الشيعة وضرورة التغيير الكولونيل شربل بركات/31 كانون الثاني/2025
يقول البعض بأنه من غير الممكن في هذه المرحلة تجاوز المطالب الشيعية المتمثلة بالثنائي كي لا يشعر هؤلاء بالاقصاء، وقد يكون صحيحا نسبيا خاصة مع كل البروبغاندا المرافقة للموضوع، ولكن هل ترك هذا الثنائي، وخاصة ما يسمى “بحزب الله”، أي مجال للتعاون أو الأخذ برأي الآخرين يوم تمكّنوا، بواسطة السلاح الإيراني وتحت غطاء التكليف الشرعي، من السيطرة على البلد واسقاط كل مقوماته السياسية والادارية والاقتصادية بدون رؤية أو بعد نظر وبدون أي حساب لكل الآخرين ومن ضمنهم البيئة التي يدّعون تمثيلها؟
الشيعة اللبنانيون هم جزء اساسي من البلد تماما مثل الدروز والمسيحيين والسنة وغيرهم من المجموعات الحضارية التي شكلت لزمن طويل تلك الفسيفساء اللبنانية، وكهؤلاء لهم فضل الاستمرار بالرغم من كل الصعاب والتمسّك بالأرض والدفاع عنها يوم يتطلب ذلك، وقد ساهموا بقيادة بعض المناطق وتعاونوا مع غيرهم في مراحل خطرة مرّ فيها البلد عبر التاريخ، وبالرغم مما قلناه في مقالات سابقة بأن بعض من تصدّر الواجهة الشيعية لم يفهم أهمية لبنانية هذه المجموعة فوقع بالمحظور وأوقع معه الجماعة، إلا أن التاريخ والطبيعة عادا فأنصفاها لتحمل هم الوطن من جديد وتسهم بالبناء.
لم يتعلم الشيعة من الدروز التفاعل مع بقية المجموعات في حكم الامارة، ولا من المسيحيين خاصة الموارنة الذين حاولوا خلق وطن للجميع، ولم يمارسوا اريحية السنة الشهابيين أو الحريرية السياسية حديثا، كونهم يشبهون بقية البلدان المجاورة طائفيا، ليصبح خوفهم على النجاح ضمن حدود البلد هدفا رئيسيا بدون عقد التوسع والتزلم بل السعي لتثبيت التقدم. ولكن تجربة ناصيف النصار ونجاحه في الدفاع عن الحدود، ومن ثم التعاون مع الجيران لمصلحة الجماعة، هي تجربة رائدة أثبتت نظرية لبنانية هذه المجموعة البشرية التي لم تزل تعيش في ربوع لبنان وتتفاعل مع بقية أبنائه منذ آلاف السنين وقد ورثها أحفاده من بعده، ولكن مرحلة الجزار التي تلتها مباشرة لطّخت كل النجاح الذي أثبته الشيخ ناصيف فغطى القهر والاستبداد على تلك الفترة الرائدة في تاريخهم.
الشيعة اللبنانيون وعندما ادعى بعض أئمتهم بان عليه تصحيح تاريخ العلاقات مع السنة بناءً على نظرية الولي الفقيه والتي تشوهت برأيهم منذ يزيد بن معاوية (أي قبل أكثر من الف سنة) أفقدوا جماعتهم الولاء الوطني وزجوا الطائفة بالعداء مع مكونات المنطقة كلها وليس فقط اللبنانيين. وقد حاولوا المزايدة على العرب السنة بما يسمى القضية الفلسطينية التي استغلوها لتطويع الأنظمة والدول المحيطة وللتدخل من خلال بعض الجماعات في شؤون الدول العربية الداخلية، وما رأيناه في البحرين أو السعودية أو اليمن لهو خير دليل على ذلك.
الخطر الأكبر على الطائفة، التي يمثله الحزب الإيراني، هو الخطر الثقافي فقد زج الشيعة بواسطة اللباس المميز أولا والمدرسة المؤدلجة لخدمة تنشئة أجيال حاقدة ومقاتلة في سبيل الغير لا يهمها سوى رضى الملالي والمال السهل المغدق من قبلهم، في خط موازي لثقافة اللبنانيين الموروثة والتي ميزتهم حتى عن المحيط بالسعي إلى الانفتاح والمرونة والروح التجارية التي تقبل النقاش وعدم التشدد في المواقف بل إعطاء الحق للطرف الآخر بالتعبير عن رأيه. هذه الثقافة الغريبة سهلت نظرية مدّ اليد والتهويل على من لا يعجبنا رأيه لا بل التهديد وحتى القتل وسهولة الاغتيال والتهرب من حكم القانون. ومن جهة أخرى استعمال مؤسسات الدولة ووظائفها في المصالح الخاصة بدءً من المعاشات التي تصرف بدون وجه حق وصولا إلى توظيف أعداد لا حاجة لها في تسيير شؤون الناس والتصرف بالأموال العامة والتبذير مع رفض الرقابة.
أما الخطر الأكبر فكان التوهم بالقوة والاعتقاد بالتفوق الذين أوصلا إلى تحدي اسرائيل ومواجهتها بالمعركة التي استدرج هؤلاء إليها بسبب التعنت والتشاوف والغطرسة زاجين بلبنان في آتون حرب لا ناقة له فيها ولا جمل دمرت ترسانتهم وأرزاق الناس وأبادت قياداتهم والمقاتلين ما جعلهم يستجدون وقف اطلاق النار.
المشكل ليس فقط بأنهم لم يتعلموا شيئا مما جرى ولا يزالون يكابرون ويتوعدون، بل لأن بعض اللبنانيين يجارونهم في نظرياتهم الجوفاء ويخافون من ردة فعلهم الارهابية فيحاولون استيعابها تحت شعار لبنانيتهم، وهو الغلط بعينه فهؤلاء لا يشبهون اللبنانيين في أي شيء، لأن من يقودهم هو عميل للحرس الثوري الإيراني الذي فشل في قيادة شعبه نحو التطور والرفاه بينما يمتلك مقدرات الدول الغنية فكيف بهم يجلبون الخير للبنان وشعبه، فلبنان دولة يعتمد أبناؤها على علاقاتهم الجيدة مع الآخرين وجهدهم المتواصل في مجالات العمل والانتاج والاختراع وثقة الناس بهم، ومن يهدد علاقاتهم مع الغير لا بد أن يقطع سبل عيشهم، فكيف إذا ما صبغهم بالاعمال الغير شرعية من تجارة المخدرات وتببيض الأموال ومساندة الارهاب ومعاداة الشعوب؟
وآخر ما وصل إليه نبوغ الشر عندهم هو مجابهة القوات الاسرائيلية التي لم تنسحب بعد من لبنان، واستعمال حق المواطنين بالعودة إلى بيوتهم التي دمرها غيّهم، فكيف سيقبل العالم أن يستمع لطروحاتهم الجوفاء ونطرياتهم الحمقاء. والمشكل بأن بعض اللبنانيين خاصة في وسائل الاعلام الذين يعيشون الخوف من تصرفاتهم، يؤيدون مشاريعهم ويفسرونها بأنها وطنية وشرعية.
الدولة لا تزال غائبة بالرغم من الآمال المقعودة على الرئيس الجديد ومشروع رئيس الوزراء، وذلك لنفس السبب؛ وهو عدم تقديم هؤلاء للمحاكمة لتخريبهم بيوت الناس، والتسبب بدمار البلاد، وتنفيذ أوامر دولة معادية تخطط لاحتلال الشرق الأوسط برمته. لا بل تحاول الدولة والجيش، خاصة أجهزة الأمن والمخابرات فيه، بدل أن تفتش عن كيفية القاء القبض على من تبقى من زعماء هذا التنظيم وحل كافة قواه وتشكيلاته وغرف عملياته وضبط مخازن ما تبقى من اسلحته لمنعه من محاولة استعادة انشطته، لا تزال تساير وتصرّ على خروج الاسرائيليين تحت ضغط هؤلاء، لكي يظهروا وكأنهم انتصروا، وهم لم يعترفوا مرة بهزيمتهم لكي يستمروا بالتحكم بالبلاد والعباد بدون حق.
إذا كان اللبنانيون جادون بالسعي للخروج من مستنقع العنف عليهم أولا اعلان حل عصابة ما يسمى “بحزب الله” وتوقيف كل من يتعاطى معها، بدءً من نوابها ورموزها وصولا إلى كل من يحمل علما أو شعارا يمثلها، ثم ابعاد حليفها السياسي والعسكري “حركة أمل” عن أي منصب حكومي، وتوقيف نوابها وعلى رأسهم رئيس المجلس الذي لا يزال يتحكم بالمجلس النيابي وبكل مقومات البلد منذ ثلاثين سنة عن العمل، واستجواب كبار موظفي الدولة التابعين لها، والتحقيق معهم بكل المخالفات التي حصلت منذ تسلم الرئيس بري لمهامه. والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة وسريعة في الدوائر التي شغرت من ممثليها، لكي يتسنى تمثيل الطائفة الشيعية سريعا وبشكل مناسب في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان، حيث سيتم اعادة اعمار ما هدمه هؤلاء بشكل نظيف وبدون مساومات.
أما محاولة تدوير الزوايا واللعب على العواطف واعادة تكرار أخطاء الماضي فإنها لا تبشّر بقيامة لبنان ولا بتلقي اية مساعدة من أية جهة عربية أو دولية كانت. فأموال الناس في بلاد العالم ليست سائبة ومواطنو هذه الدول أولى من الجبناء الذين يتصدرون الشاشات في لبنان منذ خمسين سنة، ولم يقدموا لا للبنان ولا للمنطقة أو العالم اي جديد على صعيد التخلص من الارهاب والسرقة والاعمال الممنوعة دوليا. فلبنان اليوم يعتبر مزبلة المنطقة تفوح روائح النتانة منه، فإما أن ينظّف بكل معنى الكلمة، وهذا يتطلب جهد ورؤية وعمل مضني، أو يستمر الحريق فيه ليقضي على الزبالة وروائحها.