تأملات إيمانية في مفهوم الشكر والإمتنان والعرفان بالجميل في انجيلنا المقدس
اعداد وجمع الياس بجاني
18 شباط/2023
الرب أعطى الإنسان الذي خلقه على صورته ومثاله كل العطايا مجاناً، بما فيها الحياة التي هي وديعة، ولهذا يجب على هذا الإنسان أن يعطي اخيه الإنسان مجاناً كما هو الله اعطاه. من هنا يأتي واجب الشكر والإمتنان وهما ما نعرفه بالعرفان بالجميل. الذي يشكر هو انسان مؤمن وذلك على خلفية أن الله وهبه كل العطايا التي عليه أن يعطيها لمن هو بحاجة لها ولهذا من يشكر عن إيمان لا يحسد ولا يغار، بل يفرح ويبارك لغيره بما عندهم من عطايا أكانت فكرية، مالية أو جسدية. من يحسد ويغار هو متعامى عن طبيعة العطايا ومصدرها الإلهي. من لا يشكر هو ناكر للجميل وبغلتنا المحكية نقول ، “ما عندو بقوي” وفاعد للإيمان.
الشكر هو موضوع إيماني مهم ورئيسي في الكتاب المقدس. تقول رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى اهل تسالونيكي (05/ 16-18 (“اِفْرَحُوا كُلَّ حِينٍ. صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ. اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ”). المقصود هنا ببساطة متناهية، هو انه من واجبنا الشكر على وفي كل شي، وان يكون مبدأ الشكر هو أسلوب حياتنا يفيض تلقائياً من قلوبنا وأفواهنا عن قناعة وإيمان وفهم. فعندما نتمعن في المفهوم الشمولي لكلمة الله بعمق وإيمان، نعرف لماذا يجب أن نكون شاكرين، وأيضاً كيف نعبِّر عن الإمتنان في المواقف المختلفة، الصعبة كما المفرحة.
يقول المزمور 136/01: (“اِحْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، ولأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ”).
مبدأ وفعل الشكر لله هو لسببين اساسيين وجوهريين، هما صلاح الله المستمر، ورحمته الدائمة.
علينا ان نعرف وعن قناعة بأننا من طبيعة ترابية، وأنه بعيداً عن الله لا حياة، بل موت.
يقول نجيل القديس يوحنا (10:/10): (“اَلسَّارِقُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ، وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ.”)
وجاء في رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل رومية (07/05): (“لأَنَّهُ لَمَّا كُنَّا فِي الْجَسَدِ كَانَتْ أَهْوَاءُ الْخَطَايَا الَّتِي بِالنَّامُوسِ تَعْمَلُ فِي أَعْضَائِنَا، لِكَيْ نُثْمِرَ لِلْمَوْتِ.”) لهذا كله فبعد فهمنا ما يقوله الكتاب المقدس، فإن ردنا الطبيعي على ما نمر به في حياتنا هو الشعور بالشكر وبالإمتنان من أجل الحياة التي يعطينا إياها الله.
في هذا السياق يقدم الملك داودو في “المزمور رقم 30 من 01 حتى12) الحمد لله من أجل خلاصه فيقول: (“أُعَظِّمُكَ يَا رَبُّ لأَنَّكَ نَشَلْتَنِي وَلَمْ تُشْمِتْ بِي أَعْدَائِي. يَا رَبُّ إِلَهِي اسْتَغَثْتُ بِكَ فَشَفَيْتَنِي. يَا رَبُّ أَصْعَدْتَ مِنَ الْهَاوِيَةِ نَفْسِي. أَحْيَيْتَنِي مِنْ بَيْنِ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ… حَوَّلْتَ نَوْحِي إِلَى رَقْصٍ لِي. حَلَلْتَ مِسْحِي وَمَنْطَقْتَنِي فَرَحاً لِكَيْ تَتَرَنَّمَ لَكَ رُوحِي وَلاَ تَسْكُتَ. يَا رَبُّ إِلَهِي إِلَى الأَبَدِ أَحْمَدُكَ”)
هنا يقدم داود الشكر لله بعد مروره بظروف صعبة، ولكنه يشكر الرب أيضاً على كل ما مضى، وعلى كل ما سوف يأتي.
كذلك لدينا أمثلة كثيرة واردة في الإنجيل المقدس على ضرورة الشكر في مواجهة الظروف الصعب، وأضاً المفرحة.
على سبيل المثال، يصف (المزمور رقم 06/28 و07) الضيق الذي يمر به داود. وهذا المزمور هو عبارة عن صرخة إلى الرب من أجل الرحمة والحماية والعدل. وبعد أن يصرخ داود إلى الرب، فإنه يكتب قائلاً: (“مُبَارَكٌ الرَّبُّ لأَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ تَضَرُّعِي. الرَّبُّ عِزِّي وَتُرْسِي. عَلَيْهِ اتَّكَلَ قَلْبِي فَانْتَصَرْتُ. وَيَبْتَهِجُ قَلْبِي وَبِأُغْنِيَتِي أَحْمَدُهُ” فيتذكر داود من هو الرب في وسط ضيقاته، ويقدم الشكر له بخشوع ورهبة بسبب معرفته وثقته به.
وكان للنبي أيوب أيضاً نفس مفهوم الشكر والحمد والعرفان بالجميل، حتى وهو على فراشه يواجه الموت (أيوب 01/21): (“الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكاً”). كما توجد أمثلة كثيرة على شكر المؤمنين لله في العهد الجديد. فبرغم أن القديس بولس الرسول كان يواجه إضطهاداً شديداً، كتب يقول (كورنثوس الثانية 2: 14): (“وَلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، وَيُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ”).. كما يقول في رسالته (للعبرانيين 12/28): (“لِذَلِكَ وَنَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتاً لاَ يَتَزَعْزَعُ لِيَكُنْ عِنْدَنَا شُكْرٌ بِهِ نَخْدِمُ اللهَ خِدْمَةً مَرْضِيَّةً، بِخُشُوعٍ وَتَقْوَى”)
بدوره يعطينا القديس بطرس (بطرس الأولى 01/06 و07) سبباً للشكر من أجل “تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ” قائلاً أنه من خلال التجارب “تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ… تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ”)
إن شعب الله المؤمن عليه أن يكون شاكراً لله على الدوام، لأنه يدرك مقدار ما أعطي له.
وبحسب رسالة القديس بولس الرسول الثانية إلى (تيموثاوس 03/02)، فإن غياب الشكر والإمتنان من سمات الأيام الأخيرة. سوف يكون الأشرار “غير شاكرين”. يجب أن نكون شاكرين لأن الله مستحق شكرنا. ومن حقه أن نشكره من أجل كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ” (رسالة القديس يعقوب 01/17). عندما نكون من الشاكرين لله في كل حين مهما كانت الصعاب التي تواجهنا، فلا يعود تركيزنا على رغباتنا الأنانية والذاتية والآنية ولا على الضيق والألم الناتج الظروف التي نواجهها. كما وأن ممارسة فعل الشكر لله يذكرنا دائماً بأن الله ابينا وهو المحبة وهو القادر على كل شيء. لذا، فإن الشكر ليس فقط ممارسة محببة ولائقة،، بل في الواقع هو أمر صحي ومفيد وذكرنا بأننا ملك لله، وأنه باركنا بكل بركة روحية (أفسس 01/03)، وبالفعل، لنا حياة أفضل (يوحنا 10: 10) ويجب أن نشعر بالإمتنان والعرفان بالجميل.
عنوان الكاتب الألكتروني
Phoenicia@hotmail.com
رابط موقع الكاتب الالكتروني على الإنترنت
http://www.eliasbejjaninew.com