لا تعديل دستوري او لقاء حواري في ظل الحرب.. حسان القطب/مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات/22 شباط/2024
طالعني احد النواب ممن تمت دعوته لحضور المؤتمر الحواري في بكركي.. في يوم 29 شباط/فبراير..تحت عنوان الغاء مذهبية الرئاسات، وانتخاب الرئيس من الشعب..حيث ورد في: ( وثيقة “لقاء الهوية والسيادة” التي أعلن عن انطلاقتها من بكركي قبل أشهر، والتي تنظم مؤتمرها الحواري في كنفها في 29 من الشهر الجاري، اقتراحات تغيير للدستور، منها انتخاب رئيس للجمهورية من الشعب، إلغاء مذهبية كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة. إنشاء مجلس الشيوخ من دون حصر طائفة رئيسة أو مذهبه بفئة. إلغاء المذهبية في كافة إدارات الدولة، إضافة إلى المطالبة بنوع موسّع من اللامركزية الإدارية وإقرار قانون انتخابات نيابية جديد، وحياد لبنان.)…
من المفهوم ان يكون اطلاق الحوار، بهدف تطوير النظام الدستوري، وان يكون بين مكونات وطنية، واحزاب وطنية تسعى للنهوض بالوطن والكيان، وان تقدم جميعها رؤيتها السياسية والاقتصادية الوطنية، التي تبرر هذا الطرح، والرغبة، والحاجة، لهذا التغيير او التعديل..وهذه الرغبة تم التعبير عنها في مؤتمرات عقدت خارج لبنان او عبر رسائل داخلية دون اعلام.. (مؤتمر سان كلو، مؤتمر لوزان، الدعوة للعشاء في السفار السويسرية..) والكثير من اللقاءات الجانبية التي لم يعلن عنها.. وكذلك يجب ان تتساوى هذه القوى في الحضور والدور، والا فإن الاقوى يفرض شروطه ورؤيته على الاضعف..ولهذا كان الهدف من طرح تعديل الدستور أن خدم الفريق الاقوى والمستقوي بسلاحه على حساب المكونات الاخرى وخاصةً المسيحية..؟؟…
إن من المعلوم، اننا في لبنان نعيش في ظروف غير عادية ولن نقول استثنائية، لان البعض يريدها ان تكون دائمة ومستدامة، ومستمرة دون افق او حدود زمنية….بانتظار ان يرتاح المرجع الاقليمي او الوصي الاقليمي على واقعه ويحقق مبتغاه واهدافه الاستراتيجية..؟؟ ونقول هذا الكلام بناءً على معطيات وتجارب سابقة:
قرار الحرب والسلم، ليس بيد الدولة اللبنانية، واي قرار بهذا المستوى يرسم مستقبل الوطن والشعب سياسياً واقتصادياً وامنياً..وحتى انه يترك آثاراً سلبية او ايجابية على علاقة القوى المحلية بين بعضها البعض.. على مستوى صلاحية السلطات ودور المؤسسات، على مستوى العلاقة بين المكونات الوطنية نفسها، التي تصبح اسيرة تداعيات قرار الحرب او السلم..رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.. الذي قال ان قرار الحرب والسلم ليس بيده..حيث قال..( أكّد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، “أنّنا نسعى لإبقاء لبنان بعيدًا عن الحرب أو عن أيّ حالة من عدم الاستقرار”، مشيرًا إلى “أنّني لمست الواقعيّة والعقلانيّة عند “حزب الله”، وهمّنا الأساسي كحكومة أن يبقى الاستقرار في لبنان دائمًا، لكنّني لم أحصل على ضمانة من أحد لأنّ الظّروف متغيّرة باستمرار”. وركّز على أنّ “قرار السّلم والحرب ليس بيدي ولا بيد الحكومة، ولكنّني أقوم بمسعى مع كلّ الفاعليّات لعدم جرّ لبنان إلى الحرب”، معربًا عن أمله أن “يتوقّف إطلاق النّار بين “حزب الله” وإسرائيل، لتمرّ هذه الغيمة عن لبنان”.)…
فريق لبناني، يطالب بتطبيق الميثاقية التوافقية، بل ويفرض الالتزام بها عند الاستحقاقات الدستورية، او عند تشكيل الحكومات وحتى عند تعيين الوزراء ومختلف المواقع في السلطة اللبنانية..؟؟ ويعتبر ان اي تجاوز لهذه الميثاقية التي لم يرد ذكرها نصاً ولا حتى عرفاً في دستورنا اللبناني كما في حياتنا السياسية، ولكنه يعطي نفسه التفرد والاستفراد، بالانخراط في حروبٍ اقليمية، خارج الحدود، في سوريا والعراق واليمن، واليوم نعيش حالة حرب على حدودنا الجنوبية، مع اسرائيل الدولة المعادية، دون توافق وطني ودون مراجعة مواقف باقي المكونات.. واستمزاج رايها على الاقل.. وما يقوم به هذا الفريق.. يندرج تحت عنوان..(نكون حيث يجب ان نكون)..باعتبار ان هذا الفريق جزء لا يتجزأ من محور اقليمي يعتبر لبنان مساحة وساحة صراع واصدار مواقف او ممارسات ادوار ومهمات..؟؟
لقاءات حوارية كثيرة تم عقدها من عام 2005 وصولاً الى تاريخنا هذا ويبدو ان العوة لهذا الحوار القادم تندرج ضمن مسلسل الحوارات التي تشتري وقتاً وتهيء ظروفاً تغييرية بانتظار تفاهمات او توافقات اقليمية في المنطقة يفرض فيها شروطه من يصمد في مواجهاته على حساب ومصالح الشعب اللبناني..
اللقاءات الحوارية الوطنية التي عقدت في المجلس النيابي لم تمنع من اشتعال حرب تموز/يوليو التدميرية عام 2006، بقرار صدر عن طرف واحد وتحمل لبنان كل لبنان كافة تداعياته ونتائجه المادية والنفسية والسياسية والامنية..
تفاهم مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر، والذي نعيش اليوم تطاير شظاياه، عبر التصريحات المتضاربة والمواقف المتشنجة بين الطرفين..
حصار السراي الحكومي، عام 2006، وصولاً الى غزوة 7 آيار/مايو، عام 2008، التي اثمرت اتفاق الدوحة، الذي نص على وجود وزير (ملك) من حصة رئيس الجمهورية.. لضبط مواقف الثلث المعطل.. وهذا المصطلح (المعطل) يحمل في طياته معاني الخراب والانقسام، اكثر مما يحمل من معاني الضمانات التي طالب بها الفريق المعطل آنذاك..ومع ذلك استقال الوزير الملك خلافاً لتوجهات رئيس الجمهورية وارضاء لمرجعيته الاخرى..بمعنى اخر لم يتم الالتزام بنصوص اتفاق الدوحة..؟؟
تفاهم بعبدا، والذي كان الهدف منه حماية لبنان من الوقوع في وحول الحرب الاهلية في سوريا، ووافق عليه جميع الاطراف، ولكن بعد يومين أطل علينا رئيس كتلة حزب الله (محمد رعد) لينفض يد حزبه من هذا التفاهم ويدخل لبنان والشعب السوري في دوامة مواجهات لا تنتهي ولم تنته بعد.. ويغرق لبنان بالنازحين السوريين الممنوعين من العودة الى مدنهم وقراهم على الحود اللبنانية وهم بمئات الآلاف.. (مدينة القصير وريفها وريف حمص والزبداني وغيرها كثير..)..
تعطيل تنفيذ الاستحقاقت الدستورية، من انتخاب رئيس للجمهورية وهذا يتكرر مع كل شغور رئاسي.. وتأخير تشكيل الحكومات بطرق ملتوية ومفردات مرفوضة.. في سابقة غير معروفة في تاريخ لبنان..ووقف التعيينات في مواقع ادارية حساسة بذرائع مختلفة..
تعطيل المجلس النيابي،بحسب الحاجة والضرورة، واستخدامه غب الطلب، تشريعاً انتخاباً، تفسيرا للدستور، وكما يراه رئيس المجلس..
الخاتمة..
يؤكد رئيس “لقاء الهوية والسيادة” الوزير السابق يوسف سلامة” أن “لبنان لم يعد قادراً على الاستمرار بالصيغ والسياسات المتوارثة التي أنتجت استعصاء على كل المستويات، حتى صار التشبث بها يعني نهاية الكيان اللبناني. ومثل هذه المشاكل الجذرية تستدعي تغييرات وتطوراً جذرياً. ونحن منفتحون على كل تطوير وأي أفكار جديدة يلتقي عليها اللبنانيون”. نافياً أن يكون لهذا الطرح أي ارتباط بطرح فيدرالي إنما طرح موسّع للامركزية الادارية والمالية تحد من الفساد وتزيد من الشفافية”.
تعليقاً على ما قاله الوزير السابق نقول: المشكلة الحقيقة هي في تعطيل الدستور، وعدم تطبيق بنوده، لاظهار ان المشكلة تكمن في الدستور لا فيمن يعطل التطبيق، اذا تعطيل الدستور لا يبرر تعديل الدستور، والتعديل اذا ما تم يؤدي الى تحقيق رغبات من يقوم بواجب التعطيل ليصل الى مبتغاه.. وما فشل في تحقيقه في كافة هذه المؤتمرات المعلنة وغير المعلنة.. والسياسات والممارسات التي اشار اليها الوزير السابق يتحمل مسؤوليتها من اعطى نفسه هذا الحق بقوة الامر الواقع وليس لخلل في نصوص الدستور اللبناني..!! واي تعديل مفترض او من الضروري اجراؤه لا يكون في ظروف غير عادية واجواء حربية كما هي الحال اليوم..؟؟.. واللقاءات الحوارية، تكون فبل الانخراط في الحروب.. لا خلالها..!!
الحل يكمن في تطبيق نصوص وبنود الدستور، وحماية وتفعيل المؤسسات الدستورية والحكومية والادارية لتقوم بتنفيذ واجباتها بما يخدم استقرار الوطن وشؤون المواطنين ووقف الهدر والفساد يتطلب وحدة عمل المؤسسات الامنية واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.. والغاء وجود السلاح غير الشرعي كما نص القرار الدولي 1701 و1559..
وإذا كان البعض ينتظر ان يقدم قرابين الطاعة والولاء لمشروع اقليمي بهدف حماية وجوده ودوره فهو واهم..