الكولونيل شربل بركات: لبنان بلد الحرية، هل يقدّر الأبناء هذه النعمة؟

160

لبنان بلد الحرية، هل يقدّر الأبناء هذه النعمة؟
الكولونيل شربل بركات/23 تموز/2024

يقول الدكتور يوسف الحوراني وهو مؤرخ لبناني في كتابه “فلسفة التاريخ – لبنان في قيمه الحضارية – العهد الفيفيقي” وعندما يتكلم عن حدود لبنان الجغرافية:”يبدأ لبنان حيث تبدأ الطبيعة بمساندة حرية الانسان”.

وهو إذ يفسر ذلك يبدأ من حدوده الجنوبية حيث ترسم هذه الحدود في الغرب مرتفعات راس الناقورة التي تشكل عائقا أول يصل حتى البحر ويمتد صعودا إلى المرتفعات التي تفصل سهول عكا الخصبة عن الأرض الصعبة المسالك والقليلة الخصوبة نسبيا في اللبونة والتي ترتفع تدريجيا حتى جبل مارون وتلتف شمالا تاركة هضبة الجش السهلة نوعا ما لتعود شرقا على حدود المرتفعات التي تفصل سهول طبريا والحولة عن ارض جنوب لبنان وهي تكمل شمالا حتى ما بعد المستنقعات لتدور شرقا باتجاه جبل حرمون الذي يفصل سهول حوران الخصبة عن لبنان الشرقي وتكمل شمالا مبتعدة عن سهول الغوطة وما يجاورها لتسلك أعالي القمم الجرداء في السلسلة الشرقية وتدور مجددا في الشمال بعد القاع نحو المرتفعات الصعبة المسالك في منطقة الهرمل وعكار مبتعدة عن سهول الخصب في حمص وحماه ويفصل نهر “الوثير” (يسمى النهر الكبير الجنوبي) الذي يعرف باسمه اليوناني (نهر الحرية) والذي طالما تحدثت عنه الاساطير لأن القادم من الشمال والذي يرى مرتفع القموعة المغطى بالضباب أكثر ايام السنة منتصبا كقبة سماوية يعرف بأنه باجتيازه هذا النهر سوف يدخل إلى بلاد الحرية التي يتعهدها الله وتتقبل كل هارب من جور أو لاجيء من ظلم.

هذه الأرض التي تعتبر وقفا لله في جنوبها وشمالها حيث لا يزال النساك والقديسون يزينون حنايا الجبال صلاة وزهدا ويقربون كل يوم إلى الله أنواع التسبيح والتمجيد هي نفسها لا تزال تضم في الجنوب ومنذ القدم “الربة عناة” و”ياه” و”أون” و”بعل” و”شيت” و”بتاح” كما “آبل” و”بعلة” و”أشيرتا” و”صديق” و”دموزي” و”زو” و”أرميس” وهي تتمسك بالربة الأم في “ام العمد” و”ام عفيه” وام يه” و”ام الزينات” و”ربة لاتين” و”النبية” وهي لا تزال تكرم الانبياء “شمع” و”محيبيب” و”يوشع” و”عويضة” و”ميما” و”طاهر” و”سجد” و”مليخ” و”صافي” و”ميشا” ولا تزال اماكن ذكرت في الكتب المقدسة تعيش في “شلم” التوراتية و”صربتا” ودير “كيفا” ودير “قانون” و”قانا الجليل” وفي قيصرية فيليبس وصور وصيدا وفي بلاد “البشارة” و”ام النور” وسيدة “المنطرة” ودير “انطار”.

وقد زينها “ابو ذر الغفاري” الصحابي المعروف والذي تشيّع معه عدد كبير من السكان المحليين ولا تزال ميس الجبل تفتخر بالجامع المسمى على اسمه.

وحول الحرمون بالقرب من السماء يزهد الموحدون الدروز في خلوات البياضة أعالي حاصبيا ليقتربوا أكثر من الله.

هذه الأرض التي دافع عنها الأجداد وساعدت الطبيعة وتقبل شظف العيش مع الحفاظ على الحرية في بلورة بنيتها الاجتماعية واشكال سكانها ومعتقداتهم وحدود العلاقة بينهم، هي نفسها التي حافظ عليها المقدمون وحماها فخر الدين الكبير ورسم حدودها الجنوبية ناصيف النصار وثبتها الحويك في لبنان الكبير وروى ترابها الرفاق بالأمس كما الآباء قبلهم. وهي لا تقبل أن تتبع لأحد ولا أن تصبغ باي لون ولذا وعندما يصرّ البعض على تغيير وجهها الحقيقي بقوة المال أو السلاح تنتفض لتقلب الواقع المفروض وتعيد الأمور إلى نصابها.

فهل يقدّر اللبنانيون قيمة الأرض التي يعيشون عليها ويكبرون في ظلها وينمون بين قيمها الاخلاقية والاجتماعية والتي يحدها حرية الآخر ويقويها التماسك والتعاون الذي لا يلغي ولا يسيطر؟

ملاحظة/*المقالة نشرت لأول مرة في /06 حزيران/2019