طبول الحرب تقرع في بيوت اللبنانيين محمد سلام/هنا لبنان/01 شباط/2024
غالبية النازحين المدنيين هجروا قرى وبلدات وأحياء دمر فيها القصف الإسرائيلي أهدافاً محددة، ما عزز الإعتقاد بين المدنيين بأنّ الإسرائيليين يملكون بنك أهداف محددة لم يكن السكان يعتقدون بأنها تعود لفصائل مقاتلة
من كلّف فرنسا أن تقترح على اللبنانيين باسم اللجنة الخماسية التوافق على مرشح “الخيار الثالث” لملء الشغور الرئاسي في شهره الـ 15؟ ومن كلّف فرنسا أن تقترح هدنة بين إسرائيل وحماس لتبادل الرهائن؟ ووفق أيّ نص دستوري يقترح الرئيس نبيه بري “التوافق” على رئيس للجمهورية ثم إنتخابه؟
هذه التساؤلات تختصر المتاهة اللبنانية بشقيها المحلي والدولي. وهو ما أكده الرئيس نبيه بري في قوله لسفراء الخماسية “حتى لو دعيت إلى عقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، والخلاف ما زال موجوداً، فلن تؤدي إلى نتيجة” ما يناقض كل ما قيل عن “توافق” أعضاء الخماسية على خطة.
وفي تأكيد على إقتراح فرنسا التوافق على خيار ثالث لرئاسة الجمهورية ثم إنتخابه قال الرئيس بري: “أنا مستعد لعقد جلسة الانتخاب هذه، لكن فلنأتِ إلى الحوار أولاً ولنتفق على اسم مرشح، ونذهب بعد ذلك إلى جلسة لانتخابه”.
وفق أي نص دستوري يتم التوافق على شخص ثم إنتخابه في مسرحية هزلية تحتقر الشعب اللبناني لملء مقعد رئيس الجمهورية في قصر بعبدا بعد إكتمال شروط المحاصصة مع من سينتخبوه.
فعلاً، كما يقول أحد سفراء الخماسية، “إنها مهزلة.”
لم تتفق الدول الأعضاء في الخماسية (أميركا، فرنسا، السعودية مصر، قطر) على أي مقاربة متعلقة بلبنان، حتى على فصل إنتخابات رئاسة الجمهورية عن الصراع عبر جبهة الجنوب بين إذرع إيران وإسرائيل، ولا على ربط وقف إطلاق النار في جنوب لبنان بمثله في غزة الذي قدمته باريس وقبلته حماس مبدئياً لكن إسرائيل رفضته.
مسؤول رفيع في حماس نقلت عنه وسائل إعلام دولية قوله إن الحركة قبلت إقتراح وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وفق خطة المراحل الثلاث التي تقدمت بها باريس على أن تشمل المرحلة الأولى إطلاق المدنيين، والمرحلة الثانية تخصص لتبادل إطلاق الجنود الإسرائيليين ومقاتلي حماس والجهاد الإسلامي، أما المرحلة الثالثة فمخصصة لتبادل جثامين القتلي بعد إثبات هوياتهم وهي عملية معقدة وتستغرق فترة طويلة لتحديد الحمض النووي خصوصاً أثناء العمل على تحديد هويات الجثامين التي لا تحمل بطاقات تعريف أو أرقام تسلسلية تحدد هويات أصحابها في سجلات قياداتها.
وعلى الرغم من موافقة حماس المبدئية على العرض الفرنسي رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي إتفاق مع القوى المقاتلة في غزة.
قال نتنياهو في كلمة ألقاها في مستوطنة بالضفة الغربية: “أود أن أوضح… لن نسحب جيش الدفاع الإسرائيلي من قطاع غزة ولن نُطلق سراح آلاف الإرهابيين. لن يحدث أي من هذا”.
وأضاف: “هذه ليست جولة قتالية أخرى، ولن يكون هناك تبادل ضربات بعد الآن، ولا عمليات عسكرية بعد الآن… انتصار مطلق. وليس أقلّ من هذا. وأنا ملتزم بهذا، وجنودنا ملتزمون بهذا، والغالبية الساحقة من الشعب ملتزمة بهذا. ولن نُساوم على أقلّ من انتصار مطلق”.
التصعيد السياسي الإسرائيلي المعلن تزامن مع تغيير جذري في الأداء الميداني العشوائي في محاولة لتلافي تهمة إرتكاب إبادة جماعية فصار شديد التركيز على أهداف محددة بذاتها، لا سيما في جبهة جنوب لبنان، ما تسبب بإصابات في صفوف المدنيين من سكان المنازل المجاورة للأهداف التي تدمرها النيران الإسرائيلية، وأدى إلى تصاعد وتيرة نزوح المدنيين الذين بلغ عددهم حتى مساء يوم الثلاثاء الماضي 86،874 شخصاً بينهم 1،103 أشخاص من غير المقتدرين مادياً يقيمون في 14 ملجأ جماعياً، وتوزعوا على 24 قضاء في مختلف المحافظات اللبنانية.
غالبية النازحين المدنيين هجروا قرى وبلدات وأحياء دمر فيها القصف الإسرائيلي، الجوي والبري، أهدافاً محددة، ما عزز الإعتقاد بين المدنيين بأنّ الإسرائيليين يملكون بنك أهداف محددة لم يكن السكان يعتقدون بأنها تعود لفصائل مقاتلة.
يقول مصدر أمني رفيع في مدينة صور الجنوبية التي لم تتعرض للقصف الإسرائيلي إنّ النزوح من قرى جنوبي نهر الليطاني تزايد بنسبة ملحوظة منذ يوم الأحد الماضي عندما بدأت إسرائيل تدمر أهدافاً محددة لم يعلم سكان البلدات والأحياء أنها تابعة لفصائل مقاتلة إلا عندما منع مسلحون الإقتراب من الدمار الذي تسبب به القصف الإسرائيلي.
المصدر الأمني الذي طلب عدم كشف إسمه أو اسم الإدارة الأمنية التابع لها أضاف: “صار الناس يشكون ببعضهم البعض لأن غالبيتهم كانت تشتري من تلك المؤسسة التي دمرتها مسيّرة إسرائيلية ولم يعلموا أنها تابعة لفصيل مسلح إلا عندما حضرت سيارات إسعاف ذلك الفصيل ومسلحوه وأحاطوا بالدمار بحثاً عن مصابين أو أمور أخرى”.
في صيدا، وتحديداً في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين أصيبت زوجة أحد مسؤولي تنظيم مقاتل بنزيف نسائي، لكنه رفض نقلها إلى مستشفى خارج المخيم بسيارة إسعاف خوفاً من تعرضها للقصف لأنّ سيارات الإسعاف التابعة لجمعية خيرية كانت تستعمل لنقل ذخائر ومقاتلين للمسلحين الأصوليين أثناء القتال مع حركة فتح.
والآن، يقول المسؤول الفلسطيني، “إسرائيل تقصف أهدافاً محددة ويمكن أن تستهدف سيارات إسعاف في مناطق معينة لأنها إستخدمت من قبل البعض لغير أهدافها وهذا سبق وحصل عندنا في المخيم”.
صديقي زهير بدّل سيارته واستعار سيارة صديقه ليتمكن من الذهاب إلى أرضه وقطف زيتونه في القطاع الشرقي من جنوب لبنان لأنه يملك سيارة ستيشن “وإسرائيل تقصف سيارات الستيشن. والحمد لله، ربك يسر وإنقضت على خير”.
اللبنانيون في بلدات الجنوب يعيشون هذه الفوبيا، أما في بيروت الغربية كما المدن والمناطق ذات الغالبية السكانية السنية فالفوبيا هي: “هل يوجد بيننا منشآت تابعة لإيران أو حماس يمكن أن تقصفها إسرائيل ونتضرر نحن منها؟”
زميلتي بيتها في ضاحية بيروت الجنوبية، وتحديداً في الشارع الذي اغتيل فيه نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، تبحث عن منزل تستأجره حيث “لا يوجد منشآت للحزب وحماس وأتباعهم. الله كتب لنا سلامة من تفجير العاروري، يكفينا ما عشناه”.
في شوارع بيروت يسألني كثر: “سمعت تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي؟ قال بدو يدمّر بيروت!!”
قال وزير الدفاع يوآف غالانت “إنّ احتمال التوصل إلى اتفاق محتمل مع (حزب الله) بدأ ينفد. وإذا تدهور الوضع أكثر، فإن الحالة في حيفا لن تكون جيدة، ولكن في بيروت، سيكون الوضع مدمراً”.
سألني أحد مخاتير بيروت: “ما هو برأيك أفضل أسلوب لبق لإعلان أننا لسنا طرفاً في النزاع بين ميليشيات إيران وإسرائيل، وأنه لا توجد في أحيائنا منشآت أو مساكن أو مكاتب أو مواقع أو شركات وهمية تابعة لأطراف هذا الصراع؟”
أجبته: “اللباقة والغلاظة خصمان يا مختار. إذا كنت لبقاً مع غليظ تكون أنت الخاسر”.
وأضفت: “مع الغليظ السمج الشرس لا تتحدث بلباقة يا مختار، بل تفعل… وهذا ما لم يفعله زعماء سنة بيروت منذ 7 أيار، لذلك لم تعد تفيدهم لباقتهم.”