من الأرشيف/سجعان قزي/اللقاءُ الأخير… والدائم مع الشيخ بشير/مع نص خطاب القسم الذي القاه الرئيس المنتخب بشير الجميل اثر انتخابه في 23 آب 1982: نص خطاب قسم الرئيس بشير الجميل : هذه هي اللحظة التاريخية لبناء دولة الأمة

266

اللقاءُ الأخير… والدائم مع الشيخ بشير
هائلاً كان ذاك النهار. المهنّئون قبل أيام، جاؤوا أنفسهم يعزّون. والذين لم يُصدّقوا انتخابَه، هم أنفسُهم لم يُصدّقوا موتَه، والّذين لم يًشاركوا في انتخابه، شاركوا في مأتمه. والّذين لم يُعطَ لهم فرحُ تأييدِه، أُعطي لهم حزنُ وداعِه. ويبقى أنّ “بشير حيٌّ فينا”، كان الشعارُ الذي صُغتُه مطلَعَ أوّلِ لقاءٍ في المجلسِ الحربيِّ بعد استشهاد بشير، وصار أكثرَ الشعاراتِ تَردادًا.
سجعان قزي/افتتاحيّةُ جريدة النهار/ 16 أيلول 2021

الأحد 12 أيلول 1982 اتّصل بي الرئيسُ بشير الجميّل يَسألُني إذا كنتُ أنهيتُ خِطابَ القسَم الذي كلّفني إعدادَه. تواعَدْنا على اللقاءِ في دارتِه في بكفيّا التاسعةَ من مساءِ الاثنين 13، أي عشيّةَ استشهادِه. وصلتُ، فوَجَدْتُه جالسًا في الصالونِ الداخليِّ مع زوجتِه، السيدة الأولى صولانج (صولا)، يَستمع إلى موسيقى كلاسيكيّةٍ عبرَ آلةِ حديثةٍ أهداه إيّاها أحدُ أصدقائه. ولأنّه لم يكُن تعلَّمَ تشغيلَها بعدُ، راح يَكبِسُ على أزرارِها علّه يُحسِّنُ الصوت. بَقينا هكذا بِضعَ دقائق، ثم ما لبثَت زوجتُه أنْ تَركتْنا، وأتى بشير بغليونٍ كان يُدخّنُه في الجلساتِ الحميمةِ حَصْرًا، وهي نادرة. فهو لا يُدخِّن، وإذا ما نَدَر أنْ أشْعلَ سيجارة، يَتركُها شاعلةً ولا يُدخّنُها، حتّى تنطفئَ وحدَها.

جَلس رئيسُ الجمهوريّةِ المنتخَب على كرسيٍّ جِلديٍّ قديم، وجَلسْتُ قبالتَه حولَ مِدفأةٍ مُطفَأة. وما إِن بدأتُ قِراءةَ الخِطاب، وأنهيتُ الفقْرةَ الأولى منه (“أديّتُ مضمونَ القسَم، وها إنّي أتلو نَصَّه. أدّيتُ مضمونَه طوالَ ثماني سنواتِ المقاومةِ، وأتلو نَصَّه في بَدءِ ستِّ سنواتِ الحُكم”)، حتى قال لي: “أَعِدها”، فأعَدْتُها، وارتاحَ في نهايتِها إلى ضحكةٍ طويلةٍ خَتمها بقولِه: “لئيم، فظيعة، اخْتصَرْتَ كلَّ شيء”.

وانْطَلقتُ أقرأُ، وهو يُنصِتُ، مُلتقِطاً بسرُعةٍ لمعاتِ الخِطاب حتّى انتهيتُ من قراءتِه. أعجَبه الخِطاب، وعَلّقَ بأربعِ ملاحظاتٍ رئيسةٍ تَناقشْنا فيها، هي الآتية:
المسيحيّون في لبنان. توقّفنا طويلًا لإيجادِ صيغةٍ تحدِّدُ الخصوصيّةَ المسيحيَّةَ في وطنٍ للجميع. وحين قلت له: “أنت اليومَ رئيسُ وطنٍ أنشأه المسيحيّون لا رئيسَ وطنٍ مسيحيِّ”، أجابني على الفور: “صَحّ”. وبالفعل، في اليوم التالي، أطلقَ هذه الفكرة في خِطابِه إلى مأدبةِ غداءٍ أقامَتها شقيقتُه، الأخت أرزة، في دير الصليب لمناسبةِ عيد الصليب.
الشهداء. كان لا بدّ من حَسمِ الموقفِ من اللبنانيّين الّذين سقطوا في الحرب، وهم يَنتمون إلى قوى مختلِفة. فقال بشير: “أنا كرئيسٍ للجُمهوريّة، لا يُمكنني إلا أنْ أساويَ بين الجميع، ولو انَّ بينَهم اختلافًا سياسيًّا أو عقائديًّا. فكُلّهم سقطوا من أجلِ “لبنانٍ ما”…

معاهدةُ الصّلح مع إسرائيل. كنتُ قبلَ أسبوعٍ من تلك الجلسة، اجتمعتُ إليه طارحاً له تصوّراتي، وسائلاً إيّاه إذا كان يريدُ تمييزَ أحدٍ في الخِطاب الرئاسي، فأجابني: “اثنان فقط: والدي، والرئيس سركيس”. ولمّا أتيْنا في جلستِنا على ذكرِ موضوع إسرائيل، أجابني: “أفضِّلُ ألّا نَذكر الآن عبارةَ “معاهدة سلام”، ولنكتفِ بالحديثِ عن عمليّةِ السلام”.
أميركا. واتّفقنا على اختيارِ التموضع التالي: مصلحةُ لبنان أن يكون حليفًا استراتيجيًّا للعالمِ الحرّ، لأنّنا جُزءٌ من قيمِه الديمقراطيّةِ والليبراليّة.

وبعد تداولٍ نحو ساعة، انتهينا من مناقشة الخِطاب، على أن أقومَ بالتصحيحِ اللازم، لنعودَ إلى قراءتِه مُشَكَّلًا مرّة أخيرة عند التاسعة مساءَ الثلثاء 14 أيلول. ورُحنا نَتبادل أحاديثَ متنوّعة.

سألني إذا كان يوم الخميس 16 أيلول مناسبًا ليزورَ إذاعةَ “لبنان الحر” كما زار مودِّعًا أغلبيّةَ مؤسّساتِ المقاومةِ اللبنانيّة، فأجبْتُه: “بكل سرور”. وأخْبرني أنّه سيزورً صباحَ الغد بيتَ كتائب الأشرفيّة ليلتقيَ الأهالي. سألته: “هل ستبقى تتردّدُ إلى اجتماعاتِك السابقة”؟ فأجابني على الفور: “اجتماع الأشرفية سيبقى”، ورفع قبضةَ يدِه إلى مستوى وجهِه، وقال بصوتٍ حازم وبالفرنسيّة: “سجعان، القاعدةُ، الأشرفية، كرمُ الزيتون، وجميعُ مواقع الصمودِ لا يجبُ أن نَنساها. يجب أنْ أظلَّ مُمسِكًا بالأرض”. وإذ لم أشَأْ مناقشَته لشدّةِ اقتناعِه بضرورةِ التواصل مع القاعدة الشعبيّة، نقلتُ إليه ما يُقال عنه بين الناس وفرحِهم به، خصوصًا في المِنطقةِ الغربيّةِ من بيروت. وقلت له أيضًا: “نَشَرَت لك الصِحافةُ صوراً كثيرة، ولم تَنشر صورةً لمايا” (طفلتِه الشهيدة).

فأجاب: “بلى ظَهرت لها ثلاثُ صورٍ في بعضِ الصحف، لكنهم حَسِبوها يمنى”. وسألني: “هل نُشِرَت لي صورةٌ أمارسُ رياضةَ الركض؟” أجَبته: “نعم، في الـــ “باري ماتش”. “ونُشِرت لك صورةٌ أخرى واقفاً إلى سريرِ “صولا” في أوّلِ لقطةٍ لك مع نديم، ابنِ الخمسةَ أشهرٍ، وكُتبَ تحتَها، “ظاهرةُ بشير الجميل”.

صَمَت لحظةً، ثم قال مبتسمًا بخجَلٍ، وبالفرنسيّة من جديد: “حقًّا إنّي ظاهرة بعدَ كلِّ ما قُمتُ به”. ثم انتقلنا إلى مواضيعَ أخرى. وقال مُشمَئزاً: “يا أخي، جماعةُ الإدارةِ هلكوني، ما هذا الأخطبوط؟ الإدارةُ اليوم فاقدةُ كلّ دمٍ وحيويّة. تَلزمُها معنويّات. جميعُ الّذين اجتمعتُ بهم استحالوا أبطالاً مُخلِصين ونزيهين ورَمَوا التُهَم على رؤسائِهم”.

عن تشكيلِ الحكومة، أخبرني أنّه لم يَستقِر قرارُه بعد على كلِّ الأسماء. سمّيت أمامَه بعضَ الأسماءِ التي يجري التداولُ بها، فأجاب: “ليسوا واردين على الإطلاق”. قلتُ له: “إنَّ استدعاءَك سليمان العلي لرئاسةِ الحكومةِ الأولى سيتركُ انزعاجًا”؟ وَدَدتُ أُكمِلُ فرفع يدَه في الهواء: “توقَّف. يكفي، لا تَضع الخِنجرَ في الجرح. لولا سليمان العلي، لما كان اكتملَ النصاب. ولو لم أعِدْه برئاسةِ الحكومة، ما كان جاءَ إلى جلسةِ الانتخابِ مع كتلتِه النيابيّة. لذا معه، أشكّل وزارةً موقّتة، أكون بها وَفِيتُ بوعدي، والوقتُ مفتوحٌ أمامي لأغيّرَ الحكومة. ستّةُ أشهرٍ أمرِّرُ بخلالِها ما يجب تمريرُه من تطهير ومراسيم ومشاريع واتفاقيّات، ثم نشكّل حكومةً فتيّة”.

“وكم تعتقدُ يُلزِمك من الوقت لتُبرمَ المعاهدةَ مع إسرائيل”؟ أجاب: “من أربعةِ أشهرٍ إلى خمسة. هم يريدونها الآن وفوراً. لكني لست مستعدًّا للقَبول بذلك. الأمرُ متعلقٌّ أيضًا بما يُمكن أن يَحصُلَ من تطوراتٍ في الأسابيع المقبِلة، وبالآليات الديمقراطيّةِ عندنا. السلامُ شيءٌ والخضوعُ لشروطِهم شيءٌ آخَر”.

ثم عاد إلى الشعب: “أريدُك أن تشدّدَ أكثر في الخطاب على مدى ما تَحمّلَ منا هذا الشعبُ الطيّب: كلُّ ما طلبناه منه، لبّى. وكذلك، أعطِ المقاومة (اللبنانية) بمفهومِها الوطنيِّ الجامع حقَّها في الخِطاب”.

أيْقنتُ كم هو يراهنُ على الشعب، وكم هو متأثِّرٌ بتضحياتِه. وعن الجيش اللبناني، أوضح لي: “لا أريده مسلمًا ولا مسيحيًّا، بل وطنيًّا، وأنا سأكون القائد الأعلى. سأُنشِئُ الحرسَ الوطنيَّ ليَستوعِبَ الميليشيات بعد تأهيلِها. لن تبقى قيادةُ الجيشِ كما هي اليوم، سأعزّزُ رئاسةَ الأركان وأخلُق جيشًا قويًّا، مقاوِمًا وقادرًا على التحرّكِ والتدخّلِ والدفاعِ عن سيادةِ لبنان. انتهينا من جيشِ الصالونات والتلفزيونات، ومن الجيشِ الذي يخشى التدخّلَ خشيةَ أن يَنقسِم”. وعن السفراءِ شَرح لي: “الرئيسُ سركيس وعَد أربعةَ أشخاصٍ من خارج الملاك، سأنفّذ له رَغبتَه، لكن ليس في سفاراتِ الدول الكبرى والهامّة. ستكون الديبلوماسيّةُ سلاحًا أساسيًّا في عهدي”.

كانت الساعة تجاوزت منتصف الليل: اجتماعُنا استغرقَ ثلاث ساعات. اليوم التالي، الثلثاء لم أكلّمه. لم تكن لي حاجة لذلك، إذ موعدُنا اللقاءُ مساءً في بيته.

بعد ظهر الثلثاء 14، نحو الرابعةِ والربع اتّصلوا بي من مكتبي في إذاعةِ لبنانَ الحر التي أسّستُها وأدَرْتُها بين سنتي 1978 و1985، يُبلغونني أن انفجارًا هائلًا في شارع ساسين ـــ الأشرفية. قلت فوراً: “راح بشير”. فأجابني مخاطِبي: “ما علاقةُ بشير بالأمر”؟. قلت له إنه هناك. غريبٌ حدْسي في تلك اللحظة.

وما هي دقائق، حتّى عاد الاتّصالُ الثاني: بلى الانفجار وَقعَ في بيت الكتائب/الأشرفية. هَرولتُ كالمجنون إلى الإذاعة. أخْبروني أنّه وقعَ قتلى وجَرحى، لكن بشير خَرج سالماً، وصرّح. هدأتُ قليلاً، على حدس قلِق. اتَّصل بي أيضًا مندوبُ الإذاعة في الأشرفيّه، شربل زوين، وقال لي فرِحًا: “بشير حيّ، خَرج وقال لنا كِيف الشباب”. توجّهتُ إلى المجلس الحربي. كانت موجةٌ من الفرح والانشراح بأن بشير أُنقِذ. وكانت الشَهاداتُ تنهال من الشباب، ووصل شابّان ساهما في إخراجِه من تحت الأنقاض: “خَرجَ بخَدْشٍ بسيطٍ في وجهِه”. تلاقت جميعُ الأخبارُ الوافدة: خرج وصرّح وغادر… لكن أين بشير؟ إنها الأوهامُ الجَماعيّة .Hallucinations collectives

تتالت الاحتمالات: حيٌّ ووَصَل الإسرائيليّون ونقلوه بطوّافةٍ عسكريّة لأنَّ طوّافةً حَوّمت فوق الأشرفية. حيّ وأخذَه الجيشُ اللبنانيُّ كانقلابٍ عسكريّ. حيٌّ في أحدِ المستشفيات. وسْطَ هذه التكهّنات المذهولة، وصل إلى المجلس الحربي القائمُ بأعمالِ السفارةِ الأميركيّة في بيروت، يَتفقّد آخِرَ ما لدينا من معلومات. هاتفياً، اتّصل بي الرئيس سركيس ومسؤولون آخرون، وكنت أطمئِنُهم…

نحو السابعة، رنّ هاتفُ مكتبِه. أجبتُ أنا. كان على الخطِّ الشيخ أمين. سألني تفاصيل جديدة. أجَبتُه: “أنا مطمئِنٌ مبدئيًّا. جميعُ الّذين نَثق بهم أكّدوا خروجَه سالماً”. فأجابني: “دُرتُ على جميع المستشفيات ولم أجدْه”. وأضاف: “وافني الآن إلى جسر الكرنتينا”.

وافيت الشيخ أمين إلى جسر الكرنتينا. رافقته في سيارته، كانت “صولانج” حدّه، وديب أنستاز، رئيس الشرطة، في المقعدِ الخلفي. كان الشيخ أمين مغتاظاً، وكذلك “صولا”: لماذا إخفاء الحقيقة عنهما؟ بدأ الشكّ يساورُنا بكلِّ الناس حتّى بالمرافقين. دُرنا المستشفياتِ جميعَها مرّةً أخرى فلم نَعثر عليه. ثم صِرنا ندورُ في السيارة ضائعين ثم عدنا إلى المجلس الحربي.

التاسعة والنصف ليلاً، ونحن في المجلس وسْطَ ذهولٍ مخيف، وصل الرئيس الشيخ بيار الجميّل. دقائق ودخلَ زاهي بستاني، مستشار بشير. كانت “صولا” جالسةً إلى مكتب بشير، تقدَّم منها وقبّلها، وأعطاها مِحبسَه. كانت هذه علامةً كافيةً لنَفهمَ كلّ شيء: مات بشير.

لم تَنهمِر الدُموعُ بل كان ذهولٌ كبير. ضَبطَ الجميعُ أنفاسَهم، وحَبَسوا دموعَهم، ثم وَصل الدكتور إيلي كرامي، نائب رئيس الحزب، فكريم بقرادوني، فأكّدا النبأ. بشير لم يَنجُ، الآن وجدوا جثّتَه. لم يَشأ الشيخ بيار أن يُصدّق. سأل بإيمان عميق: “متأكّدون؟ رأيتموه؟ وماذا عن الّذين قالوا إنه خَرج حيّاً”؟ بعدَها، وسَط صمتٍ صارخ، وَضع الشيخ بيار مِنكبَيه على ركبتَيه، وخبّأ رأسَه بين يديه. تقدّم منه شارل مالك ورَكع وانْحنى أماَمه فرفَعه الشيخ بيار.

لحظتَذاك انهالَت الدموع، خريراً صامتًا لا حشرجةً شاهقة، فالدمعةُ تمرَّدت على الخبر. لم تكن سَيّالةً لأنَّ الاقتناعَ بموتِه لم يكن نهائياً. بقي الشيخ بيار لحظاتٍ في انخطافِه هذا، دون كلمة. وبعد نحو عشرِ دقائق، توجّه الجميع إلى بكفيا، فبقينا فادي افرام، فؤاد أبو ناضر، زاهي بستاني، كريم بقرادوني، جوزيف أبو خليل، طوني بريدي، إيلي حبيقة وأنا، وعَقدنا اجتماعًا مع الشيخ أمين في قاعةِ الاجتماعات، وقَرّرنا إكمالَ المشوار. تَعهّد الشيخ أمين بإكمالِ المسيرة وباحتضانِ رفاق بشير… وتَفرّقْنا إلى اليوم التالي. أنا ذهبتُ إلى إذاعة لبنان الحر في أدونيس حيث كان فريق العمل يَنتظر عودتي. أبْلغتهم الفاجعةَ وأخّرتُ إعلانَ النبأِ حتى منتصفِ الليل بغيةَ إعطاءِ المجالِ للقوى العسكريّةِ لاتّخاذِ الإجراءاتِ على الأرض.

هائلاً كان ذاك النهار. المهنّئون قبل أيام، جاؤوا أنفسهم يعزّون. والذين لم يُصدّقوا انتخابَه، هم أنفسُهم لم يُصدّقوا موتَه، والّذين لم يًشاركوا في انتخابه، شاركوا في مأتمه. والّذين لم يُعطَ لهم فرحُ تأييدِه، أُعطي لهم حزنُ وداعِه. ويبقى أنّ “بشير حيٌّ فينا”، كان الشعارُ الذي صُغتُه مطلَعَ أوّلِ لقاءٍ في المجلسِ الحربيِّ بعد استشهاد بشير، وصار أكثرَ الشعاراتِ تَردادًا.

نص خطاب القسم الذي القاه الرئيس المنتخب بشير الجميل اثر انتخابه في 23 آب 1982: نص خطاب قسم الرئيس بشير الجميل : هذه هي اللحظة التاريخية لبناء دولة الأمة
من أرشيف جريدة النهار/20 تشرين الأول/2017
دولة الرئيس،
حضرة النواب،
أديت مضمون القسم وها أنا أتلو نصه.
أديت مضمونه طوال ثماني سنوات المقاومة، وأتلو نصه في بدء ست سنوات الحكم.
لا أقسم اليمين الدستورية أمامكم لتكونوا شهودا فحسب، بل شركاء إنتخبتموني، ساعدوني.
وإذا قضى النظام الديموقراطي البرلماني بأن يؤدي القسم عبر مجلس النواب، من دون سواه، فلكي يلزمه قبل سواه مساعدة رئيس الدولة في إشتراع وإقرار كل ما يؤول إلى تنفيذ القسم القاضي بإحترام دستور الأمة اللبنانية وقوانينها، وحفظ إستقلال الوطن وسلامة أراضيه.
لكن، لا الدستور مصان، ولا القوانين مطبقة، لا الإستقلال كامل ولا الأرض محررة، لا الوطن سيد ولا الأمة موحدة، إن قسمي هو على روح غائب.
لذلك أحتاج الى إستعادة هذه المقدسات، وإعادة الإعتبار إليها، لا إلى إحترامها فقط والمحافظة عليها.
وأن تنعقد جلسة القسم اليوم، في هذا المبنى بالذات، في هذه المنطقة بالذات، فطلب مني يجسد تصميمي على تحرير كل المؤسسات الدستورية وإعادة النبض إلى قلب عاصمة لبنان.
قد قبلت المهمة، بل أكملها.
الرئاسة قيادة لا حراسة.
الحراسة يقظة جامدة، القيادة يقظة متحركة.
سأتحمل كل مسؤولياتي بعزم، سأمارس كل صلاحياتي بحزم، سأواجه كل قضية بحسم.
لا تأجيل لإستحقاق، ولا تمييع لموقف، إن التأجيل خوف والتمييع ضعف، بينما نحن أمة شجاعة وقوية.
إن المرحلة المقبلة محفوفة بإستحقاقات، تستوجب إتخاذ القرارات الصريحة والسريعة، وعواقب التردد تفوق مخاطر الإقدام، وإني لمقدم.
ما من عهد وجد نفسه أمام خيارات مصيرية كالعهد الآتي.
كل شيء ينتظر منا موقفا. ذاتنا وعلاقاتنا، محيطنا ومدانا، مفاهيمنا ومماراستنا، دولتنا ومجتمعنا، سياستنا وإقتصادنا، ثقافتنا وحضارتنا.
وكل موقف يراوح بين التطوير والتغيير، النقض والتكملة، لكنه سيتم بهدوء. وتدرج عبر الشرعية التي تمكن الرئيس الياس سركيس من المحافظة عليها رغم الصعوبات الجمة.
والشرعية حضور في الشعب، لا وجود في الدولة.
الوجود فعل، الحضور تفاعل.
الوجود هيئة، الحضور هيبة.
الوجود جدلي، الحضور دينامكي.
والشرعية تنمو بمقدار ما تقوم بدورها، وهي تخبو بمقدار ما تتنازل عن هذا الدور، وتقوم الشرعية بتأدية دورها حين تستخدم وسائلها وأجهزتها من دون إستثناء ولا إستئذان من أجل توفير الأمن والحرية لشعبها من دون تمييز.
اذ ما الفائدة من وجود الدساتير والأنظمة والجيوش والإدارات إذا لم يتمكن الحاكم من الإستعانة بها، لإنقاذ المجتمع والأمة.
وإني بها لمستعين.
إن أولى مهمات الحكم الجديد هي إخلاء سبيل كل مؤسسات الدولة، وسيكون الجيش اللبناني في طليعة المؤسسات العائدة إلى العمل بعد إنقطاع قسريّ، سيعود شجاعا مؤمنا بالقضية مرتفع المعنويات، وطني الأهداف، شعبي الإنتماء، ميداني التنشئة، عملاني القيادة.
فلا تحفظ بعد اليوم عن أي جهاز ولا رفض لأي إدارة. إن الدولة وحدة لا تتجزأ، تقبل بكليتها أو ترفض بكليتها. ولا يحق أساسا لأية فئة أن تعارض الشرعية في ممارسة حقوقها، بل واجباتها للدفاع عن شعبها. فالمعارضة تقف عند سياسة الدولة ولا تطاول مؤسساتها.
معارضة سياسة الدولة ربما هي ضرورة برلمانية.
معارضة مؤسسات الدولة هي حتما ضرر وطني.
إن مثل هذه السلطة تحقق الوفاق. الوفاق حكم لا لقاء، إرادة وطنية لا إجماع وطني.
الإرادة الوطنية ممارسة ديموقراطية.
الإجماع الوطني تسوية ديموقراطية.
الوفاق قناعات موحدة تجاه الوطن، لا تنازلات متبادلة بين فئات الوطن.
التنازل افتئات من حق، وهذا يترك إنزعاجا.
الإقتناع صدى الحق، وهذا يترك إرتياحا.
الوفاق أكثرية موالية وأقلية معارضة، والمعارضة جزء من الوفاق مثلما الموالاة. وإني أعتبر الوفاق تحقق من خلال جلسة إنتخابي رئيسا للجمهورية، بمن حضرها ومن غاب عنها ومن خلال تأدية القسم في مجلس النواب بمن إنتخبني وبمن لم ينتخبني.
مثل هذا الوفاق يسمح للدولة بإشعال محركات العمل، فتبدأ تصحيح صورة لبنان في الداخل والخارج. إن صورتنا مشوهة في ذهن العالم، هي صورة لا تشبهنا، ركبها الغرباء ووزعوها، فعرف العالم جنوبنا من خلال الوجود الفلسطيني، وغرب بيروت من خلال التنظيمات المسلحة، وشمالنا وبقاعنا من خلال الوجود السوري. أما اليوم فالدولة قادرة على إزالة هذه الصورة المزورة، وتظهير صورة لبنان الصحيحة، لأن مقاومة الشعب اللبناني بكل فئاته، حررت الدولة من التبعية مثلما حررتها معركة الإستقلال من الإنتداب.
سنتابع طريق السيادة والإستقلال عبر الشرعية ونكون دولة الأمة لا دولة الإدارة.
دولة الأمة، مؤسسة الطموحات والأحلام التاريخية.
دولة الإدارة، مؤسسة التوظيف والملاكات الرسمية.
وكان لبنان على مر الأجيال هاتين الدولتين معا، فإذا الأولى إفتقرت إلى شرعية السلطة وإذا الثانية إفتقدت قضية الشعب.
وكانت الأولى دولة المجموعات الحضارية النازعة إلى الإستقلال، فيما الثانية كانت دولة الطبقات السياسية الطامسة للحقيقة القومية.
وهذه هي المرة الأولى تتسلم فيها الأمة الدولة وحين الأمة تتسلم الدولة توطد مبدأ التعايش بين كل اللبنانيين، وتسقط شوائب الصيغة، وتحيي الثقة بالميثاق الوطني، فتشعر كل المجموعات الحضارية اللبنانية بأنها مشاركة في الحكم ومسؤولة عن تقرير مصير الوطن، فليس لبنان وطنا مسيحيا، إنه وطن المسيحيين والمسلمين اللبنانيين.
حين الأمة تعتلي الدولة، تعود الكرامة الوطنية إلى نصابها، لا خوف ولا قلق، لا غبن وحرمان، لا وصاية وانتداب، لا تبعية واحتلال، لا ضغط وإكراه.
وتنتهي مرحلة الإستضعاف.
لا تدخل في شؤون لبنان الداخلية، لا تسلل عبر الحدود، لا خرق للأجواء والمياه الإقليمية، لا إتفاقات تحت وطأة السلاح، لا تعهدات في ظل الإحتلال، لا غريب يخرج على القانون، لا طارئ يستوطن البلاد، لا دبلوماسي هنا يتعاطى مع غير حكومة لبنان، لا دبلوماسي لبناني هناك ينفذ سياسة غير لبنانية. لا فروع لأحزاب مستوردة، لا حرب عصابات بين أجهزة المخابرات، ولا أمن مستعارا.
إن كل القوات الغريبة الموجودة داخل الأراضي اللبنانية مدعوة الى الإنسحاب ليتولى الجيش اللبناني بمعاونة أجهزة الأمن اللبنانية بسط سلطة الدولة وتوفير الأمن على طول حدود الوطن بحيث تكون حدودنا مصدر طمأنينة وسياج سلام لجيراننا ومظهر سيادة لإستقلالنا.
حان الأوان، لتنقية وجودنا وممارسة حق تقرير المصير.
إن جوهر القضية اللبنانية هو حرية شعب لا وحدة أرض.
الأرض الموحدة لا تحرر شعبا محتلا، بينما الشعب الحر يوحد أرضا مقسمة. وسنوحد لبنان ليكون وطن الحريات.
إن وجودنا الحر عنصر إسقرار لسياسات كل دول الشرق الاوسط، ووجودنا الآمن عنصر إستقرار لأنظمتها، ووجودنا الموحد هو عنصر إسقرار لكياناتها. وبقدر ما نحرص على حرية الآخرين وأمنهم ووحدتهم، حريّ بالآخرين أن يحرصوا على أمننا وحريتنا ووحدتنا، ويتفهموا دقة موقفنا. فلا يستطيع لبنان أن يعاكس حركة السلام في المنطقة، لأنها تعكس جوهر وجوده وتفوق قدرته على مواجهتها. كما لا يستطيع لبنان أن يعاكس حركة التغيير في المنطقة لأنها تنسجم مع أحلامه وتعطيه حقه في حصر إرث هذا الشرق.
والحرب أساسا كانت على لبنان، نتيجة سيره المعاكس في حركة السلام والتغيير في المنطقة. وحاول العالم أن يحملنا مسؤولية هذه المخالفة ويدفعنا ثمنها من صيغتنا ووحدتنا، من أمننا وحريتنا، على أننا لسنا مستعدين بعد اليوم لإكمال المخالفة.
يكفي لبنان خراب ودمار، شهداء ومعاقون، يكفيه أرامل وأيتام، مشردون ومهجرون، نريد لأولادنا غدا أفضل.
أجل، إن حرب لبنان إنعكاس لمعركة حصر الإرث بين الديانات الثلاث، الموزعة على دول المنطقة وشعوبها. بعض هذه الدول والشعوب حاولت أن تشدنا صوبها، كل واحدة تطلب أن نشهد لها، ولما رفضنا ادعت علينا، ووضعتنا في قفص الإتهام واقترعت على أرضنا، وشتت شعبنا وحكمت علينا بالموت، فأصبنا ولم نمت، قمنا نشهد للبنان، ونشهد عليهم ونشهد دولا تعيد الشرق إلى عهد الخلفاء، ودولا أخرى تعيده إلى عهد الأنبياء.
إن لبنان متمسك بإنتمائه المشرقي وبروابطه العربية، وبقدر ما سننمي إنتماءنا المشرقي لنستأنف دورنا الحضاري، سنعزز روابطنا العربية.
إن إختلالا يعتري اليوم العلاقات اللبنانية العربية بسبب تعاطي أنظمة عربية في شؤون لبنان، وإعادة التوازن إلى هذه العلاقات تقضي بأن تميز الدول العربية علاقاتها مع لبنان لا تطلب منه فقط تمييز علاقته معها، بأن تصبح العلاقات الدبلوماسية الطبيعية هي القناة المميزة للإتصالات مع كل جامعة الدول العربية التي نحن فيها أعضاء مؤسسون، وبأن تساهم كل الدول العربية في سلام لبنان، بعدما ساهم بعضها في حربه.
ومثلما نعرف العرب الذين ساهموا مع الأعداء في الحرب، وإننا غافرون لهم، نعرف العرب الذين ساهموا مع الأصدقاء في حل أزمتنا، وإننا ممتنون لهم.
ولكن لا يعقل أن نساوي في علاقاتنا الخارجية بين الذين إشتركوا في الحرب علينا، والذين أسهموا في إنقاذنا. بين الذين يدعمون الإحتلالات والذين يخرجونها. سنختار أصدقاءنا وحلفاءنا، نعامل كما نعامل، ولن تتحكم في علاقاتنا الخارجية أي عقدة، وإن مكاننا الطبيعي هو في العالم الحر، ومعه سنكون شركاءه في العالم عوض أن نكون ضحاياه في المنطقة.
دولة الرئيس،
حضرة النواب،
في الوقت التي تتم عملية التسليم والتسلم على مستوى الدولة بين عهد وعهد، يجب أن تتم عملية تسليم وتسلم على مستوى المجتمع بين ذهنية وذهنية، بحيث نحدد مفهوم المجتمع الجديد ودوره، مثلما حددنا مفهوم الدولة الجديدة ودورها.
يجب أن يبقى مجتمعنا اللبناني أصيلا، حرا، منفتحا، ومتعددا.
أصالته التراثية لا تعوق إنطلاقته الكونية.
إنفتاحه الشمولي لا يطغى على جوهره الذاتي.
حريته المتنوعة لا تسيء إلى حرمة نظامه.
تعدديته الحضارية لا ثؤثر على وحدته السياسية والكيانية.
فلا أولوية في الولاء، ولا شركة في الولاء، ولا ولاء إلا للبنان.
يجب أن يكون مجتمعنا اللبناني طموحا يجسّد التراث، يواكب التقدم، يحتاط للمستقبل، يغرف من المعرفة، يتمسك بالقيم، يتعظ بالأحداث، ينظر إلى البعيد سياسيا وأمنيا وإلى فوق روحيا ومثاليا. بارتقائه يسمو على المصالح العسكرية والإقتصادية إلى الأهداف الإنسانية الكبرى كالإزدهار والإستقرار والسعادة، ويجعل ثقافته إستطلاعا للآتي لا مجرد إطلاع على الماضي.
يجب أن يكون مجتمعنا اللبناني وجدانيا، يتمتع بحياء، يقلص الحسد، يقرّب بين الطبقات، يتفادى الثورات، يتبع نمط عيش ولا ورم فيه ولا تضخم، لا زيف فيه ولا تصنّع، لا ترف فيه ولا دلع، يتحسس آلام الغير، يتذكر المحن، يصلي للشهداء، يهتم لمصابي الحرب، يعاني قضايا المصير، يتقبل التضحيات، يؤمن للمرأة دورها، يتذوق الفنون، يحافظ على الطبيعة ويحب القرية لأن كيان الوطن من كيان القرية.
يجب أن يكون مجتمعنا اللبناني موحدا لمفاهيم أفكاره ومعنى كلماته، فتعني السيادة سيادة، والأمن أمنا، والحرية حرية، والإستقلال إستقلالا، وكل كلمة تعني المعنى نفسه عند كل مواطن.
لكن هذا المجتمع المثالي يحتاج إلى مواثيق ترعاه، وتوفر له أسباب الحياة الحرة الكريمة، وأول المواثيق الضرورية ميثاق إقتصادي إجتماعي يستند إلى الحرية والتخطيط كقاعدة، وإلى الإنتاج وتكافؤ الفرص كنهج، وإلى المشاركة كأسلوب، ويفرض العدالة الإجتماعية والرفاهية لأن الحياة تستأهل أن نتنعم بها مثلما الوطن يستحق أن نضحي من أجله، بل ما كان الوطن يستلزم تضحيات هائلة لو نحن مارسنا حياة هادئة ومنظمة.
من هنا إن تطبيق مبادئ الميثاق الإقتصادي الإجتماعي، يجب أن يؤدي إلى إزالة الإحتكار والإمتيازات، الإستئثار والتجاوزات، وأن يشمل الإنماء والإستثمار كل أراضي الوطن بحسب ثرواتها ومواردها وخصائصها. فلا ينمو قطاع على حساب آخر، ولا تأكل منطقة أخرى ولا تتطفل منطقة على أخرى، هكذا تخدم الدولة المواطن، وهكذا يرتبط المواطن بالأرض وتبقى الأوطان.
وفي هذا السياق، أدعو اللبنانيين المغتربين إلى العودة، إذ لا يجوز أن يفوق عدد المغتربين عدد المقيمين، ولا يجوز أن يزاحم عدد الغرباء عدد المواطنين، ولا يجوز أن يؤثر الغرباء على مصير الوطن، ويمنع عن المغتربين المشاركة في مصيره. كما أدعو الخبرات اللبنانية العاملة في الخارج إلى العودة تدريجا لتكون سلاحا في يد لبنان لا سلاحا في يد الغير ضده، وإذ أوجه هاتين الدعوتين فلأن لبنان كوطن وأمة يحتاج إلى أبنائه المغتربين لإزالة الإلتباس عن هويته، ولبنان كدولة وإدارة يحتاج إلى خبراته المهاجرة لملء مؤسسساته وإعمار مجتمعه.
ثمة مكان لكل مواطن في لبنان ولا مكان إلا لهم.
على أن دعوة المغتربين والهاجرين لا تنسيني دعوة المقيمين.
إني أتوجه إليكم، أنتم الذين بقيتم هنا تحافظون على الأرض، فلم يبذل شعب لأمة مثلما بذلتم للبنان، ولم يتحمل شعب من دولة مثلما تحملتم من دولة لبنان، ولم يقاوم شعب إحتلالا مثلما قاومتم محتلي لبنان. فإذا بالوطن بعد تضحياتكم وشهدائكم يصبح أرض أطفالنا وأحفادنا لا أرض آبائنا وأجدادنا فحسب.
أيها اللبنانيون،
أيا كنتم وأنى كنتم، أدعوكم إلى تحسس مدى المسؤولية التاريخية، إلى وضع حد نهائي للإنقسام والتعصب وسوء الظن والفهم، إلى وقف المماراسات البالية والإتهامات الباطلة، إلى إزالة الأحقاد وتصفية القلوب، إلى رفع الحواجز وتكثيف التلاقي لنبدأ فورا مسيرة الإنقاذ وورشة الإعمار والنهضة الكبيرة.
أدعوكم، مواطنين ومسؤولين إلى الإلتفاف حول الشرعية.
أدعوكم إلى بناء دولة الأمة.
أدعوكم إلى وقفة واقعية تعي المتغيرات فتقتنعوا بها وتتكيفوا معها. إن تطورات جذرية طرأت على الوضع في لبنان والمنطقة مع مر الأيام والأشهر والسنوات، فلنكن على مستواها ولنلطقتها بتوثب وتصميم ولا نضيعها بأعمال صغيرة.
لدخول الحرب ألف مدخل وألف زمن، ولكن ليس سوى مدخل واحد وزمن واحد لدخول السلام. إنه الآن.
هذه هي اللحظة التاريخية لبناء دولة الأمة، التي طالما حلمنا بها وهيأنا لها الطريق بالعزم والدم، بالتضحيات والشهداء.
إنها لحظة تحمل في ذراتها روح كل شهيد مات في لحظة ما من أجل هذه اللحظة. وسأكون أمينا لكل شهداء لبنان لأنهم كلهم ماتوا من أجل لبنان ولأن من لا يكون أمينا لمن ذهب، لن يكون أمينا لمن بقي.
إن دولة الأمة تطل على العالم، تولد مع ولادات أخرى في هذا الشرق.
كل شعوب المنطقة أخذت نصيبها، أو هي في طور أن تأخذه ولا أحد أحق منا كلبنانيين في أن يكون له دولة حرة في هذا الشرق.
من دوننا لن يبقى الشرق شرقا كما يقول بيار الجميل، من دوننا تنقص شعوبه، يفرغ من أهل النهضة ويفقد خط إتصاله مع الله.
دولة الرئيس،
حضرة النواب،
إن ولادة الأمم أصعب من هدمها كما إن تضحيات السلام أصعب من تضحيات الحرب. الأولى عزّ، الثانية عزيزة.
فليكن سلام وطننا على حجم وعينا وجديتنا وقوتنا كما جاءت الحرب على حجم إتكاليتنا وإهمالنا وضعفنا.
إن الوطن مشروع ناقص دائما، يتطلب إكماله بصورة متواصلة، وهو إستحقاق لا إنتماء فحسب. ليس الوطن ولادة بل معمودية.
الولادة تجعلك إنسانا، المعمودية تجعلك مواطنا.
الولادة تجعلك مساهما في الأرض، المعمودية تجعلك مساهما في الوطن.
الوطن لا يتوزع علينا، بل نحن ننتشر فيه.
ليس الوطن إرثا إنه تراث. لسلام هذا الوطن، أرهن نفسي واقف له كل إمكاناتي وأوظف فيه كل قدراتي.
إن بلادي مرشحة لدور خاص ورائد في الشرق.
هوذا قدرنا منذ وجدنا.
وإن ميثاقها الحقيقي هو بين العظمة والتواضع، بين الإنتصار والنجاح، بين الحكمة والقوة، بين الشهادة والحياة.

Videos from the Archieve
Video/The election of president Bachir Gemayel — 08/23/1982/Lebanese celbrating
https://www.youtube.com/watch?v=BZjOLKSvHQY

Analysis of Bashir Gemayel’s Speech:
The voice of a commander and statesman: Bashir Gemayel (Arab Media Society)

The voice of a commander and statesman: Bashir Gemayel

The voice of a commander and statesman: Bashir Gemayel (Arab Media Society)