الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/آل فرنجية ولعنة بعبدا

311

آل فرنجية ولعنة بعبدا…
الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/09 حزيران/2023

عام 1988؛
تقاطعت مصالح القيادات المسيحية الثلاث، داخل ما كان معروفًا بالمنطقة الشرقيّة، على منع وصول رئيس الجمهوريّة الأسبق سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا؛
أمين الجميّل، رئيس الجمهوريّة، يُدرك تمام الإدراك أنّ فرنجية لن يتعاون معه، خصوصًا بعدما أفشى (الجميّل) للسوريين بأنّ حليفهم فرنجية نصحه بعدم التخلّي عن اتّفاقية 17 أيّار قبل نَيْل مكتسبات بالمقابل منهم، ما حدا بهؤلاء على توجيه رسالة قاسية لفرنجية بإشعالهم جبهة الكورة – زغرتا في وجهه.
سمير جعجع، قائد القوّات اللبنانيّة، لا تُطمئنه عودة فرنجية إلى بعبدا الواقعة في قلب المنطقة المسيحيّة التي يُسيطر هو عليها، خصوصًا وأنّ أتباعُ فرنجية يستهدفونه بسبب قيادته العمليّة العسكريّة الكتائبيّة في عقر دارهم، إهدن، والتي أودت بنجل فرنجية طوني، وبزوجة ابنه، وبحفيدته، إضافة إلى ثلاثين ضحيّة من أبناء المنطقة.
ميشال عون، قائد الجيش اللبناني، يُريد بعبدا لنفسه، بيد أنّه راسبٌ في حسابات اللاعبَين الأكثر تأثيرًا في تلك الانتخابات؛ دمشق والسفارة الأميركيّة في بيروت. الأولى تعتبر أنّ “عون ارتكب أخطاء”، لاسيّما حين ساند عسكريًّا قوّات جعجع في وجه قوّات ايلي حبيقة التي اخترقت المناطق الشرقيّة وكادت تقضي على جعجع في عملية 27 أيلول 1986. والثانية (السفارة) تعتبر عون “هادئًا وأمينًا، لكنّه ليس سياسيًّا”، وتخشى الّا يتخلّى عن السلطة في حال آلت إليه. من هنا أراد عون كسب الوقت بتعطيل الانتخابات، عسى ان تتحسّن ظروف ترشّحه للرئاسة.
عشيّة الانتخاب، أقدم الثلاثة المذكورون أعلاه على القيام باستنفار عسكري لإفهام النوّاب أنّ مشاركتهم في جلسة الانتخاب غير محبّذة، واستتبعوا استنفارهم بخطف النوّاب الذين تجرّأوا على تحدّي الحواجز والمظاهر المسلّحة، ما أدّى إلى تطيير الجلسة.
سخط السوريون من تطيير الجلسة، وتحوّلوا إلى التصلّب؛ فبعدما كانوا يتشاورون بأكثر من اسم للرئاسة مع الأطراف اللبنانيين، حصروا النقاش بين مخائيل الضاهر رئيسَا أو الفوضى. الأميركيون اكتفوا بنقل الموقف السوري إلى اللبنانيين مفصحين أنّ لا مجال لتبديله، خصوصًا أنّ اللبنانيين فشلوا في الاتّفاق على اسم مرشّح، ولأنّ هناك زحمة مرشّحين لا يجمع بينهم سوى “الأنانيّة وحب السلطة والمصلحة الخاصة”.
أمين الجميّل ليس عنده شيء ضدّ الضاهر، لكن أسلوب السوريين الفارِض أحرجه ومنعه من القبول بالضاهر.
ميشال عون رفض الضاهر معتبرًا إيّاه من رموز الاتّفاق الثلاثي، مع العلم أنّ البنود المتعلّقة بالأمن والعسكر في هذا الاتّفاق، أُنجزت بالتشاور والتنسيق مع عون نفسه، وبحسب ما أملاه هو خطّيًّا على لجنة الصياغة.
سمير جعجع رفض الضاهر إذ يعتبره حليفًا لإيلي حبيقة ومؤيّدًا للاتّفاق الثلاثي، مع ادراكه أنّ الضاهر غيَّرَ موقفه من الاتّفاق، وأنّه لا يختلف عن القوّات اللبنانيّة بنظرته إلى الإصلاحات والعلاقات المميّزة مع سوريا.
نتيجة أفعال “التريو” عون – جعجع – الجميّل، جاءت مدمّرة على المنطقة الشرقيّة المسيحيّة وعلى لبنان؛ دخلت البلاد في حالة فراغ رئاسي. عيّن أمين الجميّل ميشال عون رئيسًا لحكومة انتقالية عسكرية، رفضت حكومة سليم الحص (المستقيلة) تسليم الحكومة المعيّنة، فانقسم لبنان بين حكومتين. أشعل عون حرب التحرير، انضمت إليه القوّات، ووصلنا إلى اتّفاق الطائف الذي أنهى الزمن الماروني في الحكم. دخلت المناطق الشرقية في الفوضى والتقاتل الدموي بين جيش عون وقوّات جعجع. في النهاية، استقرّ الجميّل وعون بالمنفى، وجعجع في السجن، وثلاثتهم جنوا ما زرعوه بأيديهم، وبملء غبائهم ونرجسيّتهم، أمّا المسيحيّون فأكلوا الحصرم.

عام 2016؛
ميشال عون لا يريد سليمان فرنجيّة في بعبدا لأنّه عاد يحلم بالعودة إلى قصرها رئيسًا بعد اقصائه عنه ونَفْيِه عام 1990.
سمير جعجع هو الآخر لا يريد بعبدا لسليمان فرنجية، وبحسب ادّعائه هو اختار بين فرنجيّة وعون، وفضّل الأخير، مع العلم أنّ الاثنين هما حلفاء لحزب الله وسوريا! ما الذي دفع بجعجع إلى تفضيل عون!!؟ لا أحد يستطيع أن يفهم عادةً ماذا يجول في رأس “الحكيم”! المنطق السياسي يحتّم اختيار فرنجية لأنّه لا يرتبط باتّفاقات خطّية مُلزمة تجاه حزب الله والخط الإيراني، على عكس عون المربوط والمكبّل باتّفاقيّة مار ميخائيل، وبالشروط التي فُرضت عليه قبل السماح بعودته من المنفى.
وضع عون وجعجع “فيتو” على عبور فرنجية إلى بعبدا، فتناغما بذلك مع قرار حزب الله؛ “ميشال عون أو لا رئيس”، فحلّ “العهد الأسوأ في تاريخ لبنان” كما وصفه جعجع شخصيًّا!!! لكن جعجع لا يعترف أنّه أخطأ، وهنا تكمن الطُّغومية الكبرى.

اليوم؛
ميشال عون مستمر بصهره جبران. أمين الجميّل يعود متمثّلًا بشبله سامي. وسمير جعجع مكمّل بشخصه لا شيء يُوقفه.
والثلاثة، لا يُريدون سليمان فرنجية في بعبدا، ونحن لم نجد بعد أسبابًا مقنعة لهذا الموقف.
ثلاثتهم موالون لاتّفاق الطائف، وفرنجية موالي. هم مؤمنون بالانتماء العربي، وفرنجية كذلك. يُعيّرون فرنجية بأنّه تابع لسوريا ولحزب الله، وهم يساكنون حزب الله تحت قبّة البرلمان، ويتشاركون معه في تسريع – قصدتُ تشريع – مصير اللبنانيين يوميًّا. هم، أيّ “تريّو” عون – جعجع – الجميّل، يعتبرون حزب الله مكوّنًا لبنانيًّا ويُريدون مناقشة حيازته السلاح ضمن استراتيجية دفاعية وطنيّة، وفرنجية مثلهم، لكنّه مدرك أنّ سلاح حزب الله أصبح واقعًا اقليميًّا لا تُمكن معالجته إلّا من ضمن معادلة اقليميّة شاملة. “التريّو” وفرنجيّة معًا؛ ضدّ التقسيم والفدرالية، ومع لبنان موحّد نظامه مركزي، وتجمع بينهم العداوة لإسرائيل والصهيونية. والأهم يبقى أنّ أربعتهم موارنة، وأقوياء، بمباركة غبطة أبينا البطريرك.
ما الداعي إذًا للاستمرار بالشرخ وبالتمثيليّات منذ العام 1988!!؟ ما الذي يُمكن أن يدفع عون وجعجع والجميّل إلى إيصاد أبواب بعبدا على آل فرنجية في كلّ استحقاق رئاسي، غير عجزهم عن النظر في عينيّ ضحيّتهم التي سامحتهم!!؟
للأمانة التاريخيّة والموضوعيّة، لا سليمان الجدّ، ولا سليمان الحفيد، أعطى السوريين وحزب الله شيئًا يُذكر بالمقارنة مع ما أعطاه ميشال عون وصهره أخيرًا! يُختصر مشروع آل فرنجية كمشروع لبناني يؤمن بالانتماء إلى محيطه العربي وبالعلاقات الطيّبة مع الجار السوري، بينما “العونيون” اخترعوا لنا “بْراد” السوريّة مُرتَكَزًا مصطنعًا للموارنة، بدل بكركي الجذور، وجبل لبنان الحرية! مشروع “العونيين” مشرقي – جغرافي مكمّل لمشروع الحزب القومي السوري الاجتماعي الذي يعتبر الكيان اللبناني خطأً تاريخيًّا. يكفينا بالأمس ميشال عون يتابع تقديم أوراق اعتماده لدى السوريين، لا بل يكرّس من جديد بشّار الأسد لاعبًا اساسيًّا على الساحة اللبنانيّة، ولاعبًا بمصير استحقاقاتنا الدستوريّة! ومع ذلك، ترى الجميّل وجعجع يُقاطعون مصلحتهم مع عون مرة اضافيّة لمنع وصول فرنجية إلى بعبدا، ويقبلون بجهاد أزعور الذي هو من صلب منظومة الفساد والتخطيط لسرقة شعب لبنان بأمّه وأبيه! خاله جان عبيد، خليل حافظ الأسد ومعبِّد طريق الشام أمام ترغيب وتطويع زعماء الموارنة! وأزعور هذا، يرتبط بأجندات الرأسمالية العالمية التي أقلّ ما يُمكن أن يكون فيها، وضعُ اليدّ على أصول دولتنا.

إلى “التريو” عون – جعجع – الجميّل؛
مَن منكم أكثر وطنيّةً وأخلاقيّةً من سليمان، وأنظف منه كفًّا، فليوصد عليه أبواب بعبدا أوّلًا. كفاكم تلاعب بمصير المسيحيين، وكَفَّ الله عنّا شروركم وأحقادكم وجَهلكم. إن لستُم خجلين من إخفاقاتكم التي لا تُحصى في الثلاثين سنة الماضية، فاقلّه اخرسوا، والأفضل ارحلوا.
في العام 1988 نكايةً بفرنجية أخذتمونا إلى الطائف وخسر الرئيس الماروني صلاحياته.
في العام 2016، نكاية بسليمان الحفيد أخذتم لبنان إلى جهنّم.
واليوم، إذا تابعتم بالمنوال عينه، فستحملون كرسي الرئاسة هديّة إلى غير الموارنة.
حرّروا سليمان فرنجية من لعنة بعبدا، فمَن قَبِل أن يجرّب ميشال عون، بمستطاعه أن يحاول مع فرنجية طالما البدائل محدودة.

قاطعت معلوماتي في هذه المقالة بين المراجع التالي ذكرها:
– الخيارات الصعبة – ايلي سالم
– السادس والسبعون – أنطوان سعد
– القضيّة والقدر – ريما فرح
– Les secrets de la guerre du Liban – Alain Ménargues
– La tuerie d’Ehden – Richard Labévière
– From Israel to Damascous – Robert M. Hatem
– لقاءات ميدانيّة
– مدوّناتي الخاصة