الحلقة السابعة من كتاب الكولونيل شربل بركات الجديد: “لبنان الذي نهوى”/عناوين حلقة اليوم: الهدوء في بيروت والاعتداءات في الجنوب/أزمة الصواريخ السورية/عملية سلامة الجليل
الهدوء في بيروت والاعتداءات في الجنوب بينما كان السوريون يقصفون الأشرفية والمناطق الشرقية من بيروت قصفا لم يشهد له العالم مثيلا على أحياء مدنية مليئة بالسكان كانت محادثات السلام بين اسرائيل ومصر تسير على قدم وساق في منتجع كامب ديفيد في الولايات المتحدة الأميركية. ويبدو بأن الرئيس الأسد كان يريد الهاء العالم عما يجري في الولايات المتحدة بقصفه الأحياء السكنية من بيروت. ولكن بالرغم من كل ما كان يجري في بيروت توصل الجانبان المصري والاسرائيلي برعاية الولايات المتحدة للتوقيع على اتفاقية بالبنود العريضة حول السلام بين مصر وإسرائيل في السابع عشر من أيلول 1978 أي قبل أقل من شهر من اتخاذ مجلس الأمن القرار 436 القاضي بوقف العمليات العسكرية السورية في المناطق الشرقية والاعتراف بخروجها من تحت سلطة سوريا. أما في الجنوب فقد بدأ الفلسطينيون بمحاولات جديدة لقضم مناطق تحت سلطة الأمم المتحدة التي كانت تخلت لهم عن جيب صور والمنطقة التي كان الفرنسيون يحاولون التمركز فيها بين الزهراني والقاسمية. وإذا بهم ينتشرون في مثلث محرونا – قانا – جويا حيث يواجهون قوات الأمم المتحدة التي تتخلى لهم عن السيطرة على هذه المنطقة ايضا، ومنذ ذلك الحين أطلق عليها تسمية “المثلث الحديدي”. وفي بداية 1979 كانت المنظمات تحاول تنظيم وجودها داخل منطقة عمل القوات الدولية والسيطرة على القرى المحازية للمنطقة الحدودية لمنع اتصال السكان بالجيش اللبناني فيها أو العمل مع قوات الطوارئ الدولية. ومنذ منتصف السنة بدأت تقوم بعمليات زراعة الغام على طرق المراكز التابعة لجيش لبنان الحر. كانت هذه العمليات التي تقوم بها مجموعات لا تتعدى الثلاثة عناصر لا تشكل أعمالا عسكرية مهمة إلا أنها بالنسبة لجنود جيش لبنان الحر كانت مشكلة قد تؤدي إلى إصابة البعض منهم وحتى استشهاد البعض الآخر. ولكن هذه العمليات لم تكن تستدعي اي تدخل من قبل عناصر الأمم المتحدة أو انتباه اسرائيل كونها لم تصل إلى الحدود، ومن هنا فقد استبدل عرفات مقاومته وعملياتهم ضد “العدو الصهيوني” بحرب استنزاف لأهالي المنطقة الحدودية الذين يحاولون حماية بيوتهم وأرزاقهم واستمرار الحياة في منطقة فرض هو وأعوانه عليها أن تكون محاصرة ومتأهبة طيلة الوقت. هذه الأعمال وترت الأجواء، ويوم طلب الوزير شعيتو ابن الطيري ادخال بلدته ضمن نطاق عمليات الأمم المتحدة، إدى هذا التصرف إلى مشكلة بين جيش لبنان الحر والقوات الدولية. ومن جهة ثانية أصبح حرش الطيري، وهو منطقة كثيفة من اشجار السنديان، مجال عبور وتسلل سهل للمنظمات، عرقلت الحياة الهادئة في المنطقة المقابلة. من هنا كان تشديد الرائد شدياق على بقاء الطيري تحت اشراف جيش لبنان الحر، ما دعى الأهالي إلى تجنيد فرقة من الأنصار عملت مع جيش لبنان الحر. ولكن تعنت الوزير شعيتو، الذي لم يكن يقدّر خطورة الموضوع، جعل من الطيري نقطة تأزّم زادت من معاناة الأهالي والجيش على حد سواء، بسبب التسلل الدائم لعناصر المنظمات لتسجيل نقاط بغنى عنها. وقد بقيت هذه المناوشات وذيولها تتطور حتى سنة 1981 حيث، وبعد عملية راح ضحيتها أحد ابناء الناقورة على الطريق إلى موقع رشاف، اضطر جيش لبنان الحر للقيام باحتلال موقع شقيف النمل الذي يشرف على حداثا ومداخل حرش الطيري ويمنع التسلل، ما اعتبرته قوات الطواريء، التي لم تكن تقوم بمنع التسلل عبر منطقتها، خرقا من قبل الجيش لحدود المنطقة. مع أن هذه القوات لم تعد تقوم بواجباتها، كون ضباط الأرتباط من قبل الدولة اللبنانية والمنظمات طلبوا عدم التعرض للمتسللين الفلسطينيين خوفا من ردات الفعل، والتوقف عن القيام بكمائن ودوريات لضبط التسلل. وهكذا أصبحت هذه القوات شاهد زور على تفاقم الوضع بحيث كانت عندما توقف عناصر متسللة تسلمها إلى ضابط الأرتباط في صور والذي يطلق سراحها بدون اية أسئلة. ولذا فقد اعتمد هؤلاء المسلحين تسليم أنفسهم لقوات الطوارئ فور انتهائهم من القيام بعملية زرع الألغام لينقلوا بآلياتها إلى صور حيث يطلق سراحهم مع أسلحتهم. هذا التصرف من قبل القوات الدولية جعل مهمتها أصعب، فقد زادت عمليات المنظمات وزاد رد الفعل عليها، وبالتالي، وعندما شعرت سوريا بأن اتفاقات كمب ديفيد تسير على قدم وساق، حاولت خلق جو من التوتر، كونها تقود ما تسميه “جبهة الصمود والتصدي”، بأن سمحت للمنظمات باطلاق القذائف والصواريخ، ليس فقط باتجاه المنطقة الحدودية، وإنما أيضا باتجاه الأراضي الاسرائيلية، ما استدعى ردات فعل اسرائيلية بحسب كبر الهجوم. فعندما كانت الصواريخ تسقط على مدن مثل كريات شمونة أو نهاريا كانت ردة الفعل الاسرائيلية قصف بالطيران على مراكز للفلسطينيين في جنوب لبنان حيث تقوم قيامة الاعلام بانتهاكات اسرائيل وقصفها للآمنين، بينما لم يكن هذا هو الواقع لأن كل ردات الفعل الاسرائيلية كانت على اعتداءات فلسطينية عبر الحدود. وقد تطورت حدة القصف والقصف المضاد، فطالما لم يؤثر الرد الاسرائيلي فعليا على عناصر المنظمات فهؤلاء لا يهتمون بالمدنيين اللبنانين ولا الفلسطينيين، ولا يهمهم سوى تسجيل نقاط اعلامية تثبت وجودهم ونظرية الصمود التي تقودها سوريا. من هنا وبعد عملية زحلة التي قامت بها القوات اللبنانية والتي حركت الراي العام العالمي، وأضطرت سوريا فيها للتنازل، وبالرغم من عدم تدخل اسرائيل فيها، إلا بعد انتهاء المعارك حيث قصف الطيران الاسرائيلي مروحية سورية كإشارة على أننا قادرون لو أردنا التدخل، ولاعادة العمل بالخطوط الحمر التي تمنع على السوريين استعمال الطيران، قامت سوريا بتصعيد الموقف، خاصة عندما قصفت اسرائيل بعض الجسور في الجنوب كرد على عنف الصواريخ والقذائف التي أصبح يطلقها الفلسطينيون بدون اي اعتبار للقوات الدولية ولا حساب لراي وسلطة لدولة اللبنانية التي لا تقوم باي مبادرة سوى تكرار مقولة سوريا وعرفات، قامت سوريا بادخال بطاريات صواريخ سام 6 المضاد للطائرات لردع الطيران الاسرائيلي ومنعه من التحليق فوق لبنان.
أزمة الصواريخ السورية عندما نصب السوريون صواريخ سام 6 في البقاع اللبناني والتي يغطي مداها كامل الأراضي اللبنانية توقف الطيران الاسرائيلي عن التحليق فوق لبنان وزاد الفلسطينيون من اعتداءاتهم التي صارت اسرائيل ترد عليها بالقصف المضاد بقذائف المدفعية. وعندما شعر الفلسطينيون بأن الطيران الاسرائيلي لم يعد قادر على التحليق فوق لبنان خوفا من الصواريخ، قاموا بنصب بطاريات مدفعية ميدانية ثابتة في منطقة عمل الأمم المتحدة حول قرية القليلة جنوب صور وفي أماكن أخرى قرب النبطية دون التخلي عن دور الصواريخ المتنقلة. وكانت هذه المدفعية تطلق قذائفها بدون سابق انذار أو سبب على المنطقة الحدودية وعلى القرى الاسرائيلية، وأحيانا على المدن القريبة من الحدود. وكان الرد الاسرائيلي يقتصر على قصف مضاد. ولكن خلال هذا الوضع المستجد من الشلل الذي أصاب سلاح الجو الاسرائيلي كانت طائرات الاستطلاع بدون طيار تقوم بطلعاتها يوميا وتجوب سماء الجنوب. وكانت الصواريخ السورية تطلق حتى على هذه الطائرات أحيانا. بالطبع زاد السوريون من عنجهيتهم كونهم استطاعوا منع إسرائيل من استعمال طيرانها للرد على قصف جماعة عرفات، وبالتالي اعتقدوا بأنهم لا بد منتصرون، فقوة اسرائيل هي بطيرانها، وإذا ما استطعنا شل هذه القدرة، فإن “رجال المقاومة الفلسطينية” وقوات الجيش السوري كفيلة، ليس فقط بمنع اسرائيل من الرد على الهجمات، إنما بتحرير “الأرض السليب”. قامت الولايات المتحدة باتصالات مع السوريين حول موضوع الصواريخ كونه تصرّف غير مقبول ويخرق الخطوط الحمر الموضوعة. ولكن السوريين أصروا على أنهم لن يرتدعوا وأنه على اسرائيل أن توقف طلعاتها الجوية فوق لبنان، وهذا حقهم فهم مسؤولون عن الأمن في لبنان وحماية المقاومة من واجباتهم. في هذا الوقت عاشت المنطقة الحدودية وسكان المناطق الاسرائيلية القريبة من الحدود أياما قاسية قصفت فيها هذه المناطق بشكل يومي ولكن بقصد الاقلاق أكثر منه بقصد الاصابات المباشرة، خوفا من الردود من جهة، ولكي يصبح القصف موضوعا طبيعيا من حق قوات عرفات أن تقوم به ساعة تشاء. وقد اكتفت قوات الأمم المتحدة بتسجيل عدد القذائف في تقاريرها إلى قيادتها في نيويورك. وكان الناطق الرسمي باسم قوات اليونيفيل هذه تيمور غوكسيل التركي الجنسية يحاول دوما التخفيف من أهمية ونتائج القصف الفلسطيني واعطاءه التبريرات التي تقدمها المنظمات الفلسطينية. في هذه الأثناء كان الاتصال بحركة أمل جاري بشكل مستمر، فقد كان حيدر الدايخ مسؤول أمل في بلدة جويا قد هرب من محاولة الفلسطينيين خطفه والتجأ إلى بنت جبيل حيث استقبله جيش لبنان الحر وأعطاه الاحترام اللائق وصفة الحليف. وكان يسهم بمساعدة حركة أمل في القرى الجنوبية وحتى تزويد عناصرها بالسلاح والذخيرة الذي يمده به جيش لبنان الحر لحمايتهم وجمهور الحركة من اعتداءات الفلسطينيين. من هنا ويوم دخلت إسرائيل إلى جنوب لبنان في عملية “سلامة الجليل” كانت عناصر حركة أمل تعتبر عناصر موالية وبعض مراكزها مراكز حليفة لجيش لبنان الحر. ولم يكن لدى الشيعة الجنوبيين ما عدا الحزبيين الذين يتبعون للمنظمات أي مشكل بالنسبة لدخول المنطقة الحدودية. وكانت كل القرى الواقعة داخل هذه المنطقة الحدودية تسهم في حمايتها إن بواسطة الحرس الوطني أو بالتطوع بجيش لبنان الحر. وكان تجار المنطقة الذين يزودونها بالبضائع، أغلبهم من القرى الشيعية وأقارب لمسؤولين سياسيين ودينيين أحيانا، يؤيدون مواقف سكان المنطقة الحدودية بدون الاعلان عنها بالطبع خوفا من السوريين والفلسطينيين. كما كان هؤلاء التجار ينقلون بعض البضائع القادمة من اسرائيل إلى الجانب الآخر أحيانا لكونها مطلوبة وسعرها مقبول. قام جيش لبنان الحر بين سنوات 1978 و1981 محل الدولة اللبنانية بتأمين حدود اسرائيل ومنع الاعتداء عليها وبالتالي ضبط موضوع قيامها باي ردات فعل ضد القرى في الجانب الآخر ما يمكن اعتباره عودة للعمل باتفاقية الهدنة أي فترة الهدوء التي سبقت اتفاق القاهرة، وذلك لقيام بعض الضباط الاسرائيليين التابعين لوحدة “آدال” بالتنسيق مع الجيش حول كافة الأمور واعتباره قوات لبنانية مسؤولة عن المنطقة تقوم بواجبها ومنع الاعتداءات عير الحدود بالنيابة عن الدولة اللبنانية، ومن هنا فقد اعتبرت هذه قوات صديقة لا بل حليفة في أغلب الأحيان. لكن العلاقات بين المنطقة الجنوبية الحرة والمناطق الشرقية المحررة في الشمال لم تكن دائما سهلة، أولا بسبب وجود قوات الردع العربية ومحاولة المسيحيين في المناطق الشرقية الابتعاد عن البوح بشكل علني وواضح عن علاقاتهم بأسرائيل، خوفا من غضب الدول العربية كما كانوا يهمسون، ولكن هذا القرار كان صادر فقط من القوات السورية وناتج كما قلنا عن خوف الأسد من قيام تحالف علني بين لبنان وأسرائيل، أو أقله عملية تفاهم تجر إلى الالتحاق بالقطار المصري لبناء السلام، والذي يُفقده الدور الذي اخترعه بانشاء جبهة الصمود والتصدي. من هنا كان الشيخ بشير مثلا، والذي يشتري السلاح ويدرب العناصر وينسق الكثير من العمليات مع الاسرائيليين، يمتنع عن الاشارة بوجود هكذا علاقة، ما جرّ إلى التظاهر بمعادات قيادة لبنان الحر ونشر نوع من التآويل على خلاف مع الرائد حداد. ولكن في واقع الحال كانت القوات اللبنانية تتدرب وتتجهز وتتعاون بشكل كامل مع الدولة العبرية لما فيه مصلحة المناطق الحرة والدفاع عنها، والتي عانت من السوريين والفلسطينيين الكثير من الجور والعنف ومسلسل القتل والتهجير وسلب السلطة والتحكم بمصير البلد، بينما كان رئيس الوزراء الاسرائيلي منحيم بيغن قد أعلن في إحدى المناسبات حيث كانت تقصف المناطق الشرقية “بأن اسرائيل لن تقبل بأن تتم ابادة المسيحيين في لبنان كما كانت جرت محاولة ابادة الشعب اليهودي في المانيا النازية وأن ضمير اسرائيل وشرفها على المحك”.
عملية سلامة الجليل في الخامس من حزيران سنة 1982 وبعد عملية جرت في باريس قتل من جرائها ديبلوماسي اسرائيلي، قام جيش الدفاع الاسرائيلي بشن ما سمي بعملية “سلامة الجليل” التي كان مخططا لها أن تصل إلى جسر الأولي شمال مدينة صيدا، وتقوم بتنظيف المنطقة من قواعد “المخربين” الفلسطينيين، وتفرض على الدولة اللبنانية انهاء الوجود الفلسطيني المسلح ومنع قيادات المنظمات من التواجد والتخطيط لعمليات داخل أو خارج لبنان ضد اسرائيل قبل خروجها من لبنان. بدأت العملية بدون غطاء جوي وقد دخلت القوات الاسرائيلية عبر الخط الساحلي باتجاه صور ومخيماتها وخط مرجعيون – النبطية باتجاه صيدا ومخيماتها. في اليوم الأول حوصر مخيم الرشيدية وفي اليوم الثاني تقدمت قوة باتجاه مدخل صور عند البص حيث جرت معركة عنيفة انتهت بعدها مقاومة الفلسطينيين ووقع قادة المنطقة بيد الجيش الاسرائيلي. ومن ثم أكملت القوات انتشارها باتجاه الزهراني بينما كانت القوة التي دخلت من مرجعيون النبطية أكملت باتجاه صيدا بعد الانتهاء من مقاومة مخيم النبطية وبدأت بتطويق مخيمي عين الحلوة والمية ومية. في اليوم الثالث دخلت قوة باتجاه جبل الريحان فاشتبكت مع القوات السورية المرابطة في العيشية والتي أخلت مواقعها وآلياتها وفر جنودها بين الأحراش. وتابعت تقدمها باتجاه جزين، وهنا قد يكون الرئيس الأسد علم بأن المخطط أن لا تتجاوز القوات الأسرائيلية خط الأولي، فأمر قواته بالصمود في مواقعها في الشوف لكي يحقق نصرا كلاميا بأنه لم يهرب أمام القوات الاسرائيلية. ولكن اصرار شارون على اكمال الهجوم وانهاء المشكل كليا، وموافقة بيغن على العملية، جعل الجنرال هيغ وزير الخارجية الأميركي، وهو كان قائد حلف شمال الأطلسي قبل تسلمه مهام وزارة الخارجية، يوافق على المضي بها، ما جعل السوريين يقعون في الفخ، لأن أمر الصمود كان قد صدر. وهنا بدأت عملية دخول الطيران الاسرائيلي إلى المعركة حيث حاول السوريون استعمال صواريخ السام 6 السوفياتية. ولكنهم فوجئوا بأن الطائرات الاسرائلية لم تهرب منها ولكنها أعادت تلك الصواريخ لتنفجر في قواعدها. ويقال بأن كل الطائرات بدون طيار التي اسقطها السوريون قبل ذلك كانت تدرس وترسل ذبذبات الرادارات والأوامر التي توجه تلك الصواريخ وأن الاسرائيليين تمكنوا في النهاية من السيطرة عليها، وهكذا دمرت كافة قواعد الصواريخ المضادة للطائرات والتي كان الأسد يعتقد بأنها سوف تعينه لوقف الاسرائيليين. من هنا أصدر أمرا بالانسحاب من المعركة في جزين ومنطقتها. ولكن الاسرائيليين أكملوا الهجوم باتجاه الشوف، فتلبك السوريون وحاولوا الانسحاب عشوائيا، وهنا أرسل الرئيس الأسد طائراته لمساندة قواته الأرضية. فكانت تلك المعركة الشهيرة التي أسقطت فيها كل الطائرات السورية التي انطلقت من مطاراتها فخسر السوريون 85 طائرة انهت اسطولهم الجوي في يوم واحد. وقد تكبد الجيش السوري الذي ترك آلياته ومدرعاته ومدافعه وهرب تائها على وجهه. ووصل الاسرائيليون إلى ابواب بيروت. وهنا تدخلت الدول الكبرى والأمم المتحدة لوقف القتال، وكان مطلب الاسرائيليين خروج الجيش السوري من بيروت بالاضافة لخروج كافة القوات الفلسطينية من لبنان بمواكبة قوات متعددة الجنسية أنزلت في مرفأ بيروت من أجل الاشراف على هذا الانسحاب. في هذه المرحلة قامت القوات اللبنانية، التي أعتبرت قوات حليفة، بالانتشار في بعض الأماكن لتسهيل مرور السكان ومنع الاشكالات التي قد تحصل مع الاسرائيليين. وهكذا فقد طلب الاسرائيليون من الشيخ بشير الجميل أن تدخل قواته أو قوات الجيش اللبناني إلى المنطقة الغربية للتأكد من خروج كافة المقاتلين الفلسطينيين. ولكن الشيخ بشير على ما يبدو، وقد كان بدأ يحلم بكرسي الرئاسة، رفض دخول القوات اللبنانية إلى بيروت الغربية خوفا من الانتقامات التي قد تحصل، وفي نفس الوقت طلب عدم دخول الاسرائيليين اليها ريثما يتم انتخابه رئيسا للجمهورية حيث سيأمر الجيش بالتأكد من ذلك، ما لم يستوعبه الاسرائيليون ولكنهم قبلوا به على مضض. عرف لبنان في تلك الفترة عرسا جماهيريا كبيرا إذ تم التخلص في نفس الوقت من عرفات وجماعته الذين لم يكن أحد يحلم بأنهم سوف يغادرون لبنان نهائيا، ومن ثم تكبد السوريين خسائر فادحة قال عنها الرئيس الحسيني بأنها بلغت أكثر من ثمانية آلاف قتيلا عدى عن اسطولهم الجوي وصواريخهم المضادة للطائرات وعتادهم الذي تركوه أو دمرته الطائرات الاسرائيلية. ويقول الرئيس بري بأن سوريا خسرت أكثر من عشرة آلاف قتيل في هذه المعركة وقد تم وضع الجثث بأكياس النايلون على جانبي طريق الشام كمقدمة لنقلهم إلى البرادات لتوزّع لاحقا وبهدوء على العائلات السورية لأن الحزب الحاكم وقائده خافوا من ثورة السوريين بعد كل تلك الخسائر الفادحة بدون سبب. وقد فتحت الطرق بين بيروت والمنطقة الحدودية وتمركز الاسرائيليون في السلطان يعقوب شرقا فوق معبر المصنع ومنه إلى كافة المناطق، من البقاع الغربي إلى جبال الباروك وقرى الشوف حتى المديرج نزولا إلى بعبدا والحدث في المنطقة الشرقية. في هذه الأثناء فتحت اسرائيل ابوابها للبنانيين الراغبين بالدخول إليها بسياراتهم عبر بوابات الناقورة والمطلة بقصد السياحة والترفيه أو زيارة الأماكن المقدسة. وسيّرت شركة باصات “أيغيد” الاسرائيلية رحلات منظمة بين مدينة صيدا وتل أفيف، وخاصة مطار بنغوريون، الذي شهد ضغطا كبيرا من اللبنانين المسافرين عبره ذهابا وايابا. وكان الاسرائيليون متحمسون جدا للدخول إلى لبنان كسواح مدنيين ليشاركوا اللبنانيين طريقة عيشهم التي سمعوا عنها الكثير ويسهموا باعادة البلد إلى سابق عهده. وقد سجلت بوابات العبور من لبنان إلى اسرائيل في تلك الفترة عبور أكثر من سبعمئة ألف لبناني إلى اسرائيل. وقد تم التئام مجلس النواب اللبناني برئاسة كامل بيك الأسعد في المدرسة الحربية بالفياضية انتخب على اثره الشيخ بشير الجميل رئيسا للجمهورية اللبنانية على أن يتسلم مهامه في أخر أيلول من السنة نفسها 1982. كانت القيادة السعودية، والتي تفهّمت أخيرا معاناة اللبنانيين، طلبت الاجتماع بالشيخ بشير للتعرف على طموحاته الرئاسية قبل الانتخابات، ولكنها لم تشترط أي خطوات محددة ولا هي ناقشت تفاصيل مشروعه، وكل ما رشح عن زيارته تلك بأن السعوديين تفهموا وضع لبنان. وكان بشير واضحا في طرحه لموضوع التخلص من المسلحين واسباب الصراع في لبنان والذي أساسه السلاح الفلسطيني. بعد انتخاب بشير وخروج القوات المتعددة الجنسية دخل الاسرائيليون إلى بيروت الغربية للتاكد من خروج قوات عرفات وأسلحتها الثقيلة بعلم الدولة اللبنانية التي واكبت عناصر الأمن فيها انتشار الاسرائيليين بدون تدخل مباشر. إذا كل ما قيل عن خلاف في وجهات النظر بين تمنيات الاسرائيليين وطروحات الشيخ بشير الرئيس المنتخب لم تكن دقيقة، وجل ما فيها تصورات مسبقة وتحليلات من طاقم الخنوع الذي تمرّس على الخضوع للسوريين والتعامل معهم كالاسياد مقابل بعض الخدمات التي يسمحون بها. ومن هنا فقد كان عند هذه الطبقة من السياسيين التقليديين والجبناء تخوّف من وصول بشير واتخاذه خطوات جريئة خاصة فيما يتعلق بالموضوع الاسرائيلي.
الصور في اسفل/توقيع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل/الدبابات الإسرائيلية تدخل لبنان وتحاصر بيروت