الكولونيل شربل بركات/نزع سلاح الحزب الإيراني

95

نزع سلاح الحزب الإيراني
الكولونيل شربل بركات/05 آذار/2025

شكّل الحزب الإيراني في لبنان ذراعا لنظام الملالي منذ تأسيسه في 1982 برعاية سورية، وذلك لاعطاء المجال للحرس الثوري بزيادة الضغوط على الدول العربية التي تدفع “الخوة” لنظام دمشق وتمنع التعرّض له دوليا. ولكن مع مرور الوقت وتطوّر الأذرع والتقدم بصناعة الأسلحة، أصبحت إيران ونظامها هي من يحكم ويتحكّم بقرارات دمشق، خاصة بعد الانتهاء من نظام البعث العراقي رديف النظام في سوريا ومنافسه الوحيد. وبذلك فتح الطريق واسعا أمام طهران للوصول إلى مياه المتوسط وحدود “الكيان الصهوني”، وهما نقطتان اساسيتان في الانفلاش الفارسي وتحقيق حلم امبراطورية قوروش العظيم وخليفته قمبيز وسيطرتهم على الشرق الأوسط بكامله؛ من تخوم روسيا على البحر الأسود في شبه جزيرة القرم وبعض دول البلقان، إلى حدود اليونان نزولا نحو مصر وليبيا وحتى اليمن وبلاد الخليج. وكان تهديد البحر المتوسط، الذي تسرح فيه اساطيل أميركا والأوروبيين، وبالتالي دولة اسرائيل “الذريعة”، التي بواسطتها يمكن التسلل إلى قلب دول العرب وتطويعها، هما الهدف للاستثمار بشيعة لبنان واستعمالهم وقودا لمشاريع الامبراطورية الجديدة. فالحقد التاريخي بين العرب والفرس يمنع السيطرة المباشرة للحرس الثوري وبسهولة على العرب، ومن هنا الحاجة للشيعة اللبنانيين للعمل كحصان طروادة داخل مجتمعات المسلمين السنة، اضافة إلى جماعة الأخوانجية التي يسهل استعمالها واستغلال حقدها إلى الآخرين للتمكن من قيادة هذه الشعوب. ولكن يوم حكم مرسي مصر، ولو لمدة قصيرة عرف المصريون خطرهم فانقلبوا عليه، أما يوم دخلوا بواسطة حماس الاسلامية المتطرفة إلى جنوب اسرائيل، نجحوا باستمالة الشعوب ذوو الذاكرة الضعيفة والحقد الأعمى على الجار المختلف فهللوا لهم ولو أنها كادت أن تبيدهم.

اليوم وبعد أن اضطرت اسرائيل لحسم المعركة ضد حلف “وحدة الساحات” الإيراني، والممتد من صنعاء إلى طهران، وذلك في موقعتين اساسيتين هما غزة ولبنان، سقطت شبكة الملالي التي حيكت بتأني مدة ما يقرب من نصف قرن، وتهددت طهران عاصمة الأمبراطورية بقطع أقوى أذرعها، وسقط نظام الأسد الطاغية، ودفن خطيب الحلف المفوه في وكره المحصن تحت الأرض، وكادت البيئة الحاضنة، التي دفعت كل ما بني بالجهد وبأموال الهبات المشروطة بحمل السلاح وتأييد الامبراطورية المطلق مدة نصف قرن، أن تكفر بالولي الفقيه وفتاواه وتطلب السماح لوقف أعمال العنف والدمار التي كانت تتغنى بها، وقد لسعتها نارها وأحرقتها حرارة انفجاراتها ودفنها تحت الانقاض دمار المنشآت التي تفاخرت بها يوما.

اليوم توقف القتال في لبنان قبل انهاء الحزب وتسليم سلاحه، وذلك لاعطاء الدولة اللبنانية حق السيطرة على البلاد وضبط الأمن فيها واخراجها من حلف طهران القاتل. ولكن الحزب الإيراني لم يرتدع بعد ولا هو تعلّم من دروس الحرب، على ما يبدو، لا بل اعتقد بأن مزيدا من الأموال المرسلة من طهران كفيل بأن يعيد له شبابه فيستولي من جديد على الدولة ويحدد مصير مجتمعاتها وشعوبها. وهو لا يزال يستغل الشيعة اللبنانيين التائهين من شدة الوهلة لا يعرفون بعد كيف يتوجهون وإلى أين يسيرون، ليفهمهم بقدرته على اعادة البناء والتعويض عن الخسائر والقتلى والمعوقين من جراء حروبه الفاشلة. لا بل يوعدهم باستعادة انفاسه والسيطرة على البلد من جديد، بعد أن تلقى من قيادة طهران الأوامر بذلك. فهل تقف الدولة مرة أخرى مكتوفة الإيدي؟ أم هل تخشى المواجهة ووضع النقاط على الحروف واستعادة ثقة الناس بها، إن في الداخل وخاصة بين الشيعة المغرر بهم، أو في الخارج بين الدول التي تحاول المساعدة، أو حتى ذلك الجار الذي حُمّل طيلة الوقت آثام الكل ولم يسع سوى للعيش بسلام على حدوده الشمالية؟ فهل ستحسم الدولة أمرها وتصدر الأوامر للجيش وقوى الأمن للسيطرة على كافة مخازن السلاح وحل كل التنظيمات المخابرتية والعسكرية ومنع أي مظاهر مسلحة كما تنص القرارات الدولية التي تحمي وقف اطلاق النار؟ لا بل توقيف كل من يتجرأ على الهدم أو التهديد بالعودة إلى فوضى السلاح التي دمرت القرى والأحياء شردت المواطنين؟ وهل من المسموح حتى لمن يصادر منصب رئيس المجلس النيابي منذ ثلاثين سنة ونيف بأن يهدد بالعودة إلى العنف أو بالتساهل مع من تسبب بالفوضى والدمار؟
اللبنانيون يجب أن يحزموا أمرهم ويوحدوا قرارهم ويتكاتفوا ضد جماعة إيران، التي تريد العودة بأي ثمن إلى فرض نفسها ونظام الملالي على اللبنانيين. وهم يحاولون شراء الأنفس مرة أخرى، وشراء الضمائر وأخافة الضعفاء بالفوضى والتهديد. فهل سيتركهم اللبنانيون يعيدوا الكرة؟ أو أنهم سيقفون صفا واحدا وعلى رأسهم المتضررون من الشيعة، الذين بيعوا في سوق النخاسة بأبخس الأثمان، لكي يتحكم ملالي إيران بمصيرهم ويستعملوهم في تنفيذ خططهم الهادفة إلى السيطرة على الشرق الأوسط برمته؟

إن التهويل على اللبنانيين بالحرب الداخلية وتحضير الناس لتقبّل انقلاب إيراني جديد، لا يهدف سوى لاطالة مشروع ولاية الفقيه المتهالكة والتي تلفظ أنفاسها في إيران، لا يجب أن يمر، وعلى كل مواطن شريف رفض العودة إلى ما قبل وقف اطلاق النار أو حتى اعلان الحرب التي قاموا بها. فالوطن كله جريح في شعبه مؤسساته ومواطنيه وهو جرح بعزته وكرامته، لأن المأجورين ساقوه إلى الذبح وقبل خوفا من عهرهم. فهلا ينتفض لآخر مرة ويعلنها بصراحة أننا كلبنانيين لا نقبل بأن يتحكم بمصيرنا من يجلس على عرش طهران؟ أكان في كامل قوته أو يلفظ أنفاسه؟ ولن نكون أداة بعد اليوم بيد اي كان؟ ولا ساحة لحروب الآخرين؟ كما قالها الرئيس للوفد الإيراني.

فليصمت المحللون الخونة أو الأذلاء على السواء. وليمنع هؤلاء من استعمال وسائل الاعلام اللبنانية للترويج لمخططات طهران وزمرها لأي سبب كان. وليتوحد اللبنانيون ويلفظوا هذه الحثالة، لكي يعرف “الأسرى” الشيعة لدى هذا الحزب العاق، بأن لبنان ينتظرهم كأبناء لا كجماعة من المأجورين القتلة لأي نظام في المنطقة، أكان في طهران أو في سوريا أو في العراق أو في اليمن. فكل القتلة قتلة لا فرق بينهم، ولا أحد منهم يهمه أمرهم أو يشفق على حالتهم، وليس لهم سوى أخوتهم اللبنانيون الذين يدافعون عن الدولة والنظام الذي سيحميهم من الغي والتجبر ويعتقهم من الأسر والعبودية…

**اضغط هنا لدخول صفحة الكولونيل شربل بركات على موقعنا المنشورة عليها كل مقالاته وكتبه وتحليلاته

**Click here to access Colonel Charbel Barakat’s page on our website, where all his articles, books, and analyses are published.

Share