قام بدعم المسلحين وآمن لهم الغطاء السياسي والسلاح والتمويل، مما صعّب مهمة الدولة في فرض سيادتها.
اتفاق الطائف وتجاهل تجريد المخيمات من السلاح
بعد الحرب، نص اتفاق الطائف، الذي أنهى النزاع الأهلي، على تجريد كافة الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية من سلاحها وبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية. غير أن التنفيذ كان انتقائيًا في ظل الاحتلال السوري، حيث تم نزع سلاح الميليشيات المسيحية والدرزية فقط، بينما تُركت الأسلحة بيد حزب الله وحركة أمل والبعث والقومي السوري والجماعات الأصولية الجهادية نتيجة هيمنة النظام السوري على القرار اللبناني آنذاك. كذلك، بقيت المخيمات الفلسطينية خارج نطاق سيطرة الدولة، رغم الإجماع الوطني اللفظي على ضرورة تجريدها من السلاح.
فشل الحوار اللبناني بسبب حزب الله
عام 2006، انعقدت طاولة الحوار اللبناني برئاسة نبيه بري، وشارك فيها حسن نصرالله وقادة القوى السياسية، حيث تم التوافق على ضرورة تجريد المخيمات من السلاح. لكن هذا القرار بقي مجرد حبر على ورق، بسبب رفض حزب الله السماح بتنفيذه، إذ إنه يستفيد من بقاء المخيمات كقواعد خلفية لحلفائه من الفصائل المسلحة الأصولية والإرهابية واليسارية.
القرارات الدولية: التزام نظري بلا تنفيذ
القرارات الدولية 1559 و1701 و1680 (اتفاقية الهدنة مذكورة ضمنيًا في سياق القرارات الدولية التي تؤكد على نزع السلاح)، أكدت على وجوب تجريد كل الميليشيات من السلاح، إلا أن هذه البنود بقيت غير مطبقة بسبب سيطرة حزب الله واستمرار الفوضى داخل المخيمات. ونتيجة لذلك، لا تزال المخيمات الفلسطينية في لبنان بؤرًا للتطرف والجريمة المنظمة، تُهدد استقرار البلاد وأمن اللبنانيين.
مطالبات السلطة الفلسطينية بنزع سلاح المخيمات
لقد طالبت السلطة الفلسطينية الدولة اللبنانية مرارًا وتكرارًا على مدى سنوات طويلة بضرورة نزع سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان وبسط سيطرة الدولة اللبنانية الكاملة عليها. ومع ذلك، فإن الدولة اللبنانية، التي لا يزال قرارها السياسي والعسكري واقعاً تحت سيطرة حزب الله التابع كلياً لنظام إيران الملالوي، لم تستجب لهذه المطالبات، والسبب هو أن حزب الله وإيران ونظام الأسد قبل سقوطه يستغلون هذه المخيمات والمنظمات التي تسيطر عليها لخدمة أجنداتهم التوسعية والإرهابية، والتي تُعتبر معادية للبنان وللعديد من الأنظمة والشعوب العربية.
ضرورة استعادة السيادة
لا يمكن للبنان أن يستعيد استقراره وسيادته إلا عبر تنفيذ قرارات تجريد المخيمات من السلاح، تمامًا كما تم نزع سلاح الميليشيات المسيحية والدرزية تحديدًا بعد الحرب. وفي الخلاصة، إن استمرار هذا الوضع الاستثنائي للمخيمات الفلسطينية يعني بقاء لبنان رهينة الفوضى المسلحة والتدخلات الخارجية، وهو ما يجب أن ينتهي إذا أراد اللبنانيون بناء دولة حقيقية قادرة على حماية شعبها وتحقيق السيادة والاستقلال وحصرية السلاح بقوى الدولة الشرعية.
**الكاتب ناشط لبناني اغترابي عنوان الكاتب الالكتروني Phoenicia@hotmail.com رابط موقع الكاتب الالكتروني https://eliasbejjaninews.com