الكولونيل شربل بركات/الضربة الاسرائيلية الثانية لإيران ومفاعيلها

140

الضربة الاسرائيلية الثانية لإيران ومفاعيلها
الكولونيل شربل بركات/27 تشرين الأول/2024

قامت إيران في الرابع عشر من نيسان الماضي بتوجيه حوالي 300 بين صواريخ ومسيرات نحو اسرائيل في عملية غير مسبوقة، ردا على قصف اسرائيل لمبنى القنصلية الإيرانية في دمشق والذي أدى إلى مقتل قادة في الحرس الثوري. وكانت القيادة الإيرانية قد توعّدت بالرد المباشر على هذا الاعتداء الاسرائيلي وتلقين “العدو الصهيوني” درسا لن ينساه. وقد تصدت لهذه الصواريخ والمسيرات مجموعة من وسائل دفاع اسرائيلية وأميركية وفرنسية وبريطانية وحتى أردنية يومها، واقتصرت نتائجها على بعض الأضرار المادية واصابة فلسطيني في أريحا. ولم تعلن اسرائيل عن نيتها الرد، بالرغم من تدمير بطارية صواريخ مضادة للطائرات بالقرب من أصفهان حيث يقع أحد المراكز النووية.

ولكن اغتيال اسماعيل هنية في قلب طهران، وداخل أحد مراكز حماية واستقبال الشخصيات الكبيرة، ولو لم تعلن اسرائيل عن مسؤوليتها عنها، أدى إلى تطور عملية التحدي والتهديد لتقوم إيران في بداية الشهر الحالي بقصف صاروخي لأكثر من 100 صاروخ وصلت إلى الأراضي الأسرائيلية وأدت إلى بعض الاصابات والأضرار، ما جعل الحكومة الاسرائيلية تعلن عن نيتها الرد على طهران بطريقة موجعة.

ولكن الادارة الأميركية، التي يهمها خفض التوتر سيما في فترة الانتخابات الرئاسية، ضغطت على اسرائيل لمنعها من استهداف أي من المنشآت النووية أو النفطية الإيرانية، والتي قد تجر إلى حرب معلنة كبيرة تشمل الشرق الأوسط برمته. من هنا كان الرد الاسرائيلي اليوم مدروسا ومحدودا، بحسب وزير الدفاع الاسرائيلي. ولكن هل يعتبر ردا على مستوى التحديات الحالية؟ وهل إن إيران، التي لم يشعر سكان مدنها بالقصف ولم يضطروا حتى على النزول إلى الملاجئ، كما حدث في اسرائيل، ستفهم الرسالة وسترتدع عن القيام بعمليات الرد المضاد؟ وماذا ربحت اسرائيل من القيام بهذه العملية المقرر لها أن “توجع”؟

في تفاصيل العملية الجوية أعلنت اسرائيل عن اشتراك حوالي مئة طائرة مختلفة الأنواع في هذه “العملية المعقدة” والتي كانت تهدف للوصول إلى العاصمة طهران، وهي تبعد حوالي 2000 كيلومترعن اسرائيل، حيث ستضطر إلى العبور فوق عدد من البلدان المعادية، والتي تسيطر فيها ميليشيات تعتبر أذرع للحرس الثوري الإيراني، وستضطر الطائرات للتزود بالوقود في الجو أثناء المهمة، ما يعتبر بحد ذاته عملية دقيقة. فهل إن القيام بهذا “التمرين” لاشراك كل هذا العدد من الطائرات في عملية كهذه يعتبر نجاحا بحد ذاته؟ أم أن الأهداف التي قصفت كانت تستحق هذا العناء؟

لن ننتظر ما ستكشفه طهران عن المواقع التي تعرضت للقصف ولكننا سنحاول فهم قيمة الأهداف بحسب ما سرّب حتى الآن من معلومات. فقد كان الخطاب الاسرائيلي موجزا ومختصرا يهدف، ربما، إلى عدم احراج الجانب الإيراني ودفعه إلى التزام الرد. وبالفعل فقد صدر عن إيران عدم نيتها الرد على هذه العملية. ولكن ما نقلته بعض وسائل الاعلام يكشف جوانب من الأهداف التي قصفت في إيران، وهي بالفعل تبدو موجعة؛ كما هو الحال في قصف مصنع الوقود الصلب للصواريخ، والذي سيؤخر انتاج الصواريخ البالستية حوالي سنة وهذا بحد ذاته انجازا مهما. وماذا عن قواعد الصواريخ المضادة للطائرات؟ فقد رأينا في الفيديوهات التي نشرت في طهران استعمال المضادات الأرضية لصد الطائرات وكأن مواقع الصواريخ أس 300 الروسية قد شلت أوخرجت عن الخدمة، وهذا ما يفسر كلام وزير الدفاع الاسرائيلي بأن الأجواء اصبحت أسهل للقيام بعملية مستقبلا. فهل بالفعل قضي على قواعد الصواريخ المضادة للطائرات كما حصل سابقا في اصفهان واليوم في طهران وغيرها؟ وهل لم يعد للإيرانيين سوى المدافع المضادة للطائرات التي كانت تستعمل أثناء الحرب العالمية الثانية لحماية أجوائهم؟ وماذا عن مصانع المسيرات والتي قيل بأن أحدها قد دمر فهل هو مصنع اساسي لقطع مهمة تستعمل في صناعة المسيرات والتي كانت تفتخر فيها طهران؟ وماذا ستكون النتيجة؟ هل سيتوقف العمل بانتاج المسيرات كذلك مدة من الزمن أو ماذا؟

لقد أعلنت طهران عن سقوط بعض الجنود أثناء العملية فهل ما نشر صحيح، أو أن أعداد المفقودين ستتكشف مع الوقت؟ وهل أن مواقع للحرس الثوري أو قياداته أصيبت أو دمرت خلال العملية؟

لقد التزم الاسرائيليون بنصائح الادارة الأميركية صحيح، وهم لم يستهدفوا مواقع نووية ولا منشآت نفطية. ولكن إذا ما عاود الإيرانيون اللعب بالنار هل سيكون من الصعب اعادة الكرة واستهداف أي من المواقع الإيرانية، بعد أن تمت المناورة الأولى بنجاح، وانكشفت الأجواء الإيرانية بشكل كامل، وأصبح أي هدف سهل الوصول إليه؟

وماذا سيدفع نظام الملالي مقابل عدم اسقاطه في القريب العاجل؟ هل سيسلم حزب الله في لبنان وينهي وجوده بسحب ضباط الحرس الثوري من الساحة وتركه بدون أوامر وبدون سلاح؟ أم أنه سيسلم الحوثيين وتنتهي مشاكلهم فيخرجون من المواجهة بدون قتال؟ أم سينسحب من سوريا ويترك الأسد بين ايدي روسيا لتفاوض عليه؟ أم أنه سيجرب الصمود فيلقى نتيجة عناده بأن تطلق على راسه رصاصة الرحمة، فينتهي على أيدي الفرس الحقيقيين أبناء إيران، الذين عانوا من حكمه طيلة ما يقرب النصف قرن من الظلم والجور؟ وهل سيتوقف القتال في الشرق الأوسط، وينقلب الدعاء على اسرائيل “الغاصبة” إلى صلوات ليطيل الله عمر نتانياهو “محرر الشعوب” من حكم الملالي الذي كان أعادهم إلى فترات الحقد الغابرة؟

المستقبل أمامنا والعملية لم تكن سهلة والتعليقات عليها لا تزال في طور التكهنات. ولكننا قد نرى قبل غيرنا، كما فعلنا سابقا، بعين لا يغشاها غرور ولا يؤثر عليها أحاسيس تشوشها النظريات البالية، والتي تحكّمت بعقول الكثيرين، وأخرت الشرق الأوسط عقودا طويلة، ومنعت شعوبه من التعاون على الخير والخلق والابداع لتمنع التأخر والحقد من السيطرة وزيادة المآسي. فأهلا بالاعمار والاستقرار الآتي مع السلم والانفتاح، وليذهب الظلم والرجعية والتمسك بالحقد سلاحا إلى غير رجعة. ولنحلم بمستقبل زاهر تظلله أياما جميلة مليئة بالعطاء ونشر عطية الله الأقرب إليه وهي المحبة حيث قال إيل للربة عناة في غابر الأزمنة: “إذرعي الحب بالأرض”…