“وثائق باندورا”: لبنان (المفلس) الأول عالمياً في الـ”أوف شور” ورؤساؤه ومصرفيوه يتصدرونها حازم الأمين – هلا نصرالدين/موقع درج/03 تشرين الأول/2021
تعرفوا إلى الأخوين ميقاتي: إمبراطورا الاتصالات الجدد في ميانمار علي نور الدين – صحافي لبناني/موقع درج/05 آب/2021 أنجز هذا التحقيق بالتعاون مع موقع myanmar-now.org المستقل في ميانمار
********************* “وثائق باندورا”: لبنان (المفلس) الأول عالمياً في الـ”أوف شور” ورؤساؤه ومصرفيوه يتصدرونها حازم الأمين – هلا نصرالدين/موقع درج/03 تشرين الأول/2021 اضغط هنا لقراءة التقرير في موقع درج
لبنان المنهار مالياً واقتصادياً، والذي لامست الكارثة فيه حدود المجاعة وأصابت كل قطاعاته، وأفضى الفساد فيه إلى ثاني أكبر انفجار غير نووي في التاريخ، لبنان هذا، يسابق دول العالم لجهة لجوء سياسييه ومصرفييه ورجال أعماله إلى تسجيل شركاتهم في الجنات الضريبية.
قبل نحو أسبوعين، وبينما كنا في مكتب “درج” في بيروت، نعمل على مشروع “وثائق باندورا”، كان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي يتلو البيان الوزاري الذي نالت على أساسه حكومته ثقة مجلس النواب، وتضمن البيان بنداً عن إصلاحات ضريبية تنوي الحكومة تنفيذها “تعزيزاً لمالية الدولة”، في ظل أكبر انهيار مالي واقتصادي في التاريخ يشهده لبنان، على حدّ وصف الخبير المالي توفيق كسبار.
تسريبات “باندورا” هي تحقيق استقصائي في سياق أكبر تعاون صحافي يشارك فيه نحو 600 صحافي من العالم بإشراف الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية (ICIJ)، يحقق في ملايين الوثائق التي تكشف أسرار الجنات الضريبية. التحقيق يكشف معلومات تتعلق بالأملاك السرية والثروات المخبّأة لعدد كبير من زعماء العالم وشخصيات عامة. ويكشف صفقات لشخصيات هاربة أو مدانة ومشاهير ونجوم ورياضيين.
والرجل الذي كان يلقي خطاب الثقة في مجلس النواب اللبناني، أي نجيب ميقاتي، ظهر اسمه في هذه الوثائق، وكذلك ظهر اسم سلَفه رئيس الحكومة حسان دياب، وغيرهما مئات من الأسماء اللبنانية من بينهم سياسيين ومصرفيين ورجال أعمال مقربين من أهل النظام. وطبعاً لا ينسجم لجوء رئيس الحكومة اللبنانية إلى الجنات الضريبية لتسجيل شركاته الخاصة مع الرغبة في تعزيز مالية الدولة اللبنانية، ذاك أن الوظيفة الأولى لهذه الخطوة هي التهرب من دفع الضرائب، وهو ما دأب عليه الرئيس الآتي إلى العمل السياسي من عالم المال والأعمال.
346 شركة لبنانية
151 شركة بريطانية
تصدّر لبنان لائحة عدد شركات الأوف شور التي تأسّست عبر شركة Trident Trust علماً أنّ الأخيرة هي اكبر مزوّد للوثائق المسرّبة في سياق مشروع وثائق “باندورا”.
لكن المفارقة اللبنانية في هذه الملفات لا تقتصر على ذلك، إنما بحقيقة أخرى مذهلة كشفتها الوثائق، وتتمثل في أن لبنان المنهار مالياً واقتصادياً، والذي لامست الكارثة فيه حدود المجاعة وأصابت كل قطاعاته، وأفضى الفساد فيه إلى ثاني أكبر انفجار غير نووي في التاريخ، لبنان هذا، يسابق دول العالم لجهة لجوء سياسييه ومصرفييه ورجال أعماله إلى تسجيل شركاتهم في الجنات الضريبية.
من بين 14 مزوداً للملفات المسربة، وعددها نحو 12 مليون وثيقة، كانت شركة “Trident Trust” الشركة الأكبر من بينها، إذ بلغ عدد الوثائق المسربة منها نحو 3 ملايين وثيقة، ولبنان سبق الدول من حيث لجوء “أوليغارشييه” إلى هذه الشركة لتسجيل شركاتهم في الملاذات الضريبية. فبينما حلت بريطانيا في المرتبة الثانية في قائمة زبائن الشركة بـ 151 ملفاً، حل لبنان في المرتبة الأولى بـ346 ملفاً، لجأ أصحابها اللبنانيون إلى “Trident Trust” لتسجيل شركاتهم في الملاذات الضريبية. العراق حل ثالثاً بـ 85 ملفاً، وهو البلد الغارق بفساد طبقته السياسية، على رغم أن الأرقام تكشف أن الأخيرة حديثة نعمة لجهة خبرات إخفاء الثروات وتهريبها إلى الخارج، لا بل إن تبادلاً للخبرات في مجال الفساد يجري على قدم وساق بين البلدين اللذين تتمتع إيران بنفوذ كبير فيهما.
ففي سياق تقصّينا قصص سياسيين ورجال أعمال لبنانيين ممن وردت أسماؤهم في الوثائق، اكتشفنا أن عدداً منهم امتدت نشاطاته إلى العراق عبر تسهيلات من الفصائل المسلحة المدعومة من إيران أو عبر شراكات مع رجال أعمال عراقيين ممن أصابتهم العقوبات الدولية بسبب سجلاتهم في الفساد فلجأوا إلى واجهات لبنانية، والعكس صحيح أيضاً، ذاك أن لبنانيين صدرت بحقهم عقوبات أميركية عثرنا على أثر لاستثمارات لهم في العراق.
حسان دياب
نجيب ميقاتي
في وثائق “باندورا” أسماء لرئيسيّ حكومة لبنانيين، حالي وسابق، هما نجيب ميقاتي وحسان دياب، ومستشار لرئيس الجمهورية، هو النائب السابق أمل أبو زيد، ووزير سابق ورئيس حالي لمجلس إدارة مصرف هو مروان خير الدين، وغيرهم من أصحاب محطات تلفزيونية كتحسين خياط، ومصرفيين مثل سمير حنا.
وتذهب الوثائق بنا إلى شبهات ترتبط بنقل أموال خلال فترة الـ”كابيتال كونترول” إلى خارج لبنان واستعمالها لشراء منازل وعقارات في بريطانيا وأميركا ودول أخرى، كما هي حال مروان خير الدين، ففي الوقت الذي كانت المصارف اللبنانية تُطمئن مودعيها إلى أن ودائعهم بخير ولن تُمس، أي في أوائل العام 2019 وكان خير الدين ضيفاً دائماً على المحطات التلفزيونية ومدافعاً عن سياسات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المالية، كان يؤسس شركة في الملاذات الضريبية ليشتري عبرها يختاً بقيمة 2 مليون دولار أميركي، وهو اشترى في هذه الفترة منزلاً في نيويورك بقيمة 9 مليون دولار من نجمة هوليوود جانيفر لورانس.
جرى ذلك قبل الـ”كابيتال كونترول” بقليل، وهو ما يدفع إلى الارتياب بأن الرجل كان يهرب أمواله في الوقت الذي كان يدعو فيه اللبنانيين إلى عدم الخوف على ودائعهم!
كما كشفت الوثائق شراكات هدفها تسهيل عملية التهرب من عقوبات دولية على ما يشير الملف المرتبط بأمل أبو زيد، كما يأخذنا الملف المرتبط به إلى تقاطعات المصالح التي يمثّلها الرجل بين الشركات الروسيّة والتيار العوني والنظام السوري، وعمله الطويل في مجال وسائل الدفع وتحويل الأموال. وهنا أيضاً تحضر شركات في الملاذات الضريبية لمن استهدفتهم العقوبات الأميركية بتهم تبييض أموال لصالح حزب الله مثل قاسم حجيج وصالح عاصي.
تذهب بنا الوثائق الى شبهات ترتبط بنقل سياسيين ونافذين أموالا خلال فترة “الكابيتال كونترول” الى خارج لبنان واستعمالها لشراء منازل وعقارات في بريطانيا وأميركا ودول أخرى
رؤساء الحكومات في وثائق “باندورا”
أثارت “دموع” رئيس الحكومة الجديد نجيب ميقاتي لدى تشكيل الحكومة الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، فميقاتي الذي ظهر في صورة الأم المتأثرة بحدّة الأزمة في لبنان متحدّثاً عن مأساة اللبنانيّين، جاء من طرابلس أفقر مدينة على ساحل المتوسّط، بينما يصنّف هو مع أخيه طه كأكبر أغنياء لبنان والشرق الأوسط. فبحسب مجلّة فوربس، تبلغ قيمة ثروة كلّ من الأخوين ميقاتي 2.9 مليار دولار.
تشوب مسيرة ميقاتي العمليّة الكثير من الشبهات، كان آخرها في ميانمار. إذ يوضح تقرير سابق لموقع “درج”، كيف اشترت مجموعة M1 التي يملكها نجيب وطه ميقاتي، شركة Telenor للاتصالات في ميانمار بقيمة 105 مليون دولار في تمّوز/ يوليو 2021 بمبلغ زهيد يوحي بضغوط مورست على الشركة الميانماريّة.
الّا أنّه مؤخّراً، وخلافاً لنجاحه في تشكيل الحكومة اللبنانيّة، تعثّر ميقاتي في “الصفقة الميانماريّة” إذ إنّ السلطات في ميانمار لم توافق بعد على هذه الصفقة بسبب شبهات مرتبطة بعمل مجموعة M1 بالإضافة إلى قربها وقرب الأخوين ميقاتي من النظام السوري، بحسب المصادر التي تحدّثت أيضاً عن وجود ضغوط لإلغاء صفقة البيع هذه.
ولا بدّ هنا من التذكير بالدعوى التي رفعتها القاضية غادة عون على ميقاتي (وابنه وابن أخيه) وعلى بنك عودة بتهمة “الإثراء غير المشروع” فيما يتعلّق بقروض الاسكان، على قاعدة أنّ ميقاتي وعائلته، كانوا قد “استفادوا” من قروض مدعومة كان يخصّصها المصرف المركزي اللبناني لشراء منازل لمحدودي الدخل. بحسب تقارير إعلاميّة سابقة، حصل ميقاتي بين عامي 2010 و2013 على 9/10 من هذه القروض “الإسكانيّة” من بنك “عودة” لشراء منازل في أحد أفخر المباني في بيروت عبر صفقة حرمت الشباب اللبناني من فرصة الحصول على هذه القروض المدعومة.
وفي ردّ لنجل ميقاتي، ماهر ميقاتي إلى شريكنا الإعلامي في المشروع “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيّين” يقول: “والدي ليس لديه أي قروض سكنية باسمه على الإطلاق. جميع ممتلكاته الشخصية في لبنان دفع ثمنها بالكامل بنفسه.
أنا وأبناء عمي لدينا قروض إسكان، ولكن لدينا قروض إسكان عادية، ممنوحة من البنوك التجارية بموجب مخطط منفصل لا علاقة له ببنك الإسكان أو المؤسسة العامة للإسكان. يعود تاريخ القروض التي أخذناها إلى عام 2010… كانت معايير هذه القروض كما يلي:
لا يوجد حد أقصى لمبلغ القرض (تم إدخال سقف من خلال تعميم معدل بعد بضع سنوات)
قطاعات القروض هي العقارات والصناعة والسياحة والزراعة…
تم منح قروض الإسكان الخاصة بنا بموجب المخططات المذكورة أعلاه (تم سداد معظمها بالكامل). اتفاقية القرض التي وقعت عليها تنص بوضوح على أن هذه القروض لا تستفيد من أي دعم لسعر الفائدة!
…إدّعاء [القاضية غادة عون] ضد والدي وابن عمي وأنا يأتي بتهمة “الإثراء غير المشروع”، وأن والدي أساء استغلال صلاحياته، وضغط على حاكم البنك المركزي لمنح هذه القروض. لقد حضرت أنا وأبي الجلسات أمام القاضي (بناءً على طلب القاضية) مرتين. ربما أبي هو السياسي الوحيد في تاريخ لبنان الذي فعل ذلك! وما زلنا ننتظر القرار النهائي للقاضية في القضية.”
ولا بدّ هنا من التذكير بأنّ آل ميقاتي (نجيب وابنه ماهر وشقيقه طه)، كانوا قد “استفادوا” من قروض مدعومة، مخصصة للإسكان، كان يقدّمها المصرف المركزي اللبناني لشراء منازل. ميقاتي استحوذ على عدد من هذه القروض لشراء منازل في أحد أفخر المباني في بيروت عبر صفقة حرمت الشباب اللبناني من فرصة الحصول على هذه القروض المدعومة. وإذا كان الحديث عن أنّ “استغلال” قروض الإسكان حصل بطريقة قانونيّة الّا أنّها دون أي نقاش غير عادلة ولا تتوافق مع الهدف الحقيقي لهذه القروض، ناهيك عما يمثله استفادة متمول بحجم ميقاتي من قروض مدعومة كان من المفترض أن تمنح إلى محدودي الدخل!
حصل ميقاتي بين عامي 2010 و2013 على 9/10 من هذه القروض “الإسكانيّة” من بنك عودة، وهو مّا كان السبب المباشر للدعوى التي رفعتها القاضية غادة عون عليه وعلى بنك عودة بتهمة “الإثراء غير المشروع”.
ولطالما برز اسم ميقاتي في مشاريع استقصائيّة دوليّة مبنيّة على تسريبات، إذ إنّه ناشط في مجال تأسيس شركات الأوف شور. ففي وثائق بارادايس التي نُشرت عام 2017 وكان “درج” شريكاً في نشرها، ظهر أنّه أسّس شركة Corporate Jet عام 2004.
تعرفوا إلى الأخوين ميقاتي: إمبراطورا الاتصالات الجدد في ميانمار علي نور الدين – صحافي لبناني/موقع درج/05 آب/2021 أنجز هذا التحقيق بالتعاون مع موقع myanmar-now.org المستقل في ميانمار اضغط هنا لقراءة التقرير في موقع درج
ثمّة ما يكفي من أسباب للقلق من دخول “مجموعة أم 1” المملوكة من آل ميقاتي إلى ميانمار كبديل عن شركة “تيلينور” النرويجيّة، خصوصاً أن علاقة العائلة مع الأنظمة المستبدة والأسواق غير الشفافة لم تقتصر على الربح السريع الناتج عن انعدام المنافسة والشروط المجحفة بحق المستخدمين…
اشترت مجموعة M1، ومقرها لبنان الشهر الماضي شركة Telenor للاتصالات في ميانمار. ولكن ما هو سجل المجموعة M1 ، وهي شركة مملوكة من قبل نجيب ميقاتي، الرجل الذي من المقرر أن يكون رئيس وزراء لبنان الجديد؟
في الثامن من شهر تموز/ يوليو، أعلنت شركة الاتصالات النرويجيّة “تيلينور” بيع عملياتها في ميانمار إلى “مجموعة أم 1” المملوكة من الأخوين ميقاتي (نجيب وطه) بقيمة 105 ملايين دولار أميركي، منها نحو 55 مليون دولار سيتم تقسيطها على مدى السنوات الخمس المقبلة. عمليّة البيع كانت مقابل مبلغ زهيد جداً قياساً بقيمة الموجودات الفعليّة، التي تناهز حدود الـ600 مليون دولار أميركي، وفقاً لبيان الشركة نفسه، ما يدل على حجم الضغوط التي عانت منها قبل اتخاذ هذا القرار. علماً أن الشركة أعلنت قبل أيام من إصدار هذا البيان أنها بصدد تقييم خياراتها بخصوص حضورها في ميانمار، نتيجة تدهور الظروف الأمنيّة وأوضاع حقوق الإنسان في الدولة.
بيان الشركة ربط خبر بيع العمليات بالتحديات التنظيميّة والأمنيّة التي مرّت بها الشركة خلال الأشهر الماضية، أي منذ حصول الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش في شهر شباط/ فبراير الماضي. لكن من الناحية العمليّة، كان من الواضح أن أبرز هذه التحديات ارتبط بإجبار الشركة على تقديم بيانات مستخدميها وداتا اتصالاتهم، إضافة إلى استخدام تطبيقات تسمح للسلطات بالتنصّت على المستخدمين وتعقّب اتصالاتهم، ومنع كبار الإداريين في شركات الاتصالات من مغادرة البلاد إلا بأذونات رسميّة.
فيما كانت “تيلينور” مرغمة على بيع عمليتها بأي ثمن ممكن، لتضارب هذه الأجواء مع معايير عملها الأخلاقيّة، كان الأخوان ميقاتي على استعداد لاغتنام الفرصة والاستحواذ على عملياتها بسعر زهيد، بالاستفادة من خبرتهما الطويلة في العمل في هذا النوع من البيئات الملتبسة، من اليمن إلى سوريا والسودان ولبنان.
الأخوان ميقاتي، تخصصا تاريخيّاً في الاستحواذ على عقود الاتصالات في البيئات الاقتصاديّة التي لا تحكمها قواعد المنافسة النزيهة والشفّافة، وتلك التي تتداخل فيها الحسابات السياسيّة والأمنيّة للأنظمة غير الديموقراطيّة، بحسابات الأوليغارشيّة الماليّة الممسكة بخيرات هذه الدول. في الواقع، يمثّل قطاع الاتصالات بالتحديد مكاناً مثالياً لمواءمة طموحات الأنظمة في مجال الرقابة، مع سعي النخبة الماليّة لتحقيق الربح السريع من خلال العقود غير الشفافة والغامضة، وهنا تكمن براعة آل ميقاتي تاريخيّاً.
في حالة لبنان، تمثّل أكبر صفقات الأخوين ميقاتي في مشاركة “فرانس تليكوم” بملكيّة أسهم شركة “سيليس”، التي تولّت بدورها استثمار قطاع الاتصالات الخليويّة في لبنان مع شركة “ليبونسيل” بين منذ عام 1994 ولغاية إلغاء الدولة اللبنانية العقد عام 2001. خلال هذه السنوات، دخلت جميع العقود العموميّة في لبنان في أتون منظومة محاصصة منافع نظام ما بعد الحرب، التي أشرفت على تقاسمها وصاية النظام السوري، وما عُرف في ذلك الوقت بالنظام الأمني السوري- اللبناني المشترك. علماً أن ميقاتي نفسه دخل الحكومة عام 1998 متولياً حقيبتي الأشغال العامّة والنقل، واستمرّ في هذا المنصب في أربع حكومات متعاقبة حتّى عام 2004، في دلالة على اتساع حضوره السياسي داخل تلك المنظومة بالتوازي مع اتساع نفوذه المالي.
صفقات قطاع الخليوي في تلك المرحلة اتسمت بانعدام الشفافيّة ومخالفة جميع معايير النزاهة، إلى الحد الذي دفع مجموعة من نواب البرلمان اللبناني إلى استجواب الحكومة حول تلك الصفقات. من بين المخالفات التي قامت بها الشركتين كان قيامهما بالاستفادة من عوائد بيع أكثر من 800 ألف خط هاتفي، فيما أعطت العقود الشركتين الحق في بيع 250 ألف خط هاتفي فقط، وتم على هذا الأساس تحديد عوائد الشركتين. وبذلك، تمكنت الشركتان من تحقيق كسب غير مشروع على حساب الدولة اللبنانيّة بقيمة 600 مليون دولار جرّاء هذه المخالفة فقط.
تضمّنت المخالفات في ذلك الوقت أيضاً الكثير من الممارسات الاحتكاريّة، من قبيل قفل باب المنافسة وحصر الخدمات بهاتين الشركتين لمدة 8 سنوات، وتقاسم مغانم القطاع بالتساوي والتفاهم على تسعيرة متشابهة للخدمات التي يتم تقديمها. كما اتهم النوّاب في ذلك الاستجواب نجيب ميقاتي نفسه بمخالفة قانون الإثراء غير المشروع، من خلال تضارب المصالح الناشئ عن استثماره في الشركة المشغلة في القطاع الخليوي، المستفيدة من التلزيم الذي أعطتها إياه الحكومة، وشغله في الوقت نفسه لمنصب وزاري داخل الحكومة.
حكاية الأخوين ميقاتي في سوريا مشابهة لحكايتهما في لبنان، إذ تختلط فيها الممارسات الاحتكاريّة والتلزيمات غير الشفّافة بنسج العلاقات الوثيقة مع النظام الحاكم. ففور وصول الرئيس السوري الحالي بشار الأسد إلى الحكم عام 2000، قام بتلزيم استثمار قطاع الاتصالات الخليويّة لشركتين: “سيرياتل” المملوكة من إبن خاله رامي مخلوف، و”انفستكوم” التي يملكها الأخوان ميقاتي. علماً أن رامي مخلوف كان يُعد في ذلك الوقت ممثلاً لمصالح عائلة الأسد الماليّة، حيث شهدت رقعة سيطرته الماليّة اتساعاً سريعاً بالتوازي مع وصول بشار الأسد إلى الحكم.
في كل الحالات، لم تشهد عمليّة منح التراخيص لآل ميقاتي ورامي مخلوف أي منافسة جديّة، ما مكّن الشركتين من فرض شروط أفضت إلى تحقيق أرباح قياسيّة خلال وقت قصير جداً. فبحلول عام 2005، أصبحت قيمة أصول شركة “إنفستكوم” في سوريا تناهز الـ340 مليون دولار، فيما بلغ حجم أعمالها السنوي نحو 60 مليون دولار. وبعد كل هذا التوسّع السريع في سوق مقفل لا يشهد أي منافسة تُذكر، قررت عائلة ميقاتي بيع شركة “إنفستكوم” التي كانت تنشط بشكل موازٍ في كل من السودان واليمن وأفغانستان. لكن العائلة قررت الاحتفاظ بجزء من ملكيّة هذه العمليات، من خلال تملّك 10 في المئة من حصص شركة “أم. تي. أن.”، التي اشترت شركة “إنفستكوم”.
في اليمن، تورطت شركة “انفستكوم” و”أم تي أن” بشبكة من الشركات المسجلة في الجنات الضريبيّة، التي تم تأسيسها للالتفاف على العقوبات المفروضة على ميليشيات الحوثي، ولتقاسم أرباح العمليات التجاريّة مع رجال الأعمال المحسوبين على الجماعة. أما في السودان، وفي أوج الضغوط الدوليّة على نظام عمر البشير على خلفيّة مجازر دارفور، دخلت شركة “انفستكوم” السوق السودانيّة بحصولها على ترخيص لتشغيل شبكة اتصالات خليويّة ثانية، مقابل نحو 150 مليون يورو.
لكل هذه الأسباب، ثمّة ما يكفي من أسباب للقلق من دخول “مجموعة أم 1” المملوكة من آل ميقاتي إلى ميانمار كبديل عن شركة “تيلينور” النرويجيّة، خصوصاً أن علاقة العائلة مع الأنظمة المستبدة والأسواق غير الشفافة لم تقتصر على الربح السريع الناتج عن انعدام المنافسة والشروط المجحفة بحق المستخدمين، بل أيضاً من خلال تمكين الحكومات من استخدام شبكات الاتصال المحليّة لفرض رقابة على المستخدمين.
تماماً كما حصل في سوريا خلال الثورة عندما تم استخدم شبكات الاتصال الخليوي لعرقلة وصول المستخدمين إلى مواقع أو محتويات معينة على الانترنت. من هنا، يمكن فهم حماسة الأخوين ميقاتي لدخول سوق ميانمار، التي تتناسب ظروفها ا
شكوى فرنسيّة بحق ميقاتي: شبهات اختلاس وتبييض أموال “درج”/04 نيسان/2024 اضغط هنا لقراءة التقرير في موقع درج
الشكوى الجديدة ترتكز بشكل أساسي على “كم كبير” من العقارات التي تمتلكها عائلة ميقاتي في فرنسا، وتطالب بتحقيق في أصول الأموال التي استُخدمت لشراء هذه العقارات، والتي حُوِّلت عبر القطاع المصرفي الفرنسي.
بعد سنتين على الشكوى التي قدّمتها بحق حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، تقدّمت منظمة “شيربا” بشكوى جديدة أمام القضاء الفرنسي، وهذه المرة بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، وتحت عناوين”الإثراء غير المشروع واختلاس أموال عامة وتبييض أموال”، بحسب بيان صحافي صادر عن المنظمة.
“شيربا”هي منظمة غير حكومية تعمل على استخدام القانون كأداة لمحاربة الإفلات من العقاب المرتبط بعولمة التبادلات الاقتصادية والمالية، والدفاع عن ضحايا الجرائم الاقتصادية.
ميقاتي، استبق نشر بيان المنظمة الذي حصل عليه “درج”، والذي كان مقرراً للنشر يوم الخميس، فأصدر بياناً مساء الأربعاء معتبراً الشكوى “جزءاً من حملة ممنهجة… على غرار الحملات المستمرة، بهدف الإساءة والافتراء وإثارة الغبار الإعلامي”. في بيانه، طرح ميقاتي علامات استفهام حول “النوايا الكامنة وراء هذه الخطوة”، وذلك “بسبب البيان الذي أُرسل الى الصحافة قبل إعلام أصحاب الشأن بأن هناك شكوى مقدَّمة في حقّهم”.
محامي المنظمة ويليام بوردون William Bourdon علق على بيان ميقاتي قائلاً لـ”درج”: “إذا كان ميقاتي يعتقد أن القانون يحميه بسبب نفوذه، فهو مخطئ. وأضاف: “ميقاتي متوتّر ولديه سبب لذلك. الزمن القضائي لن يكون حليفه بل على العكس من ذلك… لا نزال في بداية رسم خرائط التدفقات المالية غير المشروعة لصالح ميقاتي وعائلته”. مديرة الدعاوى والمناصرة لدى “شيربا” شانيه مينسو Chanez Mensous، قالت لـ”درج”، “إن المنظّمة بصفتها غير الحكومية لا تملك أي أجندات سياسية، ويرتكز كل نشاطها على مكافحة الفساد العابر للحدود والعمل على استعادة الأموال المنهوبة”. وأضافت: “هذا ما تقوم به المنظمة منذ أكثر من عشرين عاماً لمكافحة الإثراء غير المشروع، فضلاً عن العمل على خلق التشريعات والأطر القانونية التي تسمح باستعادة الأموال، وهذا ما حصل في العام 2021 مع تمرير قانون جديد في فرنسا”.
ومن بين الملفات التي تابعتها المنظمة، قضية رفعت الأسد التي أدت الى تجميد مبلغ 90 مليون يورو واستعادته.
مسؤولية لبنانية – أوروبية
الشكوى الجديدة ترتكز بشكل أساسي على “كم كبير” من العقارات التي تمتلكها عائلة ميقاتي في فرنسا، وتطالب بتحقيق في أصول الأموال التي استُخدمت لشراء هذه العقارات، والتي حُوِّلت عبر القطاع المصرفي الفرنسي. وبحسب بيان المنظّمة، فإن الشكوى محركها الأساسي هو الأزمة الاقتصادية في لبنان، التي تحوّلت “الى كارثة إنسانية وسياسية” جعلت من الضروري تحديد المسؤوليات التي تقع على عاتق الشخصيات السياسية اللبنانية، وأيضاً مسؤولية المؤسسات المالية الأوروبية التي سهّلت مثل هذه العمليات. تقول مينسو إن قرار التقدم بشكوى جديدة أمام القضاء الفرنسي هو بسبب “الحجم الكبير” من المعطيات التي جُمعت في ملف رياض سلامة، ما استوجب فتح ملفات أخرى لشخصيات أخرى، من بينها ميقاتي. ارتكزت الشكوى جزئياً، بحسب بيان “شيربا”، على تحقيقات باندورا التي كان “درج” شارك فيها بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين في العام 2021، والتي كشفت عن شركات عدة يملكها ميقاتي وأفراد آخرون من عائلته في جنات ضريبية.
وقال بيان المنظمة أيضاً، إن التحقيقات لفتت نظر المحقّقين الى تحويلات مشبوهة بين أفراد من عائلة ميقاتي ومصرف لبنان. وكان موقع “درج” نشر في شهر أيلول/ سبتمبر 2022، تسريباً لنص طلب مساعدة قضائية تقدّمت به المحكمة الإقليمية لإمارة ليختنشتاين ضمن إطار التحقيق في قضية رياض سلامة، كشف عن عقد وكالة بين شركة SI2SA، المملوكة من رياض سلامة، ومجموعة شركات M1 المنسوبة الى طه ميقاتي، شريك ميقاتي وشقيقه، والذي بموجبه وبحسب نص الطلب، نُقلت عشرات ملايين الدولارات بين الشركتين عام 2016. يُذكر أن المسار القضائي في حق رياض سلامة كان بدأ بموجب شكاوى رُفعت أمام القضاء في أكثر من دولة أوروبية، وأفضت الى فتح تحقيقات في سبع دول، من بينها ألمانيا وفرنسا اللتان أصدرتا مذكرات توقيف في حق رياض سلامة، وسويسرا التي فرضت أخيراً عقوبات على بنك عودة. هذا فضلاً عن العقوبات التي فرضها كلّ من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا في حق سلامة ومقربين منه.