نبيل بومنصف/هذيان دستوري أم انقسامات “تأسيسية”؟

43

هذيان دستوري أم انقسامات “تأسيسية”؟
نبيل بومنصف/النهار/08 أيار/2024

لا ترقى “الورقة الفرنسية” لوقف “حرب الجنوب” اللبناني في نسختيها الأولى والثانية ، وربما في الثالثة لاحقا وأكثر، في أي من معاييرها الى مستوى “اتفاق القاهرة” المشؤوم ولا الى “الاتفاق الثلاثي” الموازي في اللعنة ، ولا في المقابل الى اتفاقات وقرارت توازي القرار 1701 او 1559 وما شاكلها من قرارت مصيرية سيادية . ومع ذلك فلبنان المأزوم بفراغ رئاسي مستفحل وازمات مفتوحة على مصير قاتم يزداد قتامة مع كل هبة ريح إقليمية من دون حرب فكيف بحروب غزة ورفح والساحات المترابطة الى آخر رياح المعمورة الشرق أوسطية .. هذا اللبنان لم يعد يحتمل “افراطا في الشفافية” من طراز “السطو” المنهجي على صلاحيات “المغيب” رئيس جمهورية لبنان وتولي التفاوض عنه وكالة او غيابيا او تغييبا في عشوائية دستورية مخيفة لا سابق لها حتى في زمن “الشرقية والغربية” و”المسلم والمسيحي ” على الهوية !

لن نقحم انوفنا في ما يعني الرئاستين الثانية والثالثة ما دام “القاضي راضي” في ما يزعم بانه “تنسيق” على وقع “ممانع وطني” في ما خص الردود “اللبنانية” على ورقة فرنسية من هنا وأميركية من هناك وأوروبية من هنا وهناك، ولن “نحرض” على السؤال البديهي الطبيعي المطروح برسم كل المعارضة قبل السلطة والسلطويين : أين الدستور من كل هذا الهذيان الدستوري ولماذا والى متى السكوت؟

مع ذلك ترانا امام مشهد موغل بسباق الاخطار والهرولة بقوة في مقلع مقاتل بفعل استفحال انقسامات ذات طابع “تأسيسي” حقيقي الامر الذي لا يجوز ، بل هو التآمر بعينه ، تجاهله وحجبه وطمسه وترك الاخطار تتصاعد في ظله الى حدود تفتيت البلد وتفكيكه وسحق انتظامه الدستوري والسياسي والاجتماعي .
والحال ان عاصفة ملف النازحين السوريين التي ينذر هبوبها وتفاعلها بشيء اكبر بكثير من ظواهر التوتر التقليدي بين سلطة ومعارضة في زمن تغييب رأس الدولة ، تعيدنا قسرا الى تاريخ الانقسامات التأسيسية في لبنان ليس في نصف القرن الأخير وأكثر أي منذ اتفاق القاهرة بل ابعد وقبل وبعد زمن الانشقاقات العميقة طائفيا وسياسيا ، سلما اوحربا .

منذ الموجات الأولى للجؤ الفلسطيني الى لبنان بعد نكبة فلسطين عام 1948 بدأ تشقق البنية اللبنانية على خلفية الانقسامات الداخلية . ولئن مر لبنان بخروم الشبك لدى احتوائه الموجات الأولى للجؤ الفلسطيني فان مصيره البائس لم يهادنه في الستينات ومطالع السبعينات حيث انفجر تحت عامل الانقسام الداخلي الحاد حول الدويلة الفلسطينية . لم يكن الانقسام اللبناني العمودي الاخرحول الوصاية الاحتلالية السورية اقل شراسة وعمقا الى ان انفجر لبنان مرة أخرى ولو من دون حرب أهلية مباشرة هذه المرة بل بما يشبه التحفز لجحيم انقسامي ما بين معسكرين عريضين 8 اذار ( شكرا سوريا) و14 آذار ( ثورة الأرز) . ولم يشفع انسحاب وسحب وجلاء الوصاية السورية كثيرا بتجنيب لبنان تداعيات النفوذ الإيراني المتمدد بزخم وثبات وتصادمه مع كل روابط لبنان التقليدية الغربية والعربية الى ان وصلنا الى هذه اللحظة غير المسبوقة في تفكك عرى الدولة اللبنانية وتهاوي النظام الدستوري تهاويا مرعبا .

لا حاجة بنا لكثير شرح حيال ما أمعنت به ازمة الازمات المتمثلة بالانهيار التاريخي في تفكك “الإيمان” أيضا بدولة ما طبيعية قد تقوم قيامتها مجددا في لبنان . ولذا يخيفنا ان تغشى ذاكرة بعضهم الصدأ حيال تاريخ الانقسامات في بلد أدمن هذا “الترف” القاتل . فهلا تتذكرون لئلا …؟