الهلوسة الصفوية، من ثمالة الإنتصارات الإلهية حتى سكرة الموت السريرية
د. رندا ماروني 29 كانون الأول/2024
هذه الكلمات قد لا تكون مجرد ذلة لسان، بل قد تكون تعبيرا عن إستراتيجيه إيرانيه تتجاوز الدعم التقليدي للنظام السوري اذ يوضح رضائي عزم إيران لتوسيع تدخلها في سوريا عبر تكثيف نشاطاتها العسكريه والاستخباراتيه مما يعكس استراتيجيتها المستمره لتعزيز نفوذها في المنطقه. ما يثير القلق هنا هو ان إحياء المقاومه قد يشير الى تجنيد مجموعات جديده وتنظيم تحالفات من شأنها ان تعمق الإنقسام داخل سوريا وتفاقم الاوضاع الأمنيه، فإحياء المقاومه كما يصفه رضائي تشير الى ان إيران تخطط لتشكيل تحالفات جديده في سوريا قد تتضمن مجموعات مسلحه جديده مما يعمق الفوضى ويعزز من موقفها في مواجهة القوى المعادية.
هذا الإعلان يأتي في وقت حساس بعد هروب بشار الاسد ويعكس إستراتيجيه طهران الراميه الى ضمان عودته الى السلطه مع تعزيز هيمنتها على الوضع العسكري والسياسي في البلاد. ومن خلال هذه التصريحات تبدو إيران مصممه على التأثير في مجريات الأحداث في سوريا بما يتماشى مع مصالحها الإقليميه رغم الضغوط الدوليه والمحلية، فبعد تلك التصريحات حول إعاده بشار الأسد الى السلطه في سوريا وإعاده الحكم في سوريا من جديد إلى ما كان عليه، يتسأل المرء حول موضوعية وصوابية الأهداف في ظل المتغيرات الدولية والمستجدات الإقليمية، وليلتمس هلوسات خارجة عن معطيات التحليل السياسي، فعودة الأسد تعتبر مهمه شديدة الصعوبه خصوصا في ظل الواقع المعقد التي تمر به البلاد، فرغم الدعم الإيراني المستمر للنظام السوري طوال سنوات الحرب، فإن الشعب السوري المؤيد له نفسه أصبح عائقا رئيسيا أمام أي محاوله لإعادة تثبيت النظام السابق مجددا في السلطه.
لقد تحمل السوريون أعباء الحرب والدمار لسنوات طويله ورأوا في الاسد جزءا من الأزمه التي دمرت بلادهم مما جعل مشاعر الإستياء والمعارضه للنظام تكبر وتتزايد بشكل كبير، ومن جهه أخرى إيران التي تعتبر سوريا جزءا من مشروعها الاستراتيجي في المنطقة، تواصل على نشر الفوضى في مناطق مختلفه عبر ميليشياتها واذرعها المسلحة وتقديم الدعم لهم، ومع ذلك يواجه هذا الدعم مقاومه متزايده من فئات واسعه من الشعب السوري الذي يناضل ضد هيمنه إيران في الداخل السوري كما ان معركه الإستقرار السياسي في سوريا اصبحت اكثر تعقيدا حيث أن تداخل المصالح الدوليه والإقليميه يجعل أية محاوله لإعاده الأسد تتطلب تجاوز تحديات ضخمه.
علاوه على ذلك فان دعم إيران للأسد لا يعني بالضروره الى ان سوريا ستعود لحالة من الإستقرار او الحكم القوي تحت قياده بشار الأسد، الوضع السوري الحالي يعكس توازنا هشا بين مختلف القوى المحليه والإقليمية مما يزيد من تعقيد اي مسعى لإعاده الوضع الى ما كان عليه قبل الحرب، كما ان استمرار الاحتجاجات والمقاومه الداخليه بالاضافه الى التدخلات الاجنبيه يصعب تحقيق هذا الهدف ويجعله مدرجا على قائمة الهلوسات الإيرانية وسعيها المستميت في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
هذا بالنسبة لأهدافها في سوريا، أما في ما خص أهدافها فيما يتعلق بحزب الله في لبنان، فإيران مصممة للإبقاء على صيغة شعب جيش مقاومة، وهذا التوجه الإيراني نسمعه تكرارا ومع كل إطلالة على لسان أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، الناطق بإسم السياسات الإيرانية في لبنان.
هذا وتستميت اليوم طهران للحفاظ على ما تبقى من سلاحه، علها تسترجع كامل هيمنتها من خلال تقويته وإنعاشه لاحقا، وللهلوسة الصفوية تصور خاص في أن لوجود حزب الله ضرورة أميركية، وللإبقاء على سلاحه أيضا ضرورة أميركية، فالسيناريو القادم على المنطقة ومن خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد، لبنان قادم على مرحلة من الإزدهار إذا إلتزم بالتماهي مع السياسة الأميركية والتماهي بتحقيق مصالحها.
فبعد إستخراج النفط وتوقيع الإتفاقيات الثنائية والمعاهدات الإقتصادية بين أميركا ولبنان في المرحلة المقبلة، ولحماية هذه الإتفاقيات من الإعتداء ومن التوسع الإسرائيلي، يبرز دور حزب الله المدافع عن المصالح اللبنانية كحامي للإتفاقيات الشرعية الاقتصادية بين لبنان واميركا في وجه اللاشرعية التوسعية والمطامع الإسرائيلية، يعني صياغة سيناريوهات جديدة لتبرير الإستمرار في حمل السلاح، والإبقاء على الدور الإيراني داخل الحدود اللبنانية، إنما هذه المرة بوظيفة جديدة مواكبة للعصر الجديد القادم.
بكل الأحوال هذا سيناريو لا يخطر على بال، إلا لراسمي تصورات السياسات الإيرانية التوسعية، ولمعيدي صياغة وظائفها وأهدافها وواضعي ضروراتها ومبرراتها، ولتظهر النقلة فيما لا يقبل الشك، تفاقم الهلوسات الصفوية، وتدرجها منذ ثمالة الإنتصارات الإلهية حتى هلوسة سكرة ما قبل الموت السريرية.