من الشروط الواجبة لنجاح “وسيط ثالث” ، اجنبيا كان ام عربيا ام من أي جنسية غير الجنسية الوطنية ، ان يكون مزعجا ملحاحا يمعن في مطاردات “المسؤولين” والقادة السياسيين الى حدود التسبب بأزمات متناسلة من الأزمة الأصل التي أملت وساطته …
جان ايف لودريان ، على دماثة ولطف لا تفارقانه في مراسه “العربي” ما بين لبنان مبعوثا سياسيا لمهمة مستعصية ومهمته ووظيفته الأخرى في المملكة العربية السعودية ، لا يخالف الإمعان المزعج للقوى اللبنانية ولو غاب طويلا وعاد بلا تفسير منطقي لتوقيت لا تتلاءم فيه ظروف سعيه الى اختراق طال انتظاره مع أهداف القوى التعطيلية للدستور والنظام والحالمة بنصر “لا بد آت” على قوى الخصوم المعارضين مهما طال الفراغ . ولكن ترانا نخطئ جميعا ان ظننا ان المبعوث الفرنسي ، الذي يتكبد واقعيا كلفة إصرار رئيسه ايمانويل ماكرون على مناوراته مع أذرع ايران في لبنان الماضين في ترجمة معادلات انقلابية داخلية على وقع المواجهات مع إسرائيل ، واستحالة تحقيق اختراق في الازمة اللبنانية منذ بدء ازمة الفراغ ، قد انتهى خالي الوفاض في زيارته السادسة الأخيرة للبنان حتى لو سبقته وواكبته وأعقبته أنباء وتوقعات الإخفاق .
ذلك أن لودريان الملحاح اخرج من حيث يدري ويقصد ام عفويا ، لا فارق ، عصبية ونزق الفريق التعطيلي تكرارا حيال الحل المفتاحي البديهي الذي يجسده “المرشح الثالث” ، وكل الباقي تفاصيل . صار في حكم المثبت انه كلما اشعل وسيط او حدث او محطة في مسار الازمة السياسية اللبنانية الراهنة المتجهة باطراد الى ازمة حكم ونظام قاتلة هذه المرة ، رفض الفريق الممانع بقيادة الثنائي الشيعي فمعنى ذلك ان لبنان سيبتعد اكثر فاكثر عن الرجوع الى النظام الدستوري وان أطراف التعطيل يغنون موال الانقلاب الناجز والحسم التاريخي على المعارضين والخصوم وسائر القوى والمستقلين الاخرين . حتى لتكاد مسألة الغرق اللفظي المضحك بين تعبير “الحوار” و”التشاور” تغدو ملهاة بلاغية لملء العيون بالغبار لا اكثر فيما ترتعد فرائص الممانعين من أي مقاربة جدية لانهاء الفراغ برئيس من الفئة الثالثة لان أحدا لا يساوره الشك في ان نهاية النفق لن تكون الا بمرشح ثالث من خارج الاستقطابات الحزبية والفئوية الحادة .
تبعا لذلك قد تكون الازمة على مشارف مرحلة شديدة الخطورة ليس فقط من زاوية التمديد لفراغ يحذر لودريان وسواه من مرجعيات خارجية من انه مفتوح الى شهور وسنوات بل الأخطر لجهة المفاعيل الداخلية الصرفة لازمة الحكم والنظام التي ستتفاعل بقوة غير مسبوقة بعد الان على نار التفلت الحربي المتصاعد في الجنوب واستبعاد أي لجم لخطر حرب واسعة على لبنان الامر الذي بدأ من الان يستحضر ما بعد تداعيات حرب 2006 داخليا . في تلك الحقبة تراكمت الاحتقانات واندفع سلاح “حزب الله” الى الشارع الداخلي المذهبي مفجرا أسوأ أخطاء الحزب قاطبة ولا تزال اثار تلك السقطة تمعن عميقا في واقع البلد . في واقع رفضه المتعنت للحل الثالث ، يضع الفريق التعطيلي لبنان الان امام اخطر الاخطار لان الفراغ الممدد له سيدفع بلبنان قدما وبسرعة مضاعفة عن ال 18 شهرا السابقة من عمر الفراغ الرئاسي ، إلى أشداق الوحش المسمى فوضى كاملة : في الأمن الداخلي و”القومي” والوطني ، كما في الاقتصاد المنهار ، كما في الأمن الاجتماعي .. ولا مظلة ولا شرعية ولا مشروعية فوق رؤوس احد ..