كثيراً ما يُطرح هذا السؤال: هل فعلاً هناك عداء تاريخي بين إسرائيل وإيران، أي بين اليهود والفرس، أم أن هناك محبة وتحالف وود؟ في العودة إلى التاريخ يتبين أن مصطلح “عداء” لم يكن قائماً ولا هو استعمل في العلاقة بين الجانبين في أي زمن من الأزمنة، وهو شعار بدأ الملالي برفعه والتسوّيق له على خلفية “جهادية” بعد طرد الشاه واستلامهم الحكم في إيران عام 1979. قبل حكم الملالي يُفيدنا التاريخ بأن العلاقات اليهودية الفارسية لم تكن عدائية، ولكنها مرات بتقلبات وتغيرات كثيرة وهي غنية ومعقدة، وتتضمن فترات من التعاون والتحالف، وكذلك فترات صراع. هذا التاريخ يمتد لعدة قرون، حيث تداخلت المصالح والثقافات في مراحل مختلفة… في أسفل ملخص موجز لهذه العلاقات:
الفترة البابلية والفارسية القديمة تبدأ العلاقات بين اليهود والفرس بشكل بارز خلال الفترة البابلية والفارسية القديمة. في عام 586 قبل الميلاد، دمرت بابل بقيادة نبوخذ نصر الثاني مملكة يهوذا وسبت العديد من اليهود إلى بابل. في هذا السياق، يأتي الملك الفارسي كورش الكبير (550-530 قبل الميلاد) كمنقذ لليهود، إذ بعد استيلائه على بابل عام 539 قبل الميلاد، أصدر مرسوماً يسمح لليهود بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء هيكلهم. هذا العمل جعل كورش يحظى بتقدير كبير في التقاليد اليهودية، ويعتبر في الكتاب المقدس “مسيح الرب” (سفر إشعياء 45: 1).
العصر الأخميني خلال الفترة الأخمينية، تمتعت المجتمعات اليهودية في الإمبراطورية الفارسية بدرجة كبيرة من الحرية الدينية والاستقلال الذاتي. تكوين المجتمع اليهودي في بابل شهد ازدهاراً، وبرزت شخصيات يهودية مثل نحميا وعزرا الذين لعبوا أدواراً حيوية في إعادة بناء أورشليم.
العصر البارثي والساساني مع سقوط الإمبراطورية الأخمينية وصعود الإمبراطورية البارثية (247 ق.م – 224 م)، استمرت العلاقات الجيدة بين اليهود والفرس. البارثيون، الذين كانوا في صراع مع الرومان، وجدوا في اليهود حلفاء ضد العدو المشترك. نفس الحال استمر خلال الفترة الساسانية (224-651 م)، حيث تمتعت المجتمعات اليهودية بقدر كبير من الحكم الذاتي، وتطورت الثقافة اليهودية بفضل التفاعلات المستمرة مع الثقافة الفارسية.
العلاقات خلال الفتح الإسلامي مع الفتح الإسلامي للإمبراطورية الفارسية في القرن السابع الميلادي، تغيرت الديناميات بشكل كبير. تراجعت السيطرة الفارسية وحلت محلها الخلافة الإسلامية. ومع ذلك، استمرت الجاليات اليهودية في إيران في الوجود، وعاشت فترات من التسامح والاضطهاد على مر العصور.
العصر الصفوي والقاجاري خلال العصر الصفوي (1501-1736) والقاجاري (1789-1925)، كانت هناك فترات من التوتر والتحالف. الحكومة الصفوية الشيعية كانت صارمة في تطبيق قوانين الشريعة، مما أدى إلى بعض الضغوط على الجاليات اليهودية. ومع ذلك، في فترات لاحقة، خاصة خلال حكم القاجار، شهد اليهود في إيران تحسناً نسبياً في أوضاعهم.العصر الحديث
في العصر الحديث في العصر الحديث، وخاصة في عهد الشاه رضا بهلوي وابنه محمد رضا بهلوي، تمتعت الجالية اليهودية في إيران بحقوق متزايدة، وشهدت تحسناً كبيراً في ظروفها الاقتصادية والاجتماعية. بعد الثورة الإسلامية عام 1979، تغيرت الأوضاع بشكل دراماتيكي، حيث تبنت الحكومة الجديدة بقيادة آية الله الخميني سياسات أكثر تحفظية تجاه الأقليات الدينية، بما في ذلك اليهود.
العلاقات الإسرائيلية الإيرانية في عهد الخميني على الرغم من التحول الكبير في السياسة الإيرانية بعد الثورة الإسلامية عام 1979، إلا أن العلاقات بين إيران وإسرائيل شهدت تحالفًا سريًا ومساعدات متبادلة خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988). في إطار هذه العلاقات، قامت إسرائيل بتزويد إيران بأسلحة متطورة، بما في ذلك قطع غيار الطائرات وصواريخ مضادة للدبابات. تم الكشف عن هذه العلاقة السرية في فضيحة “إيران-كونترا” أو ما يعرف بـ “إيران-غيت”، حيث اتضح أن الولايات المتحدة وإسرائيل قد تعاونتا لتزويد إيران بالأسلحة مقابل الإفراج عن الرهائن الأمريكيين المحتجزين في لبنان. كانت هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية أكبر لموازنة قوة العراق بقيادة صدام حسين، الذي كان يمثل تهديدًا مشتركًا لكل من إسرائيل والغرب.
العلاقات الحالية بين دولة إسرائيل والجمهورية الإيرانية الملالوية تُعد العلاقات بين إسرائيل وإيران من أكثر العلاقات تعقيداً وتوتراً في منطقة الشرق الأوسط. تعمقت هذه التوترات بشكل ملحوظ في ضوء الحرب الدائرة في غزة، حيث تقوم إيران بدعم حركة حماس بشكل كبير. يشمل هذا الدعم الإيراني لحماس تقديم الأسلحة والتدريب والتمويل، مما يزيد من قوة الحركة في مواجهتها لإسرائيل. إسرائيل، من جانبها، تعتبر إيران أكبر تهديد لأمنها القومي، وذلك بسبب برنامجها النووي وطموحاتها الإقليمية ودعمها للجماعات المسلحة المعادية لإسرائيل مثل حماس وحزب الله. تتهم إسرائيل إيران بمحاولة زعزعة استقرار المنطقة من خلال تعزيز نفوذها في دول مثل سوريا ولبنان واليمن والعراق. في السياق الحالي، تزايدت حدة التوترات مع تصاعد الصراع في غزة. هذا وتشعر إسرائيل بتهديد مباشر من وجود صواريخ حماس التي يتم إطلاقها باتجاه المدن الإسرائيلية، والتي ترى إسرائيل أن إيران تساعد في تهريبها وتصنيعها. في المقابل، ترى إيران في دعمها لحماس وسيلة لتعزيز نفوذها في المنطقة ولمقاومة ما تعتبره عدواناً إسرائيلياً على الشعب الفلسطيني. يبقى أن التوترات بين إسرائيل وإيران تظل عنصراً معقداً يفاقم الوضع الحالي. بشكل عام، فإن الحرب الدائرة في غزة تؤجج التوترات بين إسرائيل وإيران وتزيد من تعقيد العلاقات بينهما، مما يعزز من حالة عدم الاستقرار في المنطقة ويصعب من تحقيق أي تقدم نحو السلام.
الخلاصة من خلال هذا التاريخ الطويل والمعقد، يتضح أن العلاقات بين اليهود والفرس كانت مزيجاً من التعاون والصراع. هناك فترات من التحالف المتين والتعاون الثقافي، وأخرى من التوتر والعداء. هذا التاريخ المتشابك يعكس طبيعة العلاقات البشرية المعقدة، حيث تتداخل المصالح والديانات والسياسات بطرق متعددة. العلاقات الحديثة بين إسرائيل وإيران في عهد الخميني تضيف بعدًا جديدًا لهذه الدينامية، حيث أظهرت أن المصالح السياسية يمكن أن تتغلب على العداوات الدينية المعلنة، ولو مؤقتًا، في مواجهة التهديدات المشتركة.