الكولونيل شربل بركات يقرأ في خطاب نصرالله الأخير في تعليق عنوانه، “السيد حسن وخطاب الحرب” الكولونيل شربل بركات/18 شباط/2024
يطمئننا السيد حسن في خطابه الأخير، بأننا متوجهون صوب الحرب وأنه لا حلول في الأفق سوى القتال حتى الموت “بكرامة”، كما يقول، لأن البديل هو الذل تحت “الوصاية الاميركية”. وقد عاش الجنوبيون أقله منذ سنة 2000 إلى سنة 2020 بنوع من الاستقرار والازدهار (لم يعيشوه منذ فرض عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية رؤيتهم لمحاربة اسرائيل على حساب استقرار لبنان وخاصة الجنوب وأهل)، ولو كان هذا في ظل سلاح الحزب الذي تميّز بالانضباط نوعا ما لعدم تعريض البلاد لخطر الحرب، ومنع أي تعد عبر الحدود، ما يضمن العيش الرغيد لأبناء الجنوب هؤلاء، كيف لا وهم بيئته الحاضنة والأهل. ولكن هذه الفترة من “الرفاهية السلمية” تخللتها ما سمي بحرب 2006، يوم قرر قاسم سليماني توجيه رسالة إلى الغرب بشأن الموضوع النووي الإيراني، فقام بحربه تلك في الجنوب وبأهله والبنى التحتية والفوقية في كل لبنان، حيث كانت النتيجة دمار شامل وقتلى بالآلاف، ولكن سخاء العرب خفف من هذه المصيبة، وكان القرار الدولي 1701 الذي حاول استبدال الحزب بالقوات الدولية بين الليطاني والحدود لمنع تكرار هكذا أحداث.
بشارة السيد حسن الجديدة القديمة تعني الكثير لأهل الجنوب وسكان لبنان قاطبة، فقد تهّيب الكل، ومنذ بداية تجنيد الإيرانيين لمليشيا خاصة بهم مرتبطة عقائديا ولوجستيا وبالامرة بنظام الملالي، تهيبوا من هذه الخطوة واعتبرها الكثيرون بأنها تحل محل منظمة عرفات في تخريب عيش اللبنانيين واقلاق راحتهم، ولو أن عناصرها وقيادتها يحملون الجنسية اللبنانية، لأن ولاءهم وعقيدتهم لا يرتبطان بلبنان بأي شكل من الاشكال، فقد خالفوا كل ما أجمع اللبنانيون عليه، بدءً بالمظهر والثقافة والتصرف والهدف والولاء، وانتهاء بجو الحقد والكراهية التي لم يعتد اللبنانيون عليها، فاللبنانيون، على اختلاف طوائفهم ومناطقهم، يُجمعون على حب الحياة والصدر الرحب والانفتاح وكبر النفس، ولا يقبلون بتلقي الأوامر، وبالتالي فهم أحرار منذ الولادة، فكيف يرتضون بأن يتبعوا نظريات مضى عليها الزمن، وطريقة عيش لم يعهدوها قبلا، وقيم أخلاقية لا تشبههم بشيء.
لقد فرض جماعة الولي الفقيه رأيهم على هذه الفئة من اللبنانيين بالقوة، وفي ظل الاحتلال السوري أولا، ومن ثم تحت سيف الارهاب والمعارك المصطنعة والاعلام الموجه، ومن جهة أخرى بالترغيب أيضا. وهم تعمّدوا ضرب اقتصاد البلاد واستقرار العملة ليضمنوا تعاون البعض معهم مقابل مكاسب آنية ومكتسبات مؤقتة، ما أشاع جوا من الفساد بين الناس أسقط المؤسسات وبالتالي الدولة، لتنهض دويلة الميليشيا وتتحكم بمفاصل هذه الدولة وشؤون الناس.
تُرك السيد حسن وجماعته يحكمون الجنوب يوم خرجت اسرائيل، وبدل أن تتسلم الدولة مسؤولياتها بفرض الأمن بين الناس والاستقرار على الحدود، بقيت المنطقة بيد جماعة الملالي تتحكم بالناس وتتشاوف بأنها هي من حرر الأرض، التي دافع عنها أبناؤها، حتى في ظل تواجد الجيش الاسرائيلي، وأبقوا على الاهل والنظام، وحموا الناس وأرزاقهم، ولكنهم مُنعوا من العيش في بيوتهم، ليستفرد الحزب بالقرار ويدعي الحق بالسيطرة.
السيد وجماعته المرتبطة بنظام الملالي لا يهمهم لبنان ولا أهله، وهم اليوم يحاولون أن ينفذوا أوامر الحرس الثوري في فتح الجبهات واغلاقها من دون أن يهتموا بمصالح الناس ولا بمصيرهم، وقد أخبرنا سابقا بأنه يملك ترسانة من الصواريخ والأسلحة والمسيرات تجعل اسرائيل مكبّلة ولا تجروء على التحرك تجاهه، وهو وضع قواعد اللعبة؛ فكل تعدي يقابله رد متوازن لمنع التكرار، ولكنه لم يرتدع هو عندما طوّر مفهوم القتال ليطرح مبدأ “وحدة الساحات” التي ستؤدي إلى زوال دولة اسرائيل من الوجود، فهي “أوهى من بيت العنكبوت” بنظره. ولكننا اليوم وبعد أكثر من مئة يوم على بدء ردود اسرائيل على التعدي، وجدنا بأن لا مسيرات لديه تمنع العدو، ولا صواريخ قادرة على ردعه، بل مفرقعات اعلامية وتهديد كلامي أدى إلى مقتل حوالي مئتين من عناصره وقادة الجبهات، وقبل يوم أمس إلى مقتل مدنيين في مدن بعيدة عن الجبهة.
يقول السيد في خطابه الأخير بأن الرد على مقتل المدنيين سيكون بقتل مدنيين في اسرائيل، وهذه معادلة سهلة إذا لم يحسب حسابات الردود، فتصويبه على ما أسماه “أعمدة التجسس” أدى إلى فقدانه أغلب قادة الأرض في القوات الخاصة (قوات الرضوان)، وتهجير أكثر من مئة ألف من أبناء الجنوب “الصامد” ولم تُقصف البيوت بعد، فماذا سيكون ثمن إصابة المدنيين داخل اسرائيل؟ وهل سيمكنه ولبنان تحمل ذلك؟ وماذا ستفعل إيران إن تعرض لبنان لمثل هذا التصرف؟ هل ستبدأ بتوجيه صواريخها الطويلة المدى إلى مدن اسرائيل؟ أم أنها ستكتفي بالطلب منه أن يوقف الاعتداءات ليتمكن وزير الخارجية من السعي لاحتواء الازمة، خوفا من أن يرتد غضب اسرائيل على مدن إيران ومفاعلاتها؟..
هناك مثل لبناني يقول فيه أحدهم لرفيقه كتباهي: “بيي بيجبر المكسورة”، فيرد عليه رفيقه “بيي ما بيخليها تنكسر”…
فيا سيد حسن رحمة بمن تبقى من الأهل في لبنان وخاصة جنوبه أرفع يدك عنه واتركه يعيش بما تبقى، فحرام عليك، وأنت تدّعي لبس العمامة وتنتسب لسلالة كريمة، أن تتسبب بقتل وتشريد الأهل بدون نتيجة تذكر. فكلامك عن أن المقاومة تسعى فقط لتنفيذ أهدافها ولا يهمها النتائج يمكن أن تراها واضحة فيما يحدث بغزة؛ فقد تهجر مليوني شخص حتى الآن عدى عن القتلى والجرحى، ولم يعد هناك من مكان يصلح للسكن، وإن لم تعمل دول العرب، التي لا تنفك تهاجمها، على اعادة الاعمار، فلن تقوم قائمة لا لغزة ولا لفلسطين التي تدعي الحرب من أجلها. فلا تُدخّل لبنان آتون نار تأكل كل شيء ولا حيلة لك إلا الكلام لاطفائها. ومصير الأهل في الجنوب، لا بل كل لبنان، لن يكون أرحم من مصير أهل بلاد الشام التي سلّفت بتهجيرهم كرامة لعيون الأسد، فهل ستهجّر شعبك وأهلك كرامة لعيون الولي الفقيه؟..