الكولونيل شربل بركات: المنطقة الحدودية ومشاريع الانماء

25

المنطقة الحدودية ومشاريع الانماء
الشيعة اللبنانيون اليوم، يجب أن يتخلوا عن العنجهية ويجلسوا كما أيوب عراة من كل ما حملوا من أحقاد ونظريات فارغة، ويعيدوا الحسابات ويعلنوا الندم على ما قاموا به، بدل التبجّح بأنهم على حق
الكولونيل شربل بركات/26 شباط/2025

يوم كانت المنطقة الحدودية تنعم بحماية أهلها من الجنوبيين بالتنسيق مع الجار الاسرائيلي، وكان الكل يفتش عن حلول مستقبلية لوضع السكان وتطور الاعمال الانتاجية فيها. وبعد أن قام الجنرال لحد بتنفيذ انشاء مرفأ في الناقورة لاستقبال السفن التي تنقل الركاب، الذين يمنع عليهم عبور المناطق المحتلة من السوريين وأعوانهم إلى بيروت، وترافقهم بعض المنتجات الاسرائيلية، التي تعتبر أقل سعرا من الموجود بالسوق اللبناني إلى المنطقة الشرقية، وفي طريق العودة تحمل معها ما يحتاجه المواطنون في المنطقة من البضائع التي تعتبر أرخص إذا ما وصلت مباشرة بواسطة البحر. إضافة إلى ما كان يصل قادما من قبرص، خاصة الدخان المهرّب لصالح شبكات تهريب إلى سوريا عبر شبعا وقرى الجولان السوري.

وبينما كانت أعداد العمال في المصانع الاسرائيلية من سكان المنطقة تزيد على الثلاثة آلاف عامل ينقلون يوميا إلى مصانع داخل اسرائيل عبر بوابات ميس الجبل ومركبا وبيرانيت ويعودون مساء إلى بيوتهم، قدم بعض المفكرين الجنوبيين اقتراحا للادارة المدنية التابعة لوحدة الارتباط الاسرائيلية لدرس حلول مستقبلية لسكان المنطقة بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي. فهذه المنطقة عندما تعود السلطة فيها للحكومة اللبنانية وتغلق الحدود مجددا ستقل فيها فرص العمل وسوف يضطر السكان إلى الانتقال للمدن الساحلية للتفتيش عن مجالات عمل ما سيعيدها إلى البطالة التي تعتبر “أم الرذائل”. فبينما كان هناك حوالي ثلاثة آلاف عنصر يخدمون في الجيش الجنوبي، يقابلهم ثلاثة آلاف عامل يدخلون يوميا للعمل في شمال اسرائيل، وتصرف الادارة المدنية ميزانية سنوية تقدر ب12 مليون دولار لتنفيذ مشاريع داخل المنطقة بغياب الدولة ومشاريعها، عدى عن تغطية مصاريف المستشفيات والصحة عامة، بالرغم من بقاء وظائف أخرى تابعة للدولة مثل صناعة التعليم وزراعة الدخان ووظائفها، ما جعل المنطقة الحدودية تنعم بنوع من الاستقرار الاقتصادي والرفاه بالنسبة لعدد المقيمين أفضل من كثير من المناطق اللبنانية الأخرى، سيقل بدون شك مدخول أبنائها ويضطر الكثيرون منهم لترك المنطقة ما سيفسح في المجال لعودة المشاريع الهدامة وتصبح مجددا بؤرة لاعمال العنف التي ستنعكس على الاستقرار وبالتالي السلم عبر الحدود.

من هنا كان ايجاد مصالح منتجة تؤمن استمرار السكان بالعيش داخل المنطقة، سيما منهم من يؤمن بأهمية السلم والاستقرار عبر الحدود، هي مصلحة مشتركة بين لبنان واسرائيل تدعو إلى الاهتمام بالموضوع وأخذه بعين الاعتبار في أية حلول مطروحة بين البلدين. ولكن دولة اسرائيل لم تكن مهتمة بالبقاء في المنطقة بسبب استغلال وجودها من قبل الأعداء لتعبئة اللبنانيين خارج المنطقة ضد الاستقرار ومساندة مشاريع الاحتلال السوري والايراني الذي بدأ ينتشر بين الفقراء الشيعة؛ وقد تدرّج أولا بدفع أموال لمن يلتزم دينيا، ثم بالتجنيد في المليشيات المسلحة، ومن ثم التعبئة العقائدية خاصة في الحوزات العلمية التي تغزيها إيران. ما دفع ببعض الليبراليين اليهود للمطالبة بالانسحاب وترك لبنان لمشاكله. من هنا كان قرار “يهودا باراك” خوض الانتخابات النيابية تحت شعار الخروج من “المستنقع اللبناني”، وقد تم له ذلك في أيار من سنة 2000 ولم يكن لحزب الله أي دور أو فضل سوى تعهده بواسطة اسياده الإيرانيين بالمحافطة على أمن الحدود فيما لو أعطي وحده الحق بتنفيذ تلك المهمة.

أما المشروع المقدم من اللجان المدنية إلى مكتب السيد أوري لوبراني منسق الأنشطة الاسرائيلية في لبنان فقد كان ينص على الاتفاق مع الحكومة اللبنانية على ربط الانسحاب الاسرائيلي بتنفيذ ما يلي:

– يستمر جيش لبنان الجنوبي بدور المحافطة على الأمن في المنطقة الحدودية ولكن كوحدة أقليمية في الجيش اللبناني على أن يلتحق عناصره بالجيش المركزي وتطعم وحداته بضباط من هذا الجيش.

– يبقى عناصر قوى الأمن أيضا في مراكزهم ويطعمون بعناصر جديدة من المتطوعين لتكملة العدد المطلوب على أن يُفصل ضباط من قوى الأمن ويرقى من يستحق الترقية من المجموعة العاملة داخل المنطقة.

– تكلف الوية الجيش الجنوبي هذه بتنفيذ اتفاقية الهدنة بين لبنان واسرائيل والحفاظ على أمن المنطقة الحدودية والتحقق من القادمين إليها للعمل أو الاقامة ومنع دخول المنظمات الارهابية والمسلحين.

– ينسق ضباط الارتباط وباشراف قيادة الجيش في اليرزة مهمات قوات الأمم المتحدة وانتشارهم في المنطقة للمساعدة بتأمين الاستقرار وحسن سير العمل.

– تعتبر المنطقة الحدودية وحدة ادارية مستقلة تتمتع بوضع “المنطقة الحرة” انتاجيا وتتبع للدولة اللبنانية يسمح فيها باقامة مشاريع مشتركة باستثمارات لبنانية واقليمية ودولية، كما هو الحال اليوم في الأغوار الأردنية، حيث هناك مصانع اسرائيلية أردنية يعمل فيها أردنيون وتحمل ماركة صنع في الأردن ويشارك في رأس المال والادارة اسرائيليون واردنيون وعرب.

– تعفى الصناعات داخل المنطقة الحرة من الجمارك ويسمح لها عبور الحدود إلى اسرائيل أو لبنان أو بحر نحو دول العالم على أن تدفع الرسوم الجمركية لدولة اسرائيل على ما يدخلها ولدولة لبنان على ما يدخلها ما يشجع الانتاج المحلي والتجارة إلى الخارج.

– يسمح لمن يريد من اللبنانيين الاقامة داخل المنطقة على أن يلتزم بشروط الأمن والعمل تحت طائلة الترحيل إلى خارج المنطقة في حال كان تصرفه غير مقبول.

– تتبع المنطقة لكافة القوانين اللبنانية العادية وما يرافقها من أحكام على أن يستثنى منها فقط ما يتعلق بمقاطعة اسرائيل حيث يمكن ادخال بعض البضائع الاسرائيلية وخروج المنتجات اللبنانية المطلوبة بحسب القوانين المرعية الاجراء في كل بلد.

اليوم وعندما يزور الجنوبيون قراهم المدمرة ويتأسفون على جنى العمر، الذي أوصلهم إليه تعنت الحزب الإيراني وأسياده في ما يسمى “الممانعة”، والتي انتهت بسقوط الحزب في لبنان وسقوط الأسد في سوريا، بعد كل ما دفعه شيعة لبنان من أجل المحافظة على طريق الأمداد الإيراني، والحقد الذي زرعوه في نفوس كل الجيران من الجانبين، وخاصة معاداة العرب ودول الخليج بالتحديد. فكيف سيتمكنون من اعادة البناء والانطلاق من جديد في ورشة اعمار، وهم اعتادوا فقط على توزيع الاتهامات والاحقاد لا على دراسة المسببات واستنتاج العبر والعمل على التخلص من أدران التبعية العمياء، التي أسقطتهم أكثر من مرة في حفر صدق فيها المثل المعروف “من حفر حفرة لأخيه وقع فيها”؟

الشيعة اللبنانيون اليوم، يجب أن يتخلوا عن العنجهية ويجلسوا كما أيوب عراة من كل ما حملوا من أحقاد ونظريات فارغة، ويعيدوا الحسابات ويعلنوا الندم على ما قاموا به، بدل التبجّح بأنهم على حق، ويطلبوا من اخوتهم اللبنانيين فقط؛ أولا المغفرة عما اساؤوا به إليهم وإلى الوطن، ومن ثم امكانية قبلوهم مجددا متساوين بالوطنية والعيش، ويتعهدون بالمقابل القيام بالمطلوب من أجل عودة الحياة للوطن وللمناطق التي بليت بزعاماتهم “الغبية”، التي لم تزل تقاتل باصرار، على الطريقة الدونكيشوتية، طواحين الهواء.

الشيعة اللبنانيون، وبعد دفن السادة الزعماء ودفن الحزب المراهق، يجب أن يتصوروا حلولا ويرسموا مخططات واقعية لاستعادة الروح الوطنية والعمل التطوعي من أجل بناء البيوت والقرى المدمرة، ومن أجل التعاون مع كل الناس لبناء مجتمع متعافي من نزعات التجبر والتعالي وأحقاد الماضي البعيد والقريب، وعليهم تجربة التقرّب حتى من الجيران وطلب المغفرة والصفح، ومن ثم اختراع وسائل تعيد الحياة لمناطقهم المدمرة.

المطلوب اليوم إيجاد مشاريع منتجة تسهم في استعادة الأنفاس، والعودة إلى العمل الشرعي ضمن القواعد البشرية الطبيعية، لا أعمال التهريب ومد اليد واستغلال النفوذ والاستقواء بالسلاح وفرض الخوة على المواطنين أو الدولة على السواء. الشيعة اللبنانيون كانوا دوما منتجين في شتى المجالات، فليستعيدوا حقهم بالحياة مع الآخرين، وليتركوا نظريات الانتحار ومعاداة الكل في سبيل الحياة الأخرى. فالله طلب منا الجهاد بالعمل، ويتميز هؤلاء عن بقية المسلمين في آذانهم بعد الشهادة والدعوة للصلاة والعمل “حي على الصلاة.. حي على الفلاح” باضافة “حي على خير العمل” وهنا تشديدا على العمل مع الدعوة للخير، ومن هنا وجب فهم واجب المؤمن، فلم يدعو الله للحقد ولا للقتال في كل صباح، بل للعمل والعمل الصالح لخير البشرية جمعاء.

فهل يمكن أن يتأمل الجنوبيون اليوم وبعد كل ما حصل من تهجير وتهديم وبعد كل الحقد الذي بث داخل مجتمعاتهم على جيرانهم حتى أصبحوا أقرب لإيران البعيدة آلاف الكيلومترات جغرافيا وأبعد عن جيرانهم الذين عاشوا بقربهم وأهلهم سنوات طويلة؟ وكيف سيبنى الجنوب إذا لم تتضافر الجهود ويتعاون الجيران للعبور من حال العداء المصطنع إلى حال التفاهم والتشارك من أجل اعادة البناء والاستقرار وهدم حيطان الحقد الأعمى مرة أخيرة. وهل من الممكن استعادة فكرة المنطقة الحرة في القرى الحدودية لتكون أكثر انتاجا ومساهمة في الاعمار والاستقرار وأقل عداوة لجيرانها منعا للهدم والتدمير؟

أفكار برسم الفئة الشابة المثقفة والمؤمنة بالقيم والتي تدعو للتعاون فلنشمر عن السواعد وللنطلق بورشة اصلاح كبيرة تعيد القيم الحقيقية لشيعة الحق وتمحو ما نمى عليها من طفيليات ورواسب وأدران لم تأتي بالمن ولا هي حمت بالرغم من اسوار الحقد العالية التي بنيت حولها…

**اضغط هنا لدخول صفحة الكولونيل شربل بركات على موقعنا المنشورة عليها كل مقالاته وكتبه وتحليلاته

**Click here to access Colonel Charbel Barakat’s page on our website, where all his articles, books, and analyses are published.