ذكر أمي… راحلٌ صوبك وقد مالت الشمس عن خط الأفق، راجيا أن يُلئم شملنا الرب للعناق في ظلال العرش. الأب سيمون عساف/12 أيار/2024
إجمع ما شئت سترحل مثلما جئت.
مشتاق إلى خبز صاجك الحديدي الأملس، وغبرة الطحين على فستانك العرقان يا أمي وإلى رأسك الملفوف بالقمطة القطنية الناعمة.
مشتاق إلى مقعد الجرار أمام باب بيتنا وإلى أحواض الزهور العابقة بفضل عناية يديكِ المباركتين.
مشتاق إلى عهد قطاف كرومنا وحمل سلال العنب إلى المعاصر،
لاستخراج الدبس وارتشاف رغوته من الخلقين بورق التين، وإلى أروقة قبوَتنا لتجهيز الزبيب وتخمير النبيذ والعرق.
مشتاق إلى مواسم القمح ودراستها على البيادر مع أبي في نهارات آب اللهاب الساجية، مشتاق إلى النورج يدور على بيدره والمذراة تقلَّب القش لفصل الحَّب عن التبن للعلف.
مشتاق إلى جمع الغلال في فصول الصيف تخزينا لفصل الشتاء كرمى لإطعام العيال.
مشتاق إلى حليب بقرتنا الدسم الذي لا يعرف الزغل والصافي يا لبن.
مشتاق إلى ليالي الصلاة ركوعا حولك وأنت تعركين العجين في الَّلقَن النحاسي الحرزان.
مشتاق إلى شدو صوتك الشجي قرب موقد النار والكاره المستديرة والأرغفه السَاخنه، وأغانيك العذبة بالنغم العالي كأنها تستدعي الملائكة وحكايا وذكريات لا عَدَّ لها ولا حَدّ تمُرُّ على مشارف البال.
بالبالِ أنتِ ودوماً بِنِيَّتي دعاكِ الله تعالَي يا بُنَيَّتي.
كنتِ الدُنى ترعين بيتا لن تعودي إلى بيتٍ بَنَيتي.
ما أمرّ الغياب والأبواب موصدة والبيت حزين مثل صمت المقابر تسكنه الأشباح والأخيلة على الفراق.
مشتاق إلى انهماكك بغسيل ثيابنا والشراشف والملاحف والقمصان، وأيام شَيل القزّ وتمرشق قضبان التوت وانتظار قطاف الشرانق لتشتريه السماسرة.
تعبتِ وجاهدتِ وسهرتِ لتتركي إرثا للبنين والبنات، وكم قلت لكِ عبثا تكافحين فإجمعي ما شئتِ سترحلين مثلما جئتِ من غير تقدير.
طيفك يُدمي القلب ويعذِّب الروح كلما خطرت تلك الأماسي الزاخرة بمغامرات الطفولة والفتوة والشباب.
راحلٌ صوبك وقد مالت الشمس عن خط الأفق، راجيا أن يُلئم شملنا الرب للعناق في ظلال العرش.