بمناسبة القمّة العربيّة: السّلام مع إسرائيل ليس مسألة محرّمة بلّ مشروطة
السّفير د. هشام حمدان/جنوبية/06 آذار/2025
يتجنّب اللّبنانيّون الحديث عن موضوع السّلام مع إسرائيل. بعضهم يرى أيّ حديث بهذا الصّدد، جريمة لا تغتفر، والبعض الآخر يمتنع عن الحديث بهذا الأمر تحت هاجس ” بلا وجعة راس” لا سيّما أنّ الموضوع ليس مطروحا للنّقاش داخليّا.
آن الأوان لفتح النّقاش حول هذا الموضوع، نحن نواجه حالة إقليميّة ضاغطة تتواكب مع طموح أميركي معلن لتحقيق السّلام في الشّرق الأوسط، لا يمكن أن نستمرّ تحت مخدّر ما يسمّى رفض ومقاومة ونكون كالنّعامة التي تخبّىء رأسها في الرّمال، فإنعقاد القمّة العربيّة عنوانها الأساسي هو الدّفع بمفهوم السّلام ضمن الشّروط أو المعايير التي حدّدتها قرارات الأمم المتّحدة، وجامعة الدّول العربيّة.
لبنان عضو مؤسّس في الأمم المتّحدة، إلتزم منذ عام 1949 بإتّفاق الهدنة مع إسرائيل الذي حدّد جوانب العلاقة بين الجانبين إنتقاليّا، إلى حين تسوية النّزاع حول فلسطين سلما. كما اعتمد لبنان قرار الجامعة العربيّة آنذاك، بعدم الإعتراف بإسرائيل، أو قبول أيّة علاقات معها خارج التّرتيبات الأمنيّة المتّفق عليها في اتّفاق الهدنة.
لكنّ لبنان أيّد عام 1967، قرار مجلس الأمن رقم 242 بعد أن أيّدته الدّول العربيّة المعنيّة، ولاسيّما مصر، سوريّة والأردن.
السلام مقابل الأرض
إستبدلت جامعة الدّول العربيّة قرارها بتحريم السّلام مع إسرائيل، إلى قرار يقبل بما يفرضه القرار 242، أيّ السّلام مقابل الأرض، قبلت جامعة الدّول العربيّة بكلّ أعضائها، باستثناء العراق في البداية وبلا جدل، بوجود دولة إسرائيل. هذا يعني أنّ لبنان يعترف بوجود دولة إسرائيل، لكنّه يشترط لتفعيل موجب توقيع إتفاق للسّلام مع هذه الدّولة، كما يفرضه عليه هذا القرار، هو أن تنفّذ إسرائيل أيضا موجباتها، فتنسحب من الأراضي المحتلّة عام 1967 بما في ذلك القدس. لم يعد السّلام محرّما بلّ مشروطا.
جدّدت جامعة الدّول العربيّة موقفها هذا بإعلان قمّة بيروت عام ٢٠٠٢ التي تبنّت مشروع الملك فهد، الذي نصّ صراحة على قبول العرب إقامة سلام مع إسرائيل، مقابل إنسحابها من الأراضي الفلسطينيّة، والعربيّة المحتلّة عام ١٩٦٧.
إذا، نحن ملتزمون الآن بهذا الموقف، وعليه، فإنّ المتوقّع هو أن تظهر حكومة لبنان في مواقفها المختلفة، ميولها من أجل السّلام المشروط، لا أن ترفض جازمة الحديث بهذا الأمر. هذا إضافة إلى أنّ حكومة لبنان، يجب أن تأخذ بالإعتبار أنّ عدّة دول عربيّة شقيقة، مدافعة عن حقوقه ومصالحه، ومموّلة للخدمات فيه، تعترف بإسرائيل، وتقيم علاقات معها. ألرّفض القاطع بشأن الحديث عن السّلام مع إسرائيل، لا يعبّر عن الموقف العربي، بلّ يشكّل في الواقع، مزايدة مرفوضة على الحكّام العرب، ويعكس نغمات سياسة ما يسمّى جبهة الرّفض والمقاومة، ما يذكّرنا بسلطان حافظ الأسد والولي الفقيه الإيراني، وهذا مناف للمناخ السّائد عربيّا، إقليميّا ودوليّا.
الحديث عن السّلام مع إسرائيل، مطلب لا يكفي عرضه في الصّالونات الخارجيّة المغلقة، بلّ يجب الحديث عنه في كلّ مناسبة داخليّة. يجب تحويل التّوجّه النّفسي، والفكري في لبنان، نحو المستقبل حيث أنّ السّلام في الشّرق الأوسط، هو جزء أساسيّ منه، علينا أن نعود إلى دورنا كدولة محبّة للسّلام، فنمارس بقوّة دورنا إلى جانب المعتدلين.
كلّ الحديث عن إزالة دولة إسرائيل من الوجود، كان شعبويّا، وفي إطار ضغوط سياسيّة إستخدمت فيها بعض الدّول العربيّة، والإسلاميّة، وخاصّة سوريّة وإيران، لبنان وشعبه، ما أدّى إلى تلك المعاناة الكبيرة للشّعب اللّبناني، وإلى أن يتمّ ذلك، يبقى لبنان ملزما بالنّسبة للعلاقة مع إسرائيل، باتّفاق الهدنة فقط الذي تمّ توقيعه عام ١٩٤٩، تحت المادّة 40 من الفصل السّابع من ميثاق الأمم المتّحدة.
اتفاق الهدنة
قرأت تصريح رئيس الحكومة نوّاف سلام الذي تحدّث فيه عن ممارسة الضّغوط من أجل انسحاب إسرائيليّ كامل من لبنان، حتّى “الحدود الدّوليّة وفقا لإتّفاق الهدنة”. سرّنا جدّا هذا التّعليق، فالرّئيس سلام لديه اختصاص فعلي في مواضيع العلاقات الدّوليّة والقانون الدّولي، وهو يعرف تماما حقوق وواجبات لبنان. إنقضى زمن رؤساء الحكومة من رجال الأعمال المهتمّين بالشّؤون ذات الطّابع المالي فقط، نحن نقف إلى جانب الرّئيس سلام في مسعاه الإصلاحي، وقد أطلقنا فعلا ورشة أهليّة تواكب عمله من خلال جمعيّتنا غير الحكوميّة، لبناء السّلام، والتّنمية المستدامة.
وعليه، لم يكن غريبا أن يحيل الرّئيس سلام إلى اتّفاق الهدنة، وليس إلى القرار 1701 عند إشارته إلى موجب إنسحاب إسرائيل من لبنان الذي يفرضه هذا القرار، وكذلك اتّفاق وقف النّار في تشرين الثّاني الماضي، بعد حرب الإسناد العبثيّة الأخيرة، فالقرار ١٧٠١، قرار أمنيّ، بينما موضوع اتّفاق الهدنة سياديّ وسياسيّ. إنّ أيّ موضوع متعلّق بالعلاقة مع إسرائيل، يجب أن يستند إلى هذا الإتّفاق، سواء فيما يتعلّق بإظهار الحدود المعترف بها دوليّا، أو بموضوع السّلام.
نعم، لبنان ملزم بتنفيذ كلّ مندرجات القرار 1701، بدءا من استكمال تنفيذ أحكام اتّفاق وقف النّار. لكنّ القرار 1701، لا يتحدّث عن موضوع الأمن في جنوب لبنان فحسب، بلّ ينص على أحكام أخرى أساسيّة لا تقلّ أهمّيّة منها، ألتّنفيذ الكامل لإتّفاق الطّائف. هذا يعني أنّ الأمم المتّحدة، إعتبرت أنّ تحقيق الأمن في الجنوب، وتحقيق الإصلاحات المنشودة في البنية السّياسيّة اللّبنانيّة، جزئان متكاملان لتحقيق السّلام المنشود في البلاد بلّ في الشّرق الأوسط. هذا القرار، مكمّل واقعيّا لإتّفاق الهدنة، وليس بديلا عنه. يبقى اتّفاق الهدنة هو المعيار في أيّ علاقة ذات بعد سيادي بين الطرفين. ألقرار 1701، وما سبقه من قرارات منذ عام ١٩٧٨، يشكّلون ردودا دوليّة على الحالات التي نجمت بعد أن فقد لبنان سيادته وخسر حقّه الحصري بقرار الحرب والسّلم في مواجهة إسرائيل.