في مثل هذا اليوم، 15 أيلول 1992، ودّع بطرس خوند، القيادي البارز في حزب الكتائب اللبنانية، زوجته جانيت وغادر منزله في منطقة حرج ثابت. كان صباحاً عادياً، لكن لم يكن أحد يعلم أن تلك اللحظة ستكون الأخيرة التي تراه فيها عائلته. في الساعة 8:30 صباحاً من ذلك اليوم وبينما كان خوند يقترب من سيارته، تعرّض لهجوم من قبل مجموعة من ثمانية رجال مسلحين غير ملثمين، ورغم محاولته المقاومة، فقد تم اختطافه بالقوة وأخذه في سيارة فان، ومنذ تلك اللحظة المأساوية، بقي مصير خوند لغزاً مجهولاً.
قضية بطرس خوند ليست حالة فردية، بل هي رمز لمأساة إنسانية أوسع أصابت لبنان لعقود، حيث أن الآلاف من اللبنانيين الأحرار والسياديين تم اختطافهم خلال فترة الاحتلال السوري للبنان، وزُجّ بهم في السجون السورية ذات السمعة السيئة. هؤلاء االضحايا تعرّضوا للاختفاء القسري دون أي اعتراف رسمي من النظام السوري بمصيرهم، أو السماح لمنظمات حقوق الإنسان بالتحقيق في أوضاعهم، ولقد استمر نظام الأسد المجرم، في عهدي حافظ الأسد وابنه بشار، في سياسة الإنكار اللاإنسانية، مما عمّق جراح لبنان واللبنانيين.
إنه وخلال حقبة الاحتلال السوري الوحشية، تم اختطاف آلاف اللبنانيين، بمن فيهم رجال دين، جنود، ناشطون سياسيون، صحفيون، ومواطنون عاديون، دون محاكمات أو اتهامات واضحة. هؤلاء كانوا وما زالوا ضحايا لنظام يستهدف كل من يُشتبه في معارضته أو عدم ولائه، وجدير ذكره هنا أن منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية حاولت مراراً دخول السجون السورية للتحقيق في مصير المعتقلين، لكن النظام الأسدي المجرم منع أي جهود لكشف الحقيقة.
إن النظام الأسدي البعثي، في عهدي حافظ الأسد الراحل، وابنه بشار الحاكم الحالي، أثبت أنه فاقد للإنسانية ومُغرب عن شرعة حقوق الإنسان، وخلال عقود من وجوده في السلطة مارس ولا يزال يمارس القمع والقتل والإفقار والإضطهاد والخطف والإغتيالات وهو مسؤول عن تعذيب، قتل، واختفاء آلاف الأبرياء، ليس فقط من اللبنانيين بل من السوريين والفلسطينيين أيضاً. وما يجعل هذه مأساة المغيبين قسراً أكثر إيلاماً هو استمرار النظام السوري في رفضه الاعتراف بوجود هؤلاء المعتقلين أو بمصيرهم، وكأن الهدف هو محو ذكراهم وإسكات أصوات المطالبة بالعدالة.
إن مصير بطرس خوند، إلى جانب العديد من اللبنانيين المغيبين اعتباطًا وظلمًا في سجون الأسد، ما زال مجهولًا.
هل هم أحياء؟ هل ماتوا تحت التعذيب؟
لا أحد يعلم سوى خاطفيهم.
إن النظام السوري، الذي حكم بقبضة من حديد خلال فترة احتلاله الوحشية والدموية للبنان، رفض ولا يزال يرفض تقديم أي معلومات عن هؤلاء المختفين، متجاهلًا نداءات عائلاتهم التي أمضت سنوات في البحث عن أحبائهم.
وفي الوقت نفسه، لا تقع المسؤولية عن اختطاف اللبنانيين واختفائهم فقط على عاتق النظام السوري، فقد كانت العديد من القوى السياسية اللبنانية، وخاصة تلك التي كانت في السلطة خلال حقبة احتلاله للبنان، متواطئة في هذه الجرائم، والعديد من الأحزاب والشخصيات اللبنانية تعاونت مع النظام السوري وسلّمت له مواطنين لبنانيين، في خيانة صارخة لسيادة لبنان وحقوق الإنسان. هؤلاء المتواطئون، الذين لا يزال بعضهم في مواقع السلطة اليوم، لم يكتفوا بدعم النظام السوري، بل استغلوا معاناة عائلات المفقودين لتحقيق مكاسب سياسية ومالية.
من المؤسف أن قضية المفقودين اللبنانيين في السجون السورية بدأت تتلاشى من الذاكرة الجماعية، خاصة في ظل غياب الإرادة السياسية لملاحقة العدالة، لكن لا شك أن هذا الجرح سيظل محفوراً في ذاكرة الشعب اللبناني، وسيواصل الأحرار السعي لمعرفة الحقيقة ومحاسبة المسؤولين، وعلى رأسهم رموز نظام الأسد وكل من ساهم في هذه الجريمة.
بطرس خوند هو أحد أبرز نماذج هذه المأساة الإنسانية حيث أن أكثر من ثلاثة عقود مرّت على اختفائه، وما زال السؤال مطروحًا: أين هو بطرس خوند؟ وهل هو حي؟ وهل سيعود يومًا إلى عائلته؟ الحقيقة الوحيدة المؤكدة هي أن النظام الأسدي يعرف مصير بطرس خوند، كما يعرف مصير الآلاف من اللبنانيين الذين اختفوا في سجونه ويرفض قول الحقيقة.
لن يتوقف الشعب اللبناني الحر والسيادي عن المطالبة بالعدالة، ولن ينسى إجرام من شارك في خطف مواطنيه أو في التغطية على جرائم النظام الأسدي، ولهذا سيبقى النظام الأسدي وحلفاؤه الطرواديون في ذاكرة الأحرار في لبنان رموزاً للخيانة والإجرام.
في الخلاصة، إن مأساة بطرس خوند والمفقودين اللبنانيين لن تُنسى أبداً، وفي ذكرى تغييب خوند نرفع صلاتنا بتقوى وأمل ورجاء للله القادر على كل شيء من أجل معرفة مصير خوند ومصير كل المغيبين في سجون النظام الأسدي المجرم.
في أسفل رباط فيديو لميشال عون من سنة 2006 الساقط في كل تجارب إبليس ينكر فيه وجود معتقلين لبنانيين في السجون السورية/ لتحل عليه لعنة السماء
**الكاتب ناشط لبناني اغترابي عنوان الكاتب الألكتروني [email protected] رابط موقع الكاتب الألكتروني http://www.eliasbejjaninews.com
من أرشيف عام 2023/الذكرى السنوية لتغييب بطرس خوند الياس بجاني/15 أيلول/2023 ترى هل أهلنا الذين خطفهم نظام الأسد وغيبهم منذ سنين هم أحياء أم أموات؟
حقيقة، لا أحد يعلم لأن النظام السوري المجرم في حقبتي الأب والإبن حافظ وبشار يرفض حتى الاعتراف بوجودهم، ويمنع منظمات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية من دخول معتقلاته وسجونه التي هي مجرد قبور.
ومن يتابع ملف المغيّبين في سوريا منذ عقود يدرك بحزن وغضب بأن لا تقدم ولا إيجابيات بأي شكل من الأشكال، بل غموض كامل.
إن من يتحمل مسؤولية كبيرة هذه المأساة الإنسانية هم للذين مروا على الحكم في لبنان، وخصوصا أن عدد لا بأس به من الأحزاب المشاركة في الحكم كانت ضليعة باعتقال لبنانيين وتسلميهم للمخابرات السورية. كما أن كثر من الحزبيين والمسؤولين والسياسيين الكبار قد استغلوا عائلات المفقودين ماديا ومعنوياً بموت ضمير وجشع ابليسي.
من المؤسف بأن القضية برمتها توشك أن تصبح طي النسيان، لكنها ستبقى في ذاكرة اللبنانيين وفي إصرارهم على معرفة الحقيقة ومحاسبة المسؤولين، وفي مقدمهم رموز نظام الأسد، وكل مسؤول لبناني وحزبي كان مشاركنا في جريمة خطف وتغييب، المئات بل الآلاف من اللبنانيين، ومنهم
المسؤول الكتائبي بطرس خوند الذي هو عملياً نموذجاً لهذه المأساة الإنسانية.
(من أرشيف المركزية) بطرس خوند…. تذكرون هذا الإسم؟ نستذكره معا..الثامنة والنصف من صباح الثلثاء 15 أيلول 1992. ودع بطرس خوند زوجته جانيت وغادر منزله في منطقة حرج ثابت. فتح باب سيارته من نوع أوبل حمراء وما أن هم بإدارة محركها حتى طوّقه حوالى 8 أشخاص مسلحين وغير ملثمين وحاولوا إخراجه بالقوة من السيارة بعد فتح الباب. لكن بطرس عاجلهم وشهر مسدسه. إبنه البكر فادي على الشرفة. حاول أن يصرخ. فجأة سمع صوت طلقة رصاص واحدة واكتشف أن المسلحين صعدوا إلى سياراتهم بعدما خطفوا والده وأدخلوه إلى سيارة من نوع فان. الثامنة والنصف ودقيقتان. رن الهاتف في منزل أحد أصدقاء بطرس. جانيت خوند على الخط الآخر. “… الحقني خطفوا بطرس من قدام البيت”. تلك كانت المرة الأخيرة التي تودع فيها جانيت زوجها بطرس على أمل العودة إلى دفء المنزل ليلا. 31 عاما مرت على اختفائه. رنا ربيع رواد كبروا تزوجوا وجانيت صارت تيتا. 30 عاما والسؤال نفسه: أين بطرس خوند؟… لا جواب. ليس بطرس خوند الرقم الوحيد على لائحة المفقودين في السجون السورية .627 إسما صاروا مجرد أرقام وصور في إطارات إلى جانب أمهاتهم اللواتي انتقلن والحرقة في قلوبهن وربما كان اللقاء في رحاب السماء … *الكاتب ناشط لبناني اغترابي عنوان الكاتب الألكتروني [email protected] رابط موقع الكاتب الالكتروني على الإنترنت http://www.eliasbejjaninew.com