«كان الفلسطينيون يتدخلون كثيراً في حياة الناس، كانوا منتشرين في كل مكان مدججينبالسلاحومتعجرفين، اسميها «عجرفةالكلاشينكوف». كان الكل يملك مدفعاً للطائرات، يبدو أنه كان لدى منظمة التحرير أموال طائلة، فلم أكن أصدق عيني، إذ كان المقاتلون يذهبون إلى السوق مصطحبين المدافع المضادة للطائرات. في إحدى المرات ذهبت من الناقورة إلىبيروتفمررت بأربعة عشر حاجزاً كلها للفلسطينيين باستثناء اثنين للجماعات اللبنانية المرتبطة بالفلسطينيين.» (تيمور غوكسلالمتحدث باسم قواتالأمم المتحدة).
ماذا يحدث حينما يعجزُ بلدٌ صغير عن الخروج من حربٍ أهلية لا أفق ولا حسماً ممكنا لها؟ وحينما تنهار الدولة، وينهار الجيش، ويخضع البلد لاحتلالات « أجنبية »، سمَّت نفسها « شقيقة » (جيش عائلة الأسد) أو « صاحبة قضية » (منظمة التحرير الفلسطينية »؟
ذلك كان الحال في 6 حزيران/يونيو 1982، بعد 1ُ3 عاماً من «إتفاق القاهرة» المشؤوم الذي تنازل عن سيادة دولة لبنان على حدودها الجنوبية مع إسرائيل. وبعد 13 عاماً من حرب «أيلول الأسود» في الأردن التي وضعت حداً للوجود الفلسطيني المسلّح في المملكة. نقلت شاحناتُ الجيش السوري «الفدائيين» الهاربين من الأردن إلى الأراضي اللبنانية مباشرةً، ولم تسمح لهم بأن يطأوا الأرض السورية– مثلما فعل الحرس الإيراني بعد الغزو الأميركي لأفغانستان، حينما نقل مسلّحي «القاعدة» الهاربين من حدود أفغانستان إلى العراق مباشرةً.
ذلك هو الحال، الآن، في صيف العام 2024، مع خضوع البلاد والعِباد لاحتلالِ جماعة إرهابية مسلّحة، تابعة لإيران، اغتالت نُخبةً من رجالات البلد، وتسبّبت بدمار مرفأه الذي كان الأهم في الشرق الأوسط، وتمارسُ التهريب وتجارة المخدرات علناً وبدون رادع. جماعة تنتزع من الدولة وجيشها، «بفضل» جُبن وخيانة المسؤولين السياسيين والقادة العسكريين، قرار الحرب والسلم، وتحول دون انتخاب رئيسٍ للدولة، وتعرِّض البلاد والعِباد لغزوٍ جديد. مع فارق أن «المُحتلّين الفلسطينيين» انتقلوا من «عجرفة الكلاشينكوف» في العام 1982 إلى «ذُل الإحتلال الإيراني» لهم ومخيماتهم، خصوصاً في جنوب لبنان.
ماذا حدث في 1982؟
`دخل رئيس ميليشيا “القوات اللبنانية” حينها، بشير الجميل على الأجندة التي كانت تتحضر للمنطقة، وفي يقينه انه إذا كانت اكبر الدول العربية (مصر)، قد وقّعت اتفاقَ سلام مع اسرائيل، لماذا ينبغي لأصغر الدول العربية ان تتحمل وحدها وزر الحرب المستمرة مع اسرائيل، علما ان اسرائيل كانت اتخذت قرار طرد مسلحي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت ومن كل لبنان، بمعزل عن موقف اي فريق سياسي لبناني. وإذا كان بشير الجميل قد التقط لحظة الاجتياح الاسرائيلية، فهو سعى لحشد موقف وطني لبناني تحضيرا لليوم الثاني لخروج منظمة التحرير من لبنان، وأوفد للغاية مديرَ المخابرات العسكرية، “جوني عبده”، الذي ـ قبل 6 أشهر من الغزوـ التقى زعيمَ الدروز وليد جنبلاط، الذي لم يُصدِّق ان اسرائيل قررت اجتياح لبنان وصولا الى العاصمة بيروت، مستندا الى معلومات الاستخبارات الروسية التي رجَّحت ان تصل القوات الاسرائيلية الى حدود “نهر الأوّلي” كابعد مدى.
وإذا كانت «القوات اللبنانية» بقيادة بشير الجميّل تحالفت مع إسرائيل بقيادة «أرييل شارون» لطرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، إلا أن النصف الثاني للسردية، هو استقبال الشعب اللبناني في جنوب لبنان لجنود إسرائيل إستقبال «المُحرِّرين» كما تُظهِرُ الصور في اسفل.
هل وصلت إسرائيل الآن في العام 2024، كما في 1982، إلى قرار وضع حدٍّ لحالة «الإشتباك الإيراني الدائم» على حدودها مع لبنان؟ وهل تبحث عن ذريعة لطرد «وكلاء نظام الملات» من بيروت ودمشق؟ وهل سيخسر لبنان ضاحيته الجنوبية، وجنوب البلاد، مرةً ثانية بعد خسارة مرفأه، وسيادته؟
ياسر عرفات قبل الصعود إلى الباخرة التي نقلته من بيروت إلى تونس تحت حماية دولية
هل بات لبنان الآن قريباً من «الحل الشاروني» للأزمة؟ أي على عتبة «إجتياحٍ جديد» يدمّر وكلاء الإحتلال الإيراني للبنان (والإحتلال الأسدي لسوريا)؟
ليس هنالك «بشير الجميّل» الآن! وليس هنالك حزب أو فريقٌ متحالف مع الإسرائيليين.. علناً أو تحت الطاولة. لكن، «رغم المظاهر»، هنالك «إجماعٌ لبناني» عميقٌ جداً جداً، (نكرّر.. «رغم المظاهر») على «استعادة» الوطن اللبناني الذي لم يكتشفه معظم أبنائه إلا بعد الإحتلال الأسدي، وإلا بعد الإحتلال الإيراني. العصابة الإرهابية المسلّحة لا تملك جواباً حول كيفية الإنتصار على دولة إسرائيل (“الأوهى من خيوط العنكبوت”!!) التي تملك جيشاً ذا مستوى عالمي مدعوماً من الولايات المتحدة، وبضع قنابل نووية “لِوَقت الحَشرة”! كل ما تستطيعه العصابة الإرهابية المُسَلّحة هو أنها تضَع اللبنانيين، خلال الأيام والأسابيع المقبلة، أمام خيارِ «الحلّ الشاروني» أو «الحرب~ الأهلية»، أو الإثنين معاً!