قراءة بسيطة في حادثة مجمّع فؤاد شهاب الرياضي الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/15 آذار/2023
سأتناول حادثة مجمّع فؤاد شهاب الرياضي الأخيرة من زاوية أنّ أحدًا لم يكن موضوعيًّا في مقاربة ما حصل، لا بل، وهذا أخطر، لم تُبنَ الانفعالات والمواقف على مقتضى الحال، حتّى بتنا أمام حفلة تضليل و”قلوب مليانة” لا تنتهي. لَعَمري، إنّها سياسة التعتيم والتضليل والالهاء التي لطالما برع فيها السياسيون اللبنانيون، والأجهزة الأمنيّة، والإعلام المأجور المرهون، والأغبياء من الشعب “الغفور” الذين يعتقدون أنفسهم مفكّرين ومحلّلين وهم عن فكّ الحرف عاجزين.
لِمَن لا يعرف، يفصل بين بيتنا وملعب كرة القدم في مجمّع فؤاد شهاب، جسرٌ لا يتجاوز عرضه العشرة أمتار. المفارقة، أنّي يوم الأحد الماضي قرأتُ بالصدفة على وسائل التواصل الاجتماعي عن اشكال يحصل تحت شرفتي، في الملعب، ولم ألاحظه. المُبكي، بدأ الشحن والاستنتاجات على وسائل التواصل والإشكال لا يزال قائمًا؛
“المسلمون يتقاتلون على أرض مسيحيّة”…
“قال تعايُش قال؛ بالفدراليّة ما بقا نقبل، بدنا التقسيم”…
“ما في إلّا الفدراليّة حل”…
“جوان حبيش بدو يِهدِي السيّد مفتاح الفتوح، بيستاهل اللي صار فيه”…
“لو نحنا عملنا هيك بالضاحية شو كان صار؟”…
“المشروع الانقلابي الشيعي مستمر”…
…الخ.
حَكِي حَكِي حَكِي، وما عاد ينتهي الحكي! ترداد وتردّدات وتحزّبات، ولا ردّة فعل واحدة في مكانها!!!
هل سأل أحدٌ من المتحمّسين على وسائل التواصل ماذا حصل قبل أن يُعلِّق!؟ لا أظن. هل تلطّفت احدى الوسائل المرئيّة-المسموعة، أو المسموعة، أو المكتوبة، وأخبرتنا بأسباب ما حصل!؟ لا. هل صُوِّرَ للبنانيين أنّ المسلمين، سنّة وشيعة، تقاتلوا على أرض جونية المسيحيّة!؟ نعم، وبقوّة.
أنا الآن سأسأل وسأستنتج.
ما الذي حصل؟ حصل أمران كادا أن يكونا شرارة فتنة جديدة؛
الأوّل، عندما هتف جمهور “فريق العهد” الشيعي باسم سوريا وباسم بشّار الأسد. هل استفزّ هذا الأمر جمهور “فريق الأنصار” السنّي رافع الأعلام التركيّة؟ لا!!! ولم يحصل ردّة فعل واحدة الهتافات من الجمهور السنّي، مع العلم أنّ هؤلاء هم من انصار مناوئي الأسد.
الثاني، عندما تدافع لاعبان على أرض الملعب، فاستغلّ الجمهور السنّي الفرصة، خصوصًا أنّ فريقه “الأنصار” كان خاسرًا في المباراة، ففجّر غضبه تكسيرًا ومواجهات مع القوى الأمنيّة. هل استفزّت الفوضى التي أحدثها الجمهور السني، الجمهورَ الشيعي؟ أيضًا لا!!! لا بل بقي الجمهور الشيعي في المنطقة المخصّصة له على المدارج، ولم يأتِ بأيّ تحرّك.
إذًا، بين مَن ومَن حصل المشكل في مجمّع فؤاد شهاب الرياضي!!؟
ببساطة، هناك جمهور، شيعي، “هتف” باسم مَن دنّس يومًا ارض كسروان بعشرات الآلاف من قذائفه الحاقدة والمدمّرة. وهناك جمهور، سنّي، “كسّر وعبث” بممتلكات الملعب باسم “تركيا الخلافة”. لكنّ الطرفان لم يتواجها أو يتصادما، فبين مَن ومَن حصل المشكل؟ ولماذا تمّ التركيز على هتافات الجمهور الشيعي والتغاضي عن التكسير والفوضى اللذين تسبّب بهما الجمهور السنّي!!؟
مَن كان يُفترض بهم الإقدام على مشكل هم المسيحيون، إذ هُم مَن استُبيح ملعبهم وأرضهم العاصية بالهتافات والتكسير، لكنّهم لم يُقدموا، وحسنًا فعلوا. فلو فعلوا، لكان هبّ مبيّضو الطناجر من علمانيين ويساريين معفّنين، واستفاضوا في اتّهام المسيحيين بأنّهم عنصريون وطائفيون ودعاة تقسيم…
لكن،
أين الغيارى على مصالح المسيحيين لم نسمع لهم حسًّا في خضمّ كلّ هذه المعمعة!؟ أعذروهم، فهم منتشون بمَلء الفراغ الرئاسي، وكلّ منهم يتخيّل نفسه قابعًا على كرسي الرئيس العتيد، ولا يناسبه التورّط بمواقف قد تؤثر على حلمه الرئاسي.
أين الذين ضجّوا عقولنا بشعاراتهم الانتخابية لم يصدر عنهم موقف، ولم نسمع لهم صوتًا!؟ أعذروهم، فمَن لا يستطيع الإيفاء بأكاذيبه الانتخابيّة لا تنتظروا منه أن ينتفض لكرامة شعبه.
أين نوّاب كسروان – جبيل، وعددهم ثمانية!؟ أعذروهم، فمَن سَكَتَ عن اغتصاب أراضي الكنيسة في لاسا ولفلف القضيّة، لا يُعوَّلُ عليه أن يسأل عن تخريب ملعب جونية البلدي، خصوصًا وأنّنا على أبواب انتخابات بلدية.
أين الذين طلبوا تحييد حزب الله في بداية الثورة، وطالبوا الثوّار بتركه عليهم والتركيز على الأمور المعيشيّة!؟ أعذروهم، فمَن يراهن على لبنانيّة حزب الله، وعلى التفاوض معه في الاستراتيجية الدفاعية، لا يتوقّف عند أمر صغير مثل انتهاك كرامة الكسروانيين باسم “لا إله إلّا الله”.
حسبي وقفات العز والاتكال على الذات! واهِمٌ مَن يدّعي التغيير من الداخل. وواهم السيادي والاستقلالي الذي يُساكن حزب الله داخل البرلمان. وواهم، لا بل أهبل، مَن يعتقد أن انتخاب رئيس للجمهوريّة هو الحل، وعلى شاكلته مَن يعتقدُ أنّ حزب الله سيتركه يفلت من أنيابه ليحقّق الفدراليّة أو التقسيم. وواهمٌ مَن يعتقد أنّه بالمبالغة في الثرثرة والكذب عبر وسائل الاعلام والتواصل تُنقذُ الأوطان.
ومحقّ مَن دعا إلى مقاطعة الانتخابات النيابيّة، ولا يحقّ الحقّ إلّا بنسيان وتهميش مَن يعملون من داخل النظام الكليبتوقراطي وهم مُوسوَسون عاجزون. أمّا التغيير فيبدأ حين يُقطع لسان كلّ مَن يهتف باسم سوريا الأسد في جونية، وتُكسَر يد كلّ مَن يجرؤ على التعدّي على ممتلكاتها، سوريًّا كان، أم تركيًّا، أم سنّيًا أم شيعيًّا وحتى مسيحيًّا ذميًّا.
وتبقى المسؤوليّة على مَن سَكَتَ وليس على مَن اعتدى. ويوم الحساب آت لا محالة.