إلياس بجاني/الأهمية التاريخية والمعاصرة للموارنة في لبنان ومأزق قيادتهم الحالية

19

الأهمية التاريخية والمعاصرة للموارنة في لبنان ومأزق قيادتهم الحالية
إلياس بجاني/19 حزيران/2024

Click Here to read the English version of this piece/اضغط هنا لقراء المقالة بالإنكليزية

يشكل الموارنة في لبنان، مجتمعاً ذو جذور تاريخية عميقة له تأثير ثقافي وديني عميق، ودوراً محورياً في تشكيل هوية وثقافة ودور  واستقلال وكيان طن الأرز. تعود أصول الموارنة إلى القرون الأولى للمسيحية، وهم لم يرضخوا ولا استسلموا لكل حقبات الصراعات والتحديات الوجودية التي تعرضوا لها. قاوموا بعناد وعزيمة وصمدوا متسلحين بإيمانههم ووطنيتهم وعشقهم للحرية وازدهروا، وبرزوا بشكل كبير في المجالات التعليمية والثقافية والاجتماعية والتنموية، ومع ذلك، فإن التحديات المعاصرة، ولاسيما احتلال حزب الله الجهادي والفارسي الذي يشكل تهديدات وجودية للموارنة ولكل باقي الشرائح المجتمعية والمذهبية والإثنية التي يتكون منها النسيج اللبناني.

الجذور التاريخية والصمود في مواجهة الأخطار والتحديات
تعود أصول الكنيسة المارونية إلى القديس مارون، وهو ناسك عاش في القرن الرابع، وقد أنشأ اتبعه تقليداً رهبانياً تطور إلى ما هو حالياً الكنيسة المارونية التي ارتبطت رسمياً بالفاتيكان في القرن الثاني عشر، هذا وقد حافظ الموارنة على ممارساتهم الليتورجية وثقافاتهم المميزة بالتوافق مع الكاثوليكية الرومانية. على مر التاريخ، واجه الموارنة العديد من الصعوبات، بما في ذلك الغزوات والصراعات الداخلية، ولاسيما خلال الحرب الداخلية (1975-1990) التي حاول من خلالها اليسار والعروبيين والمنظمات الفلسطينية المسلحة بالقوة والإجرام والإرهاب إقامة دولة فلسطينية بديلة في لبنان. واجه الموارنة الغزوة وتمكنوا رغم كل التضحيات والصعاب من الحفاظ على استقلالهم السياسي والثقافي وصانوا استقلال البلد وهزموا الغزاة الداخليين والخارجين واستمروا حتى يومنا هذا في لعب دور مركزي في حماية النسيج الاجتماعي والسياسي المعقد في لبنان.

الارتباط بالفاتيكان والمساهمات في التعليم والثقافة
عزز ارتباط الموارنة بالفاتيكان هويتهم الدينية والثقافية، مما وفر لهم مرجعية روحية وأخلاقية ساعدت في تحقيق مساهمات كبيرة في مجال التعليم والثقافة والتواصل مع المجتمعات الغربية والإقليمية. أسست الكنيسة المارونية أكثر المؤسسات التعليمية شهرة في لبنان، مثل جامعة القديس يوسف والعديد من المؤسسات التعليمية الأخرى والإستشفائية، التي أصبحت منارة للتميز الأكاديمي والعلمي والطبي في المنطقة، وقد أنتجت هذه المؤسسات مفكرين وقادة ومحترفين مؤثرين شكّلوا المجتمع اللبناني وما وراءه. ثقافيًا، لعب الموارنة دورًا رئيسيًا في الحفاظ على التراث اللبناني والترويج له. موسيقاهم الليتورجية، الغنية بالتقاليد والتاريخ، هي شهادة على إرثهم الثقافي الدائم، بالإضافة إلى ذلك، قدم العلماء والفنانون الموارنة مساهمات كبيرة في الأدب والفن والخطاب الفكري اللبناني.

القديسين الموارنة
تباركت الكنيسة المارونية بالعديد من القديسين ورجال الدين الموقرين الذين ألهموا أجيالاً، من بينهم القديس شربل مخلوف، وهو راهب من القرن التاسع عشر أصبحت حياته التقية ومعجزاته مصدر إلهام للمسيحيين في جميع أنحاء العالم، والقديسة رفقا المعروفة بحياتها المليئة بالألم والتفاني، والقديس نعمة الله كساب الحرديني، الراهب المشهور بتعاليمه الروحية ومعجزاته، والقديسين هؤلاء يرمزون إلى العمق الروحي وصمود المجتمع الماروني.

دور الإغراب الماروني
لعب الاغتراب الماروني، المنتشر في جميع أنحاء العالم دوراً ريادياً في التمسك بقيم وتقاليد الوطن الأم وحقق مساهمات ونجاحات كبيرة في البلدان التي هاجر إليها مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والبرازيل والعديد من الدول الأوروبية والعربية والإفريقية، وتميز موارنة الإنتشار في مجالات مختلفة مثل السياسة والتجارة والفنون والصناعة والآب والأعمال الأكاديمية، وكذلك شيدوا كنائس ومراكز ثقافية ومؤسسات تعليمية تعمل كمراكز لمجتمعاتهم وتحافظ على تراثهم ووتزز شعورهم بالوحدة والهوية والانتماء.

التهديدات الوجودية من حزب الله
على الرغم من صمودهم التاريخي، يواجه المجتمع الماروني تهديدات وجودية في لبنان المعاصر، تأتي أساسًا من حزب الله وهو تنظيم ميليشياوي مسلح وجهادي يتبع كلياً لنظام الملالي الدكتاتوري والإرهابي في إيران، وهو يتمتع بقوة عسكرية وسياسية كبيرة في لبنان، ويتعارض كلياً مع رؤية الموارنة لدولة ذات سيادة واستقلال وتعايش وتعددية وحريات وديمقراطية وقانون. إن سيطرة حزب الله على لبنان تقوض التوازن السياسي وتهدد النسيج الثقافي والاجتماعي للبل، لهذا يجد الموارنة، الذين أسسوا دولة لبنان ودافعوا عنها دائماً  يعانون حالياً من ضعف دورهم بسبب تزايد نفوذ حزب الله، مما يشكل خطراً على استقلالهم ووجودهم ودورهم في وطنهم.

القيادات المارونية الحالية والتحديات
على الرغم من أهميتهم التاريخية وصمودهم الدائم، تواجه القيادة المارونية الحالية، الدينية والسياسية، انتقادات لعدم معالجتها بشكل كافٍ التهديدات الوجودية الناجمة عن احتلال حزب الله للبنان. كان السينودس الماروني الأخير، الذي عُقد الأسبوع الماضي، مثالاً مؤلمًا على هذا القصور في القيادة والرؤيا حيث فشل السينودس في معالجة احتلال حزب الله بشكل صريح، متجاهلاً قضايا حاسمة في بيانه الختامي، فهو لم يبرز أهمية تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بلبنان، مثل القرار 1559 الذي يدعو إلى حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية؛ القرار 1680 الذي يدعم سيادة واستقلال لبنان السياسي؛ والقرار 1701 الذي يعالج وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تجاهل السينودس أهمية اتفاقية الهدنة اللبنانية-الإسرائيلية لعام 1949. البيان الختامي للسينودس، الذي اعتبر لحظة حاسمة للكنيسة المارونية لتأكيد موقفها بشأن سيادة واستقلال لبنان السياسي، كان خيبة أمل كبيرة للكثيرين. هذا النقص الملحوظ في القيادة الحاسمة والفشل في مواجهة القضايا الملحة مباشرة يقوض دور المجتمع الماروني التاريخي كركيزة للسيادة اللبنانية والهوية الوطنية. للأسف، فإن القيادة المارونية الحالية، سواء الدينية أو السياسية، لا تواجه التهديدات الوجودية الناجمة عن الاحتلال الإيراني عبر وكيلها الإرهابي الجهادي المسلح، حزب الله. تتميز مواقفهم بالذمية وافتقارهم للرؤية والمسؤولية والإيمان والشجاعة والفهم الدقيق للوضع الأوسع في الشرق الأوسط.

الخاتمة
يلعب الموارنة في لبنان دور حارس الهيكل، وهم يمثلون في محبتهم للبنان شهادة على الصمود والإيمان والغنى الثقافي، وقد تركت مساهماتهم في التعليم والثقافة والسلام أثرًا لا يمحى داخل لبنان وفي دول الإقليم وفي العديد من دول العالم حيث يلعب الاغتراب الماروني أدواً ريادية في مجالات وحقول متعددة. إلا أن التهديدات الوجودية التي يشكلها حزب الله، والتي تتفاقم بسبب قصور وضعف القيادات الموارنة الحاليين الكنسية والسياسية، تستدعي عملاً جاداً وسريعاً لملئ الفراغات القيادية بأشخاص قادرين على حماية الإرث الماروني والحفاظ عليه ومواجهة الاحتلال الإيراني والتغلب عليه بمساعدة المجتمع الدولي وعبر تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بلبنان واستعادة السيادة والاستقلال..

**لكاتب ناشط لبناني اغترابي
رابط موقع الكاتب الألكتروني
http://www.eliasbejjaninews.com
*عنوان الكاتب الألكتروني
[email protected]