المخرج والكاتب يوسف ي. الخوري يرثي صديقه فتحي الجابري … وداعًا أبو محمد، يا وجه الخير والسعد

87

المخرج والكاتب يوسف ي. الخوري يرثي صديقه فتحي الجابري … وداعًا يا فتحي، يا وجه الخير…
11 تموز/2024

ما بالهم يرحلون ولا يودّعون. فتحي الجابري، أبو محمد، وميض دخل حياتي وحياة عائلتي والمقرّبين منّا، غادر أمس، وكانت آخر مرّة سمعت صوته فيها يوم جنازة والدي منذ سنة ونيف؛ “يا ريت كُنت أقدر أَوْقف حدّك أبو جاك، اعذرني”. لم يستطع ضبط نفسه وهو يُعزّيني، فبكى وقطع الاتّصال.
تخانقنا، تباعدنا، ثم عدنا وكأنّ شيئًا لم يكن. مكاتبه في الرياض وعمّان كانت مكاتبنا، ومكاتبنا في بيروت كانت مكاتبه. لم يكن بيننا حسابات ومحاسبة، تعاملنا بملايين الدولارات على الثقة، “أبو جاك حوّلي 100 ألف…”. “أبو جاك لاقيني على Cannes، إنت بس إركب الطيارة وأنا حضّرت كل الباقي… أقُلّك خلّي اِم جاك تيجي معك”. هكذا كنّا معًا على البساطة ومن دون تكلّف. في الرياض أعدّ لنا “المنسف الأردني”. وإلى بيروت أحضر معه “الجميد” ليعمل لنا المنسف. مرّة، كنتُ أصوّر في عمق صحراء ضرما بالسعودية، اتّصل بمدير الإنتاج معي ليقول له “العشاء عليّ اليوم”، وكان عددنا كفريق عمل يومها حوالي 110 أشخاص، فحضر وأحضر معه 16 صدر منسف أردني وأريع ذبائح غنم…
كان متفائلًا إلى أقصى الدرجات، يخسر الملايين وهو يضحك، يغضب وهو يضحك، يتشاجر معك وهو يضحك. لمّا بدأنا العمل في الرياض كشركاء، جاءني بمفتاح سيارته “الرانج روفر”، الخارجة منذ شهر فقط من الوكالة، وقال لي: “الرنج إلك…”. سألته: “وانت كيف تتنقّل!؟”، أجاب: “أنا اشتريت سيارة جديدة، وعندي المرسيدس”.
هو مَن وقّع معي اوّل عقد في السعوديّة، وبعده شفنا الخير والبحبوحة، وكنّا معًا على الحلوة والمرّة إلى حين قرّر الابتعاد، لأسباب غير واضحة، عن عالم الإنتاج والتوزيع التلفزيوني وهو في القِمّة. بقينا بعدها أصدقاء، وبقينا على تواصل ونزور بعضنا لغاية ما قبل جائحة “الكوفيد 19″، ومن ثمّ صارت اتّصالاتنا الهاتفيّة تتباعد، لكنّه واظب إلى العام 2020 على إرسال زيت الزيتون لي من القدس، لأنّه يعرف أنّ هذا الزيت هو المفضّل عندي.
هذه السطور قد لا تعني قرائي، وهي مجرّد ذكريات مرّت في خاطري وأنا تحت صدمة تلقيّي خبر وفاة فتحي، لكنّني كتبتها وفاءً لشخص كان يحبّه قلبي، وكنت أسعد في حضوره في حياتي، وآلمني كثيرًا كيف رحل وكان بمستطاعه بعد فعل الكثير. هو فلسطيني، وهو أكثر شخص كسر التاريخ الأسود، العالق في ذهني، بين مسيحيي لبنان والفلسطينيين. كتبت مرةً مقالة تهجّمت فيها على منظّمة التحرير، فاتّصل بي قائلًا: “فُك عن سمانا يا شيخ، هسّا ناقصنا إنتَ، وكَنّو البلاوي اللي إحنا فيها مُش كافيتنا”. قلت له: “عُد إلى الشغل، ولنبدأ معًا من جديد، ولك عليّ أن ابتعد عن المقالات السياسيّة”. أجاب: “حَ تشوف إنّي حَ اْرجع وبقوّة، وحَ أسكتك”. فيا ليته أسكتني ولم يرحل.
وداعًا أبو محمد، يا وجه الخير والسعد.