الاطماع الاسرائيلية في لبنان الكولونيل شربل بركات/21 آذار/2025
طالما تكلم المنظّرون في لبنان عن الأطماع الاسرائيلية خاصة في المياه اللبنانية وهي نظرية كانت قائمة في العشرينات من القرن الماضي يوم كان التخطيط الاسرائيلي مبني على اقتصاد زراعي “حديث” بالنسبة لسكان المنطقة يعتمد على الزراعات المروية ويتطلب الكثير من المياه لانجاحها. وكان لبنان بلدا يفيض بالمياه الغير مستعملة والتي تذهب إلى البحر. من هنا طرح بعض الاسرائليين على لبنان امكانية الاستفادة من المياه الفائضة أصلا عن احتياجاته. وكان هناك امكانية بيع بعض هذه المياه لاسرائيل المهتمة بتطوير صحراء النقب واستعادة خصوبتها وذلك مقابل عدة مصالح منها مادية ومنها خبرات تقنية ومنها دفاعية أو تسويقية وما إلى هنالك. ولكن لبنان لم يكن بوارد التعاون مع جارته الفتية اسرائيل ولا حتى التفاهم معها حول حلول لموضوع اللاجئين على أرضه بل كان منقادا لتيارات الرفض والتعبئة التي لا تزال رائجة حتى اليوم.
وقد بقيت هذه النغمة متداولة خاصة بين طبقة مدعي المعرفة والثقافة الزائفة والقومجية حتى أيامنا. ومثالا على ذلك ما كان يدعيه الرئيس بري أيام المنطقة الحدودية بأن اسرائيل تسرق مياه الليطاني. وهذا الكلام يدل إما على الجهل المطبق أو على استغباء الناس. لأن المكان الوحيد الذي كان ضمن “المنطقة الحدودية” في تلك الأيام ويمر فيه نهر الليطاني كان منطقة الخردلي حيث يعبر أيضا وتحت النهر مباشرة أنبوب التابلين الذي كان ينقل يوما النفط من السعودية عبر الاردن والجولان السوري إلى منطقة الزهراني جنوب صيدا حيث بنى الرئيس بري قصره في المصيلح. ومن ثم ومنذ 1978 أي وقت انشاء جيش لبنان الحر وتمركزها في الجنوب وضعت قوات اليونيفيل موقعا لها على جسر الخردلي مباشرة ربما من أجل هذه الغاية أي دحض أية مقولة مشابهة لأن الأمم المتحدة لن تقبل مثل هذه التجاوزات وهي لم تكن أصلا مطلبا اسرائيليا منذ العشرينات وخاصة بعد استعمال مياه طبرية بكل فروعها أي بانياس واليرموك والحاصباني الوزاني والتي تصب كلها فيها واستباط طرق جديدة للري تقلل من استعمال المياه في عملية الري بشكل كبير وتجفيف بحيرة الحولة والاستفادة من مياهها وتطوير صناعات تحلية مياه البحر التي أصبحت ناجحة وتدر عليها أرباحا بسبب خبراتها في بناء معامل التحلية هذه حول العالم كله وقد يكون جزء منها في دول الخليج. ومن قبيل الصدف فإن الرائد سعد حداد يوم جرب الاسرائيليون وضع سياج حول منبع الوزاني القريب من الحدود والذي يسير بموازاتها قبل أن يدخل إلى اسرائيل لم يكتف بالاعتراض بل قام بنفسه بنزع شلوف الحديد التي تحمل السياج ومن ثم سمح لمواطنين محليين بانشاء مطعم على النهر ليثبت حق اللبنانيين بهذه المياه ويمنع أي حجة بالتسلل إلى الحدود من هناك. فجيش لبنان الحر الذي كان يقوده مسؤول عن تنفيذ الهدنة بكل بنودها بين لبنان واسرائيل وحماية مصالح لبنان كما هو مسؤول عن حفظ الأمن ومنع التعدي على طرفي الحدود.
اليوم وعندما نشاهد ما تقوم به السعودية مثلا في مجال مشاريع المياه حتى وسط الربع الخالي نعرف لماذا لم تعد اسرائيل مهتمة بأي جزء من مياه لبنان لا بل فإن لبنان قد يطلب من اسرائيل حلا لمشكلة المياه عنده فذلك النهر المسمى الليطاني والذي كنا نتغنى به أصبح بفضل الرئيس بري وجماعته مجرور للمياه الآسنة لا ينفع لسقاية المزروعات ولا الحيوانات وقد شاهدنا السنة الماضية كيف ينفق السمك في بحيرة القرعون من كثرة التلوث. من هنا ننصح المتحدثون بالسياسة والمنظرون بالاستراتيجية التي لا يفهمون معانيها التوقف عن استعمال مصطلحات كأطماع اسرائيل بمياه لبنان ويفتشوا على نغمة جديدة مثل اطماع اسرائيل ربما “بقدرات” لبنان الانتاجية واقتصادياته “الناجحة” ومصارفه التي بفضل جماعة الرئيس بري ووزراء ماله أفقدوها الثقة التي بنتها حول العالم لكي يبيضوا أموال التهريب والجريمة التي يمارسها حزب السلاح بتوجيهات الحرس الثوري وخططه.