أيمن جزيني/السّيّد “يعدّ” المسيحيين: أليس خطاباً فدراليّاً أيضاً؟

41

السّيّد “يعدّ” المسيحيين: أليس خطاباً فدراليّاً أيضاً؟
أيمن جزيني/اساس ميديا/05 حزيران/2024

لا ينفكّ الأمين العام للحزب يردّد أن لا علاقة بين الجبهة الجنوبية وملفّ رئاسة الجمهورية. النفي هنا لا يعني سوى الفصل بين الجبهتين: الجبهة الجنوبية مع إسرائيل، والجبهة الداخلية مع سائر اللبنانيين المختلفين معه وعليه.

هذه المرّة لجأ إلى “العدّ” الديمغرافي، على حساسيّته. و”العدُّ” هذا يكسر الجمهورية اللبنانية متى تحقّق. أكثر من ذلك فهو يعيدها إلى ما قبل “العدّ” التأسيسي في عام 1932. صحيح أنّ فيها الآن ما يشبه ذلك التاريخ لجهة القناصل والسفراء. لكنّ الأصحّ أنّ هذه الجمهورية بُنيت بجهد أبناء لبنان الذين يحاذرون ويفهمون معنى الفرق بين ثقافة الفصل وبين ثقافة الوصل. بين هاتين الثقافتين يرتبط معنى لبنان ووجوده.

موضوع العدّ والإحصاء هو من الأساس موجّه إلى المسيحيين. موضوع العديد لم يكن موجّهاً إلى غيرهم. لا أحد قال لنعدّ الدروز. ولا أحد يقول لنحصي السنّة. ولا ثالث قال فلنحصِ الشيعة. القول كان للمسيحيين، الذين أفرطوا بالحسّ الانفصالي بالحديث عن فدرالية أو كونفدرالية. لم يتنبّه أيٌّ من هؤلاء إلى سؤال جوهري: من يحمي معازلهم وكانتونهم وهم في الأصل أهل قلق من العددية المحيطة قبل تأسيس لبنان وبعده؟

يتناقض هذا الموضوع تماماً مع ميثاق العيش المشترك. فهو مرتكز على جملة جوهرية أساسها في اتفاق الطائف أن لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. إذاً الموضوع لا يرتكز على العدد. أساسه وارتكازه على قيمة العيش المشترك. في هذا السياق يصحّ على أقلّيات الأقلّيات: إذا قاطع الأرمن أو السريان حدثاً وطنياً فهذا يناقض ميثاق العيش المشترك.

موضوع العدّ والإحصاء هو من الأساس موجّه إلى المسيحيين. موضوع العديد لم يكن موجّهاً إلى غيرهم

اللحظة التي قال فيها “السيّد” ما قاله عن العدّ هي بقراءة البعض:

ـ لحظة صعود: لأنّ الاحتمال يعني أنّ المنطقة ذاهبة إلى تفاهمات تبدأ بحماس وتنتهي مع الحزب. بالتالي هي اللحظة المناسبة لتبديل الصيغة.

ـ في قراءة أخرى، فإنّ السيّد قال ما قاله عن معرفة ووعي ناجز مفاده أنّ هذه المرحلة الانتقالية لا تحتمل أيّ حالة اعتراض بالداخل، وهو بهذه اللحظة كان يتحدّث عن فائض قوّة.

في ظلّ الروايتين كان كلامه موجّهاً للمسيحيين.عوائد الكلام وفوائضه هي للشيعة: فإذا كان ما هو قائماً محلّ اعتراض فلنغيّره.

في الحالين، فإنّ هذا النقاش ينسف ميثاق العيش المشترك، ويعطي مادّة دسمة للّذين يقولون إنّهم يريدون الانفصال. والردّ الوحيد عليه يكون بالتمسّك بالعيش المشترك، وبالتمسّك بوثيقة الوفاق الوطني التي دُفع ثمنها غالياً جداً للوصول إلى ما وصلنا إليه. والبلد لا تُحتسب قيمته بتعداد الأصوات. البلد تُحتسب قيمته بتنوّعه. اليوم الذي يُفقد فيه هذا التنوّع لأيّ سبب من الأسباب نفقد معنى لبنان.

 لبنان نصر الله لا يحتمل أكثر من رأس واحد، على غرار النموذج – المثال في الجمهورية الإسلامية في إيران

هذا هو الحزب بجبهاته
ما افتتحه نصرالله كان جبهتين. لكنّ هذه جبهة وهذه جبهة، وهي معادلة على طريقة هذه عين وهذه عين. هذا النفي لا يفعل أكثر من التأكيد، تأكيد الترابط بين الجبهتين، إذ لا يُعقَل أن ينهزم الحزب في جبهة، من دون أن تنعكس الهزيمة على الجبهة الأخرى. والمقصود حرب الجنوب والرئاسة.

كما لا يمكن أن ينتصر في جبهة من دون أن ينتقل محمّلاً بفائض هذا النصر إلى الجبهة الأخرى. ربّما تأكيد نصر الله على الفصل بين الجبهتين، يتعلّق بأدوات المواجهة حصراً: فبينما يستخدم في الأولى الرصاص والقنابل والصواريخ، يدكّ جبهة الخصوم في الداخل، أي على الجبهة الثانية، بالتعطيل، بالتعطيل والعدّ.

“لم نقل يوماً بلغة أكثرية الشعب اللبناني”. قال في خطابه الأخير. في معرض نفيه ما سبق، أضاف مؤكّداً أنّه “أكبر قاعدة شعبية في لبنان”، و”أكبر حزب في لبنان”. وبينما هو يدعو اللبنانيين إلى الحوار للاتفاق على مرشّحه لرئاسة الجمهورية، أي الوزير السابق سليمان فرنجية، إذ به يدعوهم إلى العدّ. قبل الحوار والعدّ، خاض كثيراً في نوعية جماهيره. إذاً الأمر هو كمّ ونوع. اكتمل المشهد، وهو على النحو التالي كما أعلن وفسّر وشرح الأمين العام:

ـ أكبر حزب في لبنان.
ـ أكبر قاعدة جماهيرية.
ـ أكبر عدد من الأصوات التفضيلية في الانتخابات النيابية.
ـ أكبر شبكة من التحالفات، وتمتدّ من إيران إلى اليمن مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن.
ـ مئة ألف مقاتل، كما أعلن.
ـ أسلحة متطوّرة ومصانع أسلحة (برّية وجوّية وبحريّة).
إلى أين تقود لبنان المعطيات السابقة؟ وهل حقّاً يدفع كلام نصر الله إلى الحوار؟ أو إلى العيش المشترك والمشاركة؟

خطابات نصر الله ودعواته إلى الحوار والحرب والانتخابات كلّها من طينة واحدة: لا تفعل أكثر من تأجيج الرغبة في الانفصال عند كثيرين في الجمهورية اللبنانية. يغفل المسيحيون عن أنّ التخلّي الغربي عنهم افتُتح منذ زمن إقرار اتفاق القاهرة في 1969. هذا التخلّي جاء مثقلاً بقتل الرئيس بشير الجميّل في 1982 وهزيمة سوداء أنّى حلّ ورثة البشير

لبنان نصر الله
لبنان نصر الله لا يحتمل أكثر من رأس واحد، على غرار النموذج – المثال في الجمهورية الإسلامية في إيران. بإمكان اللبنانيين الخوض في كلّ شيء: الاجتماع والسياسة والدستور والحرب والسلم والتربية والثقافة والتحالفات والعداوات، إلى حين. إلى حينٍ يشير فيه مرشد الجمهورية اللبنانية بإصبعه نحو الوجهة المحدّدة. في الرئاسة الوجهة سليمان فرنجية. تعالوا يا لبنانيّين إلى الحوار حتى نتّفق عليه. مع إسرائيل هي الحرب. في سوريا هي السلم. في ملفّ النازحين السوريين في لبنان، هي البحر. في الاقتصاد، هي الشرق… إلخ. القرار عنده، والأحاديث والحوارات والخلافات بيننا، مواطنين وأحزاباً ودولة. من يرضى، يدخل جمهورية السيّد. من يرفض خائن ولا يرغب في العيش وانفصاليّ. طبعاً بالإضافة إلى أنّه إسرائيليّ وعميل… إلى آخر المعزوفة.

المسيحيّون بين زمنَين
خاطب المسيحيين رجلان لهما ما لهما وعليهما ما عليهما، وهما: الشهيد الرئيس رفيق الحريري، ونصر الله. الأوّل قال بوقف العدّ والتمسّك بالدستور. والثاني ها هو يطالب بالعدّ وفعل ما لا يُفعل في تصديع النظام السياسي. الردّان المسيحيان على الاثنين جاء كلّ منهما أسوأ من الآخر. على الرئيس رفيق الحريري كان “لا منّة لك” في ذلك. على الثاني ردّوا “لا تهدّدنا فميلنا الانفصالي في ذروته”.
يغفل المسيحيون عن أنّ التخلّي الغربي عنهم افتُتح منذ زمن إقرار اتفاق القاهرة في 1969. هذا التخلّي جاء مثقلاً بقتل الرئيس بشير الجميّل في 1982 وهزيمة سوداء أنّى حلّ ورثة البشير.
أليس “العدُّ” والحال هذه خطاباً فدرالياً أيضاً، على منوال الخطاب الفدرالي المنتشر بين المسيحيين؟