شارل الياس شرتوني/السياسة الانقلابية وأدواتها

87

السياسة الانقلابية وأدواتها
شارل الياس شرتوني/23 حزيران/2021

التصريحات الأخيرة لجبران باسيل فاقعة بدلالاتها لجهة تبعيته لحزب الله، وصورة عما آلت اليه الحياة السياسية في لبنان، مسرح ظلال تحركه الفاشيات الشيعية على وقع حساباتها وأولويات السياسة الانقلابية التي تديرها. لقد أفرغت الحياة المؤسسية في لبنان من مضامينها الدستورية والديموقراطية والمدنية، لحساب صراعات قوى متفلتة بنيت واستثمرت على خط التواصل بين اوليغارشيات الداخل وسياسات النفوذ الإقليمية، التي جعلت من لبنان مساحة لنزاعات بديلة ومشاريع انقلابية تطاول الخارج والداخل. إن أي نقاش حول عمل المؤسسات يبقى فارغ المضمون ومضلا، إن لم يترافق مع مقاربة سياسية شاملة تظهر الديناميكيات الانقلابية، وواقع الانقسامات السياسية النافذة على كل المستويات، والمقاطعات السلطوية العائدة لكل من أقطاب الطبقة السياسية المهيمنة، الأمر الذي حول الدولة اللبنانية الى مؤسسة صورية تعمل على وقع سياسات النفوذ القابضة على مفاصل القرار السياسي والمالي والاقتصادي في البلاد. لقد دمرت دولة القانون وأسس الحكم الدستوري منذ بداية التسعينات لحساب ائتلافات اوليغارشية متبدلة تحكمها وصايات إقليمية متنوعة، وتسويات متسكعة بين محاور النفوذ الاقليمية العاملة في تضاعيف النسيج السياسي على إختلاف حبكاته.

أداء ميشال عون وصهره يندرج ضمن سياق ملازم لجمهورية الطائف، التسليم الارادي والمصلحي بواقع السيادة المحدودة والمعطلة والاستنسابية وتمويهها بشعارات شعبوية مضللة، مقابل المشاركة في توزع الريوع بين أطراف الاوليغارشية القائمة، والانخراط في سياسات المحاور بتخريجاتها المحلية والاقليمية. خرج تحالف ميشال عون مع حزب الله من الندية الى التبعية وظهر ارتباطه مع السياسة الايرانية، كما قال لي سنة ٢٠٠٣ “إيران هي القوة القادمة في المنطقة وأنا حليفها”. لقد تبين أن ميشال عون لا يرقى في علاقته عمن سبقه من رؤساء الطائف (الياس الهراوي ، اميل لحود، ميشال سليمان) لا كرامة ولا لناحية الحيثية السياسية، لقد سقط أخلاقيا قبل ان يسقط سياسيا. إن قصوره العقلي والسلوكي الحالي قد أدغم بانتهازيته وبالتصورات الكاذبة عن نفسه، وفتح الطريق لجبران باسيل، كلاعب سياسي لا مبدأ له ولا أخلاق ولا معرفة بالاشكاليات السياسية اللبنانية التاريخية، مستعد لكل المقايضات المعنوية والسياسية مقابل المحاصصات الريعية، والطموحات الرئاسية في بلد يشهد التبدد المنهجي لمقوماته الجيوپوليتيكية، والسيادية، والمعنوية، بفعل سياسات الهدم وتفكيك أوصال ما تبقى لهذه الجمهورية المتداعية منذ ستة عقود. إن الوقاحة التي أفصح عنها عندما فوض حسن نصرالله شأن الدفاع عما أسماه صلاحيات المسيحيين الدستورية، وأعلن عداءه تجاه المرجعيات الكنسية والتيارات السيادية العاملة في الأوساط المسيحية، لم تنأى بشيء عما قام به ميشال عون، عندما محضه بشار الاسد لقب زعيم المسيحية المشرقية. عون وباسيل ليسا إلا صورة من الصور البائسة لما وصلت اليه السياسة اللبنانية، وبالتالي إن انكشاف أدائهم هو عبء يزاح عن كاهل المسيحيين الذين استثمروا كغطاءات للمصالح العائلية والسياسة الانقلابية التي اكتملت فصولها مع سيطرة الفاشيات الشيعية على السلطات التشريعية، والاجرائية والقضائية، وتقويض استقلالية المؤسسة العسكرية.

لا بد من وضع حد للرواية الكاذبة التي لفقها ميشال عون وتياره، وإدانة سياساته دون مواربة، ومواجهة التضليل الذي يعمد إليه باسيل دونما تلكؤ، كمدخل أساس لمواجهة السياسة الانقلابية للفاشية الشيعية، على تدرج مكوناتها الإرهابية، والإجرامية، والسياسية، إذا ما أردنا ان نحفظ للبلاد الحد الأدنى من الحيثيات السيادية، في ظل مناخات وممارسات تسعى الى تدمير الكيان الوطني والدولة على حد سواء، وتبديل مرتكزات الاجتماع السياسي التعددي والديموقراطي والليبرالي، لصالح سياسة النفوذ الشيعية التي تديرها ايران على الصعيد الإقليمي. نحن في خضم توجه انقلابي، لا في سياق أزمة سياسية عابرة. إن الاستنكاف عن تأليف حكومة تدير الملفات الحياتية البالغة الخطورة ليس بالأمر العارض، إنه أداء يستهدف استقرار البلاد على كل المستويات، وتوازناتها البنيوية، وقدرتها على معالجة مشاكلها البالغة الخطورة: اعتماد سياسة مالية ونقدية تساعد على إعادة انطلاق المبادرات الاقتصادية على أسس تداخلية ومتوازنة بين القطاعات، دخول ديناميكيات العولمة من زاوية تقسيم العمل الخاص بالاقتصاد المعلوماتي وتطبيقاته في كل المجالات الانتاجية، تثبيت الاستقرار المالي والنقدي عبر اعادة هيكلة النظام المصرفي، وسياسة الدولرة، وتحفيز عودة الاستثمارات من الداخل والخارج، من أجل استقامة ميزان المدفوعات، وتزخيم الميزان التجاري، وإعادة المصرف المركزي الى دوره الأساس في مجال إدارة المخاطر المالية وضبط الاداءات المصرفية، عبر إنفاذ مقررات بازل الثلاث، واستعادة الأموال المهربة والمنهوبة على مدى الثلاثين سنة الماضية بناء على التحقيق الجنائي المالي الشامل لكل القطاعات المعنية، ومقاضاة المعنيين بهذه الملفات.

إن الاتكال على استعدادات المنظومة الحاكمة هو ضرب من الوهم، لذا لا بد من الدفع باتجاه تأليف المفكرات الإصلاحية المعارضة كأساس لمواجهة الاوليغارشيات الحاكمة، والخوض في مشروع التدويل كمرتكز من أجل تحرير الحيز السياسي المحلي من إقفالاتها، ومن إحكامات السياسة الانقلابية للفاشيات الشيعية. لا حل دون تدويل الأزمة اللبنانية بأوجهها السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، وحماية الكيان اللبناني من تداعيات السياسات الانقلابية وارتباطها العضوي بالصراعات الاقليمية والفراغات الاستراتيجية المضطردة.