*الـ1559 قبل أن تصبح الشاحنة بوسطة/د. ميشال الشماعي/النهار/12 آب/2023 *الكحّالة محطة جديدة في مسار الطلاق في لبنان!/علي حمادة/الجمعة 11 آب 2023 *عن الكوع والصندوق والدولة الغائبة/سناء الجاك/نداء الوطن/12 آب/2023 *عن “تطفّل” أهل الكحالة على شاحنة تنقل سلاحاً عادياً لـ”حزب الله”/حازم الأمين/موقع درج/11 آب/2023 *كوع الكحّالة يُحرج “التيّار” ويُغرق عون؟/وليد شقير/أساس ميديا/السبت 12 آب 2023 *“حزب الله” من الكحالة الى عين إبل/أحمد عياش/Lebanese Daily/الجمعة 11 آب 2023 *شهيد الكحّالة: كلّ الكلام/جان عزيز/أساس ميديا/الجمعة 11 آب 2023 *حين مرّ كوع الكحالة أمام شاحنة منقلبة/وليد شقير/نداء الوطن/الجمعة 11 آب 2023 *لا بيئة حاضنةً لسلاح “الحزب”؟/أحمد الأيوبي/نداء الوطن/الجمعة 11 آب 2023 *“دماء الكوع” والمقايضة الرئاسيّة!/طوني كرم/نداء الوطن/الجمعة 11 آب 2023 *كل شاحنة “مشودرة” مشبوهة … إلى أن يثبت العكس/لوسي بارسخيان/نداء الوطن/الجمعة 11 آب 2023 *بعد حادثة الكحالة… حلفاء “الحزب” ينتقدونه/محمد شقير/الشرق الأوسط/الجمعة 11 آب 2023 *“الحزب” عن حادثة الكحّالة: عرضيّة وانتهت/غادة حلاوي/نداء الوطن/الجمعة 11 آب 2023
الـ1559 قبل أن تصبح الشاحنة بوسطة د. ميشال الشماعي/النهار/12 آب/2023
تتابع الأحداث الأمنية بهذا الشكل الدراماتيكي لا ينبئ بالاستمرار على الاستقرار ولا حتّى بالاستقرار على الاستمرار، بل عكس ذلك تمامًا. فعلى ما يبدو ممّا يحدث إقليميًّا ودوليًّا، زد على ذلك محلّيًّا، الأمور تتّجه أكثر فأكثر نحو الحسم. ويبدو أيضًا أنّ ساعة الحقيقة قد دقّت.
يبقى أن نترقّب الزّمان والمكان المناسبين وفاقًا للأجندات مجتمعةً. فهل يستطيع لبنان الصمود أكثر حتّى تجلّي ساعة الحقيقة؟ وما نفع الحلول الجزئيّة في ظلّ التفلّت السيادي المستشري على طول ال 10452 كلم2 من عين إبل إلى الكحّالة فشويّا وخلدة وقبرشمون وعين الرّمانة وقمة الشهداء في بشري حتّى بيروت العاصمة العاصية؟
لقد تركت الأحداث الأخيرة في نفوس اللبنانيّين اشمئزازًا من التفلّت الذي تعاني منه الدّولة ككلّ. فالأمن اللبناني بخدمة منظّمة حزب الله حصرًا. وكلّ مَن يتحالَف معها يصبح فوق القانون، ولا قضاء يجرؤ على محاسبته. إضافةً إلى النعيم الذي يُغدَقُ عليه من جنّات الحكم التي قد يتمتّع بها بفضل إمضائه “شيكًا على بياض” لهذا المحور. فحادثتا عين إبل والكحّالة فتحتا من جديد الملفّ السيادي على مصراعيه. إذ لم تعد تنفع المناصب سواء أكانت رئاسيّة أم وزاريّة أم نيابيّة في ظلّ احتلال السيادة.
وهذا ما يجب تمييزه في لبنان اليوم عندما نتحدّث عن وجود احتلال إيراني. فهذا الاحتلال ليس جغرافيًّا أو ميدانيًّا للأرض اللبنانيّة، بقدر ما هو احتلال للسيادة اللبنانيّة. قد يكون هذا مصطلح مستجدّ يُضاف إلى قاموس المصطلحات السياسيّة التي نجح بفرضها هذا المحور. وهذا الاحتلال كغيره بحاجة إلى مقاومة لبنانيّة للتحرّر منه. والاختلاف هنا ليس حول فكرة المقاومة الاستراتيجيّة، بل حول طبيعتها التكتيّة التنفيذيّة.
أمام الاعتداءات المتكرّرة بالسلاح التي تمارسها منظّمة حزب الله ترتفع الأصوات المطالبة بالتسلّح لمواجهتها على قاعدة أنّ السلاح لا يواجَه إلا بالمثل. فيما تبقى بعض الأصوات العاقلة التي تتمسّك أكثر بالدّولة، وتطالبها بالقيام بواجباتها المؤسّساتيّة، إن من حيث التحقيقات الأمنيّة، وإن من حيث الأحكام القضائيّة المنصِفَة. لكن يبدو أنّ هذا النوع من الاحتلالات لا تنفع معه المقاومة العسكريّة لأنّه يحيا كلّما شرب دماء، ولا المقاومة الدّستوريّة التي يخوضها السياديّون لأنّه لا يقرأ دستورًا سوى دستور الفقيه الذي يدين له وحده بالولاء. وإلا قد تتحوّل شاحنة الكحّالة أو غيرها إلى بوسطة عين الرّمانة في أيّ لحظة، لأنّ النّاس قد ضاقت ذرعًا ولم يعد بالإمكان استيعاب غضبها في كلّ سقطة.
لذلك كلّه، نحن بأمسّ الحاجة اليوم إلى مقاومة سياديّة تقاومه بالموضوع السيادي حصرًا، وهذا إن نجح به السياديّون عندها فقط ينجحون بإسقاط الأوراق التي ما زالت حتّى الساعة منظّمة “الحزب” تحارب بوساطتها. ولن يتحقّق ذلك إلا بتنفيذ كامل للقرار 1559؛ وكي لا نغالي بتوجيه السهام فقط على منظّمة “الحزب” التي تتباها بسلاحها غير الشرعي، وإن شرّعته لها سلطتها السياسيّة في البيانات الحكوميّة؛ والأكثر تتباها بتخزينه ونقله بين المدنيّين الآمنين الهانئين بعيشهم الكريم، ولو بحدّه الأدنى مع دويتّو المنظومة والمنظّمة. هذا القرار يجب أن يشمل أيضًا كلّ سلاح غير شرعي بما فيه سلاح المخيّمات الفلسطينيّة، وكلّ المربّعات الأمنيّة، وعصابات تجّار الممنوعات والمهرّبين الحدوديّين وغيرهم.
أمّا آليّة تنفيذ هذا القرار فيجب أن تنطلق من العرين اللبناني السيادي لأنّه المعني الأوّل بهذا القرار الذي إن تحقّقت بنوده السبعة، ستعود بالخير على لبنان كلّه. ففي البند الأوّل منه أكّد على ” الاحترام التام لسيادة لبنان”، وفي الثالث دعا إلى ” حلّ جميع الميليشيات اللبنانيّة ونزع سلاحها”، والرابع أيّد ” بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانيّة”، والخامس أيّد ” عمليّة انتخابيّة حرّة ونزيهة في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة تجري وفقًا لقواعد الدّستور اللبناني الموضوعة من غير تدخّل أو نفوذ أجنبيٍّ”. مع التذكير بأنّ هذا القرار صدر في الثاني من أيلول في العام 2004 في الجلسة 5028 لمجلس الأمن في الأمم المتّحدة، بعد مطالبات من السياديّين بدءًا بنداء المطارنة في 20 أيلول من العام 2000 ولقاء قرنة شهوان.
ولن يتحقّق شيء من ذلك طالما بقي التصويب الاستراتيجي باتّجاه استعادة السلطة بقدرتها عينها. فلقد تمّ تجربة الانتخابات النيابيّة، وحصد السياديّون النتيجة التي فاقمت الأوضاع سوءًا، والانتخابات الرئاسيّة لن تكون أفضل حالاً لأنّها ستفضي إلى تشكيل سلطة ستخضع بالحدّ الأدنى للأمر الواقع الذي قد يبقى على ما هو عليه، إن لم يواجَه استراتيجيًّا بالطريقة الصحيحة. مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ التداعيات الإقليميّة راهنًا لا تصبّ في مصلحة محور إيران، بدءًا بسقوط اتّفاق بكين، وإقفال المعابر بين سوريا والعراق، وعدم السير باستعادة العلاقات مع نظام بشّار.
المطلوب اليوم التقاطع السيادي مع المصلحة الاقليميّة القادمة على المنطقة للتوصّل عبر مطالبة واضحة من المعارضة اللبنانيّة التي انبثقت من تقاطع انتخابيٍّ محلّيٍّ بتنفيذ القرار 1559 بالكامل، وتحت أيّ بندٍ كان شرط أن يتمّ التحرير السيادي، ليستطيع أيّ رئيس للجمهوريّة أن يحكم بقدرة جمهوريّته وسلاحها الشرعي، لا بقدرة خضوعه لمنظمة “الحزب” ومحورها وسلاحها غير الشرعي. وذلك يتمّ بثورة سياديّة، بالتعاون مع الانتشار اللبناني في عواصم القرار، عبر وفود معارِضَة تتشكَّل حصرًا لهذه الغاية، لا للمطالبة لمساعدات من المنظمات غير الحكوميّة. عدا ذلك، سيعبر قطار التحرير السيادي في المنطقة وقد لا نكون على متنه. وعندها لن ينفع البكاء وصريف الأسنان !
الكحّالة محطة جديدة في مسار الطلاق في لبنان! علي حمادة/الجمعة 11 آب 2023
بات من الصعب جداً ترميم علاقة “حزب الله” مع المكوّنات اللبنانية. الأمر لا يتعلق بالمكوّن المسيحي وحده الذي ظهر مزاجه جلياً إثر حادثة الكحّالة، بل ينسحب على مختلف مكونات النسيج اللبناني. هذه حقيقة مؤلمة لكنها حقيقة تعكس الواقع الذي يعيشه اللبنانيون من مختلف الأطياف والبيئات. فقد كشفت حادثة الكحّالة حجم الرفض لسلوك “حزب الله”، ولما يمثله “حزب الله” بشكل عام من سلوكيات، وثقافة، وأيديولوجيا، والأهم ما تمثله وظيفتة الداخلية التي تعمل بلا هوادة على نسف التركيبة اللبنانية الثقافية، والسياسية، والأمنية، والديموغرافية، والعقارية في سياق مشروع غلبة يزحف شيئاً فشيئاً لابتلاع لبنان، ولتدمير ما يمثله هذا البلد من معنى وجودي للجميع بمن فيهم أبناء البيئة المغرر بهم، فضلاً عن وظيفته الخارجية التي لم تنفك عن العمل بمنهجية لسلخ لبنان واللبنانيين عن الحاضنة العربية، والمدى العالمي الأوسع.
قبل حادثة الكحّالة، كانت عملية الاغتيال في عين إبل، وقبلها حوادث متنقلة بين مختلف البيئات، وقاسمها المشترك “حزب الله” وهيمنته في كل اتجاه. ولذلك نعتقد أن ما حصل في الكحالة كان من الممكن أن يمر لولا أن الكيل قد طفح من سلوك ما عاد يمكن السكوت عنه. صحيح أن قيادات سياسية عدة صمتت في الأيام القليلة الماضية، لكن الصحيح أيضاً أن القواعد الشعبية في كل المناطق والبيئات تقول الكلام نفسه، وتفكر بالطريقة عينها، وتنظر الى “حزب الله” بالطريقة ذاتها. إنها الهوة السحيقة التي ما عاد من الممكن ردمها. والدليل أن من يتحدثون عن الفيديرالية، أو عن الطلاق الوطني، يرفعون كلٌّ على طريقته “البطاقة الحمراء” بوجه ذراع إيران في لبنان! من هنا يجب على قادة الحزب المذكور أن يقرؤوا بتمعن رسالة البيئات اللبنانية على اختلافها. فالموقف في العمق لا يختلف بين بيئة مسيحية، أو درزية أو سنية. هذه هي الحقيقة التي يجب أن تقال بصوت عال. لم يعد ممكناً الاستمرار في العيش تحت سماء واحدة مع من صمّوا آذانهم، وأداروا ظهورهم لمن يُفترض أنهم شركاء في الوطن. لم يشتعل الغضب مع حادثة الكحالة، بل كان الغضب مشتعلاً منذ أعوام. مع تراكم مسلسل الاغتيالات، والغزوات، والتفجيرات، والتعديات العقارية، والعراضات المسلحة، والحروب التوريطية في كل مكان، والاعتداءات الكيانية. إنه غضب متصاعد على مر الأعوام مع قيام الحزب المشار إليه بترسيخ معادلة الخوف والترهيب في وطن وُلد كملجأ للمضطهدين، ولا كسجن كبير في هذا الشرق. و لذلك نقول بكل صراحة لكل القوى السياسية في البيئات الأخرى المتورطة في لعبة التخادم مع “حزب الله” إنه حان الوقت لكي تعود الى الطريق الصحيح. حان الوقت للعودة الى الأصل. فالمزاج الغالب في جميع البيئات بات أكثر راديكالية تجاه “تكتيك” اللعب تحت الطاولة والتواطؤ مع طرف صارت الهوة بينه وبين غالبية اللبنانيين عميقة الى أبعد الحدود.
عن الكوع والصندوق والدولة الغائبة سناء الجاك/نداء الوطن/12 آب/2023
أسوأ ما في موقعة كوع الكحالة هو توقيتها. مربكٌ هذا التوقيت في زمانه ومكانه. مربكٌ أكثر لأنّه كشف مدى تقدّم المفاوضات بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل و»حزب الله»، ولأنّه فضح موازين القوى في سير هذه المفاوضات.
فقراءة البيان الصادر عن كتلة «الوفاء للمقاومة»، الذي أدان «التحريض والتعبئة الغبيّة والحاقدة… وفتنة قاصري النظر أو المتورّطين في المشاريع المعادية لمصالح لبنان واللبنانيين»، تظهر أنّ المتورّطين في قاموس «الحزب» هم الأحزاب والقوى المعارضة له، ليبقى أنّ قاصري النظر هم ممن كانوا يصنّفون حلفاء وأصدقاء، لكنّ الطمع أعماهم، فتمرّدوا ولعبوا على الوتر الطائفي، ونسوا المشرقية التي حماها «الشهيد أحمد قصّاص بمشاركته إلى جانب إخوانه المقاومين في الدفاع عن بلدة معلولا وأضاء شمعة أمام كنيستها لتكون مكافأته الاعتداء عليه بالرصاص والقتل من قبل مسلّحين أمام كنيسة الكحالة».
في المقابل، كان واضحاً في بيانات «التيار» ما يبذله من محاولات الإمساك بعصا تداعيات «الحادث المؤسف» من وسطها، في سعي لتنفيس احتقان الشارع المسيحي الذي شيّع فادي بجّاني، وسيعيد نبش قبر الياس الحصروني لكشف ملابسات جريمة قتله في عين إبل، من جهة، ولعدم قطع جسور الوصل التي يمدّها باسيل وبدقّة وحنكة لإنجاز الصفقة مع «حزب الله» من جهة أخرى، ليحظى بصندوق يدرّ عليه ذهباً، ووعد بكرسي بعبدا بعد ستّ سنوات، في مقايضة تحفظ له ماء الوجه. حقيقة، لا يُحسد باسيل على وضعه وهو يشهد إمكانية نسف كل جهوده، من خلال انزلاق أحلامه على كوع الكحالة، لذا راح يستجدي الرهان على «الوحدة الوطنية» من دون أن يُغفل الإشادة بأهالي الكحالة «المقاومين».ولذا سارع رأس الهرم المعنوي في «التيار» الرئيس السابق ميشال عون لنجدة صهره الطموح، فغرّد عن نبذ التحريض والاستثمار والفتنة واعتبر أنّ «المطلوب اليوم هو التهدئة بدل التحريض، ومدّ جسور الثقة بدل بثّ سموم الكراهية، وانتظار نتائج التحقيق، داعياً بدوره إلى «الوحدة الوطنية». بالطبع، مُبرَّرَة دواعي القلق العوني والباسيلي، ذلك أنّه من دون دعم «الحزب» له وحقنه بأمصال السلطة والقوة، لن يكون له أي امتيازات على صعيد النفوذ المطلق الذي تمتّع به واستساغه خلال شهر عسل التفاهم، تذوّق بعد ذلك مرارة انحسار النفوذ، لذا بدأ التحضير للعودة إلى بيت الطاعة، مع مطلب الصندوق، وما يتوقّع أن يدرّه عليه من خيرات، لتأتي موقعة الكوع فترمي بأحلامه في مهبّ الريح. لكنّ دواعي القلق لدى «حزب الله» يجب أن توضع، بدورها، تحت المجهر، على الرغم من محاولته تجاهلها. فحادث الكحالة امتدّ إلى أبعد من كوعه، وكشف عورة «الحزب الإلهي» ونقطة ضعفه التي تلتهب مع رفض اللبنانيين له، كما أكّد المؤكّد من مصادرته القانون والمؤسّسات في دولة غائبة، ووجَّه علامات استفهام علنية إلى دور الجيش اللبناني الذي لم يتدخّل إلا لحماية سلاح «الحزب» الساقط على كوع الكحالة، من غضب الأهالي الرافضين له، والذين اعتبروا أنّ الحادثة هذه هي فرصة لكشف فوضى السلاح المتفلّت في كل لبنان. وفي مثل هذه الموقعة حسابات كثيرة تتعلّق بدور «الحزب» في المحور الإيراني. فهو عندما ينكسر في لبنان تهتزّ أركانه في الإقليم. وإذا ما تكرّر الاهتزاز، سواء في بيئته، أم في البيئات اللبنانية الأخرى، حينها يترهّل كما ترهّل غيره من الأحزاب والميليشيات المنبوذة خلال الحرب الأهلية. وحينها، ربما نبدأ خطوة فعلية وجدية باتجاه خلاص لبنان، وتحديداً إذا تمّ تغليب المصلحة الوطنية على ما عداها، ولمرة واحدة واستثنائية كفيلة باستعادة الدولة الغائبة.
عن “تطفّل” أهل الكحالة على شاحنة تنقل سلاحاً عادياً لـ”حزب الله” حازم الأمين/موقع درج/11 آب/2023
مقتل ابن الكحالة فادي بجاني، وقبله بأيام اغتيال ابن عين إبل الياس الحصروني، وبينهما مقتل عضو “حزب الله” أحمد قصاص، وكان سبقه إلى المصير نفسه مقاتل في سرايا المقاومة في بلدة وادي الزينة، هذه كلها من يوميات القتل العادي في جمهورية “حزب الله”. علينا نحن اللبنانيين ألا نذهل من أن شاحنة تعبر منعطفاً في بلدة الكحالة، انقلبت، ليظهر أنها تنقل سلاحاً. الواقعة عادية، ويبدو أننا لم نتعلم من الدروس التي لقّننا إياها “حزب الله” منذ اجتياحه بيروت في 7 أيار/ مايو من العام 2008، مروراً بانفجار المرفأ في 4 آب/ أغسطس عام 2020، وصولاً إلى واقعة الكحالة.
علينا أن ننتظر أيضاً ما ستجود علينا به أدبيات الحزب من تسمية للواقعة. فـ 7 أيار كان “يوماً مجيداً”، وانفجار المرفأ كان “حادثة أليمة”، وها نحن ننتظر التوقيع الثالث على مأساة الكحالة!
لقد “تطفّل” أهل البلدة على شاحنة عابرة على طريق عام! هذه العبارة ليست نوعاً من الـ”ساركازم” السياسي. إنها الحقيقة، فما شأنهم بشاحنة تنقل سلاحاً لـ”حزب الله” هوت على الطريق.
الحزب أنشأ نظاماً متكاملاً يتيح لشاحناته أن تعبر حيث يجب أن تعبر. وأهل الكحالة هم جزء من الصفقة! لنعود بالوقائع قليلاً إلى الوراء، فما هي وظيفة استثمارات الحزب بالتيار العوني في الانتخابات وما نجم عنها من إيصال لنواب يمثلون الكحالة، غير تكريس “عادة” عبور شاحنة تنقل سلاحاً من البلدة؟ وجبران باسيل، رئيس التيار العوني، الذي يفاوض الحزب اليوم على “اللامركزية الموسعة” مقابل رئيس للجمهورية يختاره الحزب ويوافق عليه التيار، ليس عبور شاحنة السلاح محل ابتلائه، وليست الشاحنة بنداً على طاولة مفاوضته. الصفقة لا تشمل “السيادة”، وبهذا المعنى صار السلاح عادياً، وصار على أهل الكحالة ألا يتطفلون على شاحنة هوت على قارعة الطريق التي تعبر بلدتهم!
والحال أن واقعة الكحالة هي واحدة من الوقائع المتنقّلة والناجمة عن سوء فهم اللبنانيين لما هم فيه. لقد أنجز “حزب الله” المهمة، فترك لهم السياحة، أو ما يتيحه السلاح منها، في مقابل حيازته كل شيء غيرها. الحدود والمطار والمرفأ والطرق العامة، وأي واقعة تسوقها الأقدار في هذه المساحات، على اللبنانيين أن يشيحوا بأنظارهم عنها، حتى لو كانت انفجاراً بحجم نووي يطيح ربع عاصمتهم ويقتل المئات ويشرّد عشرات الآلاف! علينا أن ننتظر أيضاً ما ستجود علينا به أدبيات الحزب من تسمية للواقعة. فـ 7 أيار كان “يوماً مجيداً”، وانفجار المرفأ كان “حادثة أليمة”، وها نحن ننتظر التوقيع الثالث على مأساة الكحالة!
مهمة الحزب المتمثلة في جعل اللبنانيين يهضمون ما هم فيه من سلاح ومن شاحنات تنقله ومقاتلين يمتشقونه، تبدو شاقة وينغّص عليه فيها انقلاب شاحنة من هنا وإصابة طفلة برصاصة طائشة من هناك!
نعم، يجب أن نكفّ عن التفاجؤ والذهول، فعبور الشاحنة من الكحالة ليس خروجاً عما قبل به جزء كبير من القوى السياسية اللبنانية عموماً والمسيحية خصوصاً. الصفقة مع الحزب لم تشمل الشاحنة ولم تشمل السلاح، وأثر فاجعة الكحالة سيدوم لأيام قليلة سيستأنف بعدها جبران باسيل مفاوضاته مع “حزب الله” على اللامركزية الإدارية وعلى النفط والغاز والحقائب الوزارية.
كل من سيكون خارج هذه المعادلة سيكون خارج المشهد. “القوات اللبنانية” و”الكتائب” والنواب التغييريون والمستقلون، هؤلاء كلهم نجح “حزب الله” في إخراجهم من دائرة التأثير، وفي اللحظة التي انعطف فيها باسيل عن مسار الشاحنة وناور بترشيح جهاد أزعور كمنافس لمرشح الحزب، جرى إفهامه بأنه مهدد بمستقبله “الاستثماري” والسياسي، فعاد وصوّب الشطط واستقبل موفدي الحزب المحمّلين بالوعود. من بين الأسئلة التي أملتها “واقعة الكحالة”، وقبلها بساعات “واقعة عين إبل” التي قُتل فيها مسؤول سابق في القوات اللبنانية هو الياس الحصروني، سؤال عما إذا كان بإمكان جبران باسيل مواصلة مفاوضة “حزب الله” في ملف الانتخابات الرئاسية؟! لا خيار أمامه سوى مواصلة المفاوضات، قد تفيده “واقعة الكحالة” في تعزيز أوراقه التفاوضية حول النفط أو حول الحقائب الوزارية، لكنه لن يقترب من مسار الشاحنة. ثم إن هذا السؤال جاء متأخراً، ذاك أن سنوات طويلة من العمل الدؤوب ومن الحروب ومن الاستثمار، أمضاها “حزب الله” لتثبيت خارطة طريق الشاحنة، وما الضغوط التي سيتعرض لها حليفه جبران باسيل من جراء انقلابها إلا أعراضاً عابرة يمكن رأبها ببعض العطاءات، على رغم أن قتيل الكحالة فادي بجاني ليس بعيداً من “التيار الوطني الحر” وتجمعه صور مع حليف الحزب السابق إيلي حبيقة، وهذا مؤشر الى عمق الفصام بين الخيارات السياسية (الموالية للحزب) والعصبيات الأهلية.
مقتل ابن الكحالة فادي بجاني، وقبله بأيام اغتيال ابن عين إبل الياس الحصروني، وبينهما مقتل عضو “حزب الله” أحمد قصاص، وكان سبقه إلى المصير نفسه مقاتل في سرايا المقاومة في بلدة وادي الزينة، هذه كلها من يوميات القتل العادي في جمهورية “حزب الله”.
علينا أن نشيح بأنظارنا عنها، تماماً كما على أهل الكحالة أن يشيحوا بأنظارهم عن شاحنة عادية تنقل سلاحاً، انقلبت على قارعة طريق بلدتهم.
وبالعودة إلى الـ”ساركازم”، ثمة ما سينغص دائماً على الحزب مهمته في جعل سلاحه “عادياً”، ذاك أنه ليس عادياً، وهو وسيلة إخضاع للبنانيين. وعلى رغم “النصاب السياسي” الذي أمنه له، فهو يبقى غير قانوني، وفي عرف الجماعات الأخرى سلاح طائفة بوجه طائفة. هذا ما يفسر “تطفّل” أهل الكحالة على شاحنة تنقل سلاحاً “عادياً” انقلبت في بلدتهم.
كوع الكحّالة يُحرج “التيّار” ويُغرق عون؟ وليد شقير/أساس ميديا/السبت 12 آب 2023
كثيرة هي الحوادث الأمنيّة التي لها دلالات مهمّة أبعد من كونها مجرّد حوادث “بنت ساعتها” في لبنان هذه الأيام. لكنّ دلالات حادثة كوع الكحّالة وشاحنة الأسلحة تطغى على غيرها، من دون التقليل من أهميّة الحوادث الأخرى (عين الحلوة، مقتل الياس الحصروني، الاشتباكات المتنقّلة في مناطق وجود “الحزب”…) وتلك التي ستحصل في البلد. ومن الكحّالة تفرّعت “أكواع” سياسية كثيرة على الطريق التي يسلكها لبنان. وعلى كلّ منها يرصد فريق محلّي وخارجي ما هو آتٍ. لا حاجة إلى تكرار ما قاله البعض على الشاشات من أنّ نقل “الحزب” السلاح من البقاع إلى بيروت وأيّ مكان آخر ليس الأوّل ولا الأخير، إلا أنّ المعروف أنّ لدى “الحزب” طرقات أخرى لنقل الذخائر أو مكوّنات الصواريخ أو غيرها، من البقاع إلى الجنوب، شمال الليطاني أو جنوبه، حسبما يزعم خبراء عسكريون. هي طرقات بعضها جرى شقّه خصّيصاً لتسهيل حركة “المقاومة”، وليست مأهولة كما هي الحال مع المناطق ذات الكثافة السكانية التي يعبرها طريق ضهر البيدر – عاليه – الكحّالة… وصولاً إلى ضاحية العاصمة. فلماذا سلوك طرقات أكثر انكشافاً؟
السؤال الثالث عن مسار الشاحنة
إن كان المأخذ الأوّل على انتقال شاحنة الأربعاء الماضي يكمن في السؤال: “لماذا إلى بيروت البعيدة عن الاحتلال، وليس إلى جبهة الجنوب؟”، فإنّ استخدام آلية مخصّصة للنقل العامّ وللإيجار (نمرة حمراء) يستدعي السؤال الثالث الذي يُبرز مخاطر ذلك المسار الذي سلكته: لماذا احتاج الأمر إلى المخاطرة بنقل ذخيرة عبر طريق مأهولة إلى هذا التمويه لأسباب تتعلّق بإمكان استهداف الشاحنة من قبل إسرائيل؟ منشأ السؤال هو أنّ اللغة التصعيدية التي شهدتها جبهة الجنوب خلال الأسابيع القليلة الماضية بسبب خيمة “الحزب” في منطقة مزارع شبعا وخرق إسرائيل للخط الأزرق…، شملت، من الجانب الإسرائيلي، تسريبات في معرض التحذيرات والتهديدات المتبادلة مع “المقاومة” بأنّ على الجيش الإسرائيلي أن يعتمد ضربات لمواقع وأسلحة “الحزب” ومخازنه في لبنان، شبيهة بالضربات الدقيقة التي تنفّذها الدولة العبرية في سوريا في شكل شبه يومي للمخازن والمواقع الإيرانية في سوريا منذ سنوات، والتي تعتمد على معلومات استخبارية موثوقة. فهل “الحزب” أراد الاحتياط حيال احتمالات من هذا النوع فاعتمد طريق ضهر البيدر – الكحّالة، بشاحنة مدنية من النوع الذي تُنقل فيه الخضار من البقاع أو عكار إلى الساحل، وتمرّ في مناطق سكنية تجعل استهدافها مدعاة للتردّد من قبل العدوّ؟ قد يكون هذا السؤال الذي طرحه بعض المراقبين عن كثب لتصاعد المواقف الإسرائيلية وصولاً إلى تهديد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قبل 3 أيام بأنّه سيعيد لبنان “إلى العصر الحجري إذا أخطأ الحزب على الحدود”. والتسريبات عن البحث في توجيه ضربات دقيقة شبيهة بالتي تنفّذها إسرائيل في سوريا (كُتبت عنها مقالات في الصحافة الإسرائيلية)، شملت مناقشة احتمال قيام الحزب بردّة فعل، وهو ما يقود إلى حرب يجب التهيّؤ لها على الرغم من القناعة العامّة بأن لا إسرائيل ولا إيران يريدانها. لا حاجة إلى تكرار ما قاله البعض على الشاشات من أنّ نقل “الحزب” السلاح من البقاع إلى بيروت وأيّ مكان آخر ليس الأوّل ولا الأخير، إلا أنّ المعروف أنّ لدى “الحزب” طرقات أخرى لنقل الذخائر أو مكوّنات الصواريخ أو غيره هذه الأسئلة وغيرها ممّن يزعمون الاطّلاع على معطيات تتعلّق بالجانب اللوجستي لعمل المقاومة، قد لا تجد أجوبة فعليّة عليها، على الأقلّ في وسائل الإعلام. لكنّ الأسئلة الأخرى ذات الطابع السياسي كرّت كحبّات السبحة بعد تفاعلات حادث كوع الكحّالة، وكذلك الأجوبة عليها. فهو ترك انعكاسات متعدّدة على المشهد السياسي المعقّد والمأزوم في البلد.
الانعكاسات السياسيّة الداخليّة: إحراج “التيّار”
– أحرج مقتل فادي بجّاني “التيار الوطني الحرّ” في وقت يحاول رئيسه النائب جبران باسيل استعادة حرارة العلاقة مع “الحزب” في الحوار المستجدّ منذ أسابيع، بعد الخلاف حول ترشيحه سليمان فرنجية. الحادثة وقعت على الكوع الذي يتمتّع برمزية مسيحية في تاريخ الصدامات الأمنيّة في البلد، بعد ساعات من تسليم باسيل الورقة المكتوبة التي طلبها منه “الحزب” للمطالب التي يطمح إليها مقابل قبوله بخيار “الحزب” لاسم الرئيس المقبل، سواء كان فرنجية أو مرشّحاً آخر. وخلافاً لتركيز “الحزب” حملته الإعلامية ضدّ حزبَي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” بأنّهما يحرّضان تحت عنوان اتّهام “عملاء إسرائيل السابقين” بأنّهم “الميليشيات” التي تسبّبت بإطلاق النار بعد انقلاب الشاحنة، تبيّن أنّ الضحيّة بجّاني الذي يتّهمه إعلام “الممانعة” بالمبادرة إلى إطلاق النار على حرّاس الشاحنة، ينتمي إلى التيّار العوني، وهو متحدّر من “حزب الوعد” الذي كان أسّسه الراحل إيلي حبيقة، والذي كانت علاقته مع “الممانعة” غير عدائية… حاول “التيار” استدراك الأضرار التي أصابته ممّا حصل بإرسال القياديَّين ناجي حايك والنائب سيزار أبي خليل، فيما رأت أوساط سياسية في تصريحات الرئيس ميشال عون وباسيل محاولة لإعانة “الحزب” على استيعاب تصاعد النقمة المسيحية، وهو ما يضعه مرّة أخرى أمام امتحان صعب لاستعادة ما فقده من شعبيّته بسبب التحاقه الكامل في السنوات الأخيرة بسياسات “الحزب” داخلياً وإقليمياً، الأمر الذي تسبّب بانهيار البلد الاقتصادي.
إغراق جوزف عون
– اضطرار الجيش إلى الحؤول دون تفاقم الوضع الأمني وضعه في مواجهة أهالي البلدة عند قطعهم الطريق، فانهالت عليه المطالبات بتوقيف مسلّحي “الحزب” وبالكشف عن محتويات الشاحنة، فاضطرّ إلى إصدار بيان أقرّ بوجود ذخيرة في الشاحنة. لكنّ بعض الأوساط رأت أنّ لسلوك الجيش وجهين، حفظ السلم الأهليّ ومنع الانجرار إلى تمادي المسلّحين، من جهة، ومراعاة مطالب الحزب، الذي انتشر عناصره على الدرّاجات النارية على الطريق العامّ، باسترداد محتويات الشاحنة. وفي اعتقاد بعض الأوساط أنّ المراقبة المحلّية والخارجية لمجريات ليل الشاحنة الطويل أظهرت أنّ قائد الجيش العماد جوزف عون “سلّف” الحزب موقفاً في إطار السباق نحو رئاسة الجمهورية، لكنّه في المقابل أدّى إلى مزيد من علامات الاستفهام التي تطرحها دول عدّة حول وضع الجيش وانصياعه لـ”الحزب” في الممارسات اليومية والتنسيق الأمني، في شكل مخالف لمبدأ سيادة السلطة الشرعية وقواها الأمنيّة على حساب القوّة المسلّحة غير الشرعية. وهي علامات استفهام أخذت تطرحها ضمناً دول عربية وغربية خلافاً لما يروَّج عن تحبيذها قائد الجيش للرئاسة. يمكن الحديث عن الكثير من الانعكاسات الداخلية لحادثة كوع الكحّالة، سواء لأنّها توسّع قاعدة الاحتقان الشعبي من ممارسات الحزب، أو لأنّها تكرّس مرّة أخرى عدم اكتراث “الحزب” بالاعتراضات على إلحاقه لبنان عبر سلاحه بمقتضيات المواجهة المتصاعدة، التي تخوضها طهران مع الولايات المتحدة الأميركية. والذين التقوا قياديين في “الحزب” عقب الحادثة لمسوا أنّه مطمئنّ إلى قدرته على لفلفة تفاعلاتها، وأنّه مهما اشتدّت الحملة، التي حصرها بحزبَيْ “القوات” و”الكتائب”، على سلاحه فإنّ ذلك لن يغيّر شيئاً على الأرض، وسيقتصر الأمر على تصريحات وبيانات لا مفعول لها لبضعة أيام، ثمّ يحصل حدثٌ ما يطغى على كوع الكحّالة.
الأبعاد الخارجيّة: مناقشات مجلس الأمن
لكنّ للحادثة انعكاسات وأبعاداً خارجية لا يمكن تفاديها بعد الضجّة التي أثارتها، وما أطلقته من مخاوف، ولو بقيت في الإطار الإعلامي، على السلم الأهليّ وتصاعد الحساسية المسيحية الشيعية، على الرغم من أن لا قدرة عند أيّ فريق لتحمّل أثمان الصدام الأهليّ.
– لبنان أمام استحقاق اجتماع مجلس الأمن بعد أسبوعين للتجديد لقوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان (اليونيفيل) في إطار تنفيذ القرار الدولي 1701، فيما تحاول دبلوماسيّته تعديل الفقرة 16 التي وردت في قرار التجديد عام 2022، والتي تنصّ على أنّ هذه القوات “لا تحتاج إلى ترخيص أو إذن مسبق للاضطلاع بالمهامّ الموكلة إليها ومأذون لها بالاضطلاع بعمليّاتها بصورة مستقلّة”… وهي فقرة أُضيفت ردّاً على المضايقات التي يتولّاها مناصرو “الحزب” ضدّ دوريات “اليونيفيل” حين تبحث عن مستودعات أسلحة يحظرها القرار الدولي جنوب الليطاني. فالمناقشات التمهيدية لتقرير الأمين العامّ للأمم المتحدة التي جرت في نيويورك في 17 تموز الماضي أثارت خلالها دول عدّة هذا الموضوع في سياق مناقشات الانتهاكات من جانب إسرائيل ومن الجهة اللبنانية للقرار الدولي. دقّقت الدول الأعضاء في مجلس الأمن في ما سمّته الدبلوماسية الأميركية (والإسرائيلية) “استفزازات الحزب” الحدودية “المقصودة عن عمد”، باعتبارها “تصعيداً من قبله في الآونة الأخيرة وليست ردّاً على الانتهاكات الإسرائيلية”. كما أنّ بعض الدول سألت عمّا تضمّنه تقرير الأمين العامّ حول استمرار الحزب بالاحتفاظ بأسلحة يحظرها الـ1701 في منطقة عمليات القوات الدولية… وعن العوائق الموضوعة أمام “اليونيفيل” بحثاً عن هذه الأسلحة خارج سلاح السلطة الشرعية، وعن انتهاكات من نوع إقامة أبراج مراقبة وتثبيت حاويات على الحدود منذ سنوات لم يُسمح لليونيفيل بتفتيشها إذا كانت تحوي أسلحة. في اختصار قد لا تسعف حادثة الكحّالة لبنان في سعيه إلى تعديل الفقرة المقصودة على الرغم من أنّ الدبلوماسية الروسيّة ستتضامن مع طلبه.
الحدود البرّية
– يبقى السؤال عمّا إذا كان طلب لبنان “إظهار الحدود البرّية” (جرى استبدال تعبير ترسيم الحدود) سيلقى تجاوباً إسرائيلياً واستعداداً أميركياً للتوسّط في هذا المجال. فهل يلجأ الحزب إلى تغطية اتفاق برّي شبيه بالغطاء الذي أمّنه للترسيم البحري، على أمل أن يحصل في المقابل على غضّ نظر خارجي عن سياسة “وضع اليد” التي يمارسها في الداخل؟
الأجوبة عن مآل التطوّرات اللبنانية تنتظر أيام قليلة، مع بدء تنفيذ تدريجي لاتفاق واشنطن وطهران بوساطة عُمانية وقطرية لتبادل أسرى والإفراج عن 6 مليارات دولار من أرصدة طهران في كوريا الجنوبية.
“حزب الله” من الكحالة الى عين إبل أحمد عياش/Lebanese Daily/الجمعة 11 آب 2023
يوم الأربعاء في 9 آب 2023 لم يكن يوماً عادياً. وستتم العودة إليه لاحقاً من أجل أخذ العِبر منه. لكن هذا اليوم ، ليس بالطبع شبيهاً على الإطلاق بـ 13 نيسان 1975 الذي صار في التاريخ موعداً لنشوب الحرب اللبنانية التي استمرت 15 عاماً. ويمكن التأكيد أن بوسطة عين الرمانة التي كانت حادثتها إيذاناً بنشوب حرب عام 1975 ، لا تشبه شاحنة الأسلحة التابعة لـ”حزب الله” والتي تعطلت بالأمس عند كوع الكحالة. ومن هذه المقارنة نبدأ. في بيانها الصادر ليل أّحداث الكحالة، قدمت العلاقات الإعلامية في “الحزب” روايتها لما جرى. فهي قالت أن الأمر يتعلق بـ”شاحنة لحزب الله قادمة من البقاع الى بيروت إنقلبت في منطقة الكحالة”. لكن أين الكلام عن حمولة الشاحنة التي قال عنها بيان الجيش في اليوم التالي أنها “ذخائر” والتي تمّ نقلها “إلى أحد المراكز العسكرية” لاحقاً؟
هل يعني إخفاء “الحزب” نوعية حمولة الشاحنة هي أمرٌ ثانوي لا يستحق التوقف عنده؟ أم أن ذلك ينطوي على سرّ لا يريد “الحزب” الإفصاح عنه؟
من المهم الإشارة الى أن بلدة الكحالة التي تقع على الطريق الرئيسية التي تصل بيروت بالبقاع، كانت ومنذ عقود طويلة شاهدة على تقلُّب أزمنة عرفها لبنان على امتدادِ تاريخٍ يعود الى ما قبل النصف الثاني من القرن العشرين. وكم كانت الكحالة، ولا سيما كوعها الشهير على موعدٍ مع تنقلات قوى نافذة إقليمية ودولية وما يتخللها من حوادث، ربما تشبه ما حصل بالأمس. ربما أن الاقدار قد دبّرت لشاحنة “حزب الله” أن تنقلب على هذا الكوع وذلك للمرة الأولى في تاريخ “الحزب” الذي أبصر النور على يد الحرس الثوري الإيراني عام 1983، وقبل حادث الأمس، هناك آلاف الشاحنات التي سَيّرها هذا الحزب من البقاع الى بيروت على مدى عقودٍ خلَت واجتازت كوع الكحالة. لكن لم يُسجَّل مرة إلا أمس، أن إحدى شاحنات “الحزب” قد تعطلت عن هذا الكوع. ما هي العبرة من هذا السرد المتصل بشاحنات “حزب الله” وكوع الكحالة؟ الجواب هو أن شاحنة من أصل آلاف الشاحنات حصل معها ما حصل الأربعاء الأخير. أليس في ذلك دلالة كافية الى أنه لا مشكلة بين الشاحنات وكوع الكحالة على امتداد سنين طويلة. وإلا لكنا شهدنا الكثير من الأحداث التي تستهدف شاحنات “الحزب” سواء انقلبت أم لم تنقلب. إلا أن شيئاً من هذا لم يحصل.
ومع انتفاء السوابق، يمثُل أمامنا هذا التوتر الذي طبعَ بيان “الحزب” حول ما جرى في الكحالة. وهنا نتوقف عند ما قاله البيان حول “تجمّع عدد من المسلحين من المليشيات الموجودة في المنطقة، وقاموا بالإعتداء على أفراد الشاحنة”. في مقابل هذا البيان كان النقل المباشر التلفزيوني الذي دامَ ساعاتٍ طويلة الأربعاء قد خلا كلياً من مشهدٍ يتضمن “المسلحين من المليشيات” ، كما ذكر “حزب الله”. بل على العكس، إنتشرت على نطاقٍ اعلامي واسع مشاهد مسلحي “الحزب” الذي راحوا يطلقون النار من أسلحتهم الرشاشة والتي أدت الى مصرع فادي بجاني إبن البلدة.
ومن الكحالة الى عين إبل البلدة الجنوبية الحدودية في القطاع الغربي. وبعد الكشف عن محتويات كاميرات المراقبة ، تبيّن ان عضو المجلس المركزي في حزب “القوات اللبنانية” الياس الحصروني قد فارق الحياة نتيجة عملٍ إجرامي وليس بسبب حادث سَير، كما ذُكر سابقاً. وفي انتظار جلاء الجريمة ، ظهر مُعطى مهم أشار اليه رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع . فهو قال استناداً الى كاميرات المراقبة، “أن كميناً محكماً مكوّناً أقلّه من سيارتين قد أُقيم لرفيقنا الياس، وعند مروره خُطف من قبل أفراد الكمين الذين يقُدّر عددهم بين ستة وتسعة أشخاص، إلى مكانٍ آخر حيث قتلوه” .
في هذا السياق، من يعرف جيداً منطقة عين إبل ، يدرك أن “حزب الله” هو القوة المهيمنة على مقاليد الأمن فيها . وهذا أمر تعرفه جيداً قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل” المُناط بها أمن المنطقة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 الصادر عام 2006 . كما تعرف هذا الأمر جيداً القوى الأمنية اللبنانية الرسمية. فهل من الممكن أن تكمُن سيارتان رباعيتا الدفع وزجاجهما من النوع الداكن ليحجب عن الرؤية من في داخلهما، وأن تتحركا بحرية في هذه المنطقة الحساسة دولياً وليس محليا فقط ؟. لن يطول الوقت حتى تنجلي أسرار كاميرات المراقبة في عين إبل. مثلما انجَلت الأشرطة التلفزيونية في الكحالة. فهل من شك في عبارة “فتِّش عن حزب الله؟”.
شهيد الكحّالة: كلّ الكلام جان عزيز/أساس ميديا/الجمعة 11 آب 2023
فادي بجّاني، شهيد الكحّالة قبل يومين، عونيّ. هذه حقيقة كبرى برسم بيان الحزب.
البيان الذي قال عنه سيزار أبي خليل إنّه “مجافٍ للحقيقة”.
أبي خليل نائب “التيّار” عن المنطقة وجار الكحّالة. وخبير عائلاتها وبيوتها وبشرها. هو يدرك حتى اليقين من هو فادي. ومن هي عائلته ومن هم أبناؤه.
يعرفهم رفاقاً له. يعرف نشاطهم في “التيّار” ومؤسّساته. ويعرف أنّهم بالتأكيد وقطعاً ليسوا “من المسلّحين من الميليشيات الموجودة في المنطقة”، كما زعم بيان الحزب.
فادي، لا شكّ أنّه واحد من الآلاف الذين احتفلوا ذات يوم من شباط 2006 بتفاهمٍ اعتقد هو ورفاقه أنّه سينقذ لبنان.
وهو لا شكّ من الذين فتحوا بيوتهم وقلوبهم في تموز 2006 لنازحي العدوان على بلده ومقاومته.
قد يكون فتح لهم يومها باب الكنيسة، كنيسة الكحّالة، ملاذاً لهم من وحشيّة وبربريّة إسرائيل.
الكنيسة نفسها التي استشهد على مدخلها فادي قبل يومين. فاختصر نضالاً طويلاً لأجل لبنان الذي عشقته الكحّالة. واختصر أيضاً صراعه مع مرضٍ لم يُقعده عن الاستشهاد…
من هنا يبدأ الكلام عن حادثة الكحّالة. وكلّ كلام آخر كذب ودجل ورياء ونفاق. وكلّ صمتٍ آخر جبانة وانتهازيّة حتّى الغثيان والقرف.
أصلاً، ليست المرّة الأولى التي يطلَق فيها الرصاص غزيراً عند كوع الكحّالة.
الكنيسة نفسها التي استشهد على مدخلها فادي قبل يومين. فاختصر نضالاً طويلاً لأجل لبنان الذي عشقته الكحّالة. واختصر أيضاً صراعه مع مرضٍ لم يُقعده عن الاستشهاد
ثمّة سابقتان شهيرتان. هما ضروريّتان لفهم ما حصل قبل يومين. والأهمّ، لتوقّع ما قد ينتظرنا في الأيّام المقبلة.
المرّة الأولى كانت منتصف نيسان 1968. حينذاك سقط شابّ لبناني اسمه خليل عزّ الدين الجمل. كان أوّل لبناني يستشهد على أرض فلسطين دفاعاً عن ترابها المحتلّ من الصهاينة في ما عرف يومها باسم معركة الأربعين.
بعد أيّام على استشهاده، كان جثمانه عائداً من الأردن إلى لبنان عبر سوريا. وصل موكب الجثمان إلى كوع الكحّالة. أمام الكنيسة الشاهدة نفسها. هناك تجمّع أبناء البلدة كلّهم. أنزلوا الجثمان من المركبة التي تقلّه. حملوه على الأكفّ بالزغاريد والهتافات ونثر الورود. حتّى عبروا به بلدتهم. وسط إطلاق الرصاص وداعاً للشهيد… بعد أقلّ من سنتين، كانت المرّة الثانية. عنصرٌ فلسطيني قُتل في حادثة صراع سلطوي في مخيّم تل الزعتر، في 25 آذار 1970. وكان المسلّحون الفلسطينيون ينقلون جثّته إلى دمشق من بيروت. بطريق الذهاب أطلقوا النار في الكحّالة استعراضاً واستفزازاً. في طريق عودتهم حاولوا الأمر نفسه. فاشتبكوا مع أبناء البلدة التي سقط شهداؤها على مدخل الكنيسة.
بعد خمسة أعوام سقط لبنان كلّه في حرب الجنون…
انقلاب المشهد في الكحّالة
في أقلّ من سنتين تغيّر المشهد في الكحّالة. بل انقلب كلّيّاً.
وظلّ المؤرّخون حتى اليوم يسألون: من الذي تغيّر يومها؟ أبناء الكحّالة؟ أم السلاح الفلسطيني؟
والسؤال نفسه مطروح اليوم: من الذي تغيّر: فادي بجّاني، ابن الكحّالة العونيّ؟ أم هويّة ووظيفة ودور السلاح؟ أم الاثنان معاً؟ أم هي المؤامرة لتسهيل التنصّل وتجهيل المسؤوليّات؟
هي أسئلة لا يمكن لقيادة الحزب ألّا تتوقّف عندها. من منطلق الحرص على المقاومة. كمقاومة للعدوّ. وكنموذج طبيعي لأيّ مقاومة، في عنصرَيْها الاثنين المحدِّدين لكونها مقاومة أو لا: أن تكون أوّلاً انبثاقاً من وجدان شعب. وأن تكون ثانياً تجسيداً لقرار هذا الوجدان بمواجهة عدوّ خارجي.
أيّ انتقاص لواحد من هذين العاملين، يُسقط هويّة المقاومة. وفي التاريخ أمثلة وشواهد كثيرة. وفي الذاكرة تسميات محاذية لمقاومات تحوّلت حركات تغيير أو تحرير أو تمرّد أو عصيان أو سلطة أو دويلات… لكنّها فقدت هويّتها المقاوِمة. إمّا لأنّها لم تعد تمثّل وجدان شعبها. وإمّا لأنّ سلاحها لم يعد موجّهاً ضدّ عدوّ خارجي.
وهذا هو المحظور في لبنان. خصوصاً أنّ علّة وجود مقاومته، ما تزال حاضرة كلّها.
وهو ما يجعل المسؤولية مضاعفة. وعلى الجميع. وأولاً ودائماً على قيادة الحزب.
فائض الجنون
هؤلاء لبنانيون. مقاومون. دافعوا عن بلدهم. كما قال البطريرك صفير عنهم في قلب واشنطن ذات يوم. صحيح أنّ هناك شكوكاً في استهدافات خارجية. تماماً كما في السبعينيات. واحتمال تآمر من بعيد أو قريب.
لكنّ المنطق المضادّ والقائل بأنّ كلّ كلمة أو ملاحظة أو إشارة أو تنبيه، حول أخطاء الحزب وهفواته، أو حول ارتكابات ناسه وتغوّل من هم على حِفافه، تكون صادرة حكماً وحتماً عن صهيونيّ عميل وخائن… فهذا يتخطّى فائض الجهل بلبنان ليبلغ حدّ فائض الجنون.
هو جنون الوهم باحتلال لبنان كلّه، وطوائفه وجماعاته كلّها، تحت غطاء مقاومة احتلال إسرائيل. خصوصاً بعدما ورّط عملاء كاريش الحزب نفسه في الاستدراج إلى اتفاقية دولية مع إسرائيل. اتفاقية حدودية تجارية مكتملة. وبعدما باتت مسجّلة وموثّقة أمميّاً. وبعدما اضطرّ الحزب إلى أن يسكت ويمتنع عن ذكر كلمة واحدة عن ذلك بعد حصوله. وبالأخصّ بعدما فضحت الأمم المتحدة المعنيين، بأن كشفت أنّه منذ ثلاث سنوات كان عملاء كاريش قد أُبلغوا خطّياً بأنّهم ذاهبون إلى اتفاقية مع إسرائيل. وهو جنون الارتياب بأنّ من أصل ستّة ملايين لبناني، ما من شخص يُطمئن الحزب، أو يَطمئنّ الحزب إليه، إلا من يسمّيه هو. ولو اضطرّ إلى تغطية تسميته، بصفقة مقايضة مع وصوليٍّ، مقابل ثمن بوعد رئاسة بعد ستّ سنوات. وبعهد حمايةٍ لمزارب ذهب إلكتروني مستحدَث، طوال سنوات العهد العتيد الستّ. وهو أخيراً جنون الرهان على أنّ الأمور بلغت في لبنان حدّ خنوع ما كانه زمن المحتلّ غازي كنعان. حين صار يردّد: قولوا ما شئتم. وأنا أفعل ما أشاء. قبل أن ينتهي منتحراً ممنوعاً من الفعل والقول. الحرص على لبنان، هو في بعض منه حرصٌ على مقاومةٍ تكون حقّاً مقاومة. والحرص على الاثنين يكون في المصارحة والمكاشفة. بعيداً عن تزلّف أو خوف أو ارتهان أو انتهاز.
اللهمّ هذا بعض العقل..
حين مرّ كوع الكحالة أمام شاحنة منقلبة… وليد شقير/نداء الوطن/الجمعة 11 آب 2023
لم يعد «حزب الله» يكترث لمفاعيل تمسّكه بعناصر القوة العسكرية التي اكتسبها على مرّ السنين في البلد، ولتداعيات ما ينجم عن حاجته المستمرّة للتسلّح وتطوير قدراته القتالية الدفاعية والهجومية لأغراض إقليمية، على المناخ الشعبي الاعتراضي ضد تمكّنه من استثمار الوظيفة الإقليمية لسلاحه في موازين القوى الداخلية. وهو استثمار يبدأ من رئاسة الجمهورية إلى سائر المواقع الدستورية وأجهزة الأمن والقضاء والإدارة وما تيسّر في مؤسسات القطاع الخاص التي لها تأثيرها في النفوذ السياسي، مع أنّها يفترض أن تخضع لمقاييس وأنظمة تغنيها عن منطق المحاصصة وتغلغل الأهداف السياسية فيها.
لا يقيم منطق قوى «الممانعة» وزناً للاعتراض الأهليّ المتنامي على هيمنة «الحزب» وفق منطق فائض القوة الذي يتمتّع به، ومقتضيات انخراطه في الصراعات الإقليمية والدولية التي تخوضها إيران في الإقليم، ولا للمنحى الطائفي والمذهبي البغيض لهذا الاعتراض، ويتصرّف على أنه واثق من قدرته على استيعابه. وقد سأل البعض بعد الذي حصل في بلدة الكحالة أول من أمس: لو انقلبت شاحنة «الحزب» في منطقة أخرى سنية أو درزية، ماذا كان يمكن أن تكون ردّة الفعل؟ استخدم كثر في الـ24 ساعة الماضية ما سبق أن شهدته بلدة شويا الجنوبية الدرزية، ضد مسلحي «الحزب» حين أطلقوا صواريخ على الجيش الإسرائيلي من بلدتهم، والاشتباكات التي وقعت قبل أكثر من سنة في منطقة خلدة مع عشائر سنية، وغيرها من الحوادث، رغم اختلاف الظروف وحالة التعبئة النفسية والسياسية والطائفية… يشبه توسّع الاحتقان على أنواعه ضد السياسات التي يفرضها «الحزب» ذلك الذي حصل ضد حالة عدم الاكتراث التي طبعت تمدّد المقاومة الفلسطينية في الشارع اللبناني، إبّان الحرب الأهلية، تحت شعار حرية العمل المقاوم ضد إسرائيل على الحدود الجنوبية، من العاصمة إلى مدن أخرى وفي جنوب لبنان.
حينها اغتنمت إسرائيل فرصة الاحتقان الشعبي ضد هذا التمدّد، من أجل تنفيذ اجتياحها عام 1982. كما يشبه المزاج الشعبي الراهن حالة الاحتقان العارمة التي تصاعدت في الشارع اللبناني وفي الطوائف كافة ضد ممارسات الجيش السوري وتسلّط مخابراته على أجهزة الدولة اللبنانية من القمة إلى القاعدة، فشكّل هذا الاحتقان غطاءً شعبياً ضد استمرار الاحتلال، وكان مظلة لبنانية لقرار دولي، سمّاه الممانعون آنذاك «مؤامرة»، بانسحاب الجيش السوري من لبنان. المغزى من وراء عدم اكتراث «الحزب» بالاحتجاجات على منحِه نفسَه حرية القيام بما يشكو منه المزاج الشعبي، أنه يشعر جرّاء تفوّقه العسكري بأنه قادر على تجاوز واستيعاب الحملة ضده، وهو يهرب إلى الأمام بدلاً من استدراك الأخطاء ومعالجة مسبّباتها، فيتّهم خصومه السياسيين بأنهم عملاء لإسرائيل، كما جاء في بيانات كتلة «الوفاء للمقاومة» وهيئات أخرى من «لقاء الأحزاب» و»هيئة العلماء»… وجهات يتولّى صياغة وتوزيع ما يصدر عنها.
بات شعار «الجيش والشعب والمقاومة» شبيهاً بـ»اتفاق القاهرة» وبـ»معاهدة التعاون والأخوة والتنسيق» بين لبنان وسوريا، يسوّغ كلّ شيء ويبيحه، ما دفع أحدهم إلى القول: طالما هذا الشعار يبيح السلاح لماذا لا يتمّ استيراده من إيران عبر المرفأ علناً على أنه سلاح شرعي… في وقت يجري نقله من البقاع إلى بيروت وليس إلى الجنوب لمقاومة الاحتلال، بينما العاصمة بحاجة إلى إنقاص عدد البنادق فيها وليس إلى زيادته؟
في وقت يعود تشدّده الراهن واستنفاره السياسي والعسكري إلى احتدام المواجهة الإقليمية، يشبه بيان «الحزب» عن الميليشيات التي تصدّت للشاحنة في الكحالة، تلك الواقعة الساخرة التي حصلت مطلع الثمانينات حين اشتبكت دورية لجهاز الاستخبارات الفلسطينية (برئاسة أبو الزعيم حينها) بحراس ثكنة «فخر الدين» التابعة للجيش اللبناني، ما أحرج القيادة الفلسطينية فاتّصل أحد قادتها التاريخيين بنائب رئيس «الحركة الوطنية» آنذاك عضو قيادة «الحزب التقدمي الاشتراكي» توفيق سلطان طالباً إيجاد صيغة لمعالجة الحادث، وكانت النقمة بدأت تتصاعد ضد التشكيلات الفلسطينية، فأجابه سلطان ساخراً: «لماذا لا تصدرون بياناً بأنه فيما كانت ثكنة فخر الدين مارة أمام دورية للأمن الفلسطيني حصل صدام مسلح بين الجانبين». وذهبت السخرية السوداء لسلطان مثلاً. فضلاً عن الحجج العديدة التي ساقها كُثر إثر حادث الكحالة الدموي، فإنّ بيان «حزب الله» بالأمس عن «الميليشيات» وعملاء إسرائيل، دفع البعض إلى القول لماذا لم يذكر البيان أنّه «بينما كان كوع الكحالة مارّاً أمام شاحنة منقلبة محمّلة بالذخيرة، وقع اشتباك أدّى إلى سقوط قتيلين…؟».
شرّ البلية ما يبكي!
لا بيئة حاضنةً لسلاح “الحزب”؟ أحمد الأيوبي/نداء الوطن/الجمعة 11 آب 2023
تأتي حادثة الكحالة بما تحمله من استهتار بمنطق الدولة لتُضاف إلى سابقاتها من صدامات ترتبط بسلوك وشرعية «حزب الله» في مسائل نقل السلاح وتخزينه ولتكشف أنّ المجتمع اللبناني بمختلف أطيافه أصبح رافضاً للتأقلم مع إصرار الحزب على إعلان تفوّقه على سائر اللبنانيين بالقوة المسلّحة واستباحة مناطقهم بتحركاته تحت عنوان «المقاومة»، لتعود الصورة الحقيقية للواقع وهي أنّه لا بيئةَ حاضنة لسلاح «الحزب» في لبنان سوى ما يفرضه على بيئته الشيعية من تطبيع عقائدي وسياسي ومالي… صحيح أنّ «حزب الله» تمكّن من فرض الأمر الواقع على الدولة وجعل مؤسساتها الشرعية في حالة تطبيع معه، لكنّ التطبيع مع الشعب اللبناني ما زال في أعلى درجات الرفض والصدام، ويظهر هذا الرفض في ردّات الفعل الصدامية في مختلف المناطق التي تتعرّض للاحتكاك مع شاحنات «الحزب» الناقلة للسلاح عندما ينكشف أمرها فتتعرّض تلقائياً للاحتجاج الشعبي الرافض لاستخدام مناطقه كمنطلق أو معبر للسلاح، وهذا ما جرى بالضبط في شويا عام 2021 عندما اعترض أهالي البلدة من الموحِّدين الدروز على استخدام محيط بلدتهم لإطلاق الصواريخ باتجاه فلسطين المحتلة وحاصروا موكب الحزب المسلح بالراجمات ولم يخرج عناصره وآلياتُه إلّا بعد تدخّل الجيش اللبناني.
لا يمكن لوم الجيش على طريقة تعامله مع حادثتي شويا والكحالة، بل اللومُ يُلقى على سلطة سياسية قامت أحزابُها المشارِكة في الحكم بفرض أمرٍ واقع على المؤسسة العسكرية التي تخضع للسلطة التنفيذية وليست سلطة مستقلة بذاتها، وهي تعاني كما سائر المؤسسات الرسمية من هذا الواقع الناشئ عن التحولات السياسية وخضوع البعض لمنطق السلاح غير الشرعي ورضاه بوجود ثنائية الجيش والحزب مع إضافة لازمة الشعب كورقة التين لستر عورة تغوّل السلاح على الدولة.
يجب أن ينصبّ التركيز على كيفية تحرير السلطة السياسية من سطوة «حزب الله» لتحرير الجيش والقوى الأمنية من هيمنة معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» لاستكمال قدرة الجيش على معالجة هذا القدر الهائل من عدم التوازن الاستراتيجي والسياسي، مع التأكيد على أنّ الشرعية لا يملكها سوى الجيش مهما كانت ظروفه ومهما كانت حال القوى السياسية ووضع الحكم، ولو كان لدى حزب من الأحزاب 100 ألف مقاتل، فإنّ شرعيتهم منقوصة لأنّهم يتحرّكون خارج نطاق الدولة، فتركيبة الدول معروفة في تحديد قواعدها وشرعيتها مهما طغت عليها عوامل الهيمنة الخارجية.
لكنّ ما فعله أهالي الكحالة، وقبلهم أهالي شويا وأهالي عين الرمانة وأهالي خلدة في تصدّيهم لسلاح «حزب الله» يعطي التأكيد بأنّ حواجز التخويف التي اصطنعها «الحزب» لإخضاع اللبنانيين قد سقطت، وكانت النتيجة متوازنة حتى في الخسارة البشرية في واقعة الكحالة، وفي الطيونة وخلدة سقطت صورة «الحزب» الذي لا يُقهر وهذا ما يحصل كلّما اقترب من محاولة فرضه سطوته العسكرية خارج المناطق الشيعية. سأل أهالي الكحالة عن سبب نقل السلاح إلى جوارهم رغم وجود أماكن واسعة لتخزينه في الجنوب والبقاع، ليضاف السؤال إلى اسئلة القلق الأخرى المشروعة لدى أغلب اللبنانيين، خاصة أنّهم تعرّضوا لنيران هذا السلاح في وقائع كثيرة. لم يحظ اغتيال القيادي القواتي الياس حصروني بالتغطية الإعلامية التي يفترض توفرها في مثل هذه الحالات، لكنّ اللافت أنّ إعلام الممانعة قام بتشويه الواقعة من خلال استبعاد العامل السياسي فيها رغم وضوحه، لكنّ استراتيجية هذا الإعلام لطالما اعتمدت على الصدمة الوقحة التي أنتجت نظرية أنّ سعد الحريري قتل أباه! كما عمد إعلام هذا الفريق إلى بتر الحقيقة في واقعة الكحالة عندما أظهر لحظة إطلاق الياس بجاني النار على مسلحي الحزب، وشطب الإشكال عندما حضر الأهالي لحظة انقلاب الشاحنة مستطلعين مع إبداء النية للمساعدة ليفاجَأوا بظهور مسلحي «الحزب» الذين بادروا إلى تهديدهم واستفزازهم بإطلاق النار فردّ الأهالي برمي الحجارة وصولاً إلى تدخّل الراحل بجاني في الاشتباك. تحت شعار رفض الفتنة يريد «حزب الله» إسكات جميع معارضيه، حتى عندما يتعرّضون للقتل وتُظهر الصور وتؤكد الاغتيال، كما جرى في حالة القيادي القواتي الياس الحصروني بعد كشف التحقيقات أنّه تعرّض لعملية تصفية محترِفة، لكنّ ما يمكن استخلاصه مما جرى يتلخّص بأنّه لا بيئة حاضنة لسلاح «الحزب» في لبنان وأنّ جدار الخوف منه قد سقط ولم يعد التهويل ينفع في إخضاع اللبنانيين.
“دماء الكوع” والمقايضة الرئاسيّة! طوني كرم/نداء الوطن/الجمعة 11 آب 2023
كشفت حادثة الكحالة أمس الأول، من جديد، أنّ هامش الإحتضان الشعبي الذي تحلّت به المقاومة لتحرير ما تبقى من أراضٍ لبنانية، وفرضها أمراً واقعاً يدفع الآخرين إلى التأقلم مع ما تجسده من «قوة» إلى جانب المؤسسات الرسمية، بدأ يضيق جداً. وهذا ما برز مع سحب غالبيّة أبناء الكحالة بفئاتهم كافة وإنتماءاتهم السياسيّة والحزبية، الغطاء عن «حزب الله»، بل رفض ممارساته، أسوة بما فعل أبناء بلدة شويا – حاصبيا في آب 2021، وأبناء العشائر العربية في أكثر من محطة في بلدة خلدة. وإن يسجّل لقيادة «حزب الله» بالتهديد أو الوعيد قدرتها على ضبط الحالات الرافضة استخدامها المناطق المأهولة دروعاً بشريّة من أجل مخاطبة الخارج عبر «الرسائل الصاروخية»، على غرار ما حصل في شويا وعلى تخوم الحدود مع إسرائيل، فإنّ حادثة الكحالة، وعلى الرغم من «بساطتها»، أظهرت تداعيات إطاحة تفاهم «مار مخايل» في الشارع المسيحي الذي أسقط بالنار الغطاء عن «المقاومة» وسلاحها، وبشكلٍ فردي، بعدما تبيّن أنّ الضحيّة فادي بجاني مقرّب من حزب «الوعد»، ومؤسسه الياس حبيقة، المعروف بصداقته لهذا «المحور»، بل المتحالف معه. وذلك قبل أن تصل الحال بعضو «تكتل لبنان القوي» النائب سيزار ابي خليل، إلى اعتبار بيان «حزب الله» الصادر عقب حادثة الكحالة، «يجافي الحقيقة» وربط بدء أي حديث بتسليم الفاعلين.
وعلى غرار كل حادث أليم، تدخل الحسابات السياسيّة والمحاولات لتعزيز المواقع بالإستفادة من إراقة الدماء ودموع الأمهات والأولاد، وهذا ما دفع البعض إلى جعل هذه الحادثة ذريعة إضافية يتسلّح بها رئيس «التيار الوطني الحر» في حواره المستجدّ مع «حزب الله»، ودفعه إلى إعادة استجداء الغطاء المسيحي الذي وفّره «تفاهم مار مخايل» للحزب منذ عام 2006. في حين وجد آخرون أنّ السهام التي أطلقت على «تفاهم 6 شباط»، والمواقف التصعيديّة المرتبطة بمقاربة الإنتخابات الرئاسيّة تركت أثراً كبيراً لدى قاعدة «التيار» الشعبيّة، من شأنها أن تحدّ من قدرة النائب باسيل على إعادة التحكّم بها، ووضعها من جديد لقمةً سائغةً على طاولة مقايضته الجمهورية ببعض المكتسبات الإدارية والماليّة مع «حزب الله». وهذا ما برز بما لا يحمل الشك من خلال تداعيات الحادثة، سياسياً على مستوى العلاقات بين القوى السياسيّة، وتحديداً بين «حزب الله» و»التيار الوطني»:
– إذ بدا «العونيون»، الجهة الأكثر إحراجاً ممّا حصل، خصوصاً بعدما عكست ردود الفعل في الشارع حالة احتقان شديدة التصلّب عند المسيحيين، لدرجة أنّ نواب «التيار» لم يجرأوا على التستر أو الدفاع عما حصل، بل انضمت لجنة الإعلام في «التيار» في بيانٍ أصدرته أمس، إلى مواقف النائب سيزار أبي خليل في تحميل «قصور «حزب الله» أو القوى الأمنية نتيجة سقوط الضحايا»، إلى جانب إعتبار «ما حصل عند كوع بلدة الكحالة جرس إنذار للخطر المحدق بدولة تتحلّل ومجتمع يتشنّج»، وذلك قبل رفض «أي إستغلال للأحداث، طارئة كانت أو مفتعلة، يدعونا كلبنانيين إلى الإسراع في حلّ مشاكلنا، بالحوار البنّاء والهادف فقط، لأنّ أي فتنة هي بمثابة انتحار جماعي سيعمل التيار مع العقلاء على منعها».
– أصبح التفاوض بين رئيس «التيار» النائب جبران باسيل و»حزب الله»، مثقلاً بتداعيات الحادثة، لن يكون سهلاً على باسيل تقديم الجمهورية ورئيسها على طبق من فضّة أمام «الحزب»، مقابل أثمان أو هدايا يعتبرها مهمة بالنسبة إلى المسيحيين، من بينها إقرار اللامركزية الإدارية الموسعة، والصندوق الإئتماني. بدليل أنّ كل الحملة الدعائية التي مارسها باسيل خلال الأسابيع الأخيرة للترويج «للمنتجين»، لم تؤتِ ثمارها. وهذا ما يجعل مهمته صعبة جداً اذا لم نقل مستحيلة في إقناع المسيحيين من جديد بجدوى تعويم «تفاهم مار مخايل».
– رغم كل ما حصل، سعى باسيل إلى استثمار الحادثة في مفاوضاته مع «الحزب»، على طريقة «الإبتزاز»، حيث قدّم «تياره»، الضمانة الوحيدة للحزب عوضاً عن الرئيس، إذ قال في بيانه «ما حصل يدلّ على أهميّة أن تكون المقاومة محتضنة من الشعب اللبناني – وإلا تفقد مناعتها وقوّتها – يحمي لها ظهرها شعب لا شخص. الدلالة كبيرة بأنه ما بيكفي يكون في وحدة شيعية، على أهميتها، حتى المقاومة تكون بخير والبلد بخير – الوحدة الوطنية بتبقى أكبر وأمنع. الدلالة كبيرة على أهمية الاستراتيجية الدفاعية الوطنية يلّي بتنظّم موضوع السلاح، حتى ما حدا يشعر بخطر منه بأي منطقة بلبنان».
كل شاحنة “مشودرة” مشبوهة … إلى أن يثبت العكس لوسي بارسخيان/نداء الوطن/الجمعة 11 آب 2023
مع أن التوتّرات التي شهدتها منطقة الكحالة عقب انقلاب شاحنة ذخائر تابعة لـ»حزب الله» على «كوعها» المتعايش مع تكرّر الحوادث، نشطت ذاكرة الأحداث غير البعيدة التي جعلت لهذه البلدة رمزية سياسية خاصة، إلّا أن خطورة الحادثة بقيت في ما عكسته من تجاوزات مستمرّة من قبل «الحزب»، إلى حد اعتباره محاولات فضح ما كان ينقل في الشاحنة التابعة له، عملاً ميليشياوياً غير مبرّر. وعليه، كان لافتاً البيان الذي أصدره «حزب الله» عقب الحادث، واتّهم فيه من عبّروا عن «فورة دمهم» بعد اكتشاف حمولة الشاحنة، بـ»الميليشيا». اذ مضى في ترجمة ما يراها خصومه «فوقية» من خلال اعترافه أولاً بأنه صاحب الحمولة، وأنّ هذه الحمولة سلكت الطريق من البقاع باتجاه وجهتها، وحتى بعد انقلابها كان يفترض أن تتابع سيرها إلى مقصدها. أمّا العمل المشين برأي بيان «الحزب»، فلم يكن سوى في «تجمّع عدد من المسلّحين من الميليشيات الموجودة في المنطقة» كما وصفهم، «وإعتدائهم على أفراد الشاحنة في محاولة للسيطرة على حمولتها». في مقابل عدم اعتراف البيان بسقوط قتيل من أهالي بلدة الكحالة، وتحدّثه فقط عن مقتل أحد عناصره الذين كانوا يرافقون الحمولة، واصفاً وظيفة الجيش في هذه الحالة بأنّها «تدخّل لمنع السيطرة على الشاحنة وحمولتها». وكأنه بذلك يعرب عن شبه قناعة بأنّ الجيش ليس في معرض مصادرة هذه الحمولة غير الشرعية من السلاح. إنّه القدر إذاً الذي كشف الإنتهاكات اليومية التي يتعرّض لها المواطنون الذين يسلكون بعشرات الآلاف الطريق الدولي الممتدّ من البقاع الى بيروت، لتزيد من هواجس المخاطر التي ترافقهم لمجرد سلوك هذا الطريق. فحوادث السير التي تكون الشاحنات أحد مسبّباتها، قدر يومي يواجهه كل من يعبر هذا الطريق. وهذا ما رفع من جهوزية أهالي البلدات التي تجتازها، وحتى من نخوتهم لتقديم يد المساعدة بشكل دائم، ولا سيّما في الكحالة. ولم يتوقع هؤلاء أن تقابل هذه النخوة باستنفار فضح حمولة الشاحنة.
فلدى مرور البعض بمحاذاة الحادث إلتقطوا صوراً للشاحنة التي انقلبت ومضوا بطريقهم. حتى أنّ بعضهم نشر هذه الصور على وسائل التواصل الإجتماعي، بمعرض التحذير من زحمة السير التي سيتسبّب بها الحادث، ولكن أحداً لم يخطر له بأنّ هذه الشاحنة بحمولتها قد تكون سبباً لإشعال شرارة حرب، سلاحها «سارح» على الطرقات. في العادة يسبح «الكوع» عند كل حادث إمّا بالمشروبات الغازية، أو بالخضار، وأحياناً بالترابة وغيرها من الحمولات التي تختصر خطورتها بأوزانها الزائدة.
لا بل كان أخطر ما شهده الكوع من تداعيات هذه الحوادث تسرّب مادتي المازوت والبنزين أحياناً من الآليات والسيارات التي تتسبّب بها. إلا أنّ ما لم يخطر لأحد، هو أن يكون السلاح الذي يشكّل بعدم شرعيته إستفزازاً كافياً لجزء كبير من اللبنانيين، رفيقهم أيضاً على الطرقات، ينقل في وقت الذروة، ومن دون أي إجراءات متّخذة للسلامة، وهي إجراءات لا يمكن توقّعها من قبل من يحاول تمرير السلاح من «تحت أنوف المواطنين الآمنين». إذاً، «الفوقية الممارسة» عقب الحادثة، كما وصفها أهالي المنطقة، لم يختصرها الإستنفار الحزبي بوجه محاولي إكتشاف حمولة الشاحنة في الكحالة، وإنما في ما كشفته من استباحة يومية لأمن المواطنين. فـ»حزب الله» الذي اعترف بأنّ الشاحنة كانت متّجهة من البقاع، من دون أن يحدّد وجهتها، تجاهل أنه استباح سلامة الناس الذين يعبرون الطريق مع سلاحه بدءاً من البقاع الى مقصده الأخير. وعليه، إذا افترضنا أن هذه الشاحنة إنتقلت من أقرب معاقل «الحزب» في النبي شيت مثلاً، فهذا يعني أنّها كانت تنتقل كقنبلة موقوتة وسط المواطنين، مروراً بسرعين وتمنين ورياق وأبلح والفرزل أوتوستراد زحلة، سعدنايل، تعلبايا، شتورا المكتظّة بالمارة والشاحنات، جديتا، المريجات، بوارج، مروراً بحاجز ضهر البيدر الى صوفر، بحمدون وعاليه ومن ثم الكحالة حيث أوقعها القدر في مصيدته وسط بيئة غير صديقة، لم تروّض بعد على قبول الأمر الواقع… علماً أنّ خط سير هذه الشاحنات من المرجح أن يمر بعد تمنين بإتجاه دير زنون، فيكون قد عبر أيضاً من برالياس بإتجاه شتورا وأكمل الطريق نفسها نحو وجهته الأخيرة. إلّا أنّ السؤال الذي بقي يتردّد طيلة اليوم التالي على ألسنة من يعبرون هذه الطرقات يومياً، هل كانت هذه المرّة الأولى أو الوحيدة التي ينقل فيها السلاح بهذا الشكل؟ يعرف العالم بأسره أهمية هذا الطريق بالنسبة لـ»حزب الله» وإمداداته الداخلية. إسرائيل التي قطعت شريان الوصل هذا في عدوانها على لبنان بحرب تموز 2006، من خلال تهديمها جسره المعلّق في ضهر البيدر، كانت أيضاً على يقين بأهمّيته. ومع ذلك لم يتوقّع أحد أن يكون العبث بسلامة الناس إلى حدّ إستسهال نقل السلاح في وضح النهار مع أرتال السيارات التي تجاوره. ليبقى التساؤل على ألسنة المواطنين: كيف ستتصرّف السلطة الشرعية حيال هذا الأمر؟ وهل سيمضي «حزب الله» بالطريقة ذاتها في نقل إمداداته بعد هذه الحادثة، وما خلّفته من توترات؟ الأيام المقبلة قد تحمل بعض الإجابات. أمّا بالنسبة للمواطنين الذين لا مفرّ لهم من سلوك هذا الطريق بحثاً عن رزقهم ولقمة عيشهم، فستبقى كل شاحنة «مشودرة» مشبوهة إلى أن يثبت العكس.
بعد حادثة الكحالة… حلفاء “الحزب” ينتقدونه محمد شقير/الشرق الأوسط/الجمعة 11 آب 2023
كان تعامل «حزب الله» مع انزلاق الشاحنة المحملة بالذخائر في بلدة الكحالة موضع تقويم غلب عليه اللوم من حلفائه، لأنه لم يكن مضطراً للذهاب بعيداً، وكان في غنى عن البيان الذي أصدرته كتلة «الوفاء للمقاومة» بدلاً من أن يبادر منذ اللحظة الأولى للاتصال بقيادة الجيش، واضعاً في عهدتها معالجة تداعيات الحادث لتطويق ردود الفعل التي استهدفته من جانب خصومه، فيما غاب حلفاؤه من المسيحيين عن السمع ولم يحركوا ساكناً، ما أتاح لهم التفرُّد بمحاصرته سياسياً وإعلامياً.
فاتباع «حزب الله» سياسة الهجوم لم يكن في محله، خصوصاً أن انزلاق الشاحنة أدى إلى تبدُّل المشهد السياسي وكان وراء تسعير الخلاف الشيعي – المسيحي، مع أن تدخّل الجيش اللبناني، ولو جاء متأخراً، فتح الباب أمام استيعاب التأزُّم السياسي وحال دون أن يتطور إلى صدام بين أبناء بلدة الكحالة والمجموعة الحزبية المسلحة المكلّفة بمواكبة الشاحنة.
كما أن الحزب اصطدم بعدم قدرة «التيار الوطني الحر» على التخفيف من وطأة الهجوم الذي استهدفه من قبل خصومه في الشارع المسيحي، واضطر إلى مراعاة الأجواء التي سادت البلدة، وهذا ما تضمنه البيان الذي أصدره بقوله إن كل ضحية سقطت جاءت نتيجة قصور من «حزب الله» أو القوى الأمنية.
لكن تطرق «التيار الوطني» إلى ما سمّاه قصور القوى الأمنية لم يكن موضع إجماع من قبل معظم نوابه الذين أدلوا بدلوهم لحظة مقتل أحد أبناء الكحالة فادي بجاني المحسوب سياسياً على «التيار».
ومن تابع ردود فعل نواب «التيار الوطني»، توقف أمام تجاوز معظمهم للموقف الذي صدر عن رئيسه النائب جبران باسيل، ولاحقاً لدعوة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون إلى التهدئة.
ورأى قيادي في «التيار الوطني» فضّل عدم ذكر اسمه، أن عون رسم السقف السياسي في التعاطي مع انزلاق الشاحنة، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن ردود الفعل الأخرى، بصرف النظر عن أصحابها، من المنتمين إلى «التيار الوطني» ليست ملزمة، وإن إصدارها يكمن في استيعاب الوضع المتأزم الذي أرخى بظلاله على بلدة الكحالة من جهة، وفي قطع الطريق على خصومه في الشارع المسيحي في محاولاتهم للمزايدة عليه.
ويعترف القيادي نفسه بأن ردود الفعل شكّلت إزعاجاً لباسيل في حواره المستجدّ مع «حزب الله»، لكنه سيستمر، «ونحن ننتظر رد (حزب الله) على الورقة السياسية التي أودعها لدى مسؤول التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا»، ولا يؤيد «التيار» محاولات وضع اللوم على قائد الجيش العماد جوزيف عون بذريعة التأخر في سيطرة الوحدات العسكرية على الوضع المتأزّم، ويقول إن الجهود يجب أن تنصبّ لوأد الفتنة المذهبية. ويسأل: ماذا كان يفترض أن يقوم به الجيش غير الجهود التي قام بها وحال دون وضع يد الأهالي على ما تحمله الشاحنة من ذخائر، ما يدفع بحزب الله للقيام برد فعل يرفع منسوب التأزم ويصعب السيطرة عليه؟ وفي هذا السياق علمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية أن الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، الموجود حالياً خارج لبنان لعب دوراً أسهم في تهدئة الوضع، وكان على اتصال برئيس المجلس النيابي نبيه بري، وقيادتي الجيش و«حزب الله»، ونجله رئيس «التقدمي» تيمور جنبلاط، انطلاقاً من أن انزلاق الشاحنة حصل في منطقة حساسة تشكل نقطة العبور إلى البقاع وسوريا وتقع على تخوم بلدة عاليه وقراها، وأن لا مصلحة في تحويلها إلى خطوط تماس تهدد السلم الأهلي الذي لا يزال ينعم به البلد برغم أزماته الاقتصادية والاجتماعية التي لا حلول لها حتى الساعة.
وتكشف المصادر النيابية أن تأخر الجيش في السيطرة على الوضع والإمساك به لم يكن مقصوداً، وإنما لا بد من التحضير له سياسياً وميدانياً كان من نتائجه إخلاء كوع الكحالة من المجموعة الحزبية التابعة لـ«حزب الله» والمواكبة للشاحنة، كي يتسنى للوحدات العسكرية توفير الحماية المطلوبة لانتشال الشاحنة وإفراغها من حمولتها، وقالت إن احتكاك الوحدات العسكرية بالمتجمّعين من أهالي البلدة لم يكن يهدف سوى إلى منع وضع اليد على ما تحمله من ذخائر.
وتؤكد أن جنبلاط الذي بادر إلى التحرك فور انزلاق الشاحنة وقبل انتشار نبأ سقوط قتيلين، بقي على تواصل مع النواب الأعضاء في «اللقاء الديمقراطي» الذين أبدوا تفهُّماً وتجاوباً لوجهة نظره، وهذا ما يفسر عدم انخراطهم في تأجيج الصراع السياسي بدخولهم طرفاً في تبادل الحملات. وتقول إن جنبلاط الأب لم يكن منحازاً لهذا الطرف أو ذاك بمقدار ما أنه قرر منذ اللحظة الأولى انحيازه لمصلحة التهدئة وعدم تعريض السلم الأهلي إلى انتكاسة لا أحد يمكنه التكهُّن إلى أين يمكن أن تمتد.
لذلك لا بد من التريُّث إلى حين صدور التحقيق القضائي لتبيان الخيط الأسود من الخيط الأبيض، مع دعوة المصادر النيابية إلى ضرورة لملمة الوضع ومنع كوع الكحالة من أن ينزلق سياسياً باتجاه تمديد الفراغ في رئاسة الجمهورية، وهذا ما يحتّم على «حزب الله» مسؤولية حيال تطويق المفاعيل السلبية لانزلاق الشاحنة، ما يتطلب منه الخروج من دائرة المكابرة إلى التواضع.
“الحزب” عن حادثة الكحّالة: عرضيّة وانتهت غادة حلاوي/نداء الوطن/الجمعة 11 آب 2023
بعد انقلاب الشاحنة بساعات قليلة سعى «حزب الله» الى تطويق حادثة الكحالة. فمنذ اللحظة الأولى أرسل يطلب رافعة لنقل الشاحنة بعد تفريغ حمولتها، ونزلت العناصر المواكبة طالبة عدم الإقتراب منها وأبلغت عناصر البلدية أنّ الشاحنة تابعة لـ»حزب الله» وستتم معالجة الموضوع. لكن كان انتشار الخبر أسرع من المعالجة فتجمّع الناس وبدأ البعض رمي الشاحنة والعناصر بالحجارة. أطلق عناصر «الحزب» النار في الهواء بداية، فحصل إطلاق نار في المقابل، ما أودى بحياة مواطن من الكحالة وعنصر لـ»حزب الله». تلك هي رواية «حزب الله» لحادثة الكحالة التي رغم كل الإستثمار السياسي الذي أحاطها يعتبرها «حادثة عرضية». وفي روايته أيضاً، يؤكد «الحزب» أنّها ليست المرة الأولى التي تمر فيها شاحنات من هذا النوع على طريق الكحالة الدولية لتكمل طريقها في اتجاه الجنوب. وهي واحدة من آلاف الشاحنات التي تعبر لولا أنّها انقلبت، والمتعارف عليه أنّ لدى «الحزب» ذخيرة وأسلحة انطلاقاً من دوره كمقاومة لإسرائيل، وهذا عمل تمرس عليه منذ عام 1982 غير أنّ المستجد هو حجم التحريض الذي يربطه «حزب الله» بقرار أميركي واضح وصريح ولا ريب فيه. فالمطلوب عند وقوع أي حادثة التركيز على وجود دور لـ»حزب الله» فيها حتى ولو كانت إرتكبت لخلفيات شخصية، كما حصل في جريمتين بارزتين وقعتا منذ فترة غير بعيدة لم تعلن نتائج التحقيق في شأنهما بعد، و»الأرجح أنها لن تعلن». وليس على خلفية حادثة الكحالة وحدها، يلمس «حزب الله» وجود مناخ معادٍ له ومحاولة ربط كل التطورات والأحداث باسمه بدليل جريمة عين ابل التي وجهت أصابع الإدانة نحوه سياسياً لمجرد أنّه موجود في المنطقة، وقبلها كان يتهم بالصواريخ التي تطلقها الجماعات الإسلامية على الحدود في اتجاه فلسطين المحتلة. ويرفض «الحزب» الإتهامات التي تطاله كلما وقعت حادثة وتصويره على أنّه الفاعل «خلافاً للحقيقة»، ويدرج ذلك في إطار مواجهة طويلة بينه وبين فريق يريد لو اقتصر القرار عليه أخذ البلد والانزلاق به نحو خيارات أخرى يتم التصدي لها منذ عام 2006. مذاك يقول «حزب الله»، كان الهدف ضرب ايران أو سوريا أو «حزب الله». فشلت محاولة ضرب سوريا وإيران فكان الهدف تشويه صورة «الحزب» لأنه يتصدى لهم.
من ضمن المآخذ على «الحزب» أنّ الحادثة أظهرت بلا لبس أنّه لا بيئة حاضنة له ولسلاحه، وهي مقولة يرفضها محيلاً الأمر الى الانتخابات النيابية ونتائجها. وكشف أنّ ما حصل عمّق المواجهة بأبعادها بين فريقين لبنانيين لا ثقة تحكم علاقتهما. وعن هذا الموضوع تقول المصادر عينها «الخطأ أنهم يتصرفون وكأنّ «حزب الله» أداة لإيران، ونحن نتصرف على أنّهم عملاء لأميركا، وجماعة التطبيع»، مسلماً بوجود «خلاف سياسي عميق» وتجييش تسبب بـ»عراضات سياسية مفتعلة لن تمنعه من مواصلة عمله». فما حصل على رغم فداحة ما انتهى إليه «لن يؤثر في «حزب الله» ولن يثنيه عن نقل السلاح للمقاومة».
كان الغريب حيال ردود الفعل على الحادثة أن يخرج من بين المنتقدين من يوجّه سهامه باتجاه الجيش اللبناني وعناصره، على الرغم من أنّ وجوده جنّب البلد الإنزلاق إلى تداعيات خطيرة. من وجهة نظر «الحزب» أدى الجيش دوراً ممتازاً حيث نجح في امتصاص الحادثة وفصل الناس عن الشاحنة وأمّن نقلها بمحتوياتها التي لا تزال في عهدته. تقدير دور الجيش والقيادة العسكرية العالي يرفض «حزب الله» استثماره في رئاسة الجمهورية والربط بين ما قام به وانتخابات الرئاسة لا يجوز، فلا الجيش تصرف منطلقاً من هذا الاعتبار ولا التعاون الذي أبداه والحزم وتعطيل مفاعيل الحادثة وفتح الطريق كانت كلها بدوافع رئاسية. تثمين دور الجيش يقابله أسف يكتنزه «حزب الله» ويتحفظ في الإنخراط بالحديث عنه، لتعامل «التيار الوطني الحرّ» والمواقف التي صدرت عن مسؤولين فيه، وبالرغم من معرفة «الحزب» في وقت لاحق أنّ فادي بجاني، كما غالبية أهالي الكحالة موالون للتيار، فهو يعتبر أنّه كان بالإمكان تلافي ما حدث بالتنسيق وليس بالإنسياق خلف الأجواء المعادية انطلاقاً من تصريحات سيزار ابي خليل إلى ناجي حايك، وصولاً إلى موقف رئيس «التيار» جبران باسيل الذي غمز فيه من قناة ترشيح «الحزب» سليمان فرنجية ومسألة الوحدة الشيعية، قائلاً «أهميّة ان تكون المقاومة محتضنة من الشعب اللبناني، والا بتفقد مناعتها وقوّتها، بيحمي لها ظهرها شعب مش شخص»، والذي استدركته تدوينة لرئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون، أكد خلالها أنّ «المطلوب اليوم هو التهدئة بدل التحريض، ومدّ جسور الثقة بدل بثّ سموم الكراهية، وانتظار نتائج التحقيق».
لكنه عتب لن يلغي حقيقة أنّ التفاهم مع «التيار» ساعد «الحزب» وأنّ له بيئة التقى معها على معايير وطنية موحدة. ورغم كل ما شهدته الساعات الماضية يرغب في مدّ جسور التفاهم مع «التيار» ورئيسه مجدداً، كما مع بقية الطوائف، ولكن ليس على حساب القرار الإستراتيجي بدعم المقاومة.
وتؤكد المصادر المقربة أنّ ما حصل لن يؤثر في نية «الحزب» في إعادة التقارب مع «التيار» على أعلى المستويات ولا توقف المفاوضات حول الرئاسة، وتختم قائلة «القصة انتهت لأنها عرضية وإن جرت فيها محاولة الاستثمار في الدم من قبل بعض السياسيين، ولكن الموضوع انتهى وليس لـ»حزب الله» أي نية للدخول في إثارة الحساسيات أو الخلاف مع أي جهة سياسية، ولن يؤثر على علاقته بـ «التيار» أو بغيره من القوى السياسية».