رابط مقابلة استراتجية من قناة “أم تي في” مع العميد خالد حمادة الباحث في الشؤون السياسية والأمنية يشرح من خلالها بالتفصيل والوقائع مسرحية تبادل الخدمات الإعلامية بين إسرائيل وإيران من خلال حزب الله، وبالتناغم مع أميركا، ويؤكد أن لا قيمة عسكرية للمطار الذي قالت إسرائيل ان حزب الله اقامه في الجنوب، اضافة إلى شرح لحرب مخيم عين الحلوة والنزوح السوري المخيف والصفقات الإيرانية-الأميركية -الإسرائيلية، والصراع الفلسطيني الفلسطيني على خلفية التشرذم وخلافة محمود عباس، والترتيبات والصفقات الدولية والإقليمية ولجولة لودريان والإتفاق السعودي-الإيراني
13 أيلول/2023
في اسفل آخر 3 مقالات للعميد خالد حخمدان نشرت في جريدة اللواء
مخيَّم عين الحلوة يحاكي إقليم التفاح
العميد الركن خالد حماده/اللواء/12 أيلول/2023
دخلت أزقة وأحياء مخيم عين الحلوة موسوعة خطوط التماس الإقليمية في لبنان لتنضم الى خطوط سبقتها لا تزال تعيش في ذاكرة اللبنانيين منذ اندلاع المواجهات الإقليمية على أرض لبنان في العام 1975. الإقتتال المتفاقم بين الفلسطينيين ليس وليد نزاع على تشكيل سلطة وطنية تعذّر حله بالحوار، إنه محطة دامية على مسار تغيير قسري لهوية منظمة التحرير الفلسطينية. وبهذا فإن إتفاقات وقف إطلاق النار التي يتم التوصل إليها محلياً لن تدخل حيز التطبيق.
أجل سيتعايش اللبنانيون حتى إشعار آخر وسيألفون أخبار الإشتباكات في أحياء حطين والصفصاف والطوارئ والشارع الفوقاني وسواها، كما تعايشوا أعواماً مع وقائع مماثلة على محاور الشياح عين الرمانة وعيتات سوق الغرب وسواها وبعدها محور باب التبانة جبل محسن قبل موقعة نهر البارد، وبعدها على محاور إقليمية بعد أن انتقل فريق منهم للقتال على خطوط تماس إستحدثت خارج لبنان سواء في سوريا أو اليمن.
لقد استشهد اللبنانيون على طرفيّ خطوط التماس وفي عمقها الجغرافي من أجل عروبة لبنان لحسم هوية ملتبسة، ونصرة لفلسطين للتأكيد على مواجهة عدو مغتصب، ومن أجل إصلاح نظام سياسي طائفي بهدف العبور الى دولة المساواة والمواطنية، ومن أجل إسقاط اتّفاق 17 أيار للتأكيد على قرارهم الحر رغم الإحتلال. إكتشف اللبنانيون بعد أن وضعت حروب الآخرين على أرضهم أوزارها أن تلك العناوين التي اندفعوا للقتال من أجلها، وأن الإنقسامات التي عمقتها خطوط التماس التي تحشدوا خلفها، وأن أمنهم الوطني برمّته قد تحولت جميعها الى أوراق لتعزيز النفوذ وتحسين شروط التفاوض لدى أنظمة عائلية ومذهبية فاسدة وبعيدة كل البعد عن العروبة وفلسطين.
لا يمكن فصل خطوط التماس التي شهدها لبنان وبعده العراق وسوريا واليمن ـــ والتي أُسقط نموذجها اليوم في أحياء عين الحلوة ـــ عن المشهد الإقليمي القائم بصراعاته القاتلة الذي يتوسل تغيير الهوية والخطاب الديني لتمدد النفوذ. لقد درج مهندسو خطوط التماس الإقليميون على استنهاض الخصوصيات وإحداث حالات من القطع القسري عند كل تمايز ثقافي أو في طريقة الحياة وتحويل إمكانية التواصل التي يفرضها حال التجاور الى حذر وقلق دائمين. في عين الحلوة ترسّم الخطوط ضمن الجماعة السياسية الواحدة لمجرد الإختلاف في الموقف السياسي بهدف إحكام السيطرة على قرارها مما يكسبها بعداً تدميرياً يستحيل معه إعادة بناء متّحد سياسي.
يقدّم الصراع الدائر في عين الحلوة الصورة الأكثر خطورة للإنقسام الذي عرفته الطائفة الشيعية بعد دخول النفوذ الإيراني الى لبنان والذي أشعل خطوط التماس بين حركة أمل وحزب الله على امتداد القرى والبلدات التي سكنتها العائلات الواحدة. مثلت الحرب التي اندلعت في مارس 1988 وعرفت بحرب الأخوة ذروة الصراع على جنوب لبنان بين سوريا وإيران. إن مراجعة سريعة لمسلسل الأحداث الدامية التي عرفتها مدن وقرى الجنوب اللبناني من النبطية الى جبشيت وزوطر الشرقية والدوير وكفرفيلا وكفرملكي وجباع وعين بوسوار والتناوب على احتلالها من قبل حزب الله وحركة أمل وتمدد الإشتباكات الى الضاحية الجنوبية وبيروت، تؤكد خطورة الإرتهان للصراع الإقليمي على متّحد مجتمعي متجانس، كما يؤكد الواقع اللبناني القائم خطورة الإستباحة الإقليمية للبنان ومدى صعوبة وربما استحالة إعادة تكوين متّحد وطني حقيقي. من ناحية أخرى، إن العودة للخطاب التعبوي والتخويني الذي استخدمه في حينه أعداء الأمس وحلفاء اليوم الذين يريدون إقناع اللبنانيين بصوابية خياراتهم يؤكد هشاشة التحالفات السياسية القائمة حالياً وإمكانية انهيارها أمام أي تبدل في موازين القوى وتبدل في المصالح.
توقفت حرب الأخوة في إقليم التفاح والضاحية الجنوبية وبيروت في تشرين الثاني 1990 بعد اتّفاق وقّع في دمشق بإشراف إيران وسوريا الدولتين المنتميتين اليوم الى محور الممانعة، ممثلتين في حينه بوزير الخارجية السوري فاروق الشرع ونظيره الإيراني علي أكبر ولايتي. لقد كرّس الإتفاق السوري الإيراني في حينه صيغة لتقاسم النفوذ في لبنان، ربما لم تصمد أمام صعود النفوذ الإيراني في أكثر من بلد عربي وبعد انسحاب الجيش السوري. تبدو الحرب في عين الحلوة أشد قسوة مع إصرار طهران على تغيير هوية منظمة التحرير. فهل يحاكي مخيم عين الحلوة ما جرى في إقليم التفاح؟
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات
حوار أم هروب إلى الأمام
العميد الركن خالد حماده/اللواء/05 أيلول/2023
لم يؤدِّ اقتراح الرئيس نبيه بري بالدعوة لحوار لمدة سبعة أيام بين الكتل النيابية تليه جلسات متتالية لإنتخاب رئيس للجمهورية سوى إلى مزيد من الإضطراب والتشنج في المواقف، وإلى ارتفاع في حدّة التعبير عن رفض المعارضة للحوار. تجاوب بعض الكتل السياسية مع الدعوة للحوار سواء الملتحقة بتحالف أمل حزب الله، أو ترحيب الكتل المنضوية تحت عنوان عدم جواز رفض الحوار الذي لا بد منه للخروج من الأزمة ـــ لا سيما تلك التي لم تقترع للوزير السابق سليمان فرنجية ـــ لا يمكنهما تغطية الكم الهائل من السلبية الذي راكمته جلسات الإنتخاب المخالفة للدستور التي دعا إليها الرئيس نبيه بري والتي انتهت قبل أن تبدأ.
وبالمقابل لا يمكن إلا تفهم وقبول ردود الفعل العنيفة الرافضة للحوار والتي تبدو منطقية بموازاة هذا الإمعان في استباحة الدستور وفرض نظام أبوي على المجلس النيابي يكرس سيادة مطلقة لرئيسه في الدعوة للإجتماع وتعليق الجلسات خلافاً للدستور، وهو يضيف هذه المرة مأثرة جديدة تفرض التفاهم على مرشح أوحد أو أكثر قبل الذهاب الى جلسة الإنتخاب، دون إظهار الحد الأدنى من الإعتبار لما تعنيه الصفة التمثيلية للنواب أو إرادة اللبنانيين في اختيارهم.
أما الذهاب الى جلسات متتالية حتى انتخاب الرئيس، وفقاً لاقتراح الرئيس بري، فلا يمكن قراءته إلا من قبيل الإصرار على استغباء اللبنانيين قبل ممثليهم. ربما كان ممكناً التخفيف من الوقع السلبي للحوار اللادستوري المقترح لو كان سيفضي الى جلسة إنتخاب بدورات متتالية وفقاً للمادة 49 من الدستور، أما القول بجلسات متتالية فهو لا يعني سوى تكرار لمسلسل إقفال وإفتتاح سلسلة من الجلسات تضع النواب أمام خيارين لا ثالث لهما ، انتخاب مرشح الممانعة أو الإستمرار في الفراغ.
لم تكن ردود الفعل على الدعوة للحوار مفاجئة أو غير متوقعة، والرئيس بري يدركها قبل سواه. فهل يستقيم الحوار مع من أسماهم بري «فريق الوشاة، الذي يسيّر خطوط ترانزيت جوية عابرة للقارات باتّجاه عواصم القرار في أوروبا وأميركا ويشكل مجموعات ضغط تحريضاً وتشويهاً؟ لقد مثلت الذكرى الخامسة والأربعين لتغييب الإمام موسى الصدر منصة لإطلاق المواقف ومنها موضوع الشغور الرئاسي، فلمن أراد الرئيس بري توجيه الرسائل من خلال إقتراح الحوار؟
هل فرنسا التي خذلت محور الممانعة بعد الإتهام الصريح الذي وجَّهه الرئيس ماكرون لإيران بعرقلة الحل السياسي في لبنان أمام الدبلوماسيين في «مؤتمر السفراء» في باريس في 28 أغسطس/آب المنصرم، ولهذا أتت الدعوة لاستباق وصول الموفد الرئاسي جان إيف لودريان؟ أم للتأكيد على إستمرار الدعم الإيراني لمحور الممانعة بالرغم من الإتفاق السعودي الإيراني وملاقاة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي وصل الى بيروت في زيارة مفاجئة ومجهولة الأهداف؟ زيارة عبد اللهيان التي اجتمع خلالها بحلفائه وأكد دعم بلاده للمقاومة بدت أقرب الى استدعاء فرضته المستجدات ومنها صدور قرار مجلس الأمن 2695 بالتجديد لقوات اليونيفيل مع التأكيد على حرية حركتها دون أي إذن مسبق ودون التنسيق مع الجيش اللبناني. وقد يكون في المؤتمر الصحفي الذي عقده اللهيان في وزارة الخارجية حول مسألة الكهرباء واستعداد بلاده للتدخل بعد تعثر وصول الغاز المصري أكثر من دلالة على صفة الإرتجال وليس على زيارة هادفة تقوم بها دولة إقليمية وازنة.
وبصرف النظر عن المضي بالدعوة المرتجلة للحوار وعن جدوى إنعقاده بمن حضر أو عدمه، يطرح التساؤل حول قدرة فريق الممانعة على التعايش مع احتمال وصول مرشح لم تختاره الى سدّة الرئاسة. إن هاجس تشكيل أكثرية مطلقة تفضي الى انتخاب رئيس من خارج محور الممانعة هو ما يحول دون دعوة الرئيس بري الى جلسة واحدة بعدة دورات لإنتخاب الرئيس وفقاً للمادة 49 من الدستور.
يبدو أن أقصى المتاح في ظلّ وجود ضوابط إقليمية ودولية تمنع تفجير الموقف الأمني والميداني على الحدود هو الإنحدار في الخطاب السياسي وتوجيه الإتهامات للآخرين بشراء الذمم في مراكز النفوذ في العواصم الغربية. وفي هذا السياق يصبح الحوار مجرد وسيلة للهروب الى الأمام.
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات
مجموعة BRICS واستنساخ الرئيس
العميد الركن خالد حماده
/اللواء/29 آب/2023
تصدّر موضوع انتخاب رئيس للجمهورية واجهة المشهد السياسي منذ دخول مهلة الشهرين التي سبقت انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون وفقاً للمادة 73 من الدستور. بدى الموقف لأكثرية اللبنانيين مذاك الوقت فرصة لطيّ حقبة من تاريخ امتزجت خلاله نرجسية الحاكم بشراهة العائلة وعانى لبنان واللبنانيون معه الأمرّين. فيما اعتبر حزب الله وحلفاؤه أن الولاية المنقضية هي نموذج الحكم الذي يجب تكراره وأن استنساخ الرئيس هو الإنجاز الوحيد المرتجى.
وفيما ترزح الإنتخابات الرئاسية تحت وطأة تجاذبات داخلية مسدودة الأفق واصطفافات إقليمية فقدت ألقها وأهدافها، بفعل التحولات الدولية، تذهب التكتلات الدولية نحو مزيد من الديناميات والتحالفات الإقتصادية غير المسبوقة التي ستفضي الى تعديلات في الأوليات السياسية.
لقد أعلنت «مجموعة بريكس» المؤلفة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا -التي تشكّل مجتمعة نحو % 40 من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من % 40 من سكان الكرة الأرضية والتي وصلت مساهمتها في الإقتصاد العالمي إلى % 31.5 بينما توقفت مساهمة مجموعة السبع عند % 30.7ـــ الترحيب بإنضمام المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وإيران إليها، وهي بذلك تهدف إلى أن تصبح قوة إقتصادية عالمية قادرة على منافسة «مجموعة السبع» (G7) التي تستحوذ على % 60من الثروة العالمية.
هل يقرأ السياسيون في لبنان تبعات وتداعيات هذا التحوّل الجديد في العلاقات الدولية على خياراتهم الوطنية ومنها الإستحقاق الرئاسي؟ وهل لا زالت العناوين التي تحمّل لبنان تبعاتها الإقتصادية والأمنية والسياسية وتحمّل اللبنانيون تبعات السير بها قابلة للحياة وتستحق التضحية من أجلها؟
إن مقارنة بسيطة بين الخطاب السياسي اللبناني المستفز لأبسط قواعد العلاقات الدولية وأصول السيادة واحترام الدستور والمساواة بين المواطنين وبين ما يجب أن يرتقي الخطاب السياسي إليه، تؤكد أن هناك حالة من الفصام schizophrenia السياسي يعيشها أصحاب هذا الخطاب. كيف ينظر هؤلاء الساسة القابضون على حياة اللبنانيين الى تقارير شركات التدقيق الجنائي، وآخرها «الفاريز أند مارشال» وتقرير «غولدمان ساكس» واللذين يشيران الى عدم رغبة الحكومة اللبنانية في إعادة رسملة البنوك وعدم تجاوب البرلمان مع المقترحات الدولية والشكوك حول قدرة الحكومة في تمرير القوانين الإصلاحية المطلوبة من خلال البرلمان؟ كيف تتعاطى حكومة لبنان مع التجديد للقرار 1701 ؟ هل تريد تطبيق القرار وإلا فلتمتلك الجرأة بإعلان عدم موافقتها عليه؟ ألا يستند هذا القرار الى الدستور اللبناني الذي تدّعي الحكومة والبرلمان تمسكهما به؟ ألا تقضي البديهيات أن يتوقف النزف في قطاع الطاقة ويخجل أصحاب الصفقات المشبوهة الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة وحلفاؤهم عن تحصيل المال السياسي على حساب اللبنانيين؟
إن عدم التوقف عن وقاحة التغني بالإنجازات، وآخرها ما أدلى به الوزير جبران باسيل لدى زيارته لمعمل مار ليشع في وادي قاديشا لتوليد الكهرباء بعد استحضار البُعد الإيماني للوادي:«هناك منظومة متمسكة برقاب الشعب والبلد وبموارده، حيث لن يستطيع الشعب استعادة أنفاسه إلا بعد قطع اليد الموضوعة على رقابه» يؤكد حال فقدان الإتصال بالواقع والهلوسة والتفكير والسلوك غير الطبيعيين، وتدني الوظائف الذهنية والقصور في الأداء بما فيها العلاقات الإجتماعية.
يفتقر السياسيون في لبنان الى الرؤيا وتفتقر السياسة اللبنانية الى السياسة بمعناها الحداثي المتحرك. أجل لقد تقوقعت السياسة اللبنانية في ظلمات المذاهب والطوائف والإثنيات التي اعتمدتها القوى الغربية في السيطرة على دول العالم الثالث الغارقة في غيبيات لا حدود لها. تحوّل الإستتباع الطائفي والمذهبي في لبنان الى أسلوب في السياسة والإقتصاد والإجتماع والأمن. وعندما اختارت دول المرجعيات والأيديولوجبات الدينية المؤثرة مجاراة التحولات الدولية وتغيير وجهتها شعر اللبنانيون بوطأة خياراتهم وأدرك السياسيون أنهم فقدوا حيويتهم وقدرتهم على المبادرة.
ومع توسيع مجموعة BRICS وإصرار حزب الله على استنساخ الرئيس مجدداً وتعذر النجاح لظروف إقليمية ودولية يبدو أن الانتخابات الرئاسية قد طويت الى أجلٍّ غير مسمّى.
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات