تظاهرة وفاء في الذكرى الرابعة لاغتيال لقمان.. تنديد بغياب العدالة وحفظ الملف

20

«تظاهرة وفاء» في الذكرى الرابعة لاغتيال لقمان.. تنديد بغياب العدالة و«حفظ الملف»
“جنوبية/03 شباط/2025
lokman slim fourth memorial (janoubia)
أحيت كلٌّ من «مؤسسة لقمان سليم» و«أمم للتوثيق والأبحاث» و«دار الجديد»، أمس الأحد، في واجهة بيروت البحرية، حفلا حاشدا، بمناسبة الذكرى الرابعة لاغتيال الكاتب والناشط السياسي لقمان سليم تحت عنوان «العدل أسُّ الملك».
وقد جاء أمر القضاء اللبناني بإغلاق ملف اغتيال لقمان قبل أيام، ليثير عاصفة من الغضب والاستنكارات، تناولها المتكلمون في الحفل معبرين عن ادانتهم لهذا الاجراء الظالم غير المسؤول، معلنين بأسف ان تحقيق العدالة وكشف المجرمين وأصحاب «كواتم الصوت» لا يزال متعذّرا.
اضافة الى الحضور الشعبي، فقد حضر الحفل سفراء الولايات المتحدة الاميركية، المانيا، فرنسا، سويسرا، هولندا وممثل عن السفير البريطاني، والنواب: مروان حماده، جورج عقيص، نديم الجميل، ميشال معوض، مارك ضو، ميشال الدويهي، ابراهيم منيمنة، نجاة صليبا عون، ملحم خلف، فراس حمدان، بشارة خيرالله ممثلا الرئيس ميشال سليمان، النائب السابق فارس سعيد، السيد علي الأمين، الشيخ عباس يزبك، نائب رئيس جامعة القديس جاورجيوس الدكتور أنطوان حداد، عائلة الشهيد سليم وحشد من الشخصيات السياسية والأكاديمية والاجتماعية، ورئيس تحرير موقع «جنوبية» الصحافي علي الامين.
رباح
عريف الحفل، الدكتور مكرم رباح أكد في كلمة الافتتاح، ان «العدل أساس الملك»، هو شعار الذكرى الرابعة لاغتيال سيد العقل والكلمة، لقمان محسن سليم».وأضاف: «اجتمعنا اليوم بعد أربع سنين على اغتيال لقمان، على إيد مجموعة من القتلة، من الخارجين عن المحبة والإنسانية، يلي بيسمّوا حالهم حزب الله، وبعضهم بأسماء تانية متل البعث و «أحزاب البراميل المتفجرة». وجاء أيضا في الكلمة:
«هيدول يلي قتلوا لقمان، ورفيق الحريري، وجورج حاوي، وسمير قصير، ومصطفى جحا، وجو بجاني، ومنير أبو رجيلي، وجوزف سكاف، وغيرهم
وقتلوا الشعب السوري والعراقي واليمني، وخزنوا أطنان من النترات بمرفأ بيروت، أطنان من المتفجرات دمّرت مدينة ما قدر لا حافظ الأسد ولا أرييل شارون يدمرها، وقتلت أهلنا وأولادنا ب٤ آب. ويمكن الأسوأ من القتل، إنو مفكرين بيقدروا يقنعونا إنو ما الهم خصة، وإنو هنّي قديسين وتلاميذ راهبات!
يلي قتل لقمان مش بس مجرم وحقير…كمان جبان ووضيع! جبان ووضيع لأنه مفكر إنو ست رصاصات قدروا يقتلوا جسم وراس أحد أبرز العقول في المشرق، ويمحوا شعار “صفر خوف” يلي صار محفور بعقلنا وعلى جسمنا.
اليوم، مثل كل سنة من أربع سنين، منجتمع لنحتفل بحياة لقمان، مش بس لنبكي عليه … منجتمع لنحكي عن لقمان وعن المئات من الكتب والمقالات يلي طلعت من تحت إيدو. عادةً الناس بس تجتمع، بتضيف أكل أو قهوة عن روح يلي بتحبهم… نحنا منقدّم و منضيف كتب.
كتب لقمان، وسعيد الجن، وسلمى مرشاق، ورشا الأمير، وإسكندر الرياشي، وحازم صاغية، والمئات من الأقلام الحرة والشجاعة.
في ناس بتمجد العنف والقوة، وبالنسبة إلهم خردة إيرانية ومسيرات أعراس هي وسيلتهم للفردوس الأعلى… بس الأيام أثبتت إنو هيدول الجماعة مشغولين بأمور الدنيا، وما عندهم وقت لا للجنة ولا لتحرير القدس، بس شاطرين بمسيرات الفتنة والمتسيكلات! نحنا ما عنا سلاح… بس بكل بيت في مزار للقمان، وبكل بيت في مكتبة، وكتبنا أهم وأكتر من صواريخهم. بس قبل ما نوصل للجزء الاحتفالي، لازم نذكّر العالم بشغلتين:
أولًا، السؤال يلي بينسأل كل يوم: ليش قتلوا لقمان؟
والجواب كل مرة هو ذاته: قتلوا لقمان لأنه لقمان،
ولأنه حزب الله شغلته القتل، والتهريب، وصناعة الكبتاغون، وتهديد القضاة، والتنازل عن الخط ٢٩، وبوقت فراغهم، اذا فضيوا بيطلعوا بيخونونا.
القضاء، رغم التهديدات، رح ياخد بحقنا.
ولما نحكي عن القضاء، منحكي عن الشرفاء يلي عندهم الكرامة والنزاهة، يلي بيستحقوا يقعدوا على قوس المحكمة، وتكون عبارة “العدل أساس الملك” فوق راسهم، ويحكموا باسم الشعب… مش بأسم الحاج والحرس الثوري!
قبل أيام، قرر قاضي التحقيق يلي بيتابع قضية لقمان “حفظ الملف”،
ويلي ما بيعرف شو يعني “حفظ الدعوى”، يعني كبوا بالزبالة. وبحسب هيدا القاضي المزعوم، “تم الحفظ بعدما توقفت الجهة المدّعية عن تقديم أدلة إضافية للتوسع بالتحقيق”. يا ريس، كيف يعني الضحية لازم تقدم دليل عن الجلاد؟ وكيف يعني بدك تدّعي على مجهول، ونحن منعرف مين قتل لقمان؟
نحن منعرف إنو حزب الله هنّي يلي خطفوا لقمان من مزرعة نيحا، وهنّي يلي كانوا عم يلحقوه بسبع سيارات على الأقل، وبعضهم ملثمين!
مين في يكون ملثم بالجنوب؟ أنا بقلك مين…حزب الله! «رباح: العدالة، ولو سقطت السماوات وصفر خوف، والمجد للعقل والمحبة، شعارات راح نبقى نرددها في نضالنا لنخلق عالم بيشبه لقمان وبيشبهكم» يلي خطف إلياس الحصروتي وقتلوه بعين إبل، وحاولوا يمرقوا الجريمة على إنها “حادث”. بس على كل حال، ما حدا يفكر إنو بيقدر يستعمل القانون ضدنا. يمكن عندكم سلاح وسفاحين، بس نحن منعرف بالقانون وبالحق، قد ما بتعرفوا بتصنيع وتهريب الكبتاغون والبراميل المتفجرة. حسرتنا الوحيدة، يمكن، إنو لقمان مش موجود ليحتفل بسقوط نظام الأسد، وليشوف الشعب السوري يلي كان دايمًا يناصر قضيتهم، وقضية المعتقلين، وقضية اللاجئين بوجه العنصريين. وقت لقمان كان يدافع عن حق اللجوء، كان نص البلد رافض يصدق المجازر والكيماوي يلي ارتكبتها عصابات الأسد وحلفائهم الإيرانيين بحق الأطفال والأبرياء. من كم جمعة، رفيقتنا كانت عم تخطب بسوريا، وفجأة طلع صوت من بين الحشد…“الله يرحم لقمان سليم”. هيدا الصوت، رسالة لكل يلي قالوا إنو حكي لقمان ما بيقرب ولا بيأخر، وإنو الحق مع القتلة، منقلهم اليوم… يلي كان بدو يقتلنا مات، ويلي قتلنا وقتل الشعب اللبناني، يا صار بالقبر، يا هرب. العدالة، ولو سقطت السماوات وصفر خوف، والمجد للعقل والمحبة، شعارات راح نبقى نرددها في نضالنا لنخلق عالم بيشبه لقمان وبيشبهكم»

بورغمان
ثم قدّم رباح “مونيكا بورغمان” زوجة لقمان ومديرة “امم” وجاء في كلمتها:
«شكراً جزيلاً لكم على انضمامكم إلينا اليوم. لا أصدق ذلك، ولكن هذه الذكرى الرابعة بالفعل، ولم تتحقق العدالة بعد.
خلال اليومين الماضيين، تسربت أنباء قرار القاضي بلال حلاوي بإغلاق ملف اغتيال لقمان إلى الصحافة الصديقة لحزب الله، ومن المرجح أنه هو من فعل ذلك بنفسه. ما زلنا ننتظر مقالة الأخبار….ولكن: الكثير مما كتبه خاطئ، لذا اسمحوا لي بالعودة إلى الوراء.
قبل أربع سنوات، في الثالث من شباط،غادر لقمان منزلنا في الحارة عند الظهر تقريباً. ذهب جنوباً لتناول الغداء في منزل صديق له في نيحا. ولكنه لم يعد أبداً. وفي صباح اليوم التالي، علمنا أنه عُثر على جثته داخل سيارته في العدوسية، مقتولاً بست رصاصات أطلقت من مسافة قريبة، واحدة في ظهره وخمس في مؤخرة رأسه. وقد أظهرت التحقيقات التي أجرتها المعلومات، استخبارات قوى الأمن الداخلي، أن لقمان كان ملاحقاً منذ خروجه من منزلنا في الحارة حتى وصوله إلى منزل صديقه في نيحا. وأظهرت التحقيقات تورط خمس سيارات، وهي سيارات تم تحديد هويتها بوضوح، حتى مع أسماء أصحابها. وأظهرت التحقيقات أن من كانوا يتعقبون لقمان ظلوا في محيط المنزل في نيحا حتى خروجه عند الساعة الثامنة والنصف مساءً.
وأظهرت التحقيقات أن اثنتين من السيارات الخمس اعترضتا سيارته واختطفاه. واتجهت ثلاث سيارات، بما في ذلك سيارة لقمان، إلى بلدة العدوسية جنوب صيدا. وأظهرت التحقيقات التوقيت الدقيق لوصول السيارات الثلاث وسيارة لقمان والخاطفين إلى العدوسية. وأظهرت التحقيقات التوقيت الدقيق لإطلاق النار على لقمان في ظهره ورأسه من الخلف. وكان ذلك بين الساعة التاسعة والنصف والتاسعة والسبع وعشرين مساءً. التحقيق الذي قادته المعلومات أظهر كل تفاصيل التعقب والخطف والاغتيال تقريباً، كل شيء ما عدا أسماء القتلة. من أطلقوا النار على رأس لقمان، من لم يجرؤوا حتى على النظر في عينيه عندما نفذوا أمر الإعدام الذي تلقوه من رؤسائهم. كما ذكر المعلومات الأماكن التي توجهت إليها السيارات بعد ارتكاب جريمة الاغتيال. الأماكن التي وصفها المعلومات بأنها أماكن محظور الدخول إليها. أحالت المعلومات تحقيقها إلى المدعي العام الذي أرسله بدوره إلى قاضي التحقيق ليحدد هوية القتلة فقط. كل التفاصيل المتبقية كانت موجودة بالفعل. تفاصيل مثل لقطات الكاميرات، وبصمات الحمض النووي، وبصمات الأصابع، وحتى صور السيارات. أكثر مما اكتشفه المعلومات في أي تحقيق في اغتيال سياسي، كل شيء ما عدا الأسماء، هذا ما قيل لنا. أرسل الملف إلى قاضي التحقيق في سبتمبر/أيلول 2021، أي منذ ثلاث سنوات ونصف. ماذا حدث منذ ذلك الحين؟ لا شيء. «بورغمان: لا تدعوا لقمان يُقتل مرتين. المرة الأولى عندما أُطلق عليه الرصاص من الخلف بست رصاصات في ظهره ورأسه، والمرة الثانية عندما أُطلق عليه الرصاص من الأمام بقرار من القاضي بلال حلاوي» لقد استغرقنا وقتاً طويلاً لإقناع قاضي التحقيق الأول شربل أبو سمرا بالسعي للحصول على مساعدة تقنية دولية في مسائل الطب الشرعي. لقد قبل شربل أبي سمرا أخيراً. كما قبل المدعي العام السابق غسان عويدات. وبناءً على ذلك، صدر طلب للمساعدة التقنية الدولية وأُرسل عبر وزارة العدل إلى وزارة الخارجية، ثم إلى ألمانيا التي عرضت دعمها الفني. ثم في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تقاعد شربل أبو سمرا وحل محله قاضي تحقيق جديد هو بلال حلاوي. قال لنا بلال حلاوي في الجلسة الأولى: سأقود التحقيق لأظهر لكم أن من فعلوا ذلك ليسوا من تتهمونهم. لقد تم تحديد النبرة…لقد تحول هدف التحقيق من تحديد هوية القتلة إلى تبرئة الطرف الذي نتهمه، حزب الله. منذ تلك الجلسة، لم يقم بلال حلاوي بأي تحقيق على الإطلاق. ومع ذلك، فقد عكس قرار سلفه بالسعي للحصول على مساعدة تقنية دولية. ما هو سبب قيامه بذلك؟ إن طلب مثل هذه المساعدة الدولية هو التخلي عن السيادة اللبنانية.
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قرر بلال حلاوي أنه لا يملك أي وسيلة لتحديد هوية القتلة، وبالتالي، فهو يريد تجميد الملف. أعطانا أسبوعين لتقديم أدلة جديدة. وبعد أن فهمنا أنه يستطيع تجميد التحقيق لسبب واحد فقط هو حماية الجناة، قدمنا طلبين لإبعاده عن القضية. واحد إلى محكمة الاستئناف، وواحد إلى محكمة التمييز. إلا أنه بمجرد علمه بطلباتنا، أصدر بلال حلاوي أمره بتعليق التحقيق إلى أجل غير مسمى. الإفلات من العقاب…هذه هي الرسالة الموجهة إلى القتلة وأسيادهم. وقاض واحد، قاض واحد فقط، قد يقرر في أي وقت تعليق التحقيق. لا تدعوا لقمان يُقتل مرتين. المرة الأولى عندما أُطلق عليه الرصاص من الخلف بست رصاصات في ظهره ورأسه، والمرة الثانية عندما أُطلق عليه الرصاص من الأمام بقرار من القاضي بلال حلاوي.
ناضلوا معنا من أجل العدالة، من أجل لقمان ولبنان»

رشا الأمير
ثم القت شقيقة لقمان الكاتبة رشا الامير كلمة جاء فيها: «أيّها الكرام، يا حاملي قضية لقمان، منذ ذاك اليوم الشنيع، سئلتُ مئاتٍ بل آلافَ آلافِ المرّات: “أين أصبح التحقيق؟” يوم ١٣ كانون الأوّل، قبل عامٍ على اغتياله، أشار لقمان بوضوح إلى قتَلتِه يوم حبّر بيانه الشهير، ثمّ راح القتلةُ ومن يدور في أفلاكهم، يفاخرون بفظيعتهم، وهدّدوا يَمنة ويُسرى كلّ من تسوّل له نفسه أن يتجرّأ. القتلةُ الكبار والصغار يجاهرون بتسلّطهم وبطشهم وازدرائهم وحتى بتلاعبهم بقضاء هو خاتمٌ في إصبعهم وسيفٌ هم له الغِمْد والنصل. بيد أنّ دهاءهم الذي بات من سمات تذاكيهم يدفعهم ـ ويا لبراءتهم ـ إلى السؤال: ” أين التحقيق؟ لننتظر نتائج التحقيق ولنكفّ عن إطلاق التهم السياسيّة”. «رشا الامير: القضاء في لبنان، حتّى يُثبِتَ العكس، لا يخذُلُ القتلةَ والنهّابين. تجربتنا الأخيرة وعنوانها “حفظ الملف” خير دليلٍ على ذلك!» منذ أربعة أعوام، ولقناعتنا مونيكا وأنا أنّ العدالة كالإيمان نيّةٌ، لم نفوّت جلسة عند القاضيَين اللذين تناوبا على الملف. لم نترك بابًا لم نقرعه وظنَنَّا أننا فزنا بعد نيلنا أربعةَ تواقيعَ عسيرة: شربل أبي سمرا وغسّان عويدات ووزير العدل ووزير الخارجيّة ـ وطلبنا أن يأتيَ فريقٌ ألماني للتحقيق يدًا بيد مع شعبة المعلومات اللبنانيّة. حين وصل قاضي التحقيق بالإنابة بلال حلاوي خلفًا للرئيس أبي سمرا، اعتبر كلّ تواقيع أسلافه خرقًا للسيّادة، وحفِظ الملف .أوكّد لكم لاطِّلاعي على تفاصيله أنّه كان على قاب قوسين أو أدنى من معرفة أسماء المأجورين الذين غرزوا رصاص مباغضهم في رأس لقمان.
العدالة، كما أسلفتُ، نيّةٌ وطريقٌ، ولن تكونَ قيامةٌ لهذا البلد الصغير المعذّب ما لم نصارح السائلين عن ” أين الملف” أنّ شعبةُ المعلومات قامت بدورها، فالقاتل المحمّي المستهتر ترك للمحقّقين رزمةً من الأدلّة الدامغة متيقنًا أنّ القضاء لن يخذله. والقضاء في لبنان، حتّى يُثبِتَ العكس، لا يخذُلُ القتلةَ والنهّابين. تجربتنا الأخيرة وعنوانها “حفظ الملف” خير دليلٍ على ذلك! تجاهرُ أمّي سلمى بلاءاتها الثلاث قائلةً: “لا أعوّلُ على عدلِ البشر، لا أتعاطى الثأر ولا لن أسامح…سوف أترك الميزان ميزان العدل للمولى. فالإنصاف كلُّ الإنصاف معه وعنده”. عذرًا أمّي، اسمحي لي أَلَّا أوافقك الرأي. اليأس من إنصاف البشر ـ هو إحدى الراحتين. وقد عزمتُ وأعزم اليوم أمامكم ألّا أرتاح راحة الدنيا ودمُ لقمان يستصرخني ليلةً تلو ليلة: “وا لبناناه…والبناناه، قُم من كبْوتِك وامشِ
سوف يقوم لبنان من كبوته، ويشرقُ فجر العدالة، والقتلة، صغيرهم وكبيرهم إلى غياهب العار»

حازم صاغية
ثم قدم رباح الكاتب الصحفي حازم صاغية وجاء فيها: في شخص لقمان سليم، وفي تكوينه، يحضر لبنان الغنيّ والمتعدّد، تماماً كما يحضر في قاتليه لبنانُ آخر، أحاديٌّ وقاحل. فلقمان، كما هو معروف، ابن لأب مسلم شيعيّ كان من المحامين البارزين، ولأمّ مسيحيّة وكاتبة نهضويّة هي في آن معاً لبنانيّة ومصريّة. ولقمان أضاف إلى صناعته البيولوجيّة صناعته لذاته، فاقترن بسيّدة ألمانيّة عملت في الصحافة قبل أن تشاركه اهتماماته وهمومه، وكان كاتباً وناشراً ومترجماً وسينمائيّاً وموثّقاً لذاكرة الحرب وصحافيّاً استقصائيّاً. ولئن تميّز بلسان عربيّ كان أحد أسياده، فقد أجاد أيضاً الفرنسيّة والإنكليزيّة، فيما اقترنت ثقافته النظريّة بحسّ عمليّ تحتلّ مسؤوليّة المثقّف منه موقع القلب. فهو، بالتالي، كائن كثير الأبعاد، لبنانه عربيّ من جهة، غربيّ من جهة، وكوزموبوليتيّ دائماً، أي أنّ هُويّته هُويّات عدّة. وبالمعنى هذا كان في لقمان شيء من “رجل النهضة” (Renaissance Man) المُلمِّ بأمور كثيرة والمُقيم في معارف متباينة والذي هو، كما قالت العرب، “للسيف والضيف وغدْرات الزمن”. وبالصفات هذه توّجَ خطّاً في التاريخ اللبنانيّ الحديث فاخر به لبنانيّون منذ مطالع القرن الماضي، معلنين طموحهم إلى بلد يتّصل بمحيطه ولا ينفصل، ويندمج في الدنيا ولا يتوهّم أنّه يأخذها غلابا.
لكنّ الصفات تلك كانت كافية لأن تقتل صاحبها في السنوات العجاف المديدة التي ربّما كنّا اليوم نعيش أواخرها. ففي ظلّ طغيان ذاك اللبنان، الأحاديّ والقاحل والقاتل، باتت الأبعاد الكثيرة التي انطوى عليها لقمان مأخذاً يودي بصاحبه. ذاك أنّ لبنان الآخر ضيّق، مكتفٍ بذاته، يحتفل بمثالات مضادّة، ويقتدي بأنظمة في الجوار تصحّر بلدانها وتقضم شعوبها وتجد سلواها في قتل خيرة أبنائها. ولبنان الآخر هذا بدل أن يستلهم الواقع والعالم استلهم السحر والغيب، وبدل أن ينجذب إلى أبعاد البشر الغنيّة، لخّص البشر في اثنين لا ثالث لهما: مقاومٍ يشهّر وعميلٍ يُشهّر به.
والفوارق بين اللبنانين، لبـنـان لـقمـان ولـبـنـان قـاتـلـيـه، أكثر من أن تُعَدّ. فالأوّل، المُنشدّ إلى مثالات وعوالم، صاحبُ موقف نقديّ من الذات، يدرك قصورها، وبكثير من التواضع يتعلّم ساعياً لأن يسدّ نقصه بما امتلأ به سواه. أمّا الثاني الذي لا يكفّ عن الاحتفال بنفسه، فشديد الاعتداد بالقليل الذي فيه، يؤسّس كماله المزعوم على زعم إلهيّ مطلق. وإذا كان لبنان الأوّل يستقبل ويرحّب، فالثاني يغتال أو يفجّر أو، في حالات الرحمة، يخطف. ولئن أصرّ الأوّل على أن يفكّر كما يريد، طالبه الثاني بأن يفكّر كما يُراد. وربّما كان أبرز الفوارق بين اللبنانين موقفهما من الكشف والإبانة. فلقمان، الموثِّق والمؤرشف، كان مهموماً بأن يعرف ويعرّف ويستخلص ما وسعه من حقائق محجوبة، وهو بالضرورة دأب كلّ من يريد لبلده أن يكون أكثر شفافيّة وأرفع مسؤوليّةً. بيد أنّ ما يقف على الضفّة الأخرى تنظيم سرّيّ، يعيش تحت الأرض، ويكره لما تحت الأرض أن يخرج إلى فوقها، فالمخبّأ ينبغي أن يبقى مخبّأ، والمكتوم ينبغي أن يبقى مكتوماً، مَن يُفصح عنه يموت. ولم يكن بلا دلالة أنّه قبل أن ينضمّ لقمان إلى قافلة القتلى اللبنانيّين الذين لم يقتلهم أحد(!)، آُلصق على جدار منزله شعار يقول: “المجد لكاتم الصوت”. «حازم صاغية: التوافق بين اللبنانين سيبقى مستحيلاً ما لم يُحتكم إلى الحقيقة بدل السلاح، وتالياً إلى العدالة والقانون، أكان في ما خصّ فقيدنا الكبير أم في ما خصّ مَن سبقوه ولحقوه» وبفعل كاتم صوت متعجّل، أو كاتم صوت متمهّل، توزّعت هذه المنطقة بملايينها، من سوريّين ولبنانيّين، فضلاً عن الإيرانيّين، في طبقات جحيم أصيبت ناره بجوع قديم. أمّا شركاء الألم الفلسطينيّون فباسم قضيّتهم أُوقدت بمزيد من الحطب النار إيّاها التي تأكل لحمهم ولحمنا. وحتّى أسابيع خلت، كان يتراءى أنّنا جميعاً لن نغادر حُفر الجحيم إلى شرفات جبل المَطهر، بل بات واحدنا، في يأسه واستسلامه، أشبه بغريغور سامزا، بطل كافكا، الذي كلّما استيقظ صباحاً وجد أنّه تحوّل إلى حشرة. وكثيرون منّا كادوا يصدّقون أنّ الخطأ كامن في وجودنا نفسه، لا في ما نفعله، كائناً ما كان ما نفعل.
والحال أنّ اللبنانين صارا ينظران إلى المشهد الواحد فيريان مشهدين، ويقرآن في الكتاب نفسه فيقعان على نصّين. وفي عدم الفهم والتفاهم تقيم كلّ المخاطر القاتلة، بالمحسوب منها وغير المحسوب. وكان قد سبق لأرثر ميلر، في مسرحيّته “البوتقة”، (The Crucible) أن روى لنا قصّة رجل دين متعصّب وجشع، مليء بذاته الضئيلة وواثق بجهله الشاسع، اسمه صموئيل باارّيس، رأى في الغابة صبايا يرقصن، متخفّفاتٍ من ملابسهنّ، فلاح له الأمر طقساً سحريّاً وثنيّاً. وكان تأويله الأخرق هذا ما أثار الجموع الهائجة وأطلق موجة صيد الساحرات وحملةً من المحاكمات لتطهير البشر من شياطين مزعومة تسكنهم. ونحن، بدورنا، سوف نحاول المضيّ في أن نرى ما يُرى، نعطي الموصوف صفته كما هي، مانحين ولاءنا للمعنى، وليس لتزييف المعاني. بهذا نكون “نعيش في الحقيقة”، كما كان يقول فاكلاف هافيل، نسعى لأن نفعل ما فعله لقمان في نبش الحقائق المطمورة وما يقيم تحتها من دلالات، ونصبو إلى أن نجلوَ حقيقة قتل لقمان وما أقام تحتها من اللامعنى. وهذا ما أقدم عليه كثيرون في العالم شابهت أحوالُهم أحوالنا. يكفي أن نشير، مثلاً لا حصراً، إلى جماعة “تذكار” (Memorial) الروسيّة التي ظهرت مع انهيار النظام الشيوعيّ فانكبّت على جمع كلّ قُصاصة ورق تقول شيئاً عن مقتول أو مفقود أومُغيّب، وتوثّق الجرائم ضدّ الإنسانيّة التي ارتُكبت، على مدى القرن العشرين، في الاتّحاد السوفياتيّ.
ذاك أنّ التوافق بين اللبنانين سيبقى مستحيلاً ما لم يُحتكم إلى الحقيقة بدل السلاح، وتالياً إلى العدالة والقانون، أكان في ما خصّ فقيدنا الكبير أم في ما خصّ مَن سبقوه ولحقوه إلى تجرّع كاتم الصوت وصاعق التفحير والعبوة الناسفة. فالعدالة ليست محكّاً للوضع الجديد في بلدنا فحسب، بل هي محكّ لقدرة الشعب اللبنانيّ على أن يبقى واحداً، ولقدرة المجتمع اللبنانيّ على أن يصير واحداً، إذ أنّ جمع القاتل والقتيل في شعب ومجتمع واحدين أقرب إلى نوم دائم على أكتاف لُغم مؤجّل. لقد كان “هيّا بنا” شعار لقمان في تحريضنا على العمل والمبادرة والمسؤوليّة. فهيّا بنا ننبذ القتل ونحارب طغيان الفكرة المعبودة التي لا تلبث أن تتحوّل إلى مجزرة، ، أسُمّيت تلك الفكرة مقاومةً أم أيّ شيء آخر. هيّا بنا نعلن أنّ المجد للعدالة ولمعرفة الحقّ والحقيقة، لا لكاتم الصوت.

رويل
بعدها كانت كلمة أليكس رويل مؤلف كتاب «بالرّوح بالدم، الناصريّة ومواريثها» ومما جاء فيها: أن “لقمان ليس رمزاً فحسب وإنما هو قضية. وقضية لقمان تعني، فيما تعني، فَضْحَ المسؤولين عن الظلم ومُحاسَبتَهم. اليوم، وكل يوم، مِن حَقّنا أن نُجدّدَ السؤال: أين التحقيق في جريمة اغتيال لقمان سليم؟ وينو؟ شو صار فيه؟ هل يُصَدّقُ عاقِلٌ مُرور أربع سنوات بدون أي نتيجة؟ وهل من المنطقي تسكير الملف مِن قِبَل القضاء، كما تَداوَلَ في الصُحُف منذ أيام، بدون استجواب أكثر من ثلاثة أشخاص؟ شو التفسير؟ هل هناك مَن يعرقل؟ طيب مَن هو، أو هي، أو هُم؟ ألا يمكن التغلُّب على هذه العرقلة، وقد تغيرتْ أمور كثيرة بالمناخ في الآونة الأخيرة؟ أسئلة برسم المعنيين، ومَن يدّعي اليوم أن ساعةَ الدّولة قد حانت”. «:رويل: هل من المنطقي تسكير الملف مِن قِبَل القضاء، كما تَداوَلَ في الصُحُف منذ أيام، بدون استجواب أكثر من ثلاثة أشخاص؟»

النجار
وبدورها توجهت الصحافية صبحية النجار بالشكر إلى “مؤسسة لقمان سليم، أمم للتوثيق والأبحاث، دار الجديد، رشا الأمير، ومونيكا بورغمان «على منحي هذه الجائزة التي تحملني مسؤولية كبيرة. اليوم، بعد أربع سنوات، هل لدينا أمل؟ انتخاب رئيس جديد، وتعيين القاضي نواف سلام، أحد أعمدة العدالة الدولية، رئيسًا للحكومة، أعاد لنا الأمل بأننا أمام فرصة حقيقية لبناء دولة القانون، لا دولة العصابات. لأول مرة، هناك من يواجه المنظومة بدل أن يكون جزءًا منها، من يصارح الناس بدل أن يخدعهم». وأضافت: «العدالة لا تأتي من تلقاء نفسها، علينا أن ننتزعها. نحن لا نعرف القتل، نحن نؤمن بالمحاسبة كما كان يؤمن لقمان . نعرف القاتل، لكننا لا نمارس اسلوبه في ممارسة السياسة نحن نؤمن بالكلمة بالصوت الحر وبالثقافة والتوثيق كي لاننسي نحن وأولادنا . اليوم، لدينا فرصة لكسر منظومة الإفلات من العقاب، لاستعادة الثقة بالقضاء، لإثبات أن دماء الأحرار لن تذهب سدى.لا عدالة اجتماعية بدون عدالة قضائية، لا استقرار طالما أن القاتل حر. نريد دولة تحمي مواطنيها بدل أن تقتلهم. نريد قضاءً مستقلاً. نريد الحقيقة. ولن نقبل بأقل من ذلك».
وبعدها جرى توزيع جائزة غار لقمان، فاقيم حفل استقبال، ثم تم توزيع جائزة لقمان سليم السنوية على الصحافية صبحية النجار والكاتب الكس رويل.
بعده تم عرض وثائقي عن جريمة اغتيال لقمان سليم. اضغط هنا لقراءة التقرير في موقع جنوبية ومشاهدة صور الإحتفال