المحامي عبد الحميد الأحدب/الأزمة صارت أزمة نظام ولم تعد أزمة انتخاب رئيس

68

الأزمة صارت أزمة نظام ولم تعد أزمة انتخاب رئيس
المحامي عبد الحميد الأحدب/26 حزيران/2023

أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (القرآن الكريم)

لبنان يطمح الى دور إنساني وثقافي واقتصادي، وهو بلد سبّاق في اقتصاد الخدمات الذي هو الآن صيحة التنمية الجديدة: خدمات التجارة والمال والسياحة والثقافة والإعلام والترفيه.
ولبنان يريد أن يعود الى حياته في ظروف تختلف عما كان، عندما دخل لبنان – أو أُدخِل- طرفاً في صراعات عربية-دولية، وعربية-عربية.
والذي حدث – سواء كان طبيعياً أو انطباعياً- ان في لبنان شعوراً بأن هذا البلد عومِلَ بأقل من قيمته، بما في ذلك أن قراره لم يعد بيده.
لبنان يعاني أزمة!
ولكن لم يعد المطروح أزمة رئاسة الجمهورية، بل صار المطروح النظام السياسي بكامله!
وحسناً فعل علي حمادة إذ كان أوّل من لفت النظر الى أن موضوع الفدرالية أصبح مطروحاً في البيوت المسيحية. فحزب الله لم يُعطّل انتخابات الرئاسة فحسب، بل عطّل النظام السياسي برمته، وجعله غير قادر على تنظيم حياة المجتمع اللبناني!
وأصلاً النظام السياسي الذي وُضع سنة 1943، تساقط مع الأيام، كان الخلل قد أصابه سنة 1958 في حرب أهلية لاندفاع كميل شمعون الى حلف بغداد، ربما ساعده ذلك على التجديد! ولما سقطت بغداد ذاتها في يد الناصريين بحكم الإنقلاب العسكري الذي علق مشنقة ولي العهد عبد الإله وسحل نوري السعيد في شوارع بغداد، وأدى ذلك الى تحرك الأسطول السادس الأميركي، وانزال الجنود الأميركيين في الشواطئ اللبنانية والقوات العسكرية الإنكليزية في عَمّان، وأدى الى تحرك القوة العظمى الأخرى، اي الإتحاد السوفياتي الذي أجرى مناورات كبيرة على حدوده مع تركيا وايران، وأدى توازن القوى الى التسليم بالأمر الواقع، فاجتمع السفير الأميركي في القاهرة بجمال عبد الناصر، وتوافقا على أن يكون رئيس الجمهورية قائد الجيش فؤاد شهاب.
وكان العهد الشهابي عهد بناء الدولة وعهد الإنصاف، الى أن جاءت العهود الأخرى من بعد شارل حلو! ولكن شارل حلو في النظام السياسي لم يستطع أن يقاوم نزول الفلسطينيين الى الشوارع ومساندة الإسلام السياسي لهم، فجرى توقيع “اتفاق القاهرة”، وصار النظام فلسطينياً، ثم دخل الجيش السوري الى لبنان بذريعة تحقيق الأمن، ولكنه انتزع السلطة من اللبنانيين، وصار النظام سورياً.
وسنة 1988 سقط شاه ايران، وتكوّنت ميليشيا حزب الله بغياب موسى الصدر، فصار النظام ايرانياً مع الوقت، واحتاج الى تغطية مسيحية، فكان “اتفاق مار مخايل”، وصار النظام ايرانياً، ولم يعد اليوم بحاجة الى التغطية المسيحية، فانفرد بالسلطة وحده وصار النظام ايرانياً، وصار الحاكم الحقيقي هو حزب الله، وتولى مهمات الحكم نبيه بري! هو يفسر الدستور، وتفسيره هو المطبَّق، وصار نقطة لقاء كل القوى، وصار يعطل انتخاب الرئيس بالنصاب وبتفسيره للنصاب!
وعطل نبيه بري انتخاب الرئيس بقرار من حزب الله سنتين ونصف السنة، حتى اضطر سعد الحريري الى انتخاب مرشح حزب الله ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وصار النظام ايرانياً يعتمد ولاية الفقيه! ووضع مفاتيح المجلس النيابي في خدمة مرشح حزب الله! اذ ذاك لم تعد الأزمة هي ازمة انتخاب رئيس للجمهورية بل صارت الأزمة الحقيقية هي ازمة نظام، الفدرالية انتشرت في الأوساط المسيحية واللامركزية الموسعة او الضيقة، ولكن الحديث والأزمة لم تعد ازمة انتخاب رئيس للجمهورية التي يحكمها حزب الله بكل معنى الكلمة، ولكنها اصبحت ازمة نظام! ووجهة النظر المسيحية هي أن حزب الله يريد أن يكون ما لَهُ، له! وما ليس لَهُ، له ولحزب الله! وعيَّن حزب الله اربعين الف موظف ليس لهم مكان في الوزارات، ثم عيّن نواباً ووزراء مدّوا يدهم الى خزينة الدولة فسقط النظام بالإفلاس حين سقطت “الليرة” اللبنانية. وسقطت مؤسسات الدولة كلها في الفساد، وصارت الوزارات كهفاً للوزراء، يغرِفون منها ما يشاؤون، لا حسيب ولا رقيب، كل ذلك بإسم ولاية الفقيه. واصبح مفهوماً أن الأزمة ازمة نظام، لأن مفاتيح المجلس النيابي صارت في جيب نبيه بري، وصارت انتخابات رئاسة الجمهورية في نظام شبه رئاسي في يد رئيس مجلس النواب نبيه بري. فإذا لم تتوفر لمرشح حزب الله الأكثرية التي يحتاج اليها مرشحه، فسّر نبيه بري الدستور وطبّقه على أن الإنتخاب يحتاج الى نصاب، والنصاب في يد حزب الله ونوابه، وإن كانت الأكثرية في يد المعارضة، ولكن النصاب شرط لانعقاد جلسة الإنتخاب. من هنا صار طرح الحياد، وجلسة الإنتخاب في يد ولاية الفقيه! وكل مؤسسات الدولة معطلة، ورئاسة الجمهورية مفاتيحها بيد نبيه بري، الذي اصبح بديلاً عن رئيس الجمهورية الذي تحول الى ولاية الفقيه دون انتخابه!
ماذا جاء يفعل لودريان؟ استمع الى الجميع، وكان يعرف مواقفهم قبل أن يجيء وعاد كما جاء.
الحوار… كيف يتم حوار بين اثنين، واحد يضع مسدسه على الطاولة، والآخر يحاور مجرداً من السلاح، واذا حاور حزب الله بدون سلاحه يحصل كما حصل في الوثيقة التي وُقِّعت في القصر الجمهوري. في السياسة الدفاعية، قَبِل حزب الله بوجهة نظر الجهة اللبنانية ووقّع الوثيقة ثم بلّها بالماء وشرب ماءها!
الحوار بالسلاح او بدون سلاح لم يُجدِ، الحل بدأت تطلع طلائعه في حوار على النظام وليس حواراً على انتخاب الرئيس!
وتغيير النظام يحتاج الى مساندة خارجية، الى القوة والى السلاح، كما غيّر أتاتورك النظام التركي، وكما غيّر محمد علي النظام المصري، وكانت النهضة التركية والنهضة المصرية!
الحوار مَضْحَكة اذا كان على رئاسة الجمهورية، الحوار الحقيقي على نظام لا مركزي حتى نحافظ على وحدة البلد، فقد سقطت السلطة المركزية حين صارت فلسطينية، ثم سورية، ثم الآن ايرانية!
لبنان مُركَّب من طوائف ولا يمكن لطائفة ان تحكم سائر الطوائف، فماذا يمكن للحوار أن يُعطي؟
ولبنان على الحياد اذا اراد ان يعيش، لا يقاطع ويحارب دول الخليج، ونصف شعبه يعيش ويعمل في الخليج!
طالما ان طائفة بكاملها لأول مرة في لبنان منذ مئة سنة اتّحدت وتكتّلت بحزب واحد، فلينعموا بما هو لهم ويتركوا الآخرين ينعمون بما هو لهم ايضاً! والا فالحروب الأهلية قادمة بحكم عدم التوازن، وبحكم الفراغ الرئاسي، الذي صارت مفاتيحه في يد رجل، يحكم البلاد من حيث لا تريد البلاد بأسرها!
أزمة لبنان ازمة نظام.
جَرَّبوا الطائف ولم يُطبِّقوه بل طَبَّقوا مكانه ولاية الفقيه! هذه فقّاعات لا يمكنها ان تبني وطناً يعيش ويستمر.
الحياد… ثم تغيير النظام الى نظام لا مركزي.
وكفى حديثاً على انتخابات الرئاسة، فمفاتيح الرئاسة في يد نبيه بري وفي اجتهاداته وفي تطبيقه لهذه الاجتهادات، وهذه الإجتهادات الدستورية لن تأتي الا برئيس هو قناع لولاية الفقيه.
مضى الوقت الطويل، وسقطت الأقنعة، وصار الحل في تغيير النظام وفي الحياد، وبالإنتظار.
يأتي لودريان ويأتي غيره، ويعود باحثاً عن مرشح للرئاسة.
صوِّبوا في المكان الصحيح، المشكلة والأزمة لم تعد انتخاب الرئيس، صارت تغيير النظام، ومركزية النظام.
بالإنتظار، ولاية الفقيه مرفوضة، فلا لبنان صُنع لها، ولا هي صُنعت للبنان.