الخوري مارون الصايغ/من هذه الصخرة الروحيّة نُحتنا … أنواع الحياة النسكيّة

32

من هذه الصخرة الروحيّة نُحتنا … أنواع الحياة النسكيّة
الخوري مارون الصايغ/فايسبوك/08 شباط/2025

في هذه العجالة نعالج موضوع أنواع الحياة النسكيَّة التوحُّديَّة والديريَّة وعددها 11 في مدرسة سورية الشماليَّة ومن روادها مار سمعان العمودي وابراهيم القورشي مبشّر لبنان ومار مارون الذي سنحتفل بعيده غدًا وقد استمدَّت هذه المدرسة جذورها وأصولها من مدرسة بلاد ما بين النهرين النسكيّة.

المصدر مهمّ في الحياة الرهبانيّة في تلك المدرستين، وهو كتاب “أصفياء الله” لتيودوريطس القورشي الذي وصف فئات مختلفة من النسّاك ونمط كلِّ واحد منهم، وأيضًا أبحاث الآباء الفرنسيسكان باسكال كاستلانا وروموالدو فرنانديز وإنياس بنيا الذين لهم الفضل الكبير في حفظ تراثنا الروحيّ من الاندثار وأمضوا سنوات كثيرة في البحث والتنقيبات الأثريّة في المدن المنسيّة في شمال سوريا وخاصَّة على كنائسها وأمكنة النسّاك وكذلك موسوعة بطريركيَّة أنطاكية للأب متري هاجي أتناسيو الذي نقل معلوماته في هذا الموضوع عنهم وقد استندت اليه وكلّ ما كتب من بعدهم فهو نسخ. استعرض انواع الحياة النسكيّة في هذه المدرسة:

1- نسّاك العراء: الذين لا سقف لهم: عاشوا في العراء (صيفًا وشتاءً)… لم يكن لهم خيمة ولا كوخ ولا سياج. (مؤسّس هذا النوع القدّيس مارون الذي تميّز بالحياة التأمليّة والتبشيريّة).

2- الحبساء: كانوا نسّاكًا يسكنون في أمكان ضيّقة، لا يواجهون أحدًا من الناس، يعكفون على الصلاة والتأمّل في العزلة. يأوون إلى بيوت كالقبب التي نراها في الريف السوريّ، ومنهم من اعتزل في الأبراج وعرفوا “بحبساء الأبراج” ]أبراجهم منتشرة على أطراف المدن المنسيّة[، ومنهم من اعتزل في قبر قديم أو سرداب ضيّق أو صندوقة خشبيّة أو قفص حديديّ…

3- العموديّون:… إنّ ظاهرة العموديّين أنشأها القدّيس سمعان العموديّ الكبير/ الحلبيّ وهو غير الانطاكي الصغير … بسبب كثافة السكّان في البلاد ابتدع المتوحّدون هذه الطريقة الجديدة وهذا النمط الفريد للهرب من المجتمع وللبقاء فيه في آن واحد. لقد اخترعوا عيشًا غريبًا هو العيش فوق عمود ليكونوا أقرب إلى الله ومنارة إيمان للآخرين… جمع العموديُّون بين الحياة التوحُّديّة وواجب التبشير من أعلى أعمدتهم. ]انتشرت حركتهم في تركيّا وجورجيا واليونان وفرنسا وروسيا ولبنان… حيث انتشرت أعمدتهم أو مراكز تكريمهم مثلًا: في حردين ]في كنيسة مار جرجس ومار نهرا قرب بلاطة حردين[، دير الأحمر ] بقايا العمود في ساحة سيدة بشوات[، جبيل ]العمود داخل كنيسة مار سمعان العمودي[ وغدراس] بقايا عمود في باحة كنيسة مار ساسين[…. إنّها أكثر الأنواع قساوة لأنّ الناسك العمودي عاش على عموده في العراء وجعل رأس العمود وهو مكان ضيق محبسة له وعاش هادئًا.. إنه الجنون بالله. لهذا لفتوا نظر الناس فتوافدوا اليهم طلبًا للشفاء الروحي والجسدي. وأنا من الذين أعجبت بهذه الحياة النسكيّة التي تتبعتها في عدّة بلدان ولديّ أرشيف عن هذه الأعمدة كما صلّيت بقربها.

4- الهادئون: هم الذين لا يبدون أيّة حركة، ينطوون على أنفسهم، محاولين العيش في تأمّل دائم.

5- المتبالهون من أجل المسيح: تميّز فيهم القدّيس سمعان سالوس (سالوس = الأبله أو المجنون) تذكاره في 21 تمّوز (السنكسار المارونيّ). سلك درب التباله من أجل المسيح، فكان يجول يمثّل المجنون في النهار ويقضي الليل في الصلاة… إنّه نوع جديد من النسك، يُظهر فيه الناسك حالات من الجنون ليستهزئ به الناس فيمارس هو التواضع بالصبر والتحمّل… أمّا جنونه الحقيقيّ فهو من أجل المسيح حبًّا)به

6-الوقّافون/ نسّاك الوقوف: يلزم أناس منهم الوقوف المتواصل بدون حركة، في حين أنّ غيرهم يقضون يومهم قعودًا تارة ووقوفًا تارة أخرى، ويسبّحون الله طوال الوقت. منهم زابيناوس معلّم القدّيس مارون ويعقوب القورشي تلميذ الأخير. وقد تبنّى هذه الطريقة بعض الأديار حيث انقسم الرهبان إلى فرق تتناوب الصلاة، كلّ في موعد معيّن، من الليل والنهار، حيث لا تنقطع الصلاة أبدًا.

7-الشجريّون: كانوا يعيشون على الأشجار. ربطوا أجسادهم بسلسلة ليكونوا بمنجاة عند السقوط عنها. ]يقال عن ناسك عاش في شجرة أرز في غابة الأرز وعرفت “بأرزة الناسك” وتقع بالقرب من كنيسة التجلّي في الغابة[

8-السهّارون/ نسّاك السّهر: كانوا يعيشون جماعات جماعات، لا ينامون، بل يتناوبون السهر ليرفعوا إلى الله التسبيح الدائم ليل نهار ويصرفون سائر الوقت في الأعمال الرسوليّة وخدمة الفقراء.

9-الرعيان/ العشّابون: هؤلاء الرعاة/ العشّابون اقتدوا بيوحنّا المعمدان الذي عاش في البرّيّة واقتات الجراد والعسل البرّيّ. وفاقوه في تقشّفهم، فكانوا يمشون على أيديهم وأرجلهم، ولا يتناولون طعامًا ولا يشربون خمرًا، بل يقتلعون العشب بأسنانهم ويأكلونه. لم يكن لهم مسكن، يقيمون في مغاور الجبال، يسبّحون الله، يصلّون 12 ساعة بدون توقّف، يفترشون الأرض، ويصومون كثيرًا.

10-الصامتون: هم الذين يلازمون الصمت طوال حياتهم. وقد حجر إكبيسماس على نفسه 60 سنة في قلاَّية صغيرة لا يراه أحد ولا يتكلّم، يمضي عمره في التأمّل بالله وفي النظر الداخليّ إلى ذاته.

11-الدوّارون/ الجوّالون / التائهون: إنَّهم يؤلفون فئة من الرهبان الرحّل التائهين. يتنقَّلون من مدينة إلى أخرى… يستعطون ويتسوَّلون، وهكذا يعيشون حياتهم كالطفيليِّين عالة على المجتمع… يتدخَّلون في الشؤون الكنسيّة والدولة ويقضون حياتهم في البطالة التامّة… هذا وقد أنزلت بهم المجامع الكنسيّة الحرم…

ملحوظة:
– تميّزت أكثريّة أنواع الحياة النسكيّة بميزتين الحياة التأمليّة وهي الخط العمودي الذي يربط الناسك بالله، والحياة التبشيريّة وهو الخط الأفقي الذي يربط الناسك بأخيه الانسان. إذا جمعنا الخطّ العمودي والخط الأفقي يتكوّن لدينا الصليب. إنّها روحانية الصليب. وتقولون ما بهم موارنة اليوم؟ لقد فقدوا الخط العمودي خط النسك التوحّدي والديريّ وبَقِي الخط الأفقي أي المؤسّسات التعليميّة والصحيّة والاجتماعيّة التي في غالبيتها تتاجر.